المادة    
ومع الأسف فإن المناهج التعليمية حالياً على طريقة الملاحدة ، ففي علم النفس مثلاً أول ما يتكلمون فيه هو علم النفس عند اليونان والرومان، وماذا قال سقراط و أرسطو …إلخ، فأين كلام رب العالمين الذي خلق سقراط و أرسطو ، وخلق قبلهم آدم وعلم هذه النفوس، وهو سبحانه وتعالى الذي أودع فيها الخصائص، والذي أنزل الدين هديً؟ فلماذا تعرضون عنه وتفتتحون كتبكم بكلام الفلاسفة ثم تنتقلون بعد ذلك إلى رأي المسلمين، وبعضهم اليوم إذا أرادوا أن يتكلموا عن رأي المسلمين أخذوا كلام من تتلمذ وتربى على كلام اليونان أيضاً، كـابن سينا والطبيب الرازي و الغزالي الذي يخلط الفلسفة مع الباطنية مع التصوف، ولا يرجعون إلى الكتاب ولا إلى السنة ولا إلى كلام العلماء، فأصبحت مناهج التعليم في أكثر الجامعات في العالم الإسلامي وأكثر المناهج تعتمد طريقة الملاحدة ، وإذا انتقلوا إلى العصر الحديث أخذوا كلام فلاسفة الغرب ، مثل جان جاك روسوا وغيره، فيقولون: ثم بعد ذلك تطور علم النفس أو علم الاجتماع وظهر فوركان ، ثم بعد ذلك ظهر فرويد، فأصبح علم النفس علماً ماركسياً ورأسمالياً.. إلخ. والكل فلاسفة ملاحدة لا حجة في أقوالهم، وهذا ما يدرس في كلية الإدارة، وفي كلية الاقتصاد، وفي أقسام العلوم الاجتماعية عموماً، والمسماة بالدراسات الإنسانية كما يسميها الغرب، ونحن أخذنا نفس الاسم، فنعيش تجربتهم مع أن ثقافتنا غير ثقافتهم، وهم يسمونها دراسات أو علوم إنسانية. ‏
  1. أنواع العلوم الغربية

    العلوم عند الغرب نوعان:
    النوع الأول: علم اللاهوت، وهذا مختص بالأحبار وعلماء الدين الذين يتكلمون عن الصلب، وعن التثليث، وعن الفداء، وعن قضايا العقيدة النصرانية ، كطبيعة المسيح وطبيعة أمه وطبيعة روح القدس، وما يتعلق بذلك، ويحتجون بحجج منطقية وعقلية وفق علم الكلام الغربي النصراني، وهو علم عظيم عندهم، ولا يزال له وزنه، وله جامعات وأقسام في كل من الجامعات الأمريكية والجامعات البريطانية؛ بل أول ما أنشأت جامعات أكسفورد وكابردج وهارفرد أنشأت كجامعات دينية لاهوتية في الأصل، وإلى الآن لا تزال تدرس هذه العلوم.
    النوع الثاني من العلوم: العلوم الإنسانية التي مصدرها اجتهاد الإنسان والنظر الإنساني لا الوحي، ولا تتعلق بالكون، فما يتعلق بالكون يسمونه العلوم الطبيعية، وما يتعلق بالإنسان يسمونه العلوم الإنسانية، وكلا النوعين الطبيعية والإنسانية هي علوم إنسانية من جهة أن مصدرها هو الإنسان، وليس للوحي علاقة فيها، فلا توضع كلمة من علم اللاهوت في الجغرافيا ولا في الفيزياء؛ لأنه لا علاقة بينهما بخلاف كتب الكلام عندنا فهي تمزج الحقائق الدينية بالطبيعية وبالرياضية، لكن العلم عندهم منفصل تماماً، والحضارة الغربية قامت على أساس بعث وإحياء الدراسات الإنسانية، ومن هنا استمرت هذه التسمية وتشعبت وتوسعت حتى أصبح في الأدب أدبان: أدب لاهوتي وأدب إنساني، وفي الفن أدبان: فن لاهوتي، وفن إنساني، والأدب اللاهوتي: هو الأدب الذي تتكلم القصة أو القصيدة فيه عن الصلب، وعن حياة المسيح عليه السلام، وعن حياة القديسين، والفن الديني اللاهوتي يرسمون فيه المسيح ويصورونه، ويصورون الأنبياء والقديسين، ويصورون مريم العذراء والصلبان وينحتونها في الكنائس.
    وأصبح الفن الإسلامي اليوم هو تصوير النساء العاريات وهن يغنين أو يفعلن أي شيء ليس له علاقة في نظرهم بالدين، كتصوير ومناظر مؤثرة، أو شعر في الطبيعة، أو في الحب والرثاء والمدح.
    فالشعر الإنساني ليس له علاقة بالشعر الكهنوتي في الثقافة الغربية، ونحن أصبحنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) فقد دخلت علينا طريقة الملاحدة وطريقة الفلاسفة في كل العلوم الإنسانية التي تدرس، وفي كل النظريات في الإدارة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والأخلاق وما يتعلق بها، وتدرس هذه العلوم من خلال الفلاسفة ابتداءً باليونان والرومان، وانتهاءً بالنظريات الحديثة، والدين لا يذكر في هذه العلوم، وإن ذكر فتذكر آراء قومٍ اتبعوا كلام أولئك الفلاسفة ، ففصلت هذه العلوم عن الدين، ولو أن طالباً في كلية الآداب، أو في كلية العلوم الإنسانية يدرس ماهية الروح، ويدرس في نفس الوقت مادة في الثقافة الإسلامية أو في العقيدة، فإنه يدرس الروح في هذا القسم، كما جاءت في القرآن والسنة من النفس، والفرق بينها وبين الروح بالدليل الشرعي، ثم بعد ساعة أو ساعتين يذهب إلى قسم العلوم الإنسانية ويدرس كلام الملاحدة ، فأقل متوقع أن تحدث الازدواجية في عقله؛ لأنه يدرس هنا كلاماً وهنا كلاماً عكسه، فيقرأ في الفقه أن الربا حرام، ثم يذهب يقرأ في النظريات الاقتصادية الفائدة والنظام البنكي، وكيف تقوم الأعمال البنكية وكيف تتطور.. إلخ.
  2. أثر منهجية الدراسة الغربية على عقيدة المسلم

    إن الازدواجيات تحدث عند دراستنا بعض ما هو من الشرع؛ لأننا ندرسها على طريقة ومنهج الملاحدة والفلاسفة والعياذ بالله.
    فالمبتدعة إنما يأخذون ما في كتب الفلاسفة وكتب الأدب واللغة، وأما كتب القرآن والحديث والآثار فلا يلتفتون إليها، بل يعرضون عن نصوص الأنبياء؛ لأنها عندهم لا تفيد العلم، أو يتأولون القرآن برأيهم وفهمهم، ويقولون أن ما جاء به الدين لا يفيد العلم، ولا يورث واليقين، بل يقولون: هذا كلام ديني، وأحياناً قد يذكرونه على سبيل استيفاء المعلومة، فيقولون: هذا رأي الدين، ثم يأتون بكلام آخر باعتبار أنه رأي العلم والنظريات الحديثة، وعندما يقرأ الإنسان ذلك يشعر أن العلم أفضل وأوسع وأعلم من الدين!! وهذا ربما يصح بالنسبة لدينهم؛ لأن دينهم محرف وباطل، فلا يجوز أن نأتي فنقلدهم ونجعل مصدرنا هو التخبط والهوى والظن التي يسمونها نظريات، ونعرض عن طريقة الكتاب والسنة، كمنهج الفلاسفة .
    أما أهل البدع فإنهم يتأولون القرآن برأيهم وفهمهم غير معتمدين على المحكم من كتاب الله، والصريح من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فهمه السلف الصالح من الآيات والأحاديث، ولذلك نجدهم في موضوع الأسماء والصفات يقولون: إن آيات الصفات وأحاديثها عندما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم كان المسلمون على الفطرة، ولم تكن عقولهم قد تبحرت وتوسعت في النظر وطريقة الاستدلال، وكانوا يسلمون إذا سمعوا آيةً أو حديثاً ولا يجادلون فيه، وكانوا مشتغلين بالجهاد وبالفتوحات وبالعبادة، وكان المناظر المجادل لهم قليلاً، ولكن لما ظهرت البدع في القرن الثالث توسعت العقول، وترجمت كتب الفلسفة، وزادت طرق الاستدلال، والنظر العقلي فتح ميدانه ومجاله، والمجادلون كثروا، وتركت الأمة الجهاد فأصبح لا بد من الاشتغال بهذه النصوص ورد الشبه التي تحوم حولها للدفاع عن الإسلام، وعلى هذا قالوا: منهج السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم؛ لأنهم يرون أنهم بتلك التأويلات والبحوث الكلامية والفلسفية واللغوية والتأصيلات والتقعيدات حللوا عقداً كما قال الشاعر:
    يحللون بزعمٍ منهم عقداً             وبالذي وضعوه زادت العقد
    لولا التنافس في الدنيا لمـا كتبت            كتب المقالات لا المغني ولا العمد
    أي: المغني من كتب المعتزلة ، والعمد من كتب الأشاعرة ، وقوله: يحللون بزعمٍ منهم عقداً، أي: كأن يأتي ويقول: الناس اختلفوا في القدر، وهل الأعمال بإرادة العبد أم بإرادة الله، ثم يريد حل المشكلة، فيكتب كلاماً، ولكن زادت العقد بما كتبه ووضعه، فمن يقرأ ما كتبوه وفيه شيء من الجهل والشك يزداد ضياعاً وضلالاً وتيهاً، وقد ذكرنا كلام الإمام أحمد وغيره في إنكار هذا، وإذا تدبرت حجتهم وجدت دعاوى لا يقوم عليها دليل.