المادة    
  1. عظمة حديث الولي والمؤلفات فيه والشروح له

    هذا الحديث العظيم تكلم فيه العلماء، وأطال من أطال منهم، وأوجز من أوجز، وقد أفرده الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى بمصنف خاص اسمه: قطر الولي من شرح حديث الولي ، وهذا الكتاب حققه، وقدم له، وعلق عليه: الشيخ إبراهيم إبراهيم هلال ، وهو بعنوان: ولاية الله ، وهو كتاب في مجلد، فتحدث في أوله عن الولاية، ثم جعل القسم الثاني منه لدراسة وتحقيق كتاب الشوكاني رحمه الله، وتكلم عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله، وإن كان رحمه الله أكثر كلامه من جهة الأحكام، وهو كعادته رحمه الله ينقل خلاف العلماء في الألفاظ، وفي الأحكام، بعد أن ذكر الروايات، وسنذكر إن شاء الله تعالى طائفةً منها هنا. ‏
  2. استيفاء الحافظ ابن رجب لشرح حديث الولي

    وأما الذي رأيت أن أنقل من كلامه هنا فهو الإمام العالم العابد الرباني ابن رجب رحمه الله في كتابه المعلوم جامع العلوم والحكم ، فالإمام الحافظ ابن رجب رحمه الله استوفى الكلام هنا عن الروايات كما في الفتح ، وزاد بأن ذكر نص الروايات، ومن رجع إلى فتح الباري ؛ والحديث موجود فيه في كتاب الرقاق (11/43) من الطبعة السلفية القديمة، فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى طرق الحديث، وقد ذكر ابن رجب هذه الطرق، وقد قارنته بـالفتح فوجدت أنه قد استوفى ما ذكره الحافظ وزاد بأن أورد الروايات، بينما نجد الحافظ رحمه الله يقول: رواه فلان مختصراً مثلاً.
    والأمر الثاني: أن الحافظ ابن رجب شرحه شرحاً نافعاً، فذكر ما يتعلق بحقيقة الولاية، وكيف تنال ولاية الله تبارك وتعالى؟ وكيف يزكي المرء قلبه ونفسه حتى يكون من أولياء الله، فالكلام الذي ذكره هنا موجز ومفيد، ويغني عن كثير مما استطرد فيه الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى.
  3. ميزة الإمام البخاري وفضله في إخراجه لحديث الولي

    فأولاً: أن اللفظ الذي ذكره هنا غير اللفظ الذي ذكره الشيخ هنا؛ فهناك اختلاف يسير في الجمل والعبارات، ثم بعد أن ذكر نصه ولم يذكر آخره في جامع العلوم والحكم قال: هذا الحديث تفرد بإخراجه البخاري دون بقية أصحاب الكتب، والمقصود بتفرد البخاري تفرده بإخراجه بهذا اللفظ من هذا الطريق، وإلا فقد رواه غيره كما سيأتي، لكنه تفرد بهذا اللفظ من طريق أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فجزى الله الإمام البخاري خير الجزاء؛ فإن هذا الحديث يعدل الدنيا كلها، بل هو أعظم، فلو لم يخرجه البخاري رحمه الله لكان كثير من الناس يطعنون أو يشككون فيه؛ لأن أكثر طرقه فيه كلام، لكن لما رواه الإمام البخاري -وهو المعروف بتحريه ودقته- كسبنا هذا المكسب العظيم، فأصبح من أحاديث الصحيحين المتفق عليها، وعلى تلقيها بالقبول بين الأمة.
    ولهذا نجد أن الإمام الشوكاني رحمه الله لم يطل الكلام في هذا الموضوع، فأطال الكلام في كل شيء إلا مسألة طرق الحديث، وثبوت الحديث، فلم يفصلها أبداً وأجملها، وقال: بما أن هذا الحديث من أحاديث الصحيحين ، وقد أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول؛ فإن كل رواته قد جازوا القنطرة، وارتفع عنهم القيل والقال، وصاروا أكبر من أن يتكلم فيهم بكلام، أو يتناولهم طعن طاعن، أو توهين موهن
    إذاً: فلا يحتاج بحث، فما دام أن البخاري رحمه الله تعالى قد رواه، وأصبح في الصحيح ، وتلقته الأمة بالقبول؛ فكل رواته قد جازوا القنطرة، وهذا القول الذي قاله الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى قد نبه عليه كثير من العلماء كالحافظ ابن الصلاح وغيره في كتب المصطلح؛ فيما يتعلق برواة الصحيحين ، أو على الأقل في الأحاديث، فليس كل ما رواه خالد بن مخلد القطواني مثلاً -كما سنأتي على ذكره هنا- مقبولاً، لكن المقصود: أن هذا الحديث لا كلام لأحدٍ فيه بعد أن أورده الإمام البخاري ؛ على قول هذه الطائفة من العلماء.
    وأما إذا أخذنا بقول من قال: إنها تنتقد؛ كما فعل الإمام الدارقطني ، و ابن عدي وغيرهما رحمة الله عليهما؛ ممن نقدوا الحديث؛ فنقول: إن الطرق الكثيرة التي سنذكرها -إن شاء الله تعالى الآن- تدل على ثبوت الحديث ولله الحمد.
  4. حديث الولي من رواية أبي هريرة وطرقه وما أعل به

    ونذكر أولاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه تعالى، وهذا الحديث يقول فيه الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة ، قال: حدثنا خالد بن مخلد -وهو القطواني -، قال: حدثنا سليمان بن بلال ، قال: حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.. وذكر الحديث بطوله كما هو في الأربعين النووية ، وزاد في آخره في نفس الصحيح: ( وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت، وأنا أكره مساءته ).
    وقوله: (عن نفس عبدي) أي: عن قبضه، والاختلاف في الألفاظ موجود في كثير من الأحاديث الصحيحة الثابتة وقد اختلف في عطاء -كما سنذكر-: هل هو ابن أبي رباح ، أو عطاء بن يسار .. إلى آخر ما سيذكره.
    يقول: وهو من غرائب الصحيح، ومقارنة الصحيح بغيره أمر معلوم؛ وخاصة إذا قورن بـالمسند ، فإنه قلّ أن يوجد حديث في الصحيحين إلا رواه الإمام أحمد في المسند ، فهذا الحديث من الغرائب التي وجدت في الصحيحين ، ولم توجد في المسند ، لكن جاء بلفظ آخر، ومن طريق آخر نذكره إن شاء الله تعالى، فهو من غرائب الصحيح، وقد تفرد به محمد بن عثمان بن كرامة شيخ البخاري ، عن خالد ، وليس هو في مسند أحمد بهذا اللفظ، ومن هذا الطريق.
    وخالد بن مخلد القطواني تكلم فيه الإمام أحمد وغيره، وقالوا: له مناكير؛ وقال الإمام الذهبي في الميزان كلمة نفيسة: (لولا هيبة الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد القطواني) فكلام العلماء ومواقفهم درر وعبر، والإمام الذهبي رحمه الله تعالى -وهو من هو في الرجال- كان من اليسير عليه أن يقول: ومع أنه في الصحيح إلا أنه من المنكرات وانتهى، لكنه قال: لولا هيبة الصحيح لعدوه من منكراته؛ حتى يبقى للعلماء هيبة، ولكلامهم قيمة، وللكتب التي تلقتها الأمة بالقبول، واحتوت على أصح ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يظل لها قيمة وهيبة في نفوس الناس.
    فالعلماء الأجلاء الكبار الذين يعرفون العلل في المتون، وفي الأسانيد؛ يتورعون ويتحفظون، بينما تجد طالب العلم المبتدئ أو المقصر أو الضعيف يتسرع، ويتعجل في تخطئة أي إمام؛ سواء كان أحمد ، أو البخاري ، أو ابن حجر وغيرهم، وهذا دليل على قلة العلم، وقلة الأدب مع العلم وأهله.
    فيذكر الحافظ ابن رجب أن خالد بن مخلد هذا حاله، هذه العلة الأولى، والعلة الثانية ما ذكره الحافظ في الفتح من أن فيه شريك بن عبد الله ، و شريك -كما مر معنا في حديث الإسراء والمعراج- أنه زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، فهذا يدل على اضطرابه وعدم ضبطه، فهذه علة، لكن لعل الحافظ ابن رجب تجاوزها هنا لأنها ليست بعلة مؤثرة.
    ثم قال: العلة الثالثة: أن عطاء الذي في إسناده قيل: إنه ابن أبي رباح ، وقيل: إنه ابن يسار ، وقد وقع في بعض نسخ الصحيح منسوباً كذلك.
    قال: وقد روى هذا الحديث من وجوه أخر لا تخلو كلها عن مقال.
  5. رواية عائشة وأبي أمامة وعلي وابن عباس لحديث الولي

    ورواه عبد الواحد ميمون أبو حمزة مولى عروة بن الزبير ، عن عروة ، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    إذاً الحديث الثاني عن عائشة رضي الله تعالى عنها، ولفظه: ( من آذى لي ولياً فقد استحل محاربتي، وما تقرب إلى عبد بمثل أداء الفرائض، وإن عبدي ليتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت عينه التي يبصر بها، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يتكلم به، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن موته؛ وذلك أنه يكره الموت، وأنا أكره مساءته )، خرجه ابن أبي الدنيا وغيره.
    وهذا الحديث لفظ قريب مما جاء في صحيح البخاري ، وخرجه الإمام أحمد بنفس المعنى تقريباً عن عائشة رضي الله عنها، وذكر ابن عدي أنه تفرد به عبد الواحد ، عن عروة ، و عبد الواحد هذا قال فيه البخاري : منكر الحديث، ولكن أخرج له الطبراني طريقاً أخرى عن عائشة رضي الله تعالى عنها، فقال: حدثنا هارون بن كامل ، حدثنا إبراهيم بن سويد المدني ، قال: حدثنا أبو حرزة يعقوب بن مجاهد ، قال: أخبرني عروة ، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.. فذكره.
    وهذا أيضاً إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات مخرج لهم في الصحيحين ؛ سوى شيخ الطبراني ؛ فإنه لا يحضرني الآن معرفة حاله، ولعل الراوي قال حدثنا أبو حمزة -يعني: عبد الوهاب بن ميمون ، من شيوخ الطبراني - فخيل للسامع أنه قال أبو حرزة ، والراوي لما وهم في الكنية سماه من عنده؛ بناءً على وهمه.
    وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها هذا رواه ابن أبي الدنيا ، والإمام أحمد ، و الطبراني ، وهذا أقرب شيء يمكن أن يعضد ما في البخاري ، وهو أقرب الألفاظ إليه.
    وخرج الطبراني وغيره من رواية عثمان بن أبي عاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، ابن آدم! -على تقدير ياء النداء- إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فأكون قلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به، وبصره الذي يبصر به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإذا استنصرني نصرته، وأحب عبادة عبدي إلي النصيحة )، قال: وعثمان وعلي بن زيد ضعيفان، قال أبو حاتم الرازي في هذا الحديث: هو منكر جداً.
    والحديث الثالث: المؤيد لحديث أبي هريرة حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد خرجه الإسماعيلي في مسند علي بسند ضعيف.
    والرابع: حديث ابن عباس ، وقد خرجه الطبراني بسند ضعيف، وفيه زيادة في لفظه.
    وجاء من وجه آخر عن ابن عباس وهو ضعيف جداً.
  6. رواية أنس وحذيفة ومعاذ لحديث الولي

    الخامس: حديث أنس رضي الله تعالى عنه، وقد خرجه الطبراني وغيره من طريق الحسن بن يحيى الخشني ، عن صدقة بن عبد الله الدمشقي ، عن هشام الكناني ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن ربه تعالى: قال: ( من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ما ترددت قبض نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منه )، فانتقل من أول الحديث إلى آخره.
    وفيه زيادة: ( وإن في عبادي المؤمنين من يريد باباً من العبادة فأكفه عنه؛ ألا يدخله عجب فيفسده ذلك ) فالإنسان إذا أعجب بعمله، وظن أنه قد اجتهد، وعبد الله تعالى كما ينبغي، وأعجبه ذلك العمل؛ لا يؤمن عليه أن يوكل إلى عمله، فلا ينفعه ذلك شيئاً عند الله، فينبغي على المؤمن دائماً أن يعتمد وأن يتوكل على الله، وأن يحسن الظن بالله لا في عمله، ولا في نفسه؛ مهما بلغت عبادته وعمله واجتهاده وجهاده، فلا يأخذه العجب فإذا أخذه العجب، بعمله، واغتر بذلك؛ فإنه يهلك والعياذ بالله تعالى.
    وهذا من لطف الله تعالى بأوليائه أن يسد باباً من أبواب العبادة عمن يريدها من عبادة؛ حتى لا يأخذه العجب.
    قال: ( ( وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتنفل حتى أحبه، ومن أحببته كنت له سمعاً، وبصراً، ويداً، ومؤيداً، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك ) )، فالفقر قد يفسده كما أن الغنى قد يطغيه أيضاً، فكل منهما قد يكون شراً على من لم يوفقه الله تبارك وتعالى، فيحول الله تبارك وتعالى بين بعض عباده الذين يريدون أن يكونوا أولياء له؛ يحول بينهم وبين الفقر، أو يحول بينهم وبين الغنى؛ لمعرفته وعلمه عز وجل بأنهم لا يصلحون إلا بهذا، بخلاف غيرهم مما لا يحبه الله عز وجل؛ فإنه يبتليهم بفقر منسٍ، أو بغنىً مطغٍ نعوذ بالله منهما.
    قال: ( دعاني فأجبته، وسألني فأعطيته، ونصح لي فنصحته، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، وإن بسطت له لأفسده ذلك )، يعني في معاشه ودنياه، ( وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا السقم -أي: المرض- ولو أصححته لأفسده ذلك )، فبعض الناس لولا المرض لبغى، وطغى، وبطش، وتجبر، وأفسد في الأرض، فالله تبارك وتعالى أرحم به، وأعلم بصلاحه، فيختار له المرض فيمرض، فيعجز عن فعل المعاصي، بل ويذكر الله تبارك وتعالى، بل ويحتسب ذلك عند الله، فيؤجره الله بهذه الأحوال، وهو يظن أن هذا البلاء شر، وهو خير له عند الله؛ لأنه أعلم بما يصلح حاله، وهذا مدلوله ومؤاده: أن الواحد يصبر على أي حال اختارها الله تبارك وتعالى له، فإن اختار له الغنى حمد الله، وإن اختار له الفقر حمد الله، وإن اختار له الصحة حمد الله، فهو تبارك وتعالى أعلم بما يصلح كل إنسان، فعلى المرء أن يكل الأمر ويفوضه إلى الله عز وجل، فبهذا يكون عبداً مؤمناً حقاً.
    وليعلم أن اختيار الله تبارك وتعالى له خير من اختياره لنفسه، ولا يدري المؤمن أين الخير في أي شيء، بل كما قال الله تعالى: (( فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ))[النساء:19].
    قال: ( إني أدبر عبادي بعلمي بما في قلوبهم، إني عليم خبير )، قال: سنده أيضاً ضعيف؛ لأن الخشني و صدقة ضعيفان، وهشام لا يعرف، وقد سئل ابن معين عن هشام هذا: من هو؟ فقال: لا أحد. يعني: لا يعتبر به.
    وقد خرج البزار بعض الحديث من طريق صدقة بن عبد الكريم الجزري ، عن أنس .
    وخرج الطبراني من حديث الأوزاعي ، عن عبدة بن أبي لبابة ، عن زر بن حبيش سمعت حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى أوحي إليَّ: يا أخا المرسلين! يا أخا المنذِرين! أنذر قومك لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد عندهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائماً بين يدي حتى يرد تلك الظلامة على أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به، وأكون بصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة ).
    قال: وهذا إسناد جيد، وهو غريب جداً.
    وبقي حديث معاذ ، فالمرفوعات على هذا تكون سبعاً، وقد ذكر رواية معاذ ضمن الشرح، وذكر أيضاً ضمن الشرح رواية موقوفة على وهب بن منبه ، وأما الحافظ ابن حجر رحمه الله فقد ذكر هذه الطرق -كما قلت- مجملة.
    ثم بدأ الحافظ ابن رجب في الشرح فقال: (ولنرجع إلى شرح حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي خرجه البخاري، وقد قيل: إنه أشرف حديث في ذكر الأولياء) ولا شك أن هذا أشرف حديث في ذكر الأولياء، وأن من نعم الله تبارك وتعالى -كما قلنا- أن الإمام البخاري يذكر هذا الحديث في صحيحه رضي الله تعالى عنه ورحمه.
    قال: (قول الله تعالى: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) أي: فقد أعلمته بأني محارب له؛ حيث كان محارباً لي بمعاداته أوليائي)، فيكون هنا بمعنى الإعلام والإنذار، (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، وأما التنفيذ فشيء آخر؛ لكن الحرب قائمة، كما أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا كان بينه وبين قوم صلح، فقال: (( فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ))[الأنفال:58]، فإذا قلنا للمشركين: لقد انتهى الصلح بيننا فلا هدنة، والحرب بيننا محتملة، فتوقعوا منا الهجوم في أي وقت.
    إذاً: فالإنذار قائم، فمن عادى أولياء الله فقد أنذره الله، فليتوقع الحرب، وليعلم أن معاداته لأولياء الله هي سبب مباشر في إنذار الله تبارك وتعالى له بالحرب؛ فهو عدو لله، ويمكن أن يأخذه في أي وقت كما يشاء، وبما يشاء تبارك وتعالى؛ حيث كان محارباً لي بمعاداته أوليائي؛ ولهذا جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: (فقد استحل محاربتي) يعني: استحقها، فهي حلال وحق: أن أحاربه؛ إذ أنه حارب أوليائي، فهو سبحانه يثأر لأوليائه، كما جاء في رواية الإمام أحمد تشبيه عظيم، فيقول: ( إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب ) أي: الأسد الفاتك الغضوب الحمق الذي ينقض على فريسته انقضاضاً شديداً.
    وهو سبحانه وتعالى يملي للظالمين ويمهلهم: ( إن الله تعالى ليملي للظالم؛ حتى إذا أخذه لم يفلته )، (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ))[هود:102]، وأكبر عبرة في ذلك فرعون، فكم آيات أظهرها الله له: من الجراد، والقمل، والدم، والضفادع، وهي عبر عظيمة أجراها الله على يد موسى عليه السلام، ورأى ما رأى، ولكنه أبى وعتى، وفي النهاية أخذه الله تبارك وتعالى أخذ عزيز مقتدر، فكانت نهايته تلك النهاية الشنيعة التي دمرته، واجتاحه الماء، فأغرقه الله عز وجل وجنده أجمعين.
    إذاً: فمهما أملى الله تبارك وتعالى للظالم؛ فإن الحرب معلنة قائمة، وإن أخذه أليم شديد.
    قال: (وفي حديث أبي أمامة وغيره: ( فقد بارزني بالمحاربة ) )، ومن يغالب الله يغلب، ومن يبارز الله عز وجل يقصم.
    وخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن معاذ بن جبل رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن يسير الرياء شرك، وإن من عادى لله ولياً فقد بارز الله بالمحاربة، وإن الله تعالى يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء )، فلا يحاول أي إنسان أن يحرض على الظهور؛ لأن الظهور فتنة قد لا يصبر عليها، وقد يبتلى -والعياذ بالله- فينتكس، فلا يحرص مؤمن على الظهور، وإنما يحرص على أن يكون تقياً خفياً ما أمكنه ذلك.
  7. أقسام الأولياء كما دل عليه حديث أبي هريرة

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    فقد قال المؤلف رحمه الله: (وهم قسمان: مقتصدون، ومقربون، فالمقتصدون: الذين يتقربون إلى الله بالفرائض من أعمال القلوب، والجوارح. والسابقون: الذين يتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت، وأكره مساءته ) ).
    ثم قال: [والولي: خلاف العدو، وهو مشتق من الولي، وهو: الدنو والتقرب، فولي الله هو من والى الله بموافقته محبوباته، والتقرب إليه بمرضاته، وهؤلاء كما قال الله تعالى فيهم: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ))[الطلاق:2-3].
    قال أبو ذر رضي الله عنه: ( لما نزلت الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر ! لو عمل الناس بهذه الآية لكفتهم ) فالمتقون يجعل الله لهم مخرجاً مما ضاق على الناس، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، فيدفع الله عنهم المضار، ويجلب لهم المنافع، ويعطيهم الله أشياء يطول شرحها من المكاشفات والتأثيرات]
    اهـ .