شرح إبن أبي العز
شرح ابن أبي العز بحسب الفقرات المختارة .
1 -
قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:
[ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلى شيء، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير] .
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[ذلك إشارة إلى ثبوت صفاته في الأزل قبل خلقه، والكلام على (كل) وشمولها -وشمول (كل) في كل مقام بحسب ما يحتف به من القرائن- يأتي في مسألة الكلام إن شاء الله تعالى.
وقد حرّفت المعتزلة المعنى المفهوم من قوله تعالى: ((وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [البقرة:284] ، فقالوا: إنه قادر على كل ما هو مقدور له، وأما نفس أفعال العباد، فلا يقدر عليها عندهم. وتنازعوا: هل يقدر على مثلها أم لا؟! و لو كان المعنى على ما قالوا لكان هذا بمنزلة أن يقال: هو عالم بكل ما يعلمه، وخالق لكل ما يخلقه، ونحو ذلك من العبارات التي لا فائدة فيها، فسلبوا صفة كمال قدرته على كل شيء .
وأما أهل السنة، فعندهم أن الله على كل شيء قدير، وكل ممكن فهو مندرج في هذا، وأما المحال لذاته. مثل كون الشيء الواحد موجوداً معدوماً في حال واحدة، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، ولا يسمى شيئاً باتفاق العقلاء، ومن هذا الباب خلق مثل نفسه، و إعدام نفسه، وأمثال ذلك من المحال.
وهذا الأصل هو الإيمان بربوبيته العامة التامة، فإنه لا يؤمن بأنه رب كل شيء إلا من آمن أنه قادر على تلك الأشياء، ولا يؤمن بتمام ربوبيته وكمالها إلا من آمن بأنه على كل شيء قدير ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
2 -
[وإنما تنازعوا في المعدوم الممكن: هل هو شيء أم لا ؟ والتحقيق: أن المعدوم ليس بشيء في الخارج، ولكن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون، ويكتبه، وقد يذكره ويخبر به، كقوله تعالى: ((إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)) [الحج: 1] فيكون شيئاً في العلم والذكر والكتاب، لا في الخارج، كما قال تعالى: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) [يس:82] ، وقال تعالى: ((وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)) [مريم:9] ، أي: لم تكن شيئاً في الخارج، وإن كان شيئاً في علمه تعالى، وقال تعالى: ((هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)) [الدهر:1] ]
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
3 -
[ قوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] رد على المشبهة وقوله تعالى: ((وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) [الشورى: 11] رد على المعطلة، فهو سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وليس له فيها شبيه، فالمخلوق وإن كان يوصف بأنه سميع بصير، فليس سمعه وبصره كسمع الرب وبصره، ولا يلزم من إثبات الصفة تشبيه، إذ صفات المخلوق كما يليق به، وصفات الخالق كما يليق به .
ولا تنف عن الله ما وصف به نفسه، وما وصفه به أعرف الخلق بربه وما يجب له وما يمتنع عليه، وأنصحهم لأمته وأفصحهم وأقدرهم على البيان؛ فإنك إن نفيت شيئاً من ذلك كنت كافراً بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا وصفته بما وصف به نفسه، فلا تشبهه بخلقه، فليس كمثله شيء. فإذا شبهته بخلقه، كنت كافراً به .
قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، ولا ما وصفه به رسوله تشبيهاً.
وسيأتي في كلام الشيخ الطحاوي رحمه الله: [ ومن لم يَتَوَقَّ النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
4 -
[ وقد وصف الله تعالى نفسه بأن له المثل الأعلى، فقال تعالى: ((لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى)) [النحل:60]، و قال تعالى: ((وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم))ُ [الروم:27]، فجعل سبحانه وتعالى مثل السوء -المتضمن للعيوب والنقائص وسلب الكمال ـ لأعدائه المشركين وأوثانهم، وأخبر أن المثل الأعلى- المتضمن لإثبات الكمال كله ـ لله وحده .
فمن سلب صفات الكمال عن الله تعالى، فقد جعل له مثل السوء، ونفى عنه ما وصف به نفسه من المثل الأعلى، وهو الكمال المطلق المتضمن للأمور الوجودية والمعاني الثبوتية، التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كان بها أكمل وأعلى من غيره .
ولما كانت صفات الرب تعالى أكثر وأكمل، كان له المثل الأعلى، وكان أحق به من كل ما سواه؛ بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى المطلق اثنان، لأنهما إن تكافأا من كل وجه، لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافأا فالموصوف به أحدهما وحده، فيستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
5 -
[ واختلفت عبارات المفسرين في المثل الأعلى، ووفق بين أقوالهم بعض من وفقه الله وهداه، فقال: المثل الأعلى يتضمن: الصفة العليا، وعلم العالمين بها، ووجودها العلمي، والخبر عنها وذكرها، وعبادة الرب تعالى بواسطة العلم والمعرفة القائمة بقلوب عابديه وذاكريه .
فهاهنا أمور أربعة:
الأول: ثبوت الصفات العليا لله سبحانه، سواء علمها العباد أو لا، وهذا معنى قول من فسرها بالصفة .
الثاني: وجودها في العلم والشعور، وهذا معنى قول من قال من السلف والخلف: إنه ما في قلوب عابديه وذاكريه، من معرفته وذكره، ومحبته وإجلاله وتعظيمه، وخوفه ورجائه، والتوكل عليه والإنابة إليه. وهذا الذي في قلوبهم من المثل الأعلى لا يشركه فيه غيره أصلاً، بل يختص به في قلوبهم، كما اختص به في ذاته. وهذا معنى قول من قال من المفسرين: إن معناه: أهل السموات يعظمونه ويحبونه ويعبدونه، وأهل الأرض كذلك، وإن أشرك به من أشرك، وعصاه من عصاه، وجحد صفاته من جحدها، فأهل الأرض معظمون له مجلون، خاضعون لعظمته، مستكينون لعزته وجبروته، قال تعالى: ((وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)) [الروم:26]
الثالث: ذكر صفاته والخبر عنها، وتنزيهها من العيوب والنقائص والتمثيل .
الرابع: محبة الموصوف بها وتوحيده، والإخلاص له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، وكلما كان الإيمان بالصفات أكمل، كان هذا الحب والإخلاص أقوى .
فعبارات السلف كلها تدور على هذه المعاني الأربعة. فمن أضل ممن يعارض بين قوله تعالى: ((وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى)) [الروم:27]، وبين قوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))[الشورى:11] ؟ ويستدل بقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) على نفي الصفات ويعمى عن تمام الآية وهو قوله: ((وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) [الشورى:11] ، حتى أفضى هذا الضلال ببعضهم، وهو أحمد بن أبي دؤاد القاضي. إلى أن أشار على الخليفة المأمون أن يكتب على ستر الكعبة: ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم، حرّف كلام الله لينفي وصفه تعالى بأنه السميع البصير، كما قال الضال الآخر جهم بن صفوان: وددت أني أحك من المصحف قوله تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [الأعراف:54]، فنسأل الله العظيم السميع البصير أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، بمنه وكرمه].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..
6 -
[ وفي إعراب كمثله وجوه ، أحدها أن الكاف صلة زيدت للتأكيد. قال أوس بن حجر:
ليس كمثل الفتى زهير خلق يوازيه في الفضائل.
وقال آخر:
ما إن كمِثْلِهِمُ في الناس من بشر
وقال آخر:
وقَتْلى كمثل جذوع النخيل
فيكون ( مثله ) خبر ( ليس )، واسمها ( شيء) . وهذا وجه قوي حسن ، تعرف العرب معناه في لغتها ، ولا يخفى عنها إذا خوطبت به ، وقد جاء عن العرب أيضاً زيادة الكاف للتأكيد في قول بعضهم :
وصاليات ككما يُؤْثَفَين.
وقول الآخر:
فأصبحت مثلَ كعصف مأكول
الوجه الثاني: أن الزائد مثل أي : ليس كهو شيء ، وهذا القول بعيد ؛ لأن (مثل) اسم ، والقول بزيادة الحرف للتأكيد أولى من القول بزيادة الاسم.
الوجه الثالث: أنه ليس ثم زيادة أصلاً ، بل هذا من باب قولهم : مثلك لا يفعل كذا ، أي : أنت لا تفعله ، وأتى بمثل للمبالغة ، وقالوا في معنى المبالغة هنا : أي : ليس لمثله مثل لو فرض المثل ، فكيف ولا مثل له ، وقيل غير ذلك والأول أظهر ].
اضغط هنا للانتقال إلى شرح الشيخ سفر لهذه الفقرة ..