المادة كاملة    
حديث الشيخ في هذا اللقاء تتمة لما تقدم من الحديث عن موطن نشأة الحضارة وبداية التاريخ واختلاف المناهج البحثية والعلمية في ذلك.
قدم لحديثه عن وحدة الأصل الحضاري للبشرية على أساس الحقائق الدينية والتاريخية والعلمية، بينما لا أساس للمركزية التي يدعيها الفكر الغربي.
ثم تحدث عن قيمة الحضارة اليمنية وما يميزها عن غيرها فهي أقدم الحضارات وأرض الحكمة من خلال الكتب السماوية، والآثار الموجودة التي تنطق حتى الآن، وإن كان التاريخ البحثي لم يعمق وهذا ما نرجوه. فلا يمكن أن يسد الفجوة التاريخية الكبيرة من بعد عاد وثمود إلى إبراهيم عليه السلام، إلا التاريخ اليماني الواسع الممتد.  
ثم عرج على الإشارات القرآنية التي نستنبط منها مجموعة حقائق عن تاريخ عظيم وعميق لهذا الجزء المهم من جزيرة العرب.
وذكر ما اعترف الغرب به من حقائق تناقض النظريات التاريخية التي تبدأ تؤرخ بكلام اليونان! كما أشار إلى الأبجدية العربية مع شواهد من الأمثلة على ذلك.
بعد ذلك وضح التشابه والتقارب الكبير بين سلسلة ملوك سومر فيما بعد الطوفان وبين ملوك اليمن، سواء في المدة أو في طريقة الحكم.
وختم لقاءه لما أشيع بأن التوراة نزلت في اليمن، مؤكدا ما يقوله التاريخ من أن الأسماء اليمنية كانت تنقل من اليمن إلى الشام وغيرها، فلا دليل على صحة ما أشيع.
 
العناصر : 
1.مقدمة
2.الحضارة اليمنية (ميزة الحضارة اليمنية) (قيمة)
-أقدم الحضارات
-أرض الحكمة
3.الإشارات القرآنية
4.حقائق كبرى تناقض النظريات التاريخية
-كلمة منصفة
-اللغة العربية والأمثلة على ذلك
-تقارب ملوك التاريخ الظني مع ملوك اليمن
5.الخاتمة
 
  1. رجوع جميع الحضارات إلى أصل واحد

     المرفق    
    الحمد الله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    أيها الإخوة الكرام! تأتي هذه الحلقة تتمة لما تقدم من الحديث عن نشأة الحضارة, وبداية التاريخ, واختلاف المناهج البحثية والعلمية في ذلك.
    الذي نريد أن نؤكده في هذا الحلقة وفي غيرها هو: أن المركزية التي يدعيها الفكر الغربي، أو كثير من الباحثين الغربيين للحضارة الغربية، أو للأصول اليونانية للحضارة؛ لا تقوم على أي أساس علمي, وبالتالي هناك مجموعة من الحقائق الدينية والتاريخية والعلمية، ومجموعة أيضاً من التقاليد ومن الأساطير، كل ذلك يُكوِّن لدى البشرية جميعاً -ولكل مطلع باحث من أي جنس من أي بلد- أن كل الحضارات ترجع إلى أصل واحد, وإلى منبع واحد، كما أن كل الجنس البشري يرجعون إلى أسرة واحدة وأم وأب, أي: آدم و حواء عليهما السلام.
    وحدة الأصل الحضاري للبشرية حقيقة يمكن أن نقدم عليها أدلة كثيرة, ونماذج كثيرة جداً من غير الخوض في التفاصيل الدقيقة والعميقة؛ لأن المقصود هنا: إعطاء إخواننا المشاهدين فكرة عامة مجملة، وعندما نتعرض لذلك ونشير إلى المصدر المعصوم من الخطأ؛ وهو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة؛ فإنما نشير إلى ذلك لكي نوضح أن المنهج القرآني نفسه إنما يقوم على إعطاء هذه الحقائق كإشارات عامة مجملة، والخوض في التفاصيل يترك للجهد البشري وللبحث البشري وللتنقيب البشري، كما سوف نرى أهمية ذلك في موضوعنا اليوم, وهو موضوع الحضارة في بلاد اليمن , أو في جنوب الجزيرة العربية.
  2. الحضارة اليمنية

     المرفق    
    سبق أن تحدثنا في بعض الحلقات السابقة عن مركزية الجزيرة العربية, وأهمية الجزيرة العربية حتى بالنسبة لبعض الحقائق أو النظرات الكونية، كموقعها مثلاً بالنسبة لما يراه الإنسان من الفضاء الخارجي من الكواكب الأخرى، وأشرنا إلى أن اللغات في كل أنحاء العالم أو أن الباحثين اللغويين أُثْبِت لديهم أن الحضارات القديمة ترجع إلى لغة واحدة, وأبجدية واحدة, وتفرعت منها أبجديات أخرى، وأن موطن هذه اللغة وهذه الأبجدية هو الجزيرة العربية.
    1. قدم الحضارة اليمنية

      ونحن عندما نركز اليوم على اليمن بالذات, أو الجزء الجنوبي أو الخصب من جزيرة العرب؛ فإنما نقدم حقائق إضافية إلى ما قدمنا فيما سبق وتقدم عن الحضارة في جنوب العراق , وفي أجزاء من بلاد الشام .
      فالحضارة التي نشأت في بلاد اليمن لا تزال في نظرنا وتقديرنا مهملة إلى حد كبير إذا ما قورنت بالحضارات الأخرى، بعد أن كانت نظرة الباحثين إلى أن أقدم الحضارات هو ما وجد في مصر أو في بلاد الرافدين، في إمكاننا نحن أن نقدم نظرية أخرى ونقول: إن أقدم من هاتين الحضارتين هي الحضارة اليمنية، ولكنها لم تحظ بالعناية الكافية في حدود ما اطلعنا عليه وما علمنا؛ لأن المشكلة الكبرى التي ناقشناها في أوائل هذه الحلقات: الفجوة الكبيرة بين نشأة البشرية وبين آدم ونوح عليهما السلام، وبين إبراهيم عليه السلام ومن جاء بعده، هذه الفجوة الكبرى أكبر من أن يمكن أن يغطيها ويسدها هو التاريخ اليمني الواسع الممتد، وقد جاء ذلك صريحاً في المصدر الموثوق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ وهو القرآن الكريم، حيث نجد صراحة أن عاداً بعد قوم نوح ثم ثمود بعدهم، ثم بعد ذلك بآماد يأتي إبراهيم عليه السلام.
      طبعاً ثمود في شمال جزيرة العرب، والظاهر أنها غطت جزيرة العرب جميعاً, وكثيراً من أرجاء العالم القديم؛ لكن في هذه المرحلة يهمنا جداً معرفة عاد، فهي أقدم باتفاق أهل العلم من ثمود، ومع ذلك فهذه الحضارة التي لا تكاد تذكر في التاريخ البحثي أو التاريخ العلماني هذه حضارة أهملت، ونجد عندما يتعرض هذا التاريخ لليمن وللحضارة ولنشأتها وللدين في اليمن ، فإنه يتكلم عن حضارة سبأ -على سبيل المثال- وبعض الحضارات المعينية أو القتبانية وما أشبه ذلك، التي هي قريبة جداً من الألف الأول أو بعده، -ما بين سليمان عليه السلام والمسيح, في فترة تعتبر قريبة وحديثة- تعتبر بالتأصيل الذي ذكرناه نحن وقلنا: إنه جاء في القرآن: أن التاريخ الحديث أو المتأخر يبدأ من هلاك فرعون, ومن إنزال التوراة ، فإذاً تعتبر فترة حديثة جداً.
      فأين عهد موسى عليه السلام وإنزال التوراة من عهد عاد؟! آلاف من السنين وأحقاب واضحة جداً لمن يقرأ في كتاب الله سبحانه وتعالى، ولمن يتأمل في السنة الصحيحة, ولمن ينظر إلى التاريخ المشهور المتواتر عند العرب.
      ولا يصح بأي حال من الأحوال أن نقول: إن هذه أساطير, وكما يقول المستشرقون ويزعمون: هذه روايات عربية.. تقاليد عربية, وما أشبه ذلك، وننظر بالجانب الآخر إلى كلام المؤرخين الغربيين أو اليونانيين المتأخرين -حتى زمنياً- على أنه هو الحقيقة أو هو أقرب للحقيقة!
      هيرودوت أو تيودور الصقلي أو ما أشبههم، لمَ يكون كلام هؤلاء حقائق أو تاريخ موثق وعليه بعض التحفظات، وأما يقوله الكتاب العرب أو ما يحفظه العرب من تراث أو ما تنطق به النقوش العربية؛ فإنه يعد وكأنه أساطير أو شبه أساطير؟! لا بد أن ننظر نظرة منصفة إلى ذلك.
    2. وصف الحضارة اليمنية بالحكمة

      نقول: معنى ذلك أن الحضارة في اليمن ، الحضارة في جنوب جزيرة العرب حضارة متميزة وقديمة، لا يميزها فقط القدم؛ بل إنها متميزة, وجاء هذا التميز واضحاً وجلياً من خلال الكتب السماوية، والآثار الموجودة التي تنطق حتى الآن، وإن كان التاريخ البحثي لم يُعَمَّق, وهذا ما نرجو أن نثيره, وأن نشجع عليه في مثل هذا اللقاء إن شاء الله تبارك وتعالى، لكي تكتمل الحلقات التي يمكننا من خلالها أن نشهد تاريخاً بشرياً حقيقياً وصحيحاً، ينطلق من قضية أن هذه البشرية أصلها واحد, وأن دينها واحد, وهو التوحيد في الأصل، وأن ما طرأ على ذلك من وثنيات وانحرافات فهي انحرافات طارئة، وبالتالي نلغي المركزية التي يجعلها البعض لأمة دون أمة, أو مكان دون مكان إلا ما ثبت في الدليل الصحيح، فنحن المسلمين -ولله الحمد- نؤمن بجميع الأنبياء, ونؤمن بجميع الكتب, ونعلم أن منهم من قص الله تعالى علينا نبأه, ومنهم من لم يقص الله تعالى علينا نبأه، فلا حرج لدينا أن يأتينا من يتحدث عن حضارة أو عن أنبياء أو عن تراث آخر غير مذكور لدينا! المهم أن يكون ذلك ثابتاً بالأدلة الصحيحة, وأن يكون مقبولاً علمياً وموضوعياً.
      أما يفعله المستشرقون من تسييس الآثار وعلم الآثار وعلم الأبحاث، فالملاحظ أنه تحامل! فما فعلوه مبني على التحامل, وعلى طمس الآخر تماماً -الذي هو المسلم العربي- محاولة شديدة ويائسة لأن يطمس, ومع ذلك الحمد الله لم يستطيعوا؛ لأن من الغربيين أنفسهم الباحثين المتجردين، وفي نفس الوقت الحقائق تظهر شيئاً فشيئاً حتى تكشف عن أمور لا يمكن لهؤلاء أن ينكروها.
      نحن على سبيل المثال عندما نذكر الميزة العظمى للحضارة اليمنية غير القدم، هناك ميزة السمو والرقي العقلي والروحي، والتفكير الذي يمكن أن نجمعه في كلمة واحدة وهي: الحكمة؛ أنها حضارة حكيمة, وأنها بلاد حكمة.
      مما يدل على ذلك في الكتب القديمة وفي التاريخ -على منهجنا الثلاثي في المصادر- لو أننا نظرنا إلى العهد القديم فنجد أن هذا واضحاً جلياً، ففي سفر أيوب على سبيل المثال: عندما تكون تلك المجادلة حول القضاء والقدر وحرية الإرادة والإنسان، وكيف يبتلي الله تبارك وتعالى الإنسان, وهل هذا عدل أم غير عدل -تعالى الله عما يصفون- نجد أن الحكمة في هذا السفر من أولها إلى آخرها حكمة يمانية، والأسماء أسماء يمانية، وهذا ما يُقر به كل من يكتب عن التوراة والعهد القديم، ويضعون ذلك تحت اسم اليمن أو التيمن؛ اللفظ التوراتي يكون التيمن مأخوذ من التّيمُّن أو من اليمن ، فيقولون: إن هذه بلاد الحكمة, وقالوا: إنها منبع أو أصل للحكمة.
      كذلك في الأمثال الأخرى, وكتب الحكمة الأخرى، وهي أحد الأجزاء الكبرى مما يسمى بمجموعه: البايبل عند أهل الكتاب أو العهد القديم بالذات، نجد أيضاً في إنجيل متى أن المسيح عليه السلام عندهم نص على هذا يقول: إن ملكة سبأ جاءت وطلبت الحكمة من سليمان -في معرض ذم اليهود - و اليهود لم يقبلوا الحق منه عليه السلام وهو أفضل من سليمان, وأعظم حكمة, وأعظم نبوة، وهذا حقيقة نعم هو كذلك، فيتعجب يقول: كيف الأمم البعيدة والغريبة تقبل الحكمة بينما أنتم يا بني إسرائيل! لا تقبلونها مع أنها أمام أعينكم؟ فهذا أيضاً مما يؤكد الصفة نفسها.
      تأتي هذه على لسان أصدق البشر صلى الله عليه وسلم فيختصر بكلمة واحد ويقول: (الإيمان يمان, والحكمة يمانية).
      لاحظ المصادر الثلاثة تتفق بأن هذه بلاد حكمة, وأنها حضارة حكمة، بمعنى: السمو الروحي والأخلاقي فيها أعظم من أي مظهر آخر, بالإضافة إلى أن لها مآثر أخرى.
      مثلاً: أول ناطحات سحاب عرفها العالم هي في اليمن , ولا تزال آثار منها موجودة إلى الآن! أعظم السدود في تاريخ البشرية هي السدود التي بنيت في اليمن , ولا تزال الآثار موجودة وقائمة حتى الآن! إذاً: هناك أيضاً حضارة عمرانية مزدهرة وقديمة, وتشمل جوانب مادية, وتشمل جوانب روحانية، بإمكاننا أن نجد هذا, وأن نجد أيضاً جوانب الانحراف.
  3. إشارات قرآنية في الحضارة اليمنية

     المرفق    
    إذا نحن أخذنا من الإشارات القرآنية مجموعة من الحقائق، وركبنا من خلالها تاريخاً عميقاً وعظيماً لهذا الجزء المهم من جزيرة العرب.
    بمعنى آخر: أننا يمكن أن نعتبر أمة عاد، أمة طرأ عليها الشرك ثم بعث الله تبارك وتعالى إليهم هوداً عليه السلام؛ فكان ما كان من هلاكهم وعقوبتهم، وهذه ممكن أن تفرد في لقاء أو أكثر لبيان ما الذي توصل إليه العلم أو الكشوفات الأثرية من مواقع عاد؟! وأسباب الهلاك التي يفسرها البعض تفسيرات قد تتفق مع النص القرآني وقد تختلف؛ لكن على أية حال هناك بحوث مهمة وحديثة في هذا الشأن, هذا جانب.
    بعد ذلك نجد أن هناك في القرآن حديثاً عن ذي القرنين ، من هو ذو القرنين ؟ أقرب الأقوال -على كثرة الخلاف- فيه أنه من ملوك اليمن , الذين كان -كما في نص القرآن- رجلاً صالحاً عبداً مؤمناً موحداً تقياً وفتح الأرض، وهذه الحقيقة التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى هي من ضمن حقائق كثيرة، أو من ضمن ثوابت كثيرة في التاريخ اليمني القديم، معلومة بشبه تواتر أو متواترة عن العرب القدماء, وعن ملوك وحكام اليمن .
    فيما أثر عن عبيد بن شرية فيما كتبه أو نقله هشام بن الكلبي وأمثاله, وحفظه لنا مثل كتاب: المحبّر أو كتاب المسعودي مروج الذهب و المقريزي -وقد نقلنا بعض النقول من ذلك- نأخذ من ذي القرنين إشارة إلى أن مُلكاً عظيماً كان لهذه الأمة، لم يكن حادثاً منفصلاً؛ بل جزءاً من تاريخ.
    كذلك ما ذكر الله تبارك وتعالى عن تبع وقومه جزء من تاريخ طويل جداً وعظيم، وما ذكر أيضاً عن أصحاب الأخدود، وما ذكر أيضاً عن سبأ وملكها وعظمة عرشها، وما نقل عن الجنتين وعن السد, وعن التواصل الحضاري (( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ))[سبأ:18], هناك إشارات كثيرة في القرآن واضحة وجلية إلى أمة متحضرة.. إلى رقي.. إلى تواصل مع أنحاء العالم كله، كل ذلك ممكن أن نجعله الأسس الثابتة والقوية للتاريخ اليمني الشامل العام، ثم بعد ذلك نسد هذه الثغرات -التي قد تبقى فيه- نسدها بما ثَبت.
    أولاً: نبدأ بالأحاديث الصحيحة، ثم ننتقل بعد ذلك إلى أقوال العرب الثابتة، وما ذكروا في شعرهم, وما ذكروا في أخبارهم عن هذه الأمة العظيمة، وما توارثوه من قبل؛ فنشكل تاريخاً فيه الحق وفيه الظن, وطبيعة التاريخ هكذا، طبيعة التاريخ أنه ليس كل ما فيه يقين, وإنما فيه ما هو ظني؛ لكن لا يوجد ما ينفيه.
  4. حقائق كبرى تناقض النظريات التاريخية عند الغرب

     المرفق    
    هنا سنجد أنفسنا أننا أمام الحقائق الكبرى التي اعترف بها بعض المتجردين من المؤرخين، على سبيل المثال: المؤرخ المشهور -وهو على مستوى عالمي- جورج سارتون لما تحدث في كتابه تاريخ العلم يقول: لقد سبق للعرب أن قادوا العالم في مرحلتين طويلتين من مراحل التقدم الإنساني طوال ألفي سنة، يعني: على الأقل قبل اليونان ثم في العصور الوسطى، يقول: ولا مانع من أن تجتمع هذه الشعوب وتقود العالم مرة ثالثة.
    وهذه كلمة منصفة من رجل في مثل هذه المكانة التاريخية والعلمية.
    قيادة جزيرة العرب كموطن لهذا الدين, ولهذه الحضارة، والجانب الأكثر تحضراً منها وهو اليمن ؛ أن تقود البشرية قبل اليونان ولمدة ألفي سنة، هو يتناقض تماماً مع أكثر النظريات التاريخية، التي تبدأ تؤرخ بكلام اليونان! وكأنما تؤرخ من اليونان، مع أننا نعود ونذكر الإخوة الكرام بما قلناه وهو أن: التاريخ اليوناني والنظريات اليونانية والفكر اليوناني إنما ابتدأت في القرن السادس قبل الميلاد!
    وهنا تعجبون وتقولون: كيف يقارن بين حضارة نشأت في القرن السادس قبل الميلاد، وتعتبر أصل الحضارات في العالم، وبين حضارة قيل: إنها نشأت في الألف السادس قبل الميلاد! يعني: الحضارة اليمنية في الألف السادس أو السابع قبل الميلاد؟
    ثم أيضاً هناك شيء عجيب! كيف تنسب الحضارة إلى هذه الأمة المتأخرة؟! ونحن قد اكتشفنا وامتلأت الدنيا من هذه الكشوفات؛ بأن هناك لغات وحروفاً وأمماً وأبجدية -كما تسمى- قبل التاريخ بآماد بعيدة.
    يمكن أن نمثل لهذا مثلاً بآثار أوغاريت أو راس شمره في الشمال الغربي من بلاد الشام ، هناك اكتشفت حضارة تعود إلى الألف السابع قبل الميلاد، العجيب ليس هذا، ليس كلامنا عن ما أثبته الباحثون من قدم حضارة أوغاريت, الأعجب من هذا أن أصلها حضارة عربية يمنية قديمة! انتقلوا من اليمن إلى هناك, واكتشفت الآثار هناك، ولم تكتشف الآثار الأقدم الموجودة في اليمن نفسها حتى الآن, وقد تكتشف.
  5. بداية اللغة العربية من الحضارة اليمنية

     المرفق    
    ونجد أن الأبجدية أو الحروف بدأ بها من هناك, وهي قبل ألوف من السنين عن بداية اكتشاف ما ينسب إلى الحضارة اليونانية، يعني: في إمكاننا لو جمعنا كل اللغات الآثارية القديمة -مثلاً: اللغات الآكادية.. اللغات السريانية والآرامينية, اللغة العبرية.. اللغة العربية- نستطيع أن نقول: إن اللغة العربية هي الأساس، وأنك من خلال المعاجم العربية الموجودة الآن بين يدي طالب اللغة العربية -سواء كان عربياً أو غير عربي في العالم- من خلال هذه المعاجم: تستطيع أن تقرأ وأن تفك أي رمز من الرموز القديمة؛ بأسهل بكثير من أن تفترض أبجدية أخرى أو لغة أخرى.
    على سبيل المثال: نجد أن الحضارة المصرية أو ما يسمى بالحضارة الفرعونية ذاتها نجد أن كوستاف جيكي وهو من المؤلفين لتاريخ المدنية المصرية يقول: إن سكان مصر القدماء جاءوا إليها من جزيرة العرب قبل ستة آلاف سنة، وإن الأسر الفرعونية الأولى هي من هؤلاء القادمين.
    وهذا يتطابق مع ما يوجد في المصادر العربية من تسمية الفراعنة كما في كتاب: المحبّر ؛ فنجد أن الفراعنة أنفسهم القدامى يسمون فيقال: إن فرعون إبراهيم اسمه كذا مثلاً, وفرعون يوسف هو الريان، وفرعون موسى عليه السلام اسمه الوليد بن مصعب! يعني: أسماء عربية ثم مع الزمن تتغير، كما قال الدكتور أو العالم أحمد كمال : أصل اللغة المصرية هو أصل اللغة العربية؛ لكن التغييرات التي طرأت على اللغة المصرية هو مثل أي تغيير يكون نتيجة القلب أو الإبدال أو اللغة عندما تستخدم في حالة التعامل مع الأجانب.
    ولذلك أصبحت توضع جداول الآن بالمقارنة بين اللغة المصرية أو اللغة الفرعونية أيام الفراعنة وبين اللغة العربية القديمة، فنجد أن هذه أسهل طريقة لفك الرموز.
    كذلك في بلاد الرافدين -وقد أشرنا وألمحنا إلى نماذج من ذلك- تجد أن اللغة العربية القديمة هي التي يمكن أن تفكك وأن تحل هذه الرموز، بمعنى آخر: أن هذه شعوب عربية قديمة، قد تنتمي للعرب العاربة أو العرب الهالكة من مثل عاد وثمود وطسم وجديس والعماليق وأشباههم، وأن هذه الأمم تناسلت وتكاثرت ثم اختلطت بالشعوب الأخرى أو بالحضارات الأخرى، في شرق البحر الأبيض المتوسط أو في جنوبه، ونتج عن هذا الاختلاط حضارات جديدة أخرى مدمجة مختلفة، لا يمنع أن تنشأ لغات بعد ذلك أخرى؛ ولكن المقصود هو أنك بإمكانك الرجوع إلى الأصل العربي الموجود الآن حالياً، أو في إمكان أي باحث علمي أن يرى تلك الحقيقة، وليس في إمكان أي باحث آخر أن يأتي إلى اللغات القديمة إلا من هذا الباب إلا بتعسف.
    عندما ننظر ونقول: إن اللغة العبرية جُعلت مدخلاً؛ لأن الباحثين اليهود بالذات ركزوا على أن يسموا هذه الشعوب: الشعوب السامية, وأن يجعلوا ما في التوراة هي المرجع الوحيد والأصيل لأبحاثهم، وهم كثرة كاثرة, وتكلم عن هذا عدد كثير منهم طه الباقر و محمد عزت دروزة في تاريخ الجنس العربي , وغيرهم من الباحثين، أكدوا أن هؤلاء متعصبون, وأن نظرتهم متعصبة وسياسية ومؤدلجة.
    في إمكاننا أن نثبت أو أن نؤكد هذه النظرية من خلال قصة مشهورة عن بعض الباحثين الذين يأتون لبلاد اليمن ، عندما يأتي إلى بلاد اليمن وينقبون بالخط المسند، يحاولون أن يفسروا أي كلمة أو أي عبارة بما يتفق مع التوراة ، مثل ما حصل مع وندل فليبس الذي كان دائماً يجد كلمة: علي -واسم علي معروف قديم في اليمن- فكان يترجم كلمة: علي بأنها: إيلي؛ فتصبح كأنها: الله! ويقول: هذه كلمة عبرية, وهذا دليل على أن بني إسرائيل عاشوا أو نشأوا في اليمن ، باعتبار كلمة: إيلي أو إيل كلمة عبرية.
    فلننظر إلى هذه الكلمة نفسها (إيل) أو (إل) أو (إيلي) هي كلمة عربية قديمة وفصيحة، يعني: مستعملة أيضاً, وقد جاء في كلام أبي بكر رضي الله تعالى عنه [لما قال له قوم مسيلمة : إنه نبي. قال: ائتوني بشيء مما يزعم، فأخذوا يقرءون عليه: والطاحنات والعاجنات.. إلى آخر الهراء. فقال: والله ما خرج هذا الكلام من إل]. من (إيل) أو من (إل), يعني: بمعنى من إله، أي: لا يمكن أن يكون هذا من كلام الله تبارك وتعالى.
    وإلى الآن كلمة: (بعل) أو كلمة: (إل) في التاريخ القديم ممكن أن تفهمها أو أن تعرف كلمة عربية قديمة معناها الإله.
    أشهر ما تذكر فيه هذه الكلمة هو طبعاً عندما ينسبون إلى المصلوب الذين يدعون أنه المسيح (( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ))[النساء:157], يزعمون أنه قال: إيلي إيلي لما شبكتني. ومعنى ذلك: يا إلهي! يا إلهي! لماذا شبكتني؟! يعني: لماذا أوقعتني في الشَّبَك.. أوقعتني في الفخ.
    الجملة كلها عربية, وهي دلالة على لغة المسيح عليه السلام وبني إسرائيل -كما سنوضح إن شاء الله في لقاءات لاحقة - أن المسيح عليه السلام كانت لغته هي اللغة العبرية لا اليونانية ولا غيرها من لغة الأناجيل، العبرية التي هي فرع من اللغة العربية، وأن لغة إبراهيم عليه السلام كانت هي اللغة العربية كما قرر الأستاذ العقاد وغيره.
  6. تقارب ملوك التاريخ الظني مع ملوك اليمن

     المرفق    
    نستطيع أن نقول: إنه حتى لو انتقلنا إلى التاريخ شبه الأسطوري -أو التاريخ الذي ليس يقيناً فلنقل التاريخ الظني- لو عملنا جدولاً بسلسلة ملوك وأنساب ملوك سومر مثلاً كما جاءت فيما بعد الطوفان؛ لأن قبل الطوفان أشبه بالتاريخ الأسطوري -أن ملكاً يحكم آلاف السنين!- لكن لو وضعنا سلسلة مقارنة بين ملوك سومر فيما بعد الطوفان وملوك اليمن ؛ نجد أنه تقريباً نفس الشيء!.
    يقول المؤرخون المسلمون كما في كتاب: المحبّر للمؤرخ ابن الكلبي مثلاً يقول: إن قحطان حكم مائتي سنة ثم حكم يعرب بن قحطان مائتي سنة ثم يشجب إلى أن نصل إلى شداد بن عاد الذي بنى إرم ذات العماد, وهو الذي كان ملكاً على قوم عاد.
    إذا وضعنا سلسلة لملوك سومر ولملوك اليمن نجد هناك تقارباً وتشابهاً؛ إن كان في المدد, وإن كان في طريقة الحكم!
    لما يعتبر هذا كشوفاً تاريخية رائعة ومهيلة؟! ويعتبر ما يقوله ابن الكلبي مثلاً أو ما يقوله المسعودي في مروج الذهب أنه أسطورة أو ما يشبه الأساطير!
  7. الحضارة اليمنية حضارة موثقة ومكتوبة

     المرفق    
    أيضاً هناك ما يؤكد أن الحضارة اليمنية حضارة موثقة مكتوبة -وهذا نستطيع أن نؤكده؛ لكن لا نريد الإفاضة أكثر مما ينبغي- نقول: مثلاً في كتاب: تاريخ دمشق -وهو قد حوى كثيراً من الكتب السابقة- كثيراً ما ترد مواضع أنه وجد حجر وقرئ بالمسند وفُك، وكان في أيام بني أمية -وفي غيرهم- مَن يفك رموز هذه الكتابة الموجودة على الحجارة.
    في أول سيرة ابن هشام ينقل ابن هشام عن نسب قضاعة وأنهم يقولون:
    نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر قضاعة بن مالك بن حمير
    النسب المعروف غير المنكر في الحجر المنقوش تحت المنبر
    فهي أيضاً كانت حضارة كتابة, وكانت مكتوبة، وكانت أبجديتها بالفعل هي أقدم وأُولى الأبجديات.
    كذلك عندما نجد مثلاً الحديث عن الأمم القديمة في أيام ذي القرنين ومن تبعه، نجد مثلاً من يتحدث -كما فعل المسعودي وغيره- أن بلاد التبت الغالب عليهم أنهم حمير، عندما يتكلم عن الانتشار الذي حصل لملوك اليمن القدامى -كما في كتاب ملوك حمير وأقيال اليمن - الانتشار شرقاً وصل إلى الصين ويثبتون ذلك, وغرباً وصل إلى غرب أفريقيا ، وكل هذا العالم كان يُحكم من خلال اليمن , وكانت قاعدة حكمه هي اليمن .
    نجد أنه يقول: إن التبت يغلب عليهم أنهم من حمير, وينقل أبياتاً لـدعبل الخزاعي الشاعر المشهور يقول فيها:
    هم كتبوا الكتاب بباب مرو وباب الصين كانوا الكاتبينا
    إلى أن يقول:
    وهم غرسوا هناك التبتينا
    كان هذا معروفاً مشهوراً ودعبل الخزاعي كما هو معروف في القرن الثاني الهجري؛ أن البلاد هذه فتحت في أيام اليمن -يعني: ملوك اليمن القدامى- وأن هؤلاء يرجعون لأصول عربية قديمة.
    هناك أيضاً بعض الشعوب الأوربية القاطنة في جنوب أوروبا , وكان لها حضارات في كريت وفي صقلية وغيرها، مما أكد أنهم كانوا من العرب القدماء؛ بل إن هناك من يقول: إن اليونان أنفسهم أصلهم من قحطان.
    أما ما يتعلق بشمال أرمينيا إلى جبل أرارات فهناك أيضاً حقائق ذكرها اليونان والرومان وغيرهم؛ بأن هذه الشعوب هاجرت من اليمن -طبعاً الآن لا يتسع الوقت للإفاضة في ذلك- بل إلى القول بأن حتى الأسماء الحضارية وأسماء المدن أنها كلها ذات أصول يمنية عريقة.
  8. توجيه ظاهرة القول بأن التوراة نزلت في اليمن

     المرفق    
    نشير فقط هنا في خاتمة هذا اللقاء إلى ظاهرة أشيعت وتُحدث عنها؛ وهي ما يتعلق بأن التوراة نزلت في اليمن ! من أين جاءت هذه الإشكالية؟!
    جاءت لأنهم وجدوا أن الأسماء الموجودة في التوراة تتشابه كثيراً مع الأسماء اليمنية؛ فجاء مثل كمال الصليبي وغيره وقالوا: إن التوراة نزلت في اليمن !
    الموضوع يطول شرحه؛ لكن نوجزه ببساطة؛ وهو القول الذي يؤكده التاريخ الإسلامي وهو: أن الأسماء اليمنية كانت تنقل من اليمن إلى بلاد الشام وإلى غيرها؛ فأهل اليمن عندما نزلوا إلى الشام سموا المدن بالأسماء اليمنية، فيوجد صنعاء في الشام كما أنه يوجد صنعاء في اليمن ، عندما انتقل أهل نجران من نجران إلى الكوفة سموها النجرانية، وهكذا حتى بلاد الأندلس فيها هذه الأسماء التي كان الناس عندما يهاجرون إلى بلد يسمونه بأسماء بلادهم الأصلية.
    فكل ما تثبته هذه الافتراضات إن صحت هي: أن المهاجرين والهجرات اليمنية كثيرة ومشهورة عندما هاجروا إلى هذه البلاد سموا هذه البلاد وهذه المدن بأسماء مدنهم الأصلية، أو هناك شيء من التشابه, فعندئذٍ لا يكون هناك أي دليل على أن التوراة نزلت أصلاً في اليمن ، ولا يترتب على ذلك أي إشكال تاريخي.
    لعل وقت الحلقة انتهى، وإن شاء الله تعالى نكمل في حلقات قادمة مثل هذه القضايا.
    ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما نسمع وما نقول؛ إنه سميع مجيب.