هذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري بسنده إلى معبد بن هلال العنزي قال: {اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك وذهبنا معنا بـثابت البناني } وهذا من خاصة تلاميذ أنس.
وأنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفه الله سبحانه وتعالى بهذه المهنة العظيمة وهذه المنقبة الجليلة التي يتمناها كل مؤمن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشرف بخدمة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد روى عنه روايات كثيرة، فهو من المكثرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رغم صغر سنه، ولكن الله عز وجل أعطاه الفقه وأعطاه الذكاء والفهم واستجاب الله دعوة نبيه عندما دعا له في أن يطيل عمره فأطال عمره، فكان في ذلك منقبة عظيمة وخير عظيم للأمة الإسلامية.
وأيضاً أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تزوجه النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لا تزال فتاة في ريعان الصبا فتوفي عنها صلى الله عليه وسلم وهي كذلك فبقيت تحدث الناس عما كان يفعل في حياته صلى الله عليه وسلم نحواً من خمسين سنة بعد وفاته عما كان يفعل صلى الله عليه وسلم.
وهذا أنس خادم النبي عاش بعد عائشة ما يقارب الأربعين سنة أو يزيد فكان يحدث الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان السلف الصالح حريصين على طلب العلم، فاخذوا ثابت لمكانته من أنس وقالوا: نذهب نزور خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ونسأله عن حديث الشفاعة.
{فذهبوا إليه، فإذا هو في قصره} أي: في بيته، وكانت تعد لما هم عليه من شظف العيش قصوراً، ولكنها بالنسبة لما كانت عليه قصور كسرى وقيصر وملوك الدنيا لا تساوي شيئاً من ذلك، فكان في منزلة رضي الله عنه.
{فوافيناه يصلى الضحى فاستأذنا} وفي ذلك دليل على مشروعية صلاة الضحى.
قال: {فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لـثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة} أي: لا تقدم على حديث الشفاعة شيئاً آخر ؛ لأن ذلك كان في آخر عُمْرِ أنس، وفي أيام الحجاج، وكانت الخوارج قد ظهر أمرها وكانت تحارب الحجاج حتى كان لهم دول في جهة فارس وعمان، وكانوا ينكرون الشفاعة، ولهذا ذهبوا يسألوا عن هذه القضية المهمة فيخشون أن يسأل ثابت عن شيء من الأحكام الأخرى، والباقون ساكتون وهذا من الأدب.
فتقدم ثابت فقال: {يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة} بدأ يقدم لهذه الزيارة في هذا الوقت، وأن المقصود بها العلم، وأن هؤلاء ما قصدهم إلا ذلك.
وكما مر معنا من أن طلق بن حبيب ويزيد الفقير وهما من مشاهير التابعين يقول طلق: " كنت أرى رأي الخوارج وكنت أنكر حديث الشفاعة حتى ذهبت إلى جابر" ، وبعضهم ذهب إلى أنس وبعضهم ذهب إلى غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه القضية كانت رائجة، خاصة في البصرة والكوفة لأنها موطن الخوارج. وكانوا يقولون: كيف يفعل الكبيرة، ثم يغفر له، أو يُشفع فيه، فهذه شبهة روجها
الخوارج، فلاقت آذانا عند بعض الناس ولكن شفاء العي السؤال، وشفاء الجهل العلم، فإذا سمع الإنسان بأمر وأشكل عليه، فلا يجتهد بآرائه الشخصية، ويقول: هذا حلال وهذا حرام وهذه بدعة وهذه سنة ولكن الله يقول:
((فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) [النحل:43] فذهبوا ليأخذوا العلم من أهله، أنس رضي الله عنه حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: {إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض} من الهول والكرب {فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لستُ لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن} ولم يذكر نوح لكن في الأحاديث الأخرى ذكر نوحاً عليه السلام وهذا هو الراجح، فهو إما سقط، وإما خطأ من الحفاظ {فيأتون إبراهيم فيقول: لستُ لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته} .
فنحن نشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
عبادة بن الصامت رضي الله عنه المتفق عليه
{فمن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبد الله ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح، منه وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل} .