المادة كاملة    
جاء هذا الدرس لبيان حقيقة التوسل، ومفهومه الحقيقي عند أهل السنة، والمفاهيم الدخيلة على معنى التوسل عند الفرق الأخرى، ثم تطرق إلى بداية ونشأة الانحراف في مفهوم التوسل منذ عهد قوم نوح إلى يومنا هذا والرد عليهم بإيجاز، مع ذكر أنواع التوسل الثلاثة، وبيان ما هو المشروع منها والممنوع.
  1. الغاية التي يسعى إليها العباد

     المرفق    
    اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الغاية التي يسعى إليها كل المخلوقين، فيسعون إِلَى معرفة ربهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويسعون إِلَى نيل رضاه، ويحرصون عَلَى أن يدفع الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنهم ما يكرهون، وأن يمنَّ عليهم ويتكرم بما يريدون، فالأصل في البشرية جميعاً أن اتجاهها هو إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن غايتها وإرادتها تنتهي إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكن الانحراف واقع، وقد وقع قديماً وحديثاً، فيظن أن غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يملك ما يملكه الله، أو يمكن أن يكون وسيلة إِلَى ما عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    1. أعظم ما يتوسل به إلى الله

      إن القلوب لا تطمئن ولا تسعد ولا ترتاح في هذه الحياة الدنيا إلا إذا عرفت ربها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتقربت إليه بأنواع القربات، التي جعلها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وسيلة إليه، فهذه هي الوسيلة الشرعية، والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لما أن علم ذلك ((وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))[البقرة:29] جعل هذه النفوس هكذا مجبولة، لا ترتاح ولا تطمئن ولا تسعد في الدنيا ولا في الآخرة، إلا بعبادته وطاعته، وبمعرفته، وبالتقرب إليه، وما عدا ذلك فهو شقاء وضياع ونكد، وهو أرحم الراحمين، وهو الغني سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الكريم الذي كَّرم بني آدم، وهو الذي امتن عليهم بالرسل، وهو الذي أنزل عليهم الكتب، فجعل هذا الباب واسعاً جداً، لأنه لا سعادة للخلق إلا به.
      وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل نعيمه مترتباً عَلَى التقرب والتوسل إليه بما شرع، وجعل عقوبته وعذابه لمن توسل أو تقرب إليه بغير ما شرع سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أو استكبر وأعرض عن التقرب والتوسل إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    2. توسل الأنبياء والملائكة

      لقد ذكر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن أفضل خلقه وأعلاهم درجة، وأرفعهم رتبة وقرباً منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم الأنبياء، فقَالَ: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً))[الإسراء:57] فهَؤُلاءِ الأنبياء والملائكة، والصالحون الذين ما دعوا وعبدوا إلا لمتابعتهم لطريق الأنبياء -هَؤُلاءِ- أعظم ما وصفهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به أنهم يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، واللهُ تَعَالَى أمرنا جميعاً بأن نبتغي إليه الْوَسِيلَةَ فَقَالَ سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ))[المائدة:35] فيجب أن نبتغي إِلَى اللهِ الْوَسِيلَةَ وأن نتزلف ونطلب الْوَسِيلَةَ إليه والقرب منه، فهَؤُلاءِ الأنبياء والملائكة والصالحون الذين عبدوا من دون الله، والذين أُشِرك بهم مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والذين ابتدع أهل الباطل وأهل الشرك في حقهم ما لم يأذن به الله، وما لم يشرعه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هَؤُلاءِ المدعوون المعبودون، الذين يشرك بهم من أشرك ويستغيث ويستعيذ ويلوذ بهم البعض، هَؤُلاءِ بأنفسهم يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، فجبريل عليه السلام أفضل الملائكة، ومُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل البشر يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، والملائكة الذين خلقهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مطهرين من كل ذنب، ولا تخطر لهم خاطرة بسوء أو معصية، وهم مع ذلك من خشيته مشفقون، ويعبدونه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويسبحون له بالليل والنهار، لا يملون ولا يفترون، ويتقربون إليه جل شأنه، ويخافون من عذابه وسطوته، ومن نقمته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم بهذه الحالة من القرب ومن التقرب.
    3. توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربه

      وقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أنه أعرف الخلق بالله، وأقرب الخلق إِلَى الله، وأخشى الخلق لله واتقاهم له سبحانه، كما صرح بذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ: {إني: لأعلمكم بالله، وأخشاكم له} ومع ذلك كله كَانَ يتقرب بنفسه إِلَى الله وكان يبتغي إِلَى الله الوسيلة بكل ما تستجلب به مرضاة الله، وكل ما يؤدي إِلَى جنة الله ووعده، وبعث الله أنبياءه الكرام جميعاً ليعلموا النَّاس كيف يتوسلون إليه، وكيف يتوصلون إليه.
    4. التوسل بمعناه العام

      و أعظم ما يُتوسل به إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو توحيده جل شأنه ثُمَّ يتوسل إليه بالعمل الصالح، وهذه هي الوسيلة العامة، أو الدعاء بمعناه العام، و{الدعاء هو العبادة}، كما صح في الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن يعبد الله فهو يدعو الله، أو من يدعو الله، فهو يعبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكل ما يريده الناس من قربة تقربهم إِلَى الله، أو يتطلعون إِلَى وسيلة تكون لهم زلفى عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فقد جَاءَ بها الأَنْبِيَاء والرسل، وامتن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بها عليهم، وهي أعظم ما امتن به، حتى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما قَالَ: ((الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ))[الرحمن:1-4] في هذه الآيات جعل تعليم القُرْآن قبل خلق الإِنسَان لأن تعليم دين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وما يقرب إليه سُبْحَانَهُ وما يهتدي به المهتدي إليه أعظم من كونه خلق الإِنسَان، وإلا فكم من مخلوق ليس بمهتد إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولا يعرف الطريق إِلَى ربه لا فائدة في حياته، والأموات خير منه، وعدمه خير من وجوده ((أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ))[الأنعام:122] هذا هو المؤمن الذي أحياه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأنار قلبه بالإيمان والهدى، والقرآن، فهذا الدعاء بمعناه العام، والتوسل بمعناه العام، هو العبادة، ولهذا لا طريق للتوسل إِلَى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إلا بما شرعه الله وبما أنزله عَلَى نبيه مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما سنه رَسُولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما عدا ذلك فلا يوصل إِلَى الله، ولا يقرب منه بل هو طريق الضلال، والغواية وفي الأخير نهايته إِلَى النار، وإلى غضب الجبار، تَعَالَى وتقدس.
  2. الانحراف في مفهوم التوسل

     المرفق    
    لقد انحرف كثير من النَّاس في مفهوم التوسل فوقعوا في التوسل بذوات المخلوقين، حتى بلغ بهم الأمر أن عبدوا أُولَئِكَ المخلوقين، وما كَانَ غرضهم في الأصل إلا أن يتوسلوا بذواتهم أو يتقربوا بهم إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    1. شرك قوم نوح

      أقدم شرك وقع في بني آدم هو شرك قوم نوح، وذلك بسبب هذا الأمر، أنه كَانَ يوجد فيهم عباد وأولياء صالحون، "ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسراً" كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن عباس، وهَؤُلاءِ الصالحون قال قومهم لما ماتوا: كيف نتذكرهم؟ وكيف نعبد الله مثل عبادتهم ونتقرب إليه مثل تقربهم؟ فلو صورناهم فتذكرنا عبادتهم وتقواهم، فعبدنا مثل عبادتهم واتقينا مثل تقواهم، فلما صوروهم، ونسخ العلم، وجاءت الأجيال بعد الأجيال نسيت القضية الأساسية وهي التذكر وأصبحت توسلاً، فَقَالُوا: نتقرب بهَؤُلاءِ إِلَى اللهِ، ثُمَّ أصبحوا يعبدونهم من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن النَّاس من عبد الملائكة، ومنهم من عبد الكواكب، والهدف واحد((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى))[الزمر:3] الآية. أي: جعلناهم واسطة بيننا وبين ربنا عَزَّ وَجَلَّ، ووسيلة نتوسل بها إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ.
      ولما أن بعث الله عَزَّ وَجَلَّ نبينا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهدى ودين الحق، ورفع راية التوحيد ونشرها في الآفاق، وحطم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به الطواغيت والأصنام، وهدمت بيوت النار، وهدمت الصوامع الشركية وكل أنواع العبادات لغير الله بما قدَّر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن تصل إليه دعوة الإسلام؛ ظل أعداء الإسلام يكيدون لهذه الأمة وحرصوا عَلَى أن يعيدوها إِلَى ملة الجاهلية الأولى، وِإلَى التوسل، ودعاء غير الله، ودعاء الأموات، وعبادة الصالحين، يريدون أن يردوها إِلَى تلك القرون السحيقة، وكأن نوحاً لم يبعث ولا النبيون من بعده وآخرهم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2. العبيديون وإحداث بدعة التوسل

      نستطيع أن نقول: إن أول من أحدث وأحيا عبادة القبور وبنى الأضرحة والقباب في دين الإسلام هم العبيديون المنتسبون زوراً وبهتاناً إِلَى فاطمة، وهذه الحركة الباطنية جزء من المجوسية الباطنية، أو من الباطنية التي كانت مكونة من اليهود والمجوس وأعوانهم، ممن أرادوا هدم الإسلام عن طريق هذه الحيلة العظيمة، وكتابهم الذين يرجعون إليه ويقتبسون منه، وينقلون منه، وأرادوا أن يجعلوه بديلاً عن القرآن.
      وهو عبارة عن خمسين رسالة كتبت عَلَى رأس الثلاث المائة، قيل: إنه بُدئ في كتابتها في أيام المأمون ولكن المترجح أنها عَلَى رأس الثلاث مائة وزيادة، وهي خمسون رسالة كتبت في الفلسفة، كل رسالة في موضوع معين من الموضوعات الفلسفية، مشتقة من الفلسفة اليونانية القديمة، ومن بعض فلاسفة الهند وفارس، وكانوا يرجعون إليها وينسجون عَلَى منوالها، ويهتدون بما فيها -وما فيها إلا الضلال- وهذه الرسائل سميت رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وهي موجودة الآن ومطبوعة، وهي تشتمل عَلَى هذا الشرك ويقول أصحابها: وجدنا أننا ضعفاء عاجزون، ومذنبون، وأنه لا يمكن الوصول إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مباشرة، فلا بد أن نتخذ بيننا وبينه الوسائل والوسائط نتوسل بها إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكلاماً هذا مجمل معناه، فأحيوا هذا الدين الفاسد وإلا فهو قديم من عهد قوم نو.
      ولما أن سيطر هؤلاء العبيديون، وحكموا القسم الغربي من العالم الإسلامي -كما هو معلوم- فإن حكمهم بدأ من المغرب، من المدينة التي سماها أبو عبيد الله الشيعي بـالمهدية في تونس، وهناك بدأت الدعوة ثُمَّ جاءوا إِلَى مصر، وكان قائدهم جوهر الصقلي، ففتحوا القاهرة، وفتحوا مصر، وفيها أسسوا قاعدتهم ومنها دخلوا إِلَى بلاد الشام، فاحتلوها حتى أنهم في فترة من الفترات، وصلوا بغداد وخطب لهم عَلَى منابر بـبغداد في أيام وسط فترة خلافة الدولة العباسية.
      حتى جَاءَ ملوك السلاجقة، فطردوهم عَلَى ما هو مفصل في التاريخ، فاحتلوا هذه المساحة الكبيرة من المغرب، ومصر والشام وكذلك الحجاز واليمن، وكان في القسم الشرقي الذي يشمل جنوب بلاد الشام وشرقيها وجنوب العراق، وبلاد فارس وشرق الجزيرة العربية كَانَ القرامطة وهم أيضاً عَلَى دين الباطنية، وأعلنوا الكفر بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والشرك جهاراً نهاراً.

      وشرعت مسألة التوسل تطبيقاً لماشرعه أُولَئِكَ الكهنة أو الأحبار الذي كتبوا رسائل إخوان الصفا ففي مصر لما بنوا المدينة التي سموها القاهرة قالوا: نَحْنُ من آل البيت، وابتدعوا قولاً وهو أن رأس الحسين بن علي رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما لما قتل في كربلاء أرسل إِلَى مصر، وليس لهذا ذكر في التاريخ، وليس له من مبرر، حتى قيل: إن إرسال رأسه من كربلاء إلى دمشق لم يحصل أصلاً، ولماذا يرسل رأسه هل للتأكد من موته؟ وهل هو إنسان مجهول حتى يعلم أنه مات أو لم يمت؟!
      إن موت الكبراء والعظماء معروف سواء كانوا عَلَى حق أو عَلَى باطل، فزعموا وادعوا أن الحسين قد أرسل رأسه إِلَى مصر فقالوا: نتوسل إِلَى الله بـالحسين، وبرأس الحسين ثُمَّ وضعوا أيضاً، مشهداً للسيدة زينب، وهذا للسيدة نفيسه وهكذا حتى يؤكدوا أنهم من آل البيت، وأنهم يعظمون ويحيون ما اندرس من شعائر الدين التي يستحقها أهل البيت، والتي يأذن بها ويشرعها أهل البيت، عملاً بما جَاءَ في كتب الرافضة -قبحهم الله- من كذب وافتراء عَلَى آل البيت أنهم هم الوسيلة إِلَى الله -كما في كتاب الكافي- فالأصل أن المنبع واحد، فهذا هو الذي أوجد قضية التوسل في العالم الإسلامي، وأصبحت بهذا الشكل المشاهد الآن.

      فـالرافضة رووا روايات -كما في الكافي- عن جعفر الصادق أنه قال (نَحْنُ آل بيت رَسُول الله، ونحن الوسيلة إِلَى الله، ولا وسيلة إِلَى الله عن غير طريقنا أو من سوانا) فَقَالُوا: إذاً آل البيت هم الوسيلة إِلَى الله، وأولئك يزعمون أنهم من آل البيت فاتفقت الفكرة المجوسية القديمة، مع تلك الفكرة الرافضية التي منابعها وأصولها مجوسية أيضاً، والهدف من الجميع واحد وربما كَانَ المخطط أيضاً واحد، فهؤلاء أقاموا في بلادهم القباب والقبور وشيدوها وكذلك هؤلاء وكل ذلك بدعوى محبة آل البيت، وبهذه الطريقة انتشرت عبادة القبور.
    3. الصوفية والتوسل

      تُعدُّ الصوفية الجناح الثالث الذي نشر هذه الفكرة باسم التوسل وتعظيم القبور، حتى أصبح الآن أنك إذا قلت: هذا صوفي، فمعناه: أنه يعظم الأموات والقبور، بينما كانت في الأصل الباطنية.
      والقائمون اليوم عَلَى الأضرحة والمشاهد والقباب والقبور كُلهم من الصوفية، مما يدل عَلَى أن هناك أصلاً مشتركاً، كما أنهم يقولون: إن أصل التصوف هو عَلِيّ رضي الله تَعَالَى عنه، وأصل العلم الباطن هوعَلِيّ
      فكل دعاة الإلحاد والإفساد في دين الله دخلوا من باب التشيع ومن باب محبة آل البيت، إلا أنه وفي المرحلة الأولى، وأول ما وجدت هذه المشاهد كانت عَلَى أيدي العبيديون، الذين كانوا كما قيل فيهم: ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض، فأظهروا المولد وبنوا المساجد عَلَى القبور كما فعل النَّصَارَى الذين قَالَ فِيهمُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{لعن الله اليهود والنَّصَارَى اتخذوا قبورا أنبيائهم مساجد} أو قَالَ: {كانوا إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا عَلَى قبره مسجداً} هذا ما فعله أُولَئِكَ وامتلأ به العالم الإسلامي.
    4. الرافضة والتوسل

      بعد أن انقرضت وهلكت دولة العبيدين عَلَى يد الأمير المجاهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى الذي أفنى الله تَعَالَى بسيفه أُولَئِكَ المجرمين الزنادقة وأهلكهم وورث التركة الرافضة وورثتها الصوفية فيما بعد، فأما الرافضة فإنهم يعتقدون أن الوسيلة التي شرعها الله هي التوسل إِلَى الله بعبادة الذوات وبالأخص أهل البيت: علي، الحسن، الحسين، عقيل، وصاحب السرداب هذا المعدوم الموهوم وغيره.
      وتجدون ذلك في جميع كتبهم كما في كتابهم المسمى الجنان أو البستان وتعليق عَلَى البستان وأمثال ذلك، ففيها أدعية من أولها إِلَى آخرها ماذا يقال عند مشهد وقبر كل واحد منهم، حتى ألف أحدهم وهو من كبرائهم الخبيث المسمى ابن المفيد ألف كتاباً سماه مناسك المشاهد فكما أن للحج والعمرة مناسك، فقد جعلت الرافضة مناسك لزيارة المشاهد وَقَالُوا: إن تربة قبر الحسين عندهم أفضل من الكعبة، وأن من جَاءَ لزيارة الحسين فهو أفضل من الحج إِلَى مكة، قيل: بسبع مرات، وقيل: بسبعين مرة، وقيل أضعاف ذلك، فهذا هو الرفض الأساسي، صرف النَّاس عن التوحيد وعن تعظيم ما عظم الله، فالله تَعَالَى شرع تعظيم شعائره، ومن شعائره تعظيم هذا البيت المحرم، وهذا الحرم الآمن فهم يريدون أن ينقلوا ذلك إِلَى غيره، فهم اتجهوا شرقاً، والعبيديون اتجهوا غرباً.
      قبر الحسين عند الرافضة:
      لقد أصبحنا نجد في مصر قبراً يقال له: قبر الحسين أو مشهد الحسين وهو من أكبر أماكن العبادة لغير الله، والعياذ بالله، كما يوجد في شمال أفغانستان في مدينة كبيرة مشهورة تسمى مزار شريف أي المزار الشريف وهو قبرُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، في بلد لم يصل أمير المؤمنين علي رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وإنما المعروف المتواتر أنه قتل بالكوفة ودفن هنالك وجُهِلَ وخفي قبره.
      ويحضر عنده الآلاف للحج كأنك ترى النّاس في منى أو في عرفة، وخاصة في فترات معينة من السنة، يحضرون من أفغانستان ومن باكستان ومن التركستان ومن مناطق عديدة، وترى النّاس وكأنك في المشاعر التي عظمها الله وقدسها وأمرنا أن نعظمها.
      وفي نفس الوقت تجد الحسين الذي قتل في كربلاء يعبد في مصر، ويعبد في دمشق ويعبد في العراق أيضاً، فكل يدعي أن الحسين قبر عندهم ولو ثبت أنه في مكان معين لما صح أن يعبد الله عَزَّ وَجَلَّ عند قبره فضلاً عن أن يعبده أو أن يدعوه من دون الله،
      ثم جَاءَ بعد ذلك دور التصوف لما ظهرت أعلام السنة، وأصبح كل من انتسب إِلَى الرافضة او التشيع عرف الْمُسْلِمُونَ أنه عدو الله ولرسوله وللمؤمنين.
      الحروب بين الرافضة وأهل السنة :
      قامت الحروب المشتعلة في كل مكان بين الْمُسْلِمِينَ وبين هَؤُلاءِ الروافض، فعلى سبيل المثال في بغداد عاصمة العالم الإسلامي عاصمة الدنيا جميعاً في القرون الوسطى، كانت تنقسم إِلَى قسمين: الكرخ، والرصافة، ففي كتب التاريخ أن المعارك نشبت بين الكرخ وبين الرصافة، والشيعة في الكرخ وأهل السنة في الرصافة، فأحياناً أهل السنة يهجمون عَلَى الكرخ ويحرقونهم.
      وأحياناً يحرق أهل الكرخ الرصافة وهكذا طوال التاريخ، وهذه عاصمة الخلافة الإسلامية، وعاصمة الدنيا، وهذا الحال فيها، وكذلك كثير من البلدان، فعداوة الرافضة اتضحت وأُعِلَنت، فجاءوا من طريق آخر خفي وهو الأخبث، ولا يزال موجوداً إِلَى اليوم ينشر الشرك وهو الذي وَرِثَتهُ الصوفية عن الرافضة والباطنية.
  3. كتاب "السيد البدوي.." وفضح المخططات ضد الإسلام والمسلمين

     المرفق    
    كتب أحد أساتذة التاريخ في جامعة القاهرة كتاباً كبيراً عنوانه السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة أثبت الكاتب فيه بالمصادر وبالتحليل أن المسألة تدبير وتخطيط لإعادة المجد العبيدي الفاطمي -كما يُسَمى- فهي مؤامرة للقضاء عَلَى الإسلام متلبسة بلباس أهل البيت ولكن عن طريق آخر غير صريح، ولا مباشر، وهذا هو طريق التصوف، ولهذا فـالبدوي وأمثاله يدعون أنهم من أهل البيت، فكل من خرج وادَّعى وشرع طريقة من طرق الصوفية فهو من آل البيت، ولو كَانَ من أبعد بلاد الله تَعَالَى عن جزيرة العرب فضلاً عن أن يكون عربياً، فضلاً عن أن يكون من قريش، يختلقون له نسباً ويدَّعون أنه من أهل البيت لتتوطد تلك العلاقة التي يريدونها.
    فذكر الكاتب كيف أن هذا البدوي وأمثاله خططوا لإعادة تلك الفكرة سواء عن طريق دولة تقوم أو عن طريق إحياء ذلك المبدأ وذلك الهدف الذي شرع، والغرض منه القضاء عَلَى الإسلام وأن ينقل الْمُسْلِمُونَ من دين الإسلام إِلَى دين الشرك وهم يظنون أنهم مسلمون، وبذلك يحقق أعداء الإسلام من اليهود والمجوس والنَّصارَى وأمثالهم المآرب التي يريدونها؛ لأنهم يعلمون أن هذه الأمة متى خرجت عن دينها وانحرفت، ومتى تعلقت بالأموات والقبور، فلن تقومَ لها قائمة، بل هي من ذُلٍ إِلَى ذُلٍ، ومن هزيمةٍ إِلَى هزيمةٍ، ومن ضياعٍ إِلَى ضياعٍ.
    وإذا وحَّدت وآمنت واعتصمت بالله فإنها سوف تحقق الأعاجيب، وقد رأوا ذلك في تاريخهم القديم، وفي تاريخهم الحديث وهم جربوا ذلك وعرفوه بالتجربة.
    وذكر الكاتب كيف كَانَ الدعاة يأتون من المشرق والمغرب يهدفون جميعاً إِلَى شيء واحد، وكانت لهم صلة لا تخفى عَلَى كل من قرأ حياتهم بشياطين الجن، فكانوا هم شياطين الإنس، وأولئك هم شياطين الجن كما قال الله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)) [الأنعام:112].
    فكانوا يستعينون بأولئك الشياطين ويدعون الكرامات والخوارق الكاذبة حتى سحروا ألباب النَّاس وسخروا من عقولهم، فغنموا الأموال والجاه والسلطة، وغنموا كل شيء باسم أنهم أولياء وأتقياء لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن أهل الدين، ومن أهل الولاية والقربة، فكان كثير منهم له غرض واضح في إقامة دولة مجوسية شيعية، والبعض الآخر لم يفكر في ذلك، أو لم يستطيع أن يفعل ذلك؛ لكنه اكتفى بغرض هدم الدين، وإخراج الْمُسْلِمِينَ عن الصراط المستقيم، وعن عبادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتوحيده الذي هو أساس نجاحهم وسر حياتهم.
    1. أثر هذه المخططات أيام الاستعمار

      وقد ظهرت آثار هذه المؤامرات والاتصالات الخفية عندما جَاءَ الاستعمار، وإذا به يدس في أولئك من أوليائه وتكون الصلة بينهم وبينه، وما دخل الاإنجليز والفرنسيون بلداً، إلا ولهم أولياء وأصفياء مقربون من أهل تلك البلاد، ولذلك لما دخل الانجليز إِلَى الهند مثلاً ظهر الذي يسمى سير أحمد خان، وجاء بدعوة جديدة، وظهر أيضاً في المقابل أحمد القادياني والكل يدعو إِلَى تعظيم الإنجليز وإلى محبتهم، وإلى ترك الخروج عليهم وعدم مجاهدتهم.
      وهكذا ظهر من الباطنية سيف الدين الذي تنتسب إليه الفرقة السيفية من الباطنية التي لا تزال قائمة إِلَى اليوم، وقد أمَّده الإنجليز وساعدوه وشجَّعوه في إحياء الباطنية من جديد، وكذلك الآغاخانية.
      وهكذا في كل بلد دخلها هَؤُلاءِ يمدون العلاقات والصلات مع الباطنية ومع الصوفية، فانتشرت هذه الضلالات وهذا الشرك في العالم الإسلامي تحت اسم التوسل، فإذا قلت لأحد منهم: لا تشرك بالله، لا تقل: يا علي، يا حسين، يا عباس، يا كذا! لا تدعوا غير الله فَيَقُولُ: أنا لا أشرك بالله بدعاء هَؤُلاءِ الأولياء والصالحين، بل هذا توسل والتوسل قد قال بعض العلماء: إنه بدعة، وقال بعضهم: لا بأس به فينقلك إِلَى خلاف العلماء، فهو يفعل التوسل الشركي، ويحاول أن يجعله من التوسل البدعي.
      والتوسل البدعي هو الذي تكلم عليه المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- وسوف نشرحه بإذن الله؛ لكن رأينا أن أهم منه وأولى الحديث عن التوسل الشركي الذي ابتدأ منذ أن عبد الرجال الصالحون من قوم نوح، وانتهى بما ترونه اليوم مما يعبد في مشارق الدنيا ومغاربها من الأضرحة والقبور والأولياء بحجة واحدة وهي التوسل، وكثير من النَّاس أصحاب علم في تلك البلاد، وأصحاب عمائم ولديهم الباع الطويل في الفقه وفي غيره، ولكنهم واقعون في هذا الشرك والعياذ بالله ويبررونه ويفلسفونه، ويقولون: هذا هو التوسل، بل يسمون تلك الأماكن بالأماكن المباركة، المقدسة، الطاهرة، ويحرصون أن يُعقد الزواج في تلك الأماكن المقدسة، وأن تكون حلقات العلم في تلك الأماكن المقدسة، هكذا بلغ تقديسها وتعظيمها، وكأنك تقول أنت أيها المؤمن الموحد السني: إننا في بيت من بيوت الله أو في مسجد رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو في المسجد الأقصى، فالمساجد التي هي فعلاً بيوت الله، وقد أمر الله أن ترفع وأن تقَّدس وتعظَّم، وهي لا تعظم عندهم إلا إذا كَانَ فيها شرك.

      ولهذا فالعلامات كثيره والأمر واضح، وتجدون أن زعيم الباطنية الآغاخانية وزعيم الصوفية الجديدة وأمثالهم يتبرعون بتكاليف بناء المنابر والقباب -وبتجديدها وتلميعها- عَلَى الأضرحة وعلى المزارات التي يعبد فيها غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وينفقون عَلَى ذلك الأموال الطائلة، وتطلى بالذهب وبأفخر أنواع الرخام والفضة والخشب النادر الثمين، وأُولَئِكَ المغفلين السذج يتقربون إليها ويعبدونها.
      فهذا كاتب مصري ليس من العلماء عاش مأساة هذه الأمور ثُمَّ هداه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعرف التوحيد عَلَى يد الشيخ مُحَمَّد جميل غازي كتب كتيباً صغير سماه اعترافات كنت قبورياً ذكر فيه أمور يتعجب منها القارئ، هذه الأمور التي ذكرها لا يصح معها دين ولا صلاة ولا صيام كيف يقبل عمله وهو يعتقد أن البدوي يرزق الولد، ويحفظه من الموت، فأي عبادة تقبل منه والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول: ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً))[الفرقان:23] فإذا خاطبت هَؤُلاءِ الجهال احتجوا بالعلماء، وإذا ذهبت إِلَى العلماء قالوا: هذا توسل، نتوسل إِلَى الله، والشرك فقط أن تعتقد أن أحداً غير الله يؤثر في شيء من الأشياء، ونحن نعتقد أنه لا فاعل إلا الله ولا مؤثر إلا الله، فجعلوها جبرية محضة، وأثبتوا جزءاً من توحيد الربوبية، وليس هو توحيد الربوبية الحقيقي، وإنما هو ما ظنوه أو فهموا أنه هو التوحيد، وهو أن تعتقد أن الله خالق كل شيء وأنه الفاعل لكل شيء، وهذه عقيدة شركية باطلة، فمعنى من يعتقد أن الله هو الفاعل لكل شيء: أنه إذا زنى زان، أو شرب الخمر شارب، ماذا يُقال عَلَى اعتقادهم هذا عياذاً بالله؟ الجواب معروف يعتقدون المجاز؟ فهم يعبدون الأموات ويدعون غير الله الزمن الطويل ولا يعبدون ولا يدعون الله إلا قليلاً.
      فيقال لهم: لو كَانَ ذلك حقاً وأنكم ترون أن عين التوحيد وحقيقته هو ذلك، فلماذا تقولون إن البدوي حفظ الولد، فـالبدوي لا يحفظه؛ لأنه لا فاعل إلا الله فالفاعل الحقيقي هو الله وهذا عَلَى سبيل التنزل معهم، ولكنَّ هذا من تلبيسات الشيطان، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل ذلك فتنة للناس، وكما مر معنا أنه ما عُبدَ غيرُ اللهِ، ولا أُنكِرت صفاته، ولا أَلحدَ المُلحدون، ولا ابتدع المبطلون، إلا بشبهات وتأويلات.
  4. التفسير الصوفي لآيه الوسيلة والرد عليه

     المرفق    
    أن مما يفسر به هَؤُلاءِ الصوفية والروافض قوله تعالى:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ))[المائدة:35] قالوا: إن الله يأمرنا أن نبتغي إليه الوسيلة ومعنى ذلك أن نتخذ وسائل ووسائط من العباد لندعو الله عن طريقهم أو ندعوهم فإذا قال أحدهم: بجاه مُحَمَّد، أو بجاه الحسين، أو بجاه عَلِيٍّ، أعطني يارب كذا فَيَقُولُ: الآن اتخذت إِلَى الله الوسيلة، وهذا هو التوسل البدعي كما سنفصله إن شاء الله.
    لكن أكثر ما يستخدمون هو الدعاء المباشر يا علي، يا حسين، يا بدوي، فإذا قلت لهم: كيف تدعون هَؤُلاءِ من دون الله، قالوا: هذا فقط مجرد وسيلة، فنحن لا نقصد الدعاء المباشر لهم، فسواء قلنا: يا علي، أو قلنا بجاه علي، أو يا مُحَمَّد أو بجاه مُحَمَّد كله واحد لأنه لا فاعل إلا الله، فنجدهم يلَّبسون فيجعلون التوسل الشركي بدعياً ثُمَّ يأتون للبدعي ويقولون: هذا هو الصحيح.
    فتكون النتيجة: أنهم نقلوا الجماهير المغفلة المسكينة من الشرك الأكبر، إِلَى حقيقة التوحيد -في ظنهم وفي زعمهم- فيشركون بالله ليلاً ونهاراً وهم يحسبون أنهم يحسنون وأنهم يوحدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    1. التوسل المشروع

      وأعظم ما يكون به التوسل عند أهل السنة هو التوسل بتوحيد الله وبطاعته.
      فمن أراد أن يتوسل إِلَى الله فهذا طريقه الذي أمر الله به أن تبتغى إليه الوسيلة هي: أن يطاع وأن يتقرب إليه بما شرع فهذا هو ابتغاء الوسيلة، وهذا هو توسل عباد الله الصالحين ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ))[الإسراء:57] في أنهم يعبدون الله ويتقونه ويخشونه، ولا يبتدعون في دين الله بل ولا يعصونه فيما هو أقل من ذلك.
    2. التوسل الشركي

      وأما التوسل الشركي فهو: أن يُدعي غير الله، وأن يستغاث بغير الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأن يذبح وينذر لغير الله، أو أن يصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، ويُقَالُ: هذا واسطةٌ بيننا وبين الله، وهذا هو عين ما قاله المُشْرِكُونَ حينما قالوا: ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) [الزمر:3]
    3. التوسل البدعي

      وأما التوسل البدعي فهو أن يكون المدعو والمعبود هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الحقيقة ولكن يتوسل إليه بذات من ذوات المخلوقين أو بجاههم، أو بعمل من الأعمال التي لا يصح التوسل بها، أو بحق من الحقوق فهذا هو التوسل البدعي، لأن لدينا قاعدة بسيطة سهلة يحفظها الجميع وهي أن كل عمل لم يعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو بدعة، حتى ولو جَاءَ إنسان وقَالَ: هذا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاهه عند الله عظيم.
      فنقول: نعم، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذلك؛ لكن هل معنى ذلك أننا نسأل الله بذاته؟ هل ورد ذلك؟ هل فعل الصحابة ذلك بعد مماته؟ لا.
      ومن هنا نرجع إِلَى قضية الاتباع وليس الابتداع، فإذا وجدنا أن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد مماته توسلوا بذاته إِلَى الله، أو دعوا الله بذاته، فهم أولى النَّاس بالإتباع، وهم أعرف النَّاس بالدين، فنتبعهم وإن كانوا لم يفعلوا؛ بل بينوا لنا ما هو التوسل المشروع كما في قصة عُمَر ومعاوية مع العباس رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم، عرفنا ما هو التوسل المشروع وما هو غير المشروع.