شرح إبن أبي العز
شرح ابن أبي العز بحسب الفقرات المختارة .
1 -
[ والتأويل في كلام المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين: هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الإحتمال المرجوح لدلالة توجب ذلك، وهذا هو التأويل الذي تنازع الناس فيه في كثير من الأمور الخبرية والطلبية . فالتأويل الصحيح منه : الذي يوافق ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وما خالف ذلك فهو التأويل الفاسد، وهذا مبسوط في موضعه، وذكر في التبصرة أن نصير بن يحي البلخي روى عن عمرو بن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة عن محمد بن الحسن رحمهم الله: أنه سئل عن الآيات والأخبار التي فيها من صفات الله تعالى ما يؤدي ظاهره إلى التشبيه ؟ فقال: نمرها كما جاءت، ونؤمن بها، ولا نقول : كيف وكيف، ويجب أن يعلم أن المعنى الفاسد الكفري ليس هو ظاهر النص ولا مقتضاه، وأن من فهم ذلك منه فهو لقصور فهمه ونقص علمه، وإذا كان قد قيل في قول بعض الناس :
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً وآفتهُ مِنْ الفهم السّقيمِ
وقيـــل:
عليَّ نحت القوافي من أمكانها وما عليَّ إذا لم تفهم البقر
فكيف يقال في قول الله، الذي هو أصدق الكلام وأحسن الحديث وهو الكتاب الذي ((أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)) [هود:1] إن حقيقة قولهم: إن ظاهر القرآن والحديث هو الكفر والضلال، وإنه ليس فيه بيان ما يصلح من الاعتقاد، ولا فيه بيان التوحيد والتنزيه !! هذا حقيقة قول المتأولين والحق أن ما دل عليه القرآن فهو حق، وما كان باطلاً لم يدل عليه . والمنازعون يدعون دلالته على الباطل الذي يتعين صرفه ! فيقال لهم : هذا الباب الذي فتحتموه، وإن كنتم تزعمون أنكم تنتصرون به على إخوانكم المؤمنين في مواضع قليلة حقيقة: فقد فتحتم عليكم باباً لأنواع المشركين والمبتدعين، لا تقدرون على سده، فإنكم إذا سوغتم صرف القرآن عن دلالته المفهومة بغير دليل شرعي، فما الضابط فيما يسوغ تأويله وما لا يسوغ؟ فإن قلتم : ما دل القاطع العقلي على استحالته تأولناه، وإلا أقررناه ! قيل لكم وبأي عقل نزن القاطع العقلي ؟ فإن القرمطي الباطني يزعم قيام القواطع على بطلان ظواهر الشرع! ويزعم الفيلسوف قيام القواطع على بطلان حشر الأجساد، و يزعم المعتزلي قيام القواطع على امتناع رؤية الله تعالى، وعلى امتناع قيام علم أو كلام أو رحمة به تعالى !! وباب التأويلات التي يدعي أصحابها وجوبها بالمعقولات أعظمُ من أن تنحصر في هذا المقام، ويلزم حنيئذٍ محذوران عظيمان : أحدهما : أن لا نقر بشيء من معاني الكتاب والسنة حتى نبحث قبل ذلك بحوثاً طويلة عريضة في إمكان ذلك بالعقل، وكل طائفة من المختلفين في الكتاب، يدعون أن العقل يدل على ما ذهبوا إليه، فيؤول الأمر إلى الحيرة.
المحذور الثاني: أن القلوب تنحل عن الجزم بشيء تعتقده مما أخبر به الرسول، إذ لا يوثق بأن الظاهر هو المراد والتأويلات مضطربة، فيلزم عزل الكتاب والسنة عن الدلالة والإرشاد إلى ما أنبأ الله به العباد، وخاصة النبي هي الإنباء، والقرآن هو النبأ العظيم، ولهذا نجد أهل التأويل إنما يذكرون نصوص الكتاب والسنة للاعتضاد لا للاعتماد، إن وافقت ما ادعوا أن العقل دل عليه، وإن خالفته أولوه! وهذا فتح باب الزندقة والانحلال، نسأل الله العافية.
[ قوله: "ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه".
النفي والتشبيه مرضان من أمراض القلوب، فإن أمراض القلوب نوعان: مرض شبهة، ومرض شهوة، وكلاهما مذكور في القرآن قال الله تعالى: (( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )) [الأحزاب:32]، فهذا مرض الشهوة، وقال تعالى: (( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً )) [البقرة:10] وقال تعالى: (( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ )) [التوبة:125]، فهذا مرض الشبهة، وهو أرادأ من مرض الشهوة، إذ مرض الشهوة يرجى له الشفاء بقضاء الشهوة، ومرض الشبهة لا شفاء له إن لم يتداركه الله برحمته. والشبهة التي في مسألة الصفات نفيها وتشبيهها ، وشبهة النفي أرادأ من شبهة التشبيه، فإن شبهة النفي رد وتكذيب لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وشبهة التشبيه غلو ومجاوزة للحد في ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وتشبيه الله بخلقه كفر فإن الله تعالى يقول: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) [الشورى:11] ونفي الصفات كفر، فإن الله تعالى يقول: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) [الشورى:11] وهذا أحد نوعي التشبيه، فإن التشبيه نوعان: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهذا الذي يتعب أهل الكلام في رده وإبطاله، وأهله في الناس أقل من النوع الثاني الذين هم أهل تشبيه المخلوق بالخالق، كعباد المسيح، وعزير والشمس والقمر، والأصنام، والملائكة، والنار ، والماء، والعجل والقبور والجن وغير ذلك، وهؤلاء هم الذين أرسلت لهم الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له .
[...قوله: "فإن ربنا
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..