المادة    
هناك أيضاً جانب آخر: ربما تضعف النفس البشرية, ويضعف الإيمان عندما يجد هذا الحجم الهائل في التغيُّر, ويظن أن المقابل له ضعيف. وأضرب لكم أمثلة:
كان هناك بعض المجلات العربية، وفي جيلنا ونحن في مرحلة الثانوية والكلية كانت مجلة "العربي" أشهر شيء تشتريها الطبقة المثقفة، أو التي فيها نوع من المواكبة للعصر إما بعلمنة أو بغير ذلك.
الشاهد: أنها تقريباً بين كل عدد وآخر تأتي باستطلاع عن بلد، فيأتي فيه -أي: في الاستطلاع- دائماً بصورة امرأة محجبة تلبس اللباس القديم -فليكن في الجزائر أو في موريتانيا أو في مصر أو في الكويت أو في قطر مثلاً- وبجانبها امرأة أو فتاة متبرجة، ويقال: هذا الجيل القديم, وهذا الجيل الجديد.
  1. مواجهة شبهة (حتمية التغيير) و(الغالب والمغلوب)

    وتقريباً هناك ظاهرة متكررة جداً على أساس المبدأ الذي كان يسود في العالم العربي والإسلامي مع الأسف؛ وهي "حتمية التغيير".
    ونحن يجب علينا أن نضرب هذا الصنم بقوة على أم رأسه، أعني: ما يسمى بـ "حتمية التغيير", وحتمية الاندماج، وحتمية الذوبان في الغرب، وحتمية العولمة، أي حتمية من الحتميات هذه يجب أن نتأملها بميزان الكتاب والسنة، وكيف نواجه ما يصوروه حتمية.
    يكفينا الآن لكي نرد على هذه الحتمية أن نأتي بالصورة مقابل الصورة، فهناك الآن مجلات ومواقع وباحثون، وفي صحافة غربية وإعلام غربي؛ يضرب لك مثلاً الآن بالجيل القديم والجيل الجديد -وخاصة في مصر و تركيا- أن الأم هي المتبرجة, والبنت هي المحجبة, الآن وفي هذه السنوات، والأم أشبه ما تكون بعامية أو شبه متعلمة أما البنت فهي شهادة عليا.
    إذاً: نحن نقول: الحتمية الآن أثبتت العكس.. بالنظر على نفس الصورة من محاربة الإسلام؛ أن في بعض البلاد -كـتونس مثلاً- تجد صورة في الشارع بلباس غربي فاضح ومكتوب بجوارها: كوني مثل هؤلاء, وصورة أخرى باللباس التقليدي للبلد مكتوب بجوارها: لا تكوني مثل هؤلاء، والصورة إعلان في الشوارع والأماكن العامة، وغيرها كثير؛ فسياسية تجفيف المنابع تختلف من بلد إلى بلد ومن منطقة إلى أخرى.
    لكن المهم بالرغم من ذلك: أن هناك مقاومة قوية جداً لهذا ولله الحمد والشكر، ففي بلادنا هذه المملكة و اليمن بشكل أخص نجد العكس؛ نجد والحمد لله أن الدعوة وصمودها وقوتها تشبه المعجزات، والذي قد يجادل في هذا ينبغي أن يعلم أن المعجزة في علم الاجتماع وفي الحياة العامة لا تقل عنها في المجال الحسي الذي نعترف نحن جميعاً به، فمثلاً: عندما يواجه زورق صغير تيارات المحيط ويتغلب عليها هذا يعتبر معجزة، ونحن نتكلم فعلاً عن أمة في هذا المحيط الهائج المائج، ولكنها والحمد الله تواجه وتقاوم بكل ضراوة، وتستأنس في هذه المقاومة بما تجده من الرجوع لله تبارك وتعالى، حتى في أقدم المجتمعات التي مورس عليها الضغط الغربي, والاحتكاك بالغرب، كما حدث في تركيا وفي مصر وفي أفغانستان.. وفي بعض الدول التي أصحبت الظاهرة الإسلامية فيها ظاهرة إيجابية مضادة.
    الآن المظاهرات في تركيا لا تخرج المطالبات -بأي شكل من الأشكال كان التعبير عنها- إلا لتطالب بعودة الحجاب, وبإقرار الحجاب، فالصحوة أخذت زمام المبادرة والعودة في وضع صعب جداً للغاية؛ حيث هناك شروط للانضمام للاتحاد الأوربي تعارض ذلك.
    قد ينطق بعض الناس بالواقع -ومهما تحفظنا عليهم- ومن ذلك: ما تكلم به القذافي في مؤتمر القمة, فإنه فعلاً شد انتباه الحاضرين جميعاً عندما قال: نذهب إليهم -أي: إلى الغرب- لنتكلم في التنمية.. وفي التطور.. وفي موضوع أزمة الشرق الأوسط فيكلموننا عن الحجاب والختان.
    فشهادة مثل هؤلاء -وهم لا يتهمون بحب الدين وحب الصحوة- مهمة جداً؛ لأن الغرب يريد أن يمارس الضغط الحضاري, ويروج لهذه الفلسفات، وعندنا مع الأسف من يروج لها بحجج واهية؛ ربما يقال أحياناً: إن الحضارة الغربية غالبة وحتمية كما أسلفنا, ومن عادة المغلوب أنه مولع بتقليد الغالب، والحقيقة: إذا نحن اختصرنا المعاناة الشديدة والمقاومة الشديدة للمرأة المسلمة بالذات -لأننا نتكلم عنها بالذات- من خلال المائة والخمسين السنة الماضية في مقاومة الغرب؛ في قضية "الغالب والمغلوب" فهذا خطأ كبير جداً، فليكن الذي قالها ابن خلدون أو تكون عممت بشكل لم يقصده ابن خلدون ليست هذه القضية، فنظريات ابن خلدون الاجتماعية أخذها الغرب؛ لأنها تفسر له المجتمع بالطريقة الميكانيكية أو الآلية، التي كما قالوا: لا تدخل العنصر الغيبي فيها.
  2. مثال على خطأ نظرية تبعية المغلوب للغالب

    على سبيل المثال: الدولة مثل النبات تنمو ثم تقوى ثم تهرم.
    فبالطريقة هذه أياً كانت الدولة مؤمنة أو كافرة أو عاصية فهي مثل النبات، نعم يوجد دول كذلك؛ لكن الحقيقة
    ليست كذلك، وطبيعة هذه العلوم أنها تأخذ أمثلة ونماذج ثم تعممها.
    في الحقيقة نحن تعتبر أن الدولة الإسلامية يمكن أن يطول عمرها بطاعة الله إلى آماد بعيدة، ويمكن أنها بالمعصية تسقط، ويمكن أن الإمبراطورية في أوج قوتها تسقط فجأة. وعلى سبيل المثال -والذي الغرب فرح بهذه النظرية من أجله- "الإمبراطورية الرومانية", فعندما انتصر هرقل على المملكة الفارسية, وحرر مصر و الشام و تركيا و العراق بشرقها -منطقة غرب إيران- وحررها من الفرس، وفي أقوى ما تكون الدولة الرومانية أيام هرقل، فوجئ بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وبعد سنوات قليلة جداً -لم يتوقعها هرقل ولا أحد غيره- كانت أجنادين واليرموك, وقضت على هذه المملكة في أوج قوتها وشبابها، ولم يكن هناك عوامل للسقوط, كان أكبر عامل يهدد هذه الإمبراطورية هو الإمبراطورية الشرقية.
    والمتغير هذا حصل في أيامنا كما تعلمون، وجيلنا أدركه, وكنا أيضاً لا نصدق أن الاتحاد السوفيتي يسقط وينهار بنفس هذه السرعة في السقوط.
    الشاهد: أنه من الممكن أن تسقط قوى عظمى في أوج قوتها الظاهرية بأسباب أخرى غير قضية أنها مدى زمني لا بد منه, وقد تبقى وتستمر على ضعفها.
    وكذلك أيضاً نظرية الغالب والمغلوب ليست صحيحة على الإطلاق؛ بالذات ما يتعلق بالأمة الإسلامية؛ فالأمة الإسلامية إذا ضعف إيمانها تأثرت بالغرب والشرق.
    ... ليست هي القضية؛ فالفحشاء والمنكر والشهوات الرخيصة يمكن أن ينزل إلى مستواها العالم والقوي والغني والمستعمر في مجتمعات بدائية يجدها متوفرة فيها والعكس, فليست هي نظرية منطبقة.