المادة كاملة    
يرقى الإسلام بالمسلم رقياً عالياً، ويسمو به في تعامله مع الآخرين، وليس فقط مع منهم على دينه، بل مع جميع مخالفيه يهوداً كانوا أو نصارى أو غيرهم، ويظهر هذا جلياً في أوامر القرآن الكريم في الأمر بجدال أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وفي النهي عن سب الذين يدعون من دون الله لكي لا يكون ذلك ذريعة لسب الله تعالى بغير علم، كما أن الترفق عند دعوتهم إلى دين الإسلام وهو الدين الحق أمر مطلوب، ولك أن تمعن النظر في أمر الله لموسى وهارون عليهما السلام في الترفق بالقول اللين مع فرعون عصره وطاغية دهره.
  1. حكم شتم المسلم (يسوع) بحجة أنه ليس عيسى عليه السلام

     المرفق    
    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
    فضيلة الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, أقرئكم سلام أبنائكم في البالتوك, وعلى شبكة الإنترنت في غرف أهل السنة والجماعة الذين يتصدون لدعوة النصارى إلى الإسلام؛ وننقل إليكم محبتهم لكم في الله.
    وإذا سمح لنا وقتكم فلدينا بعض الأسئلة نود أن نطرحها على فضيلتكم.
    السؤال: بعض إخواننا في غرف البالتوك درجوا على شتم يسوع؛ بحجة أنه ليس عيسى عليه الصلاة السلام، فما هو رأيكم في هذه المسألة؟ هل يسوع هو عيسى؟ وهل يجوز شتمه؟
    الجواب: الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
    فأولاً: نشكركم على ما تبذلونه من جهود دعوية, وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقكم, كما نشكركم على محبتكم لنا في الله, ونسأل الله أن يجمعنا وإياكم بهذه المحبة بجنات النعيم إنه سميع مجيب.
    أيها الإخوة الكرام! تعلمون أن الله تبارك وتعالى قال: ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ))[الأنعام:108], ويقول تبارك وتعالى: ((وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ))[العنكبوت:46].
    وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الأعظم في التعامل مع أهل الكتاب بالحكمة والموعظة الحسنة, كما أمره ربه تبارك وتعالى, وكان كما جاء وصفه في كتبهم -وكما كانت حياته كلها صلى الله عليه وسلم- لا يجهل؛ ولكن يعفو ويصفح؛ فكل من آذاه صلى الله عليه وسلم أو شتمه فإنه لا يقابل الجهل بالجهل؛ ولكنه يعفو ويصفح.
    ومن العجب -حقيقة- أن بعض الإخوة هداهم الله وأصلح بالهم! ينزل بهم سوء الفهم أو الحماس أحياناً أو الدفاع في غير موضعه الصحيح, وترك الالتزام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ينزل بهم ذلك إلى الوقوع في مثل هذا العمل، أي: أن يسبوا نبي الله عيسى عليه السلام، أياً كان الاسم الذي يسمى به عندهم أو عندنا؛ لأن المقصود عندنا وعندهم واحد -كما أن الله تبارك وتعالى واحد؛ فهو ربنا وربهم, وروح القدس هو جبريل عليه السلام عندنا وعندهم- فلا يجوز أن يُسبَّ نبي ولا ملك فضلاً عن سب الله تبارك وتعالى -كما قرأنا في الآية- على الإطلاق, وإن نَسب إليه المشركون ما نسبوا؛ لأن التوراة المحرفة التي يؤمن بها هؤلاء تنسب الأباطيل والقبائح والشنائع إلى الأنبياء؛ فمن ذلك: ما نسبوه إلى نوح عليه السلام بقولهم: إنه سكر وتعرى، ومثل ذلك: ما نسبوه إلى لوط عليه السلام حيث قالوا: إنه زنى بابنتيه, وكذلك نسبوا إلى داود وسليمان عليهما السلام من القبائح، بل وصل الحد بهم أنهم اتهموا سليمان عليه السلام بأنه يعبد الأصنام, وأن الأصنام المنحوتة كانت في بيته تعبدها نساؤه من دون الله تبارك وتعالى؛ وغير ذلك من الأباطيل.
    وعلى كل حال فكل هذا لا يُجيز للمسلم أن يسب أحداً من الأنبياء؛ بل لا نقول: فقط الأنبياء الذين وردوا في القرآن أو في السنة؛ بل لو أن لديهم شخصاً يدعون أنه نبي -مع أنه يجوز أن يكون نبياً؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يقصص علينا كل الأنبياء, كما قال تعالى: ((وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ))[النساء:164]- فلا يجوز لنا أن نذمه أو نتعرض له إلا مقيداً بما يرد عندهم -لأنه قد يجوز أن يكون في الباطن نبياً أو عبداً صالحاً أو ولياً من أولياء الله تبارك وتعالى- فنقول: فلان كما يقولون أو كما يزعمون أو كما عندهم أو كما في كتبهم.
    وعندما (جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسبونه حين إلقائهم السلام عليه؛ فيقولون: السام عليك. يورُّون بذلك؛ فعندما ردت عليهم عائشة رضي الله تعالى عنها؛ وقالت: عليكم السام واللعنة. أنكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق).
    فليس من دعوتنا على الإطلاق لا في الإنترنت ولا في التأليف ولا في غير ذلك: الشتم أو السب أو القذف، هذا هو ديننا.
    وكذلك يا إخواني! من ناحية الذوق والمروءة والعقل لا ينبغي ذلك، وكما يعلم الجميع في كل أنحاء العالم أن العلماء يتناقشون ويتحاورن بأدب وبحسن خلق، أما القذف والشتم والذم فهذا يجيده الجهال أكثر من العلماء, ولا غرابة في ذلك؛ لأن المثل يقول: كل ينفق مما عنده.
    فيجب على الإخوة أن يكونوا جميعاً -إن شاء الله- قدوة في التعامل الحسن, وهذا مما يحبب الإيمان إلى أهل الكتاب, ويجعلهم يتقبلون الدعوة, ويجعلهم يستمعون إلى ما يرد في وسائلها من هذه الغرف في الإنترنت أو في غيرها.
    أما الدعوة بالسب والشتم وما أشبه ذلك فلا حاجة لنا أبداً بهذه الدعوة، فلا حاجة للإسلام ولا للدعوة إلى داعية يسب نبياً من أنبياء الله تبارك وتعالى، حتى وإن تأول في ذلك ما تأول؛ فإنه لا يجوز أبداً، وقد يؤدي به -والعياذ بالله- إلى الخروج من الدين وهو لا يشعر؛ ولا سيما -كما تعلمون- أن عيسى عليه السلام من أولي العزم, وهو الذي أثنى الله تبارك وتعالى عليه في كتابه, وهو أقرب وأولى الأنبياء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث؛ لأنه ليس بينه وبين نبينا نبي، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
    فأنصح الإخوة الكرام أن يعفوا ألسنتهم وأقلامهم, وأن يجتنبوا هذه الموضوعات التي لا بد وأن تكون نتائجها غير حسنة في الدعوة إلى الله عز وجل.
    وليعلموا أنه لا أحد يهتدي إلى الإسلام عن طريق الشتم والسب، والطعن والذم؛ بل إن المؤمن ليس بشتام ولا لعان أبداً حتى لدابته, فضلاً عن شتم ولعن الناس في أي أمر من الأمور, وإنما هو دائماً حسن الخلق، وحسن التعامل, ويدعو إلى الله كما أمر الله، فمن استجاب فالله تعالى هو الذي هداه, ومن لم يستجب فقد قامت عليه الحجة.
  2. سب من يسبون رسول الله استدلالاً بقوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)

     المرفق    
    السؤال: فضيلة الشيخ! قول الله تبارك وتعالى: ((وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ))[العنكبوت:46], هذا الاستثناء يستخدمه بعض الإخوة؛ فيقولون: إنما نسب الظالمين منهم ونقابل سبابهم بشيء من السباب، والله تبارك وتعالى يقول: ((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ))[النحل:126]؛ فيقولون: نحن نسبهم كما هم يسبون نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم من الذين ظلموا. فما رأي فضيلتكم في هذا؟
    الجواب: ينبغي أن نعلم أن هناك فرقاً بين الأصل العام وبين حالات تستثنى؛ فالأصل العام في هذا هو: الدعوة العلمية والمجادلة بالتي هي أحسن، كما أمر الله تبارك وتعالى، أما الذين ظلموا من هؤلاء فالأمر لا يقتصر على مجرد السب لهم فقط؛ لأن هناك أمرين: الجدال، والجلاد -أي: القتال والمقاتلة- فهناك من يكفي بحقه المجادلة والموعظة والتذكير, وهناك من يقاتل، مع التنبيه أن قتال الكافرين وجهاد أهل الكتاب له شروطه وضوابطه التي لا ينبغي الخروج عنها.
    فنحن في كل الأحوال لا نخرج عن حدود العدل، وإذا رأى الإنسان أن من الرد أو من مقابلة المثل بالمثل أن يشتم ويسب فلا يخرجه ذلك عن حدود العدل؛ لكن ليس هذا هو الأصل في العلاقة، وكما أشرنا: أن النادر من يستجيب إذا وصل الأمر إلى هذه الحال, وإنما يستجيب أكثر الناس إذا ذكروا ووعظوا بالتي هي أحسن.
  3. قول المسلم للنصراني الشاتم والساب: يا ابن برسوم

     المرفق    
    السؤال: ما رأي فضيلتكم في القول للساب أو الشاتم من النصارى : يا ابن برسوم ! هل يجوز هذا؟ وما رأي الشرع في مثل هذا القول؟
    الجواب: إذا كان المقصود أنه يشتم ويسب قذفاً، كما كان هذا الرجل الذي تنسب إليه هذه الشنائع والفواحش؛ فإن هذا يعد نوعاً من القذف؛ وذلك لا يجوز في ديننا.
    فالصحيح والقول الراجح: أن القذف لا يجوز في الإسلام حتى ولو كان في حق كتابي أو كتابية؛ لأن ذلك مما حرمه الله تبارك وتعالى.
  4. استخدام المسلم لفظ الأخوة مع غير المسلم من باب الترفق به

     المرفق    
    السؤال: هل يجوز أن يقال للنصراني ولغيره من أهل الكتاب أو من المشركين: (أخ), بقصد أخوة الإنسان, وذلك من باب الترفق به؟
    الجواب: العبارات ليس فيها ما حُدد في الشرع -يعني: لم يحدد ماذا تقول له- فإن كان من قبيلتك أو من أقاربك، وقد يكون أخاك فتقول له: يا أخي! أو كما قال إبراهيم عليه السلام: يا أبت! فهذا لا بأس به.
    فالمقصود: أن أي عبارة توصل المقصود بالقول اللين للمدعو -كما أمر الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام بقوله: ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا))[طه:44]- وتكون سبباً في استمالته واستدراجه إلى الخير بالأسلوب الحسن المفضل فلا بأس بها.
    أما أن يقال هذا على سبيل تقرير أخوة الأديان, وأنهم ونحن سواء، وأنه لا فرق بيننا وبينهم؛ فهذا باطل وكفر, فالله تبارك وتعالى نص على ذلك في كتابه: ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ))[آل عمران:19], وقال: ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ))[آل عمران:85]؛ فلا أخوة دينية إيمانية على الإطلاق بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل أبداً؛ لأنه لا أخوة بين الحق المبين وبين الباطل الصريح.
  5. قول المسلم عن كتاب النصارى: الكتاب المقدس

     المرفق    
    السؤال: سمى الله عز وجل الكتاب الذي أنزل على موسى وعلى عيسى عليهما الصلاة والسلام بـ التوراة والإنجيل، واليوم يسمي النصارى كتابهم بالكتاب المقدس، فبعض الإخوة يتحرج من أن يقول للنصراني: الكتاب المقدس, ومقصده أنه مقدس عنده؛ فهل يجوز للمسلم أن يقول عن كتاب النصارى: الكتاب المقدس؛ لأنه مقدس عندهم، ولا يقصد قداسته، وإنما يقصد التألف والرفق مع الخصم؟
    الجواب: نعم يجوز ذلك, فهو مقدس من ناحيتين:
    الناحية الأولى: من ناحية أنه عندهم مقدس؛ فإذا أراد ذلك فهذا لا إشكال فيه.
    الناحية الثانية: أنه كتاب مقدس في الأصل ولكنه حرف، فمثلاً: كثير مما في التوراة -كالوصايا العشر مثلاً- هي مما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى في القرآن, وغير ذلك من الأحكام.
    فهو مقدس من حيث أصله لا من حيث ما اعتراه من التحريف؛ فإذا أطلقت العبارة هذه فلا حرج فيها إذا كانت على هذا السبيل.
    ومثل ذلك أن نقول: إن دينهم في جملته وأصله هو الإسلام، فدينهم كان على التوحيد, فموسى وعيسى عليهما السلام وغيرهم كلهم دعوا إلى توحيد الله تبارك وتعالى, وكلهم كانوا من أهل الجنة, كما في قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا))[البقرة:62]؛ فمثل هذه الآيات وأشكالها تدل على أهل الخير وأهل الصلاح وأهل الصدق منهم، سواء في ذواتهم أو في كتبهم؛ لكن بعد التحريف نحن لا نقره، فنحن نقر الأصل لا التحريف، وكذلك نقر ونشهد بالخير والإيمان والصلاح لمن كانوا على ما جاء به أنبياؤهم قبل أن يبدلوا دينهم.
  6. دخول المسلم غرف البالتوك النصرانية التي فيها سب للرسول الله عليه السلام

     المرفق    
    السؤال: غرف النصارى على البالتوك تشتم النبي صلى الله عليه وسلم, وتشتم الإسلام بشكل مقذع، وبشكل مخجل، فهل يجوز دخول هذه الغرف والجلوس فيها حتى لمناقشتهم أو لمجرد الاستماع؟
    الجواب: هؤلاء المجرمون الأبترون كما قال الله تبارك وتعالى: ((إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ))[الكوثر:3], هؤلاء سوف ينتقم الله تبارك وتعالى منهم, وهم مدحورون مقهورون مخذولون بإذن الله تبارك وتعالى.
    وأما بالنسبة لدخول هذه الغرف فأنا أرى ألا يدخل إليها أي مسلم؛ لكن إذا كان هناك لأحد من نوعية معينة يدخل؛ ليرى ماذا يقولون, وكيف يمكن أن يجابوا فلا بأس, أما ما يحدث حقيقة في الغالب -فيما أرى وأعلم على شبكة الإنترنت- فإنه هرج ومرج لا يصح من الطرفين، فمهما جهلوا فنحن لا ينبغي لنا أن نجهل، بل ينبغي أن ندعو إلى الله تبارك وتعالى بالأسلوب الحسن وبالحكمة كما أمر الله تبارك وتعالى, وبالأسلوب العلمي البرهاني اليقيني، وندع هؤلاء ومواقعهم وما فيها, لا نقربها ولا نأتي إليها، ونحذر إخواننا المسلمين من الدخول إليها.
    وكما قلنا: إن الشتم والطعن والثلب يجيده كل أحد؛ بل السفهاء يجيدونه ويحسنونه أكثر من العلماء والعقلاء، وأظن أنه لا يوجد عاقل -حتى عندهم هم- يرى أن هذا هو الأسلوب الصحيح في الدعوة, ونحن أولى بأن نكون أعقل منهم بإذن الله.
    المقدم: شكر الله لفضيلتكم، ولا حرمنا الله منكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.