المادة كاملة    
قرر سلف هذه الأمة أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، وأن أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب، أو جزءاً من الإيمان، مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو في مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، كما قرروا أن معرفة القلب لا تكفي في الإيمان؛ لأن لازمه إيمان أكبر الطغاة والكفار، كإبليس وفرعون وغيرهما.
  1. معرفة القلب لا تكفي في الإيمان

     المرفق    
    ‏الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    فقد تناولنا فيما مضى المذاهب والأقوال في الإيمان، كما كان التفصيل في مذهب الحنفية، وما حدث فيه من تطور، وكذلك الأشعرية الذين أصبح مذهبهما مذهباً واحداً في الإيمان.
    والآن نكمل إن شاء الله تعالى ما ألزم به الشارح رحمه الله هؤلاء الذين تبنوا مذهب جهم أو قريباً منه، وما بعد ذلك أيضاً. وقد سبق أن تحدثنا عن هذا، لكن لما قال الإخوة: يحتاج إلى تفصيل وضبط أكثر، سنعيد من الجهم فصاعداً، نعم.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وذهب الجهم بن صفوان و أبو الحسين الصالحي أحد رؤساء القدرية إلى أن الإيمان: هو المعرفة بالقلب! وهذا القول أظهر فساداً مما قبله؛ فإن لازمه أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين، فإنهم عرفوا صدق موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ولم يؤمنوا بهما، ولهذا قال موسى لفرعون: (( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ ))[الإسراء:102]، وقال تعالى: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ))[النمل:14]، وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبنائهم، ولم يكونوا مؤمنين به، بل كافرين به، معادين له، وكذلك أبو طالب عنده يكون مؤمناً فإنه قال:
    ولقد علمت بأن دين محمد            من خير أديان البرية ديناً
    لولا الملامة أو حذار مسبة            لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً
    بل إبليس يكون عند الجهم مؤمناً كامل الإيمان! فإنه لم يجهل ربه، بل هو عارف به، (( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ))[الحجر:36]، (( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي ))[الحجر:39]، (( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ))[ص:82]. والكفر عند الجهم : هو الجهل بالرب تعالى، ولا أحد أجهل منه بربه! فإنه جعله الوجود المطلق، وسلب عنه جميع صفاته، ولا جهل أكبر من هذا، فيكون كافراً بشهادته على نفسه.
    وبين هذه المذاهب مذاهب أخر، بتفاصيل وقيود أعرضت عن ذكرها اختصاراً، ذكر هذه المذاهب أبو المعين النسفي في تبصرة الأدلة وغيره). ‏
    1. كفر فرعون وقومه بنبوة موسى وأخيه رغم معرفتهما بصدقهما

      هذه اللوازم التي ذكرها المصنف رحمه الله يلزم بها الجهم بن صفوان و الصالحي -في الأصل- ومن معهم من الذين قالوا: إن الإيمان هو المعرفة، ويلحقهم في ذلك الأشعرية والماتريدية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق القلبي! وفي الحقيقة لا فرق واضح بين مجرد المعرفة ومجرد التصديق القلبي لدى العقلاء، وإنما يتبين الفرق بأعمال القلوب وبأعمال الجوارح، ولهذا احترز بعضهم فقال: إن الأمر ليس مجرد التصديق القلبي، أي: اعتقاد نسبة الصدق إلى المخبر، وأن المخبر صادق، بل زادوا على ذلك الإذعان حتى لا يلزموا بما ألزم به جهم ، فيقولون: نحن نشترط الإذعان، لكنهم جعلوا الإيمان والإسلام محلهما القلب، وكل ذلك في حدود التصديق القلبي، وزادوا عليه نسبة من الإذعان والانقياد القلبي، وليس العمل وفعل ما أمر الله تبارك وتعالى به من الأوامر، إذ إن العمل الذي عندهم قال فيه صاحب الجوهرة:
      والإسلام اشرحن بالعمل. أي: الإذعان والانقياد لعمل ما أمر الله -هكذا فسروه- وبالتالي فهذا الإلزام وارد للجميع، فهم يلزمون بما ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه من أن هذه الطوائف تعتقد وتعرف الصدق، فهي تصدق النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاء في شعر أبي طالب أكبر دليل على ذلك.
      فالطائفة الأولى: ذكر رأس الكفر في الدنيا، وأكبر طاغوت أفاض القرآن والسنة في الحديث عنه، بل أكثر من تحدث وأخبر عنه الله تبارك وتعالى في كتابه عن كفره وعناده فرعون عليه لعنة الله تعالى، فقد كان يعلم أن ما جاء به موسى عليه السلام حق، ولهذا خاطبه موسى عليه السلام بذلك فقال: (( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ ))[الإسراء:102]، أي: الآيات التي أتيتك بها، والأقوال والعقائد التي أدعوك إليها: (( إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ))[الإسراء:102]، أي: مخذولاً، وإلا فهو يعلم في قرارة نفسه أن ما جاء به موسى وهارون عيهما السلام حق، وهذه قاعدة ليست فقط مع موسى عليه السلام ومع فرعون، بل مع كل من دعا إلى الله تعالى، إذ إن سبب كفر الكفار هو الاستكبار والعناد والبغي والحسد وما أشبه ذلك، وإلا فالجميع يعلم في قرارة نفسه أن الرسل صادقون، وأنهم غير كاذبين، وما بعث الله تبارك وتعالى عبداً إلى قوم من الأقوام إلا وهو من خيرتهم وأفضلهم وأكثرهم أمانة، وممن يجمع كل العقلاء في هذه الأمة على أنه غير كاذب، وأن ما يأتي به وما يقوله هو الحق من عند الله، لكن الذي يمنعهم هو الكبر، ولهذا أكثر من يتبع الأنبياء والرسل هم الضعفاء وما يسمون أراذل القوم، وأكثر من يرفض دعوة الرسل الملأ المستكبرون، وبالتالي ليست المسألة خفاء الحق أو عدم وضوحه، إنما المسألة أن هؤلاء الملأ المستكبرين يفقدون مناصبهم، ويفقدون أبهتهم، ويفقدون ترفهم، ويفقدون قيمة مكانتهم في نظرهم -وهذا حق إلى حد ما بالنسبة للحياة الدنيا- إذا اتبعوا دعوة الله وآمنوا بدين الله، لأن هذا الترف وهذا الهيلمان قائم على باطل، ودعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم تذيب هذا الباطل وتكشف زيغه وتوضح بطلانه فإذا انهار هذا الباطل بقوا بشراً كسائر البشر ليس لهم أي ميزة، لكن إذا ردوا دعوة الرسل -كما يبدوا لهم- وأظهروا للناس أنهم فعلاً جديرون بأن يظلوا محتفظين بهذه المكانة، فهذا في نظرهم هو الموقف الذي يجب أن يتخذوه، ولهذا تكررت مواقفهم: (( أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ))[الذاريات:53] وفي الحقيقة ما تواصوا، وما أوصت أمة أمة تأتي بعدها: إن جاءكم رسول فكذبوه، (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ)، أي: الطغيان هو القاسم المشترك بينهم، وهذا شأنه وحاله في أي عصر وفي أي زمان وفي أي مكان من أنه لا يقبل الحق، بل يرده ويرفضه وهو يعلم أنه حق، وكذلك كان فرعون، وكذلك كما قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (( مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ))[فصلت:43]، أي: كل ما يقال لك من تكذيب أو رد أو جحود أو اتهام أو طعن فقد قيل للرسل من قبلك، إذ إنه لا جديد فيه، وهكذا تتكرر الدعوى.
      إذاً هؤلاء المستكبرون الذين يردون الحق في كل زمان ومكان، ويكفرون بآيات الله، يعلمون في قرارة أنفسهم أنه حق، قال تعالى: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ))[النمل:14]، أي: استيقنت أنفسهم بهذه الآيات، وعلموا أنها من عند الله، ومع ذلك كابروا وماطلوا، ولهذا في كل مرة يعاهدون الله سبحانه وتعالى لئن كشف عنهم العذاب ليؤمنن، وبعد أن يكشف الله سبحانه وتعالى عنهم العذاب يرجعون، وهذا ليس فقط في عذاب الدنيا، وما سلطه الله تبارك وتعالى عليهم من الجراد والقمل والدم والضفادع وغير ذلك مما عذبهم به الله تبارك وتعالى، بل حتى لو رأوا العذاب الأخروي -الذي هو حقيقة العذاب ومنتهاه- لعادوا لما نهوا عنه، قال الله تبارك وتعالى: (( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ))[الأنعام:28] سبحان الله! فانظروا كيف تأصل الكفر والكبر في قلوبهم، بل حتى لو أنهم دخلوا النار وذاقوا العذاب وبقوا فيه ما شاء الله لهم، ثم تضرعوا إلى الله، وعاهدوه: إن أرجعتنا ورددتنا إلى الدنيا فلا نكفر ولا نكذب ولا نجحد، بل نؤمن ونكون من الصالحين، كما ذكر الله تبارك وتعالى عنهم في غير ما آية، ومع ذلك يقول الله تبارك وتعالى: (( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ))[الأنعام:28]، بل يجحدون آيات الله سبحانه وتعالى، وربما قالوا: إن ما كنا فيه ليس هو عذاب جهنم، وليس هو عذاب الآخرة! بل ربما قالوا: سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون، وعادوا إلى ما كانوا عليه من التكذيب والترف واللهو حتى يأتيهم العذاب مرة أخرى، فهذا شأن الكفار جميعاً، ففرعون هو النموذج الطاغوتي البارز، وكل من حذا حذوه.
    2. كفر أهل الكتاب بالنبي عليه الصلاة والسلام مع معرفتهم بصدقه

      ثم ذكر أهل الكتاب؛ لأنه إذا كان الغالب والأظهر في تكذيب فرعون وأمثاله من الكبراء هو الكبر والاستكبار وحب المنصب، وأن يتعالى على خلق الله، ويدعي الألوهية، ويخر له الناس ساجدين، ويعتقدون فيه الباطل، فإن أهل الكتاب لهم شأن آخر، وكفر أهل الكتاب له سبب آخر وإن كانا يلتقيان، ألا وهو: الحسد، قال تعالى: (( حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ ))[البقرة:109]، فأهل الكتاب حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسدوا هذه الأمة، ولا يودون أن ينزل الله تبارك وتعالى عليها من خير، وما كانوا يريدون ولا يحلمون ولا يتوقعون أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم نبي آخر الزمان من غيرهم، فقد كانوا يطمعون أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، والقضية ليست أنه لو كان منهم لآمنوا به، أوليس المسيح عليه السلام منهم وكفروا به! بل وكفروا بغيره؟! لكن يريدون عذراً ومبرراً ومسوغاً، فعندهم نوع من الفرعونية من جهة أنهم أصبحوا أصحاب ملك وإن كان ليس ملكاً دنيوياً ظاهراً لكنه عظمة وملك، واستكبار من جهة الدين والعلم، فالناس يجلونهم ويعظمونهم ويقدرونهم؛ لأنهم أئمة الكتاب ولديهم العلم به، وهم الذين استحوذوا عليه، ففي أوروبا مثلاً لم يكن هنالك من يتعلم القراءة والكتابة مطلقاً إلا من يريد أو يراد له أن يصبح قسيساً فقط، أما علم غير ذلك فلا يمكن، فاحتكروا الكتاب، واحتكروا التعليم، واحتكروا تفسير كلام الله تبارك وتعالى، فهم يريدون أن يظل ذلك محصوراً فيهم، والناس ابتداءً من الإمبراطور في الدولة إلى عامة الناس يعظمونهم من أجل هذا الكتاب، ومع ذلك فإن الكفر والطغيان والحسد والبغي يغلب عليهم، فيقولون: (( مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ))[الأنعام:91]! وهذا الرسول باطل، وليس هو الذي أخبرنا الله تبارك وتعالى عنه، أو وعدنا به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى سجل عليهم هذا بقوله: (( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ))[البقرة:146]، أي: يعلمون أنه الحق، وما كان أحد من اليهود يشك في هذا أبداً، بل كان اليهود -كما ذكر الله تبارك وتعالى في الآية الأخرى- يستفتحون على الذين كفروا، والاستفتاح: هو طلب النصر أو التوعد بالنصر، فيقولون: سوف يأتي نبي آخر الزمان وينصرنا الله به عليكم، ونقاتلكم ونفعل بكم كذا وكذا، فهم كانوا يتوقعون ظهوره، وأنه إذا ظهر فإنهم سيسبقون إليه وينتصرون به على العرب الذين كانوا وثنيين، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: (( وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ))[البقرة:41]، وهم أصبحوا أول كافر به، بل أعظم كافر كفر به، ونشر هذا الكفر وألب العرب الوثنيين، وتعاون مع من يعبدون الأصنام والحجارة لوأد هذا الدين كما في قصة الأحزاب وفي غيرها، بل فضلوا هذا الدين الباطل الوثني على ما جاء من عند الله تعالى، فقالوا: (( هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ))[النساء:51]، فبلغ بهم الحسد إلى حد أنهم يفضلون دين الأوثان ودين الشرك على ما جاء من عند الله تبارك وتعالى! مع أنهم يعلمون قطعاً أنه من عند الله تعالى ولا مرية ولا شك عندهم في ذلك، وهذه أخبارهم مستفيضة في السير وفي غيرها بأنهم كانوا يعلمون صفة النبي صلى الله عليه وسلم ويبشرون به، وحتى هذه اللحظة لا يزال أهل الكتاب يكتمون الحق وهم يعلمون، بل ويلبسون الحق بالباطل كما ذكر الله تبارك وتعالى في غير ما آية، ومنها: ما ذكره في سورة آل عمران في معرض مجادلة وفد نجران ، واليوم في الفاتيكان وفي دولة فلسطين المحتلة وكذلك في الحبشة وفي غيرها لديهم المخطوطات والكتب القديمة المصرحة باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تبارك وتعالى عن عيسى عليه السلام: (( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ))[الصف:6]، فمذكور في هذه الكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم صراحة، وبعضها مذكور مترجماً، أي: أحمد أو محمد، وبعضها مذكور بالنص القديم: (الفريقليط) أي: الكثير الحمد المحمود كثيراً، مع أننا نجد أن ما في كتبنا عن أهل الكتاب من اليهود و النصارى منشور مقروء يستطيع أي إنسان أن يطلع عليه، وليس لدينا أسرار -لأن ديننا هو الحق- نخشى أن لو خرجت لفضح ديننا وكذب ما ندعو إليه، وتبين أن علماءنا من أولهم إلى آخرهم -مثلاً- متواطئون على الكذب والعياذ بالله، لا، فليس لدينا هذا والحمد لله، أما هم فلديهم كتب خاصة لا يطلع عليها إلا خاصتهم في أكثر الأماكن التي ذكرنا، ولذلك خاصة في الفاتيكان يحرصون أشد الحرص على أن لا يخرج شيء من هذه الكتب، ولا يقع في أيدي المسلمين، ولنفرض أن المسلمين ما قرءوه ولا رأوه ولا احتجوا به، فماذا تقولون أنتم لأنفسكم؟ وما تقولون لربكم؟ ثم ألستم أنتم عندما تقرءون هذا الكلام تعلمون أن دينكم باطل، وأن دين محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق؟
      إذاً لو كان لديهم ضمير وإحساس بأن الله سبحانه وتعالى سيسألهم عما رأوا من البنيان لما سكتوا هم في أنفسهم، ولذلك نجد أن بعضاً منهم يسلم سراً ولا يريد أن يظهر إسلامه، وسيظهره الله عز وجل، لكن لكل أجل كتاب، فلا بد أن تظهر هذه الحقائق بإذن الله مهما كتموها وأخفوها وتواطئوا على إخفائها، فهذا من أكبر الباطل أن يتواطأ علماء دين من الأديان على إخفاء الحق المكتوب في هذه الكتب، وفي الأناجيل المنشورة التي تتداول بين الناس وتترجم إلى آلاف اللغات، ومع كل ما قاموا به من طمس وحذف فإن فيها إشارات إلى هذا، وما قد سمعتموه أو رأيتموه من كلام الداعية أحمد ديدات رحمه الله أو جمال بدوي أو غيرهما مما يلزمون به الغربيين إلا شيء من ذلك، ففي نفس الأناجيل الموجودة الآن المتداولة ما يدل على أنهم فعلاً يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم، ولو فكروا وعقلوا لعلموا أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق، وأن دينه هو الحق، ومن ذلك قولهم عندما أتى رسل المسيح عليه السلام أو تلاميذه إليهم فقالوا له: هل أنت الذي ذكر في الكتب القديمة؟ فقال المسيح: لست هو، ثم -مع أنه موجود في الأناجيل- ولو أنني أدركته لحللت سيور نعليه وغسلت قدميه. على اختلاف في العبارات، أي: أن المسيح عليه السلام يقول: لست أنا الذي بشر به الأنبياء: أشعياء وحزقيال وغيرهم ممن له نبوءات قديمة، ولو أني أدركته لحللت سيور حذائه أو سيور نعليه وغسلت قدميه، إذاً فعيسى عليه السلام يقول: أنا أتشرف أن أدرك الذي بشر به الأنبياء السابقون، ولو أدركته لخدمته، فهل جاء أحد بعد عيسى عليه السلام بدين، أو بقرآن، أو بنور مبين، أو بوحي غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا أحد، ثم من الذي جاء وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولم يطلع على شيء، ولم يكن يتلوا قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه لئلا يرتاب المبطلون كما بين الله سبحانه وتعالى؟ مع ذلك جاء أهل الكتاب بأخبارهم هم: (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ))[النمل:76]، حتى الذي كان بنو إسرائيل يختلفون فيه من أحكام وأمور وأخبار -قد قص الله تبارك وتعالى في القرآن الحق، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالحق فيها، مع أن فرقهم كانت تتقاتل عليها قتالاً عنيفاً مريراً شديداً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بها.
      إذاً كيف يمكن لأمي أن يأتي بهذا إلا وهو رسول من عند الله تبارك وتعالى؟! ولذلك قصة سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وأرضاه وغيرها فيها شواهد كثيرة، إذ إنه كان يوصي منهم السابق باللاحق حتى انتهى الأمر إلى آخرهم، فأوصاه برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يصدق الحديث الذي هو صحيح ثابت لا شك فيه: ( إن الله نظر إلى أهل الأرض عربهم وعجمهم فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب )، أي: بقايا أفراد في الصوامع مترهبون معزولون عن الناس، ومن هؤلاء البقايا من أدركهم سلمان رضي الله تعالى عنه، فقال له آخرهم: قد آن أوان نبي آخر الزمان، وسوف يخرج في أرض ذات نخل بين حرتين، وبين كتفيه خاتم النبوة، وذكر العلامات الأخرى والتي منها: أنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، ويسبق حلمه غضبه، ويقابل الجهل بالحلم، وكثير من صفات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت من الوضوح إلى حد أنه جاء في أخبار السير: أنه لما قدم المدينة صلوات الله وسلامه عليه، وكان لا يزال هو والصديق رضي الله عنه يحول بينهما السراب، فخرج أحد أحبار اليهود وصعد على الربوة في قباء، والراكبان لا يكاد يراهما إلا من كان قوي البصر، فقال اليهودي قبل أن يعرفهما أحد: يا بني قيلة يا بني قيلة -وبنو قيلة هم الأوس والخزرج- هذا صاحبكم. فهم ما كانوا قد عرفوه ولا رأوا من هو النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزال بعيداً، ولذلك فهم يعرفون أنه سيهاجر، وأنه سيأتي من هذا المكان، وأنه سينزل في مكان كذا، فلديهم خبره صلى الله عليه وسلم تفصيلاً، ومع ذلك ما عادى هذا الدين في تاريخه الطويل كله أحد أشد عداوة منهم، وفي كتاب الله سبحانه وتعالى الحديث الطويل عنهم الذي لا يستأثر غيرهم بمثله، ففي سورة البقرة تبتدئ الآيات من أول السورة بعد أن قسم الله سبحانه وتعالى الناس ثم ذكر قصة آدم عليه السلام، بـ: (يا بني إسرائيل …)، ويتحدث عنهم وعن كفرهم وعن تكذيبهم إلى ما شاء الله، وآل عمرن إنما أنزلت فيهم، فصدرها كله فيهم، ثم في سورة النساء، ثم في غير ما آية في غير ما سورة من الطوال ومن غيرها تتحدث عن أهل الكتاب وعن كفرهم وعنادهم وكذبهم.
    3. كفر أبي طالب رغم اعتقاده صدق النبي عليه الصلاة والسلام

      وكذلك أبو طالب نموذج آخر مما يكذب عقيدة المرجئة ويبين ويظهر حكمة لله تبارك وتعالى بينها الله عز وجل في قوله: (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ))[القصص:56]، إنها حكمة عظيمة، إذ إن الداعية مهما حرص فليس الأمر راجعاً إلى حرصه، وأن القرابات لا تنفع، وإنما المسألة هي تقدير وهبة وإنعام وإكرام من الله سبحانه وتعالى، يكرم من يشاء بهذا الدين، ويحرم من يشاء من الخير وقد عاش فيه، كما قال ابن القيم رحمه الله: هبت عواصف الأقدار في بيداء الأكوان، فإذا أبو طالب غريق في اللجة، وإذا سلمان منا أهل البيت، أو كما قال رضي الله تعالى عنه، فهذه أقدار الله عز وجل، فسبحان الله! سلمان يأتي من أقصى بلاد فارس ويشتاق أن يرى خاتم النبوة، وأن يؤمن وأن يسلم، ويمكن الله تبارك وتعالى وييسر له ذلك فيصبح في عداد المؤمنين، وأبو طالب يحمي الدعوة، ومستحيل أن الإنسان يحمي الباطل، ومستحيل أن أحداً يحمي ما يعتقد أنه باطل، وهو كما كان حاله لم يؤمن به وليس من أهله، فأهل الباطل قد يحمون الباطل لأنهم أهله، لكن رجلاً يتطوع بحماية الباطل وهو باطل فمستحيل، لكن يعلم أنه الحق، فيتحمل الحصار في الشعب، ويتحمل أذى قريش، ويتحمل كل هذا البلاء والعناء، ومع ذلك ما كتب الله لـأبي طالب أن يسلم، إنها حكمة الله تبارك وتعالى، ولما طلب منه ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله ) وأخذ يكررها عليه، لكن رفقاء السوء في كل زمان ومكان مزلة ومدحضة للإنسان يزلقونه عن الخير إلى الشر، فقال أبو جهل : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان الخيار حينئذٍ بين ملة إبراهيم عليه السلام، ملة محمد صلى الله عليه وسلم، دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء به، والحق الذي يعلم أنه حق، وبين ما عليه الآباء والأجداد، فأخذته النخوة القبلية والاعتزاز بما كان عليه الآباء، واعتقاد أن هذا المجد المتوارث لا يمكن أن يكون باطلاً -هكذا أخلاق الجاهلية- فغلبت عليه إرادة الله، وحكمة من الله تبارك وتعالى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب ، فهل نفعه اعتقاده بأن النبي صلى الله عليه وسلم حق؟ ثم هو القائل:
      ولقد علمت بأن دين محمد            من خير أديان البرية دينا
      أي: أنه يقول: أنا أعلم هذا.
      لولا الملامة أو حذار مسبة            لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً
      أي: أنا لم أسمح ولم أقل حتى لا ألام وأسب، وحتى لا يقال: إنه ترك دين آبائه وأجداده، وإلا فأنا أعلم أنه حق، لكن هل نفعه ذلك في شيء؟ إذاً ما دام هذا لم ينفعه علمه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، ودفاعه عنه ونصرته له، فهل ينفع غيره ذلك ويقال: إن من عرف الحق وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ثم مات ولم ينطق بالشهادة فإنه يكون عاصياً أو يكون ناجياً أو يكون كما في كلام المرجئة فيما مضى؟ إن هذا الكلام باطل، وهو مما يرد به عليهم.
    4. كفر إبليس رغم عدم إنكاره وجود الله تعالى

      هناك نموذج آخر أوضح وأبين من فرعون ومن أهل الكتاب ومن أبي طالب ، ألا وهو إبليس أعاذنا الله من شره، فهو لم ينكر وجود الله، ولم يكن منكراً لله أصلاً، وإنما قال: (( رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي ))[الحجر:39]، بل يثبت بعض الصفات لله عز وجل فقال: (( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ))[ص:82].
      إذاً العزة لله سبحانه وتعالى، فهو يقسم بعزة الله ويثبت الصفة لله سبحانه وتعالى، وهو أيضاً مؤمن بالآخرة؛ لأنه قال: (( أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ))[الأعراف:14]، فهو مؤمن بوجود الله، مؤمن ببعض صفات الله، مؤمن بالآخرة، أي: بيوم البعث، فلو كان وجود هذه الأمور عند أحد كافية أن يعد مسلماً أو مؤمناً لكان إبليس أكبر المؤمنين، ثم إن إبليس لعنه الله عالم، والدليل على أنه عالم يعرف الحلال والحرام: أنه لا يعلم شيئاً حراماً إلا ويحث الناس أن يرتكبوه، ما يعلم أنه حق أو خير أو طاعة يحض الناس و يغريهم على أن يجتنبوه، إذاً هو عالم بالحلال وعالم بالطاعة، وعالم بالمعصية وعالم بالحرام، ومع ذلك لم تنفعه هذه المعرفة ولا هذا العلم من ذلك شيئاً مطلقاً؛ لأن الغرض المقصود من الإيمان ليس هذه المعرفة مع الاستكبار والإباء والعناد والمحادة لله ولرسوله، وإنما لا بد من الانقياد والإذعان والإيمان والإخلاص واليقين، نعم قد لا يستطيع الإنسان أن يقوم بهذا الدين وأن يحيطه من جميع جوانبه، لكن يجب عليه أن يلتزم به، وأن يعتقد وأن يعمل ما استطاع مما أمر الله تبارك وتعالى به، فالناس يتفاوتون، لكن لا بد من قدر ما من هذا الإيمان ومن هذا الدين، وإلا كان كل ذلك دعاوى لا حقيقة لها ولا تنفع صاحبها، إذاً كل ما عند فرعون من علم وتصديق في قرارة نفسه بما أنزل الله، أو عند أهل الكتاب من معرفة بحق هذا الدين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، وما جاء به حق، وكذلك عند أبي طالب ، وكذلك عند إبليس، كل هذا لم ينفعهم عند الله، ولم يكف في أن يكون الواحد منهم مؤمناً، أو يعد من أهل الجنة مطلقاً، والأمة كلها -والحمد لله- مجمعة على ذلك، فتبين بهذا بطلان كلام المرجئة ، ولهذا لم يستطع المرجئة أن يلتزموا هذا اللازم، ونحن لا نقول: إن هؤلاء مؤمنون، وإنما نقول: إنهم كافرون، فهذا الإجماع حجة لنا عليهم، ومهما تمحلوا في رد الإلزام فهو لازم لهم إلا أن يعتقدوا ما قاله أهل السنة والجماعة بهذا الخصوص.
  2. الاختلاف فيما يقع عليه اسم الإيمان

     المرفق    
    قال رحمه الله: [وحاصل الكل يرجع إلى أن الإيمان: إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح كما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم رحمهم الله كما تقدم، أو بالقلب واللسان دون الجوارح كما ذكره الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله، أو باللسان وحده، كما تقدم ذكره عن الكرامية ، أو بالقلب وحده، وهو: إما المعرفة كما قاله الجهم أو التصديق كما قاله أبو منصور الماتريدي رحمه الله. وفساد قول الكرامية والجهم بن صفوان ظاهر].
    إن الأقوال في هذه المسألة كثيرة، وحاصل هذه الأقوال: هو النظر إلى الإيمان من خلال أعضاء الإنسان، وماذا جعلته كل فرقة أو كل قول من هذه الأقوال بالنسبة لأعضاء الإنسان كاللسان أو القلب مثلاً؟ فمنهم من جعله على عضوين كالقائلين باللسان مع القلب، ومنهم من جعله على الجوارح جميعاً، وبهذا التقسيم نستطيع أن نعرف حقيقة الخلاف بين المذاهب، ونستطيع أن نعرف مدى الغلو عند المذاهب عندما نقول: المرجئة الغلاة أو الجهمية، فإن هذا من ضوابط معرفتنا؛ لأن هؤلاء الغلاة أو الجهمية يحصرون الإيمان في عضو واحد من أعضاء الإنسان: إما اللسان وإما القلب، والقلب فيه قولان: إما المعرفة، وإما التصديق، ثم الذين دونهم وهم مرجئة الفقهاء ؛ فيجعلون عضوين: الإقرار باللسان والتصديق بالقلب، أما أهل السنة والجماعة فيجعلون الإيمان شاملاً لأعضاء الإنسان، ومن تأمل الحقيقة يجد أن هذا القول هو الذي يجب أن يقال به، وليس شرعاً فقط، بل إن العقول السليمة لو تأملت لوجب أن تقول بما قال به أهل السنة والجماعة ؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما خلق العباد ليعبدوه وليوحدوه، وهذا التوحيد وهذه العبادة هي الإيمان الذي أمر أن يكون خالصاً له وحده، فقال تعالى: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))[البينة:5]، فحقيقة التوحيد هي: (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الأنعام:162]، فيجب أن تكون حقيقة الإيمان -وهي مأخوذة من مفهوم الإسلام- هي الانقياد بكل الأعضاء لله تبارك وتعالى، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ))[البقرة:208]، والسلم في الآية: هو الإسلام، أي ادخلوا بكليتكم -كما فسرها السلف- في الدين كله، وبالتالي لا ينقاد منك أعضاء وأعضاء أخرى لا تنقاد، ثم إن هذا الدين دين التوحيد، فلا يصح ولا يستقيم حال الإنسان إذا كانت أعضاء أو أجزاء منه تتحرك في اتجاه وأعضاء أو أجزاء تتحرك في اتجاه آخر؛ لأن حقيقة التوحيد والإيمان أن تكون النفس البشرية، أو أن يكون الإنسان قلباً وقالباً متجهاً اتجاهاً واحداً في طريق واحد وفي عمل واحد، أما أن يؤمن اللسان، أو يؤمن القلب وتكفر الجوارح، أو العكس، فهذا لا يستقيم ولا يعد إيماناً، إذاً حقيقة الإنسان أصلاً لا تكون إلا كذلك، ولذلك الإنسان من خلال عمله إنما يعمل وفق ما يعتقد، ومستحيل أن الإرادة الكاملة الجازمة في داخل الإنسان تريد شيئاً وتتحرك الأعمال الجوارح في اتجاه شيء آخر، وأقرب مثال إلى ذلك: ما نشاهده الآن من منتجات العلم، كالسيارات أو أي آلة من الآلات، إذ إنه يحترق الوقود فتتحرك الآلة، فهل يمكن أن يتحرك هذا في جهة وتكون حركة الجسم أو الهيكل بالعجلات في جهة أخرى؟! لا يمكن، وهكذا الإيمان فهو الطاقة والمحرك في القلب، والأعضاء تحقق وتنفذه، وهذه حقيقة الإنسان، فكيف يكون عضواً لله سبحانه وتعالى، أو يقال: إن هذا العضو مؤمن، أو يتمثل فيه الإيمان والأعضاء الأخرى ماذا تعمل؟!
    1. العمل وفق الإيمان والاعتقاد

      ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: (( كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ))[الإسراء:84]، أي: على نيته وقصده ومعتقده كما فسرها ابن عباس رضي الله تعالى عنه وغيره من السلف، فما من أمة ولا من فرد إلا وهذه حقيقته، حتى المنافق الذي ينافق ويدعي الإسلام كذباً، ويصلي ويصوم ويظهر أعمال الإسلام لكنه منافق، فهو يعمل على شاكلته مع أنه في الحقيقة غير مؤمن، ومع ذلك يعمل أعمال الإيمان، فكيف تكون القاعدة؟ القاعدة: أن كل إنسان إنما يعمل وفق ما يعتقد، فالمنافق يصلي ويصوم ويحج ويدعي الإسلام ويقرأ القرآن، فهو مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، فهذا يتناسب مع ما يعتقد، فهو يعتقد أنه يجب عليه أن ينافق، فيصلي ويصوم لمصلحته، وليحفظ دمه وماله وعرضه من الناس، ويعتبر نفسه واحداً من الناس فيكون عمله منسجماً مع نفاقه، فلو أنه كان مؤمناً حقاً لصلى وصام وحج خالصاً لله، ولو أنه كان منافقاً مستكبراً جاحداً حقاً لرفض أن يأتي بهذه الأعمال كما يرفض الكفار، لكن هو في نفسه يعتقد أنه إذا نافق وأظهر خلاف ما أبطن أن هذا هو الصحيح، وبالتالي فعمله موافق لاعتقاده، فهو يعمل على شاكلته، وكل إنسان كادح وكدحه وفق معتقده ونيته، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها )، فالمؤمن يغدو، والكافر يغدو، والعاصي يغدو، والطائع يغدو: فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، أي: إما أن يعتق، والمعتق هو المؤمن الصالح، أو يوبق، والموبق هو الطالح الفاجر الكافر.
      إذاً كلهم قد سار وعمل، وأيضاً باع نفسه ووقته، لكن بعضهم يعتق وبعضهم يوبق، وهذا هو الفرق فقط، فالإيمان والدين وكتب الله تبارك وتعالى التي أنزلها الله على عباده جاءت لكي تبين للإنسان كيف يعتق؟ وتحذره من أن يوبق، وهذا هو طريق الجنة، وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا نخطئ بإذن الله في شيء أبداً، كما بين لنا طريق النار حتى لا يخطئ أحد في ذلك أبداً بإذن الله، فهذا سبيل وهذا سبيل، وهذا طريق وهذا طريق، فإن أردت أن تعتق فهذا طريق، وإن أردت أن توبق فذاك الآخر، قال تعالى: (( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ))[الإنسان:3]، وقال: (( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ))[الكهف:29]، فالحق واضح جداً، فمن اختار الكفر وسلكه فإن همه وعزمه وإرادته وحياته، بل وماله ونفسه ستفنى فيه، وإن اختار الإيمان فهو كذلك، ومستحيل أن يؤمن القلب ويقول: إنه قد آمن وكمل إيمانه، وأصبح إيمانه كإيمان الملائكة أو الصديقين، كما قال بذلك المرجئة ، وتكون الجوارح في طريق آخر، فالقلب في طريق العتق والجوارح في طريق الإيباق، إذ لا يمكن ذلك أبداً، بل لا بد أن يتوحد الإنسان ويكون سيره واحد واتجاهه واحد وحركته واحدة، إذاً مذهب أهل السنة والجماعة ينطبق على حقيقة الإنسان، وأنه لا بد أن يسلم لله تبارك وتعالى بجوارحه وأعضائه جميعاً، والأحكام التي قسمها علماء الأصول بالنسبة للإنسان في أي أمر من الأمور هي: الواجب والمحرم والمستحب والمكروه والمباح، فهذه خمسة أحكام، والأعضاء ثلاثة: القلب واللسان والجوارح، ونضرب الثلاثة في الخمسة فينتج خمسة عشر، وابن القيم رحمه الله في أول المدارج بين مدار العبودية وقاعدة العبودية على هذه الخمسة عشر حكماً، فإذا هممت بقلبك فلا بد أن تنظر أحد الأحكام الخمسة، فإن كان واجباً تعتقده فتؤمن به، أو محرماً فيجب أن تجتنبه، مثل: الحسد أو الكفر أو التكذيب أو أي شيء من أعمال القلب، أو مستحباً أو مكروهاً أو مباحاً تفكر فيه، وكذلك القول باللسان، إذ إنه لا تخلو أقوالك من هذه الخمسة، وكذلك أعمال الجوارح، إذاً هذه الخمسة عشر تحصر كل نشاطك وكل عملك، فإما أن تعمل واجباً أو محرماً أو مستحباً أو مكروهاً أو مباحاً، ولا يخرج عملك عن هذا، وبذلك يتبين حقيقة التوحيد والإيمان، ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله في النونية :
      فلواحد كن واحداً في واحد            أعني طريق الحق والإيمان
      فلواحدٍ: وهو الله تبارك وتعالى الواحد الديان، كن واحداً: أي: لا تتشعب بك الآراء، وإنما وحد حياتك وإرادتك وجهدك وهمك وعزمك ونشاطك لله عز وجل، في واحد: وهو الصراط المستقيم.
      ولذلك الإنسان إذا تذبذب وتشتت في المسير، خطوة في طريق الخير، وخطوة في طريق الشر، فهذا يخشى عليه أن يختم له بخاتمة السوء والعياذ بالله، فقد يأتيه الموت وهو في طريق المعصية والضلالة والبدعة.
    2. الأعمال نتائج الأفكار

      إذاً فليكن الطريق هو الصراط المستقيم، وليكن العمل كله في هذا الخط لاحتمال أن خروجاً ما في لحظة ما تكون فيه النهاية، ولهذا الأوامر في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سيرة السلف الصالح بالثبات بالاستقامة، قال تعالى: (( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ))[هود:112]، وقال عليه الصلاة والسلام: ( قل آمنت بالله ثم استقم )، وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ))[فصلت:30]، ولذلك يجب على الإنسان أن يوحد حتى شعوره وفكره، وأن لا ينغمس حتى في الخيالات والأحلام؛ لأن الشيطان حريص على إغواء الإنسان، فإن لم يجد منه إلا هذه الخيالات أغرقه فيها وجاءه من طريقها، وقيمة الحياة لا يعرفها إلا من عرف الحقائق الإيمانية، ولذلك تحسر أحد السلف حينما مر بقوم يلهون ويلعبون وفي الغواية سادرون فقال: يا ليت الوقت يشترى؛ لأن المؤمن يضيق وقته حتى عن التفكير لانشغال فكره بما هو أهم، وغيره يضيع الأعمار والأوقات، ويفكر كيف يضيع حياته؟! لأنه ما عرف قيمة الحياة، وما عرف أن هذا العمر هو حقيقة الحياة، ولا يعرف ذلك إلا من عرف حقيقة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وأنه يجب عليه أن يصبح والآخرة أكبر همه، وأن يكون كل عمله لله سبحانه وتعالى، حتى همه وفكره، والأعمال هي نتائج الفكر، وابن القيم رحمه الله قد ضرب مثالاً فقال: هذا الفكر كالرحى، فالرحى تدور باستمرار، وهذه من حكمة الله سبحانه، إذ إن أي إنسان لا يمكن أن ينقطع فكره وهو يقظان أو نائم، قال: إن وضع فيها حباً فماذا تطحن؟ لاشك أنها ستطحن حباً، وتكون النتيجة دقيقاً، وإن وضع فيها الحصى والبعر والرمل كانت النتيجة من جنس ما يوضع فيها، فعلى الإنسان أن يفكر في الآخرة، أو في لقاء الله سبحانه وتعالى، أو في أمر من أمور المسلمين، كأن يفكر في التواصي بالمرحمة، وكيف نرحم هؤلاء الناس؟ وكيف ندعو إلى الله؟ وبالتالي تكون النتيجة أعمالاً وثمرات طيبة لهذا التفكير، وهذا الخاطر عندما دار في هذا الشيء تحرك القلب فأنتج شيئاً ما، ولو لم ينتج إلا الدعاء، أي: أن تدعو الله أن يثبتك وأن يحفظك، فتكون قد ذكرت الله بقلبك وذكرت الله بلسانك أيضاً.
      وهكذا لا بد أن ينتج شيئاً ما، والنتيجة من جنس ما شغل وفكر فيه، ولذلك الذين أدركوا هذه الحقيقة من أعداء الله سبحانه وتعالى لماذا يحرصون على أن يكون الإعلام أربعة وعشرين ساعة لهواً وفساداً وغناء وإعلانات ودجلاً وشركاً ودعاية سياسية كاذبة؟ لقد ذهب الإنسان يسجل هذه المرئيات ويلتقطها، فمن أين يأتي الإيمان؟ ومن أين يأتي الخير؟ ومن أين تأتي مجرد فكرة أو حديث عن الآخرة؟! ولذلك يوم القيامة يقول الضعفاء للمستكبرين أصحاب هذه الوسائل: (( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))[سبأ:33]، فيحتج المستكبرون فيقولون: (( أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ ))[سبأ:32]، أي: ما صنعنا بكم شيئاً، بل أنتم الذين كفرتم وتمتعتم، فيجيب المستضعفون: (( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))[سبأ:33]، أي: مكركم ليلاً ونهاراً هو الذي ضيعنا وألهانا وأبعدنا عن الدين، وهذا لا ينفع المستضعفين: (( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ))[غافر:48]، وقال: (( قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ))[الأعراف:38]، أي: الكل له ضعف، لكن المقصود أن الإنسان يحرص على نفسه وعلى أهله وعلى أسرته من هذا المكر الذي يدور ليل نهار يريد أن يدور بك وبعقلك، وتجد بعض الناس أمام بيت من الشعر يهلك ويسقط والعياذ بالله، وبيت من الشعر يثير في ذهنه شهوة أو شبهة، فأخذ يفكر فضعف يقينه، وانحلت عقد الإخلاص والإيمان والخشوع من قلبه، فأهمل في صلاته، وربما تركها، فمات كافراً والعياذ بالله، وبمنظر إلى امرأة رآها على الطبيعة أو صورة قد يضيع دين الإنسان كله والعياذ بالله، فيجب على الإنسان أن يحفظ هذه الجوارح، ولا يقول: الإيمان في القلب فقط! أو الإيمان على اللسان فقط! إذ إن حياتك كلها يجب أن تكون كالحارس المستوفز الذي يعلم أن الأعداء محيطون به من كل جهة، ولو غفل عن سلاحه لقضي عليه واحتلت قلعته الحصينة وهي القلب، فلتحصنه بذكر الله سبحانه وتعالى، ولا تترك مجالاً لشهوة أو شبهة تدخل إليك فتفسده فساداً قد لا يرجى صلاحه، أو تأتي بمرض لا يرجى برؤه.
      إن كل زعماء الضلال في العالم إنما كانت بداية الضلال جلسة مع مجرم منحرف ملحد، كتاب، أو مقالة، أو قرأها له، هكذا الانزلاق، واسأل مدمن الخمر: كيف وقعت الكأس الأولى، واسأل مدمن التدخين: كيف وقعت السيجارة الأولى؟ وبعد ذلك تتابع والعياذ بالله، وهكذا كل من توغل وتورط في الفساد وأوقعه الشيطان في شباكه، إنما يكون عن طريق أول مرة، ثم تراخى، ثم لم يبادر بالتوبة، لم يتذكر فإذا هو مبصر، فاستمر فتمادى، فهلك في النهاية، ومن هنا فالإيمان هو على كل الأعضاء، وفي كل الأوقات، وفي جميع الساعات، وفي جميع الأحوال، ولذلك لابد أن تكون مؤمناً حقاً، في الضراء والسراء، في الرخاء والشدة، في الفرح والترح، ولذلك ما ترك لنا هذا الدين العظيم، وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا وبين لنا كيف نرضي الله، وكيف نطيع الله تبارك وتعالى فيه، حتى الأفراح كيف تطيع الله تعالى في زواجك وفي الاحتفال به، بل وحتى في دخولك على أهلك، إن كل شيء قد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى في الأعياد بين لنا العيدين، وكيف نفرح فيهما، في أكلنا وفي طعامنا وفي منامنا، قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً. أي: أن كل شيء قد بينه صلى الله عليه وسلم فالحكم في كل شيء أمامه واضح من العدل والإيثار والحرص على الرعية والشفقة، والالتزام بأحكام الله سبحانه وتعالى، سواء على الشريف أو الضعيف، بل كل ما يحتاج إليه الحاكم فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم واضحة فيه، كذلك كل شيء يتعلق بالحياة الزوجية والحقوق بين الزوجين أوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه عملياً وبأوامره لهذه الأمة، والعالم كيف يجب أن يكون مع الأمة؟ أوضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواعظه وتعليمه ودعوته وبيانه للحق، والمربي المصلح والقائد العسكري كيف يعلم؟ كل ذلك وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوضح كيف يتعامل مع جنده؟ ولأي شيء يقاتلون؟ وكيف يرفق بهم؟ وكيف يأمرهم؟ كل شيء جاء به هذا الدين وأوضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعظم الأدلة على أنه رسول من عند الله، وإلا فكيف في بشر واحد تتمثل هذه الصفات جميعاً على أعلى درجات الكمال؟! إن الأمم الكافرة التي لا تقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تؤمن به، تجعل لها قدوة في السياسية، وقدوة في القيادة، وقدوة في غير ذلك، وماذا تجد في الجوانب الأخرى؟ تجد حتى على تصورهم المحدود قائداً عسكرياً قدوة في القيادة، في الوطنية، القائد العسكري الوطني الذي يضحي بنفسه وبجنده من أجل الوطن إلى آخر ذلك، بينما في الجوانب الإنسانية والعائلية والعاطفية تجد السواد الكالح، فما من زعيم في أوروبا أو رئيس لـأمريكا إلا ويكتب عنه الكتاب الوجه الآخر، كيف الجانب الآخر؟ يقول لك: هذا الرئيس الذي أمام الناس حازم وصارم ويتكلم ويأمر، له جانب آخر من العلاقات الغرامية والقمار والفسق والتعري! إنه شيء عجيب جداً، فهو لو كان قدوة في شيء معين، فإن جوانب أخرى في غاية السم والقبح من الأخلاق الرذيلة، وحدث عنه ولا حرج، وآخر تجده قدوة في المال، فيكون تاجراً كبيراً استطاع أن ينهض بالشركة في كذا سنة، فيصبح مليونيراً ضخماً، وأخلاقه الشح والجشع وتجده الغشاش الكذاب، وكل الصفات القبيحة تجدها فيه، فهم يقولون: لا تتحقق قدوة متكاملة في غاية الكمال إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه من حكمة الله جعل لخلفائه وورثته في هذا لكل منهم نصيب بقدر اجتهاده، فللعلماء نصيب بقدر اجتهادهم، أي: في موافقة سنته صلى الله عليه وسلم في العلم، وللحكام نصيب كما كان الخلفاء الراشدون في سيرته في الحكم والسياسة، وللقادة نصيب بمقدار متابعتهم له صلى الله عليه وسلم، فلكل أحد من الخير نصيب بمقدار ما يتابعه فيه، ولكل منهم خسارته وانحرافه وربما محقه دنيا وآخرة بمقدار تركه وتخليه عن ما جاء به هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعده عن التخلق بأخلاقه التي جعلها الله تعالى له: (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ))[القلم:4].
      إذاً يقول الشيخ: مذهب الكرامية وكذلك الأشعرية أو جهم ، ومن وافقه واضح البطلان، أي: عندما تكون المذاهب أربعة كما قد قسمناها، فالمذهب الذي يجعل الإيمان على أعضائه الثلاثة هو مذهب السلف، أي: أهل السنة والجماعة ، والمذهب الذي يجعلها على عضوين: القلب واللسان هم المرجئة الحنفية ، والذي يجعله على عضو واحد هم الكرامية من جهة، والجهمية من جهة أخرى، والذي يقولون: ما في القلب، اختلفوا فرقتين: جهم و الصالحي قالوا: إنه مجرد المعرفة، والأشاعرة يقولون: التصديق، والشيخ يريد بالقسمة الرباعية أن يصل إلى استبعاد المذهبين الأخيرين، ثم يبدأ يقارن بين المذهبين الأوليين.
    3. التفريق بين المرجئة والمرجئة الغلاة في كلام السلف

      ونحن قبل ذلك نريد أن نقول: إنه بهذا التقسيم نعرف المرجئة . و المرجئة الغلاة ، فإذا ذكروا المرجئة في كلام السلف، وفي ترجمة الإمام البخاري في الصحيح ، وفي كلام الإمام أحمد، وفي كلام وكيع و سفيان و عبد الله بن المبارك ، و سعيد بن جبير و ثابت و أيوب وغيرهم من العلماء فالمقصود بهم: المرجئة الحنفية الذين يرون الإيمان على عضوين، فيخرجون عمل الجوارح، والمرجئة الغلاة الضابط والعلامة للمرجئة الغلاة أنهم يجعلون الإيمان على عضو واحد، فلذلك نحن لا نسميهم مرجئة إلا إذا قلنا: الغلاة؛ لأن العلماء في الغالب في القديم لا يقولون: مرجئة غلاة ، وإنما يقولون: المرجئة و الجهمية كما في كلام سفيان ، فمثلاً نقول: تقول مرجئة الدين كذا أو الإيمان كذا، وتقول الجهمية : الإيمان كذا، وما سموهم مرجئة ، وإنما سموهم الجهمية ، لكن نحن نقول: ما دام الاصطلاح قد انتشر وصار ظاهراً معلوماً متداولاً فنجعلهم المرجئة ، و المرجئة الغلاة ، إذاً إذا وضعنا هذا الضابط فـالماتريدية والأشعرية من المرجئة الغلاة ؛ لأنهم يقولون: الإيمان على عضو واحد وهو القلب فقط، والكرامية كذلك، فهم يردون على الكرامية ، والفخر الرازي له كتب وأكثر ما أمضى فيه الفخر الرازي وأفنى حياته ومجادلاته كانت مع الكرامية ، ومع ابن الهيصم وأتباعه؛ لأنهم عندهم مرجئة غلاة ، فهم يقولون: الإيمان هو قول اللسان، ونحن بهذا بالتقسيم -وهو تقسيم منطقي فطري سليم- تبين لنا أن الطائفتين غلاة معاً، فهؤلاء غلاة وهؤلاء غلاة، لكن هؤلاء جعلوه ما يقوم باللسان، وأولئك جعلوه ما يقوم بالقلب، أي: عمل واحد من أعمال القلب، وأولئك جعلوه نطقاً أو إقرار اللسان، فإذاً حتى الفخر الرازي -وهو إمام الأشعرية المتأخر، وكل من جاء من بعده آخذ منه- هو في الحقيقة من الغلاة وإن كان يرد أو يتخيل إليه أنه ينقد مذاهب المرجئة الغلاة وهم الكرامية، حيث إنه أمضى أكثر كتبه وأكثر عمره في الرد عليهم.
      إذاً بهذا نعرف المرجئة من المرجئة الغلاة ، وهذا ضابط سهل إن شاء الله، ويبقى المذهبان الأوليان: مذهب أهل السنة والجماعة ، ومذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، فنقول: المذهبان بينهما فروق، وهنا يأتي الإشكال الذي وقع فيه الشارح رحمه الله، وهو أنه قد يتخيل إلى من ينظر أن اللقاء سهل، وأن الخطب هين، وأن الخلاف ضيق، فيمكن أن يكون المذهبان كالمذهب الواحد، وأيضاً لو جاء آخر يمكن أن يبين أن بينهما فرقاً كبيراً، والشارح رحمه الله بما أنه حنفي، والإمام صاحب متن الطحاوية حنفي، وهما محبان للسنة ولمنهج السلف، يحاولان أو يريدان أن يظهرا أن المذهبين قريبان، وأن الخلاف ضيق، وإن كان الكلام في الأخير لا يسعف بهذا، لكن هي محاولة للتقريب، وهذه المحاولة تفيد أو تجدي في الرد على الغلاة فقط، في إلزام الغلاة الذين غلوا وانتسبوا مع ذلك إلى الإمام أبي حنيفة ، فيأتي واحد ماتريدي ويقول مثلاً: الإيمان هو ما في القلب فقط، فنقول له: أين بعدك عن الإمام أبي حنيفة ؟ فيقول: أبو حنيفة خالف ما جاء عن السلف، فيقال له: الخلاف بينه وبين السلف محدود أو ضيق في كذا، لكن أنت ابتعدت، لكن في الحقيقة لا بد أن يوضح الخلاف والفرق كما هو؛ لأن -وهذا ضابط- كل ذم ورد في كلام السلف الصالح للمرجئة أو الإرجاء فالمقصود به: الفقهاء الحنفية، وبهذا نستطيع أن نعرف أن السلف الصالح -وهم أفقه الناس، وأعلم الناس- ما اتخذوا هذا الموقف إلا والأمر أخطر من أن يكون مجرد خلاف صوري أو لفظي، لكن مع ذلك نحن نأخذ كلام الشيخ رحمه الله على ظاهره ونبين لماذا قال هذا؟
  3. نوع الاختلاف بين أبي حنيفة رحمه الله وسائر الأئمة من أهل السنة عند المصنف

     المرفق    
    قال رحمه الله: [والاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة اختلاف صوري، فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب، أو جزءاً من الإيمان مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان بل هو في مشيئة الله إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه، نزاع لفظي لا يترتب عليه فساد اعتقاد، والقائلون بتكفير تارك الصلاة ضموا إلى هذا الأصل أدلة أخرى، وإلا فقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتهب، ولم يوجب ذلك زوال اسم الإيمان عنهم بالكلية اتفاقاً.
    ولا خلاف بين أهل السنة أن الله تعالى أراد من العباد القول والعمل، وأعني بالقول: التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، وهذا الذي يعنى به عند إطلاق قولهم: الإيمان قول وعمل، لكن هذا المطلوب من العباد: هل يشمله اسم الإيمان أم الإيمان أحدهما، وهو القول وحده والعمل مغاير له لا يشمله اسم الإيمان عند إفراده بالذكر، وإن أطلق عليهما كان مجازاً؟ هذا محل النزاع]
    .
    إذاً: هما قضيتان: قضية مرتكب الكبيرة، وقضية شمول اسم الإيمان للعمل أو عدم شموله، فإذا أخذنا الموضوع من هذه الزاوية نقول: الخلاف هين، وفي الحقيقة أن المسألة لها أصل تاريخي، ودائماً تاريخ أي فكرة أو أي مبدأ يعينك على تصوره وعلى معرفة حقيقته، وأصل المصيبة والبلية إنما حدثت في موضوع الإيمان من الخوارج الذين يكفرون المسلمين المؤمنين بمجرد ارتكاب المعصية، مع بقائهم على التوحيد وعلى الإيمان، فـالخوارج كانوا يقولون: هذا كافر، ويعنون الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فلم يكن الخلاف فيمن ارتكب الكبيرة من عامة الأمة، أنه شرب خمراً، أو زنى، أو فسق، إنما يعنون الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فيظلمونهم وينسبون إليهم الذنب والكبيرة، مع أنه قد يكون وقع منهم، كالقتال مثلاً، لكن ليس كبيرة عندهم إذ إن كلاً منهم قاتل على تأويل أو اجتهاد، لكن هم ينسبون إليهم الذنب ويزيدون فيقولون: هذا الذنب كفر، إذاً هم كفروا، فمنشأ الخلاف في الأسماء والأحكام الذي أصبح فيما بعد يعرف بمباحث الإيمان أو مباحث الأسماء والأحكام هو ما حكم مرتكب الكبيرة؟ فالذين نظروا فقط إلى هذا الأصل التاريخي قالوا: الإمام أبو حنيفة رحمه الله إنما قال: إن الأعمال لا تدخل في الإيمان؛ حتى لا يوافق كلام الخوارج ، فلذلك يقول لهم: الإيمان أن الإنسان يصدق بقلبه ويقر بلسانه، أما أعمال الجوارح فهي ليست داخلة في حقيقة الإيمان، وإنما هي لوازم وثمرات ومطلوبة كما بين الشيخ فيما بعد، ولذلك نعلم ونعتقد -حتى الحنفية المرجئة - أن الله أراد منا الإيمان والعمل، أراد منا التصديق وأراد منا العمل وطلبه، ويعتقدون أن الله تعالى يثيب العامل عمل خيراً، ويجازي العامل عمل سوءاً أو شراً، وهذا معلوم لا نخالف فيه، فلذلك يقولون: نحن نتخلص من مذهب الخوارج ونقول: إن العمل غير داخل، أما أن تكون الأعمال من لوازم الإيمان، وأن هذا الرجل مرتكب الكبيرة في الآخرة تحت مشيئة الله، وأنه غير خالد في النار، فهذا كما يقول أهل السنة والجماعة ، وكأن الخلاف إذاً: الخوارج يقولون: مرتكب الكبيرة كافر في الدنيا، خالد مخلد في النار في الآخرة، وأهل السنة يقولون: هو في الدنيا صاحب معصية، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي الآخرة تحت مشيئة الله، فإذاً كأنهم يقولون - المرجئة الفقهاء -: نحن، وأنتم معشر السلف نتفق في موقف واحد، وهو تكذيب ودحض والرد على عقيدة الخوارج .
    إذاً إذا نظر إليها باعتبار المآل، أي: باعتبار النهاية في الآخرة، فإنه يتفق المذهبان: المرجئة الفقهاء ، و أهل السنة والجماعة ، إذ إنهم يقولون: إن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة في الآخرة، إذاً اتفق القولان، فمن نظر إلى هذا فقط قال: إذاً الخلاف صوري أو لفظي، والأمر هين والخطب يسير، وهذا هو الملحظ الذي لحظه أولئك فقالوا به، وقلنا: هذا القول ينفع في الرد على الحنفية، فيقال لهم: إذا كان الخلاف فقط في هذا، فهذا بسيط، لكن يلزمون بعد ذلك بأن لا يبتعدوا كثيراً عن مذهب السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، لكن في الحقيقة أن الخلاف ليس صورياً أو لفظياً كما ذكر الشارح رحمه الله؛ لأنه هل يستوي كلام من يقول: إن الإيمان يزيد وينقص، مع كلام من يقول: إنه لا يزيد ولا ينقص ونقول: المذهبان سواء، أو الخلاف لفظي، ولا سيما وأن الزيادة والنقص جاءت في القرآن والسنة؟
    فإذاً ما الذي سيفعله الذي لا يثبت الزيادة والنقص بهذه الآيات والأحاديث؟ لا بد أن يؤولها، ومن أول أحاديث الصفات أو آيات الصفات فالخلاف معه حقيقي، وكذلك من أول الآيات في الإيمان، وبالتالي كل من وضع قاعدة بعقله، وباجتهاده، وأول النصوص المخالفة لها فهو مؤول مطعون في تأويله مردود عليه، والخلاف معه حقيقي.
    وبناءً على ذلك فقضية أخرى تتفرع عن هذا، بمعنى آخر: كل هذا يعني أنهم لا يجعلون الإيمان شعباً، ولا يجعلونه أجزاءً، ويردون هذه الأحاديث، أو يؤولون حديث الشعب وغيره.
    وأيضاً: أن مرتكب الكبيرة لا ننظر إلى مآله في الآخرة وأنهم اتفقوا في مآله، هل اتفقا في تسميته والحكم عليه في الدنيا، أم الخلاف حقيقي؟ إنهم يرون أن مرتكب الكبيرة من زنى أو سرق: أو كبيرة اعتقادية -من ابتدع بدعة- أنه مؤمن كامل الإيمان؛ لأن عنده الإقرار باللسان والتصديق بالقلب، وما عدا ذلك لا يدخلونه، وأهل السنة والجماعة يخالفونهم ويقولون: إنه فاسق، ناقص الإيمان، لا يطلق عليه كامل الإيمان، ولا يسمونه مؤمناً بإطلاق، أي: أنهم يثبتون له مطلق الإيمان لا الإيمان المطلق، فمثلاً: رجل لم يصحو من الشراب، فهل تقول: إن هذا الرجل مؤمن؟ لا يقال ذلك؛ لأن لفظ (مؤمن) من أعظم أوصاف المدح والثناء، والثناء والمدح يكون لمن أتى بحقائق الإيمان ولم يناقضها، قال تعالى: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ))[الأنفال:2]، وقال تعالى: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ))[الحجرات:15]، وقال: (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ))[المؤمنون:1-2] إلى آخره، إذاً المؤمنون لهم صفات، ولما نقول: فلان مؤمن، فهذه صفة مدح وثناء لا نعطيها هكذا بإطلاق لمن يشرب الخمر أو لمن يزني أو لمن يفجر، لكن نعطيه مطلق الإيمان الذي يكون به غير داخل في دائرة الكفر، فنقيد ونقول: مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته أو معصيته، وذلك حتى لا يقول أحد: أنتم كـالخوارج تكفرونه؛ لأنه زنى أو شرب الخمر أو سرق، بل نقول: نحن لا نعتقد ذلك، ولكن نقول: إنه مؤمن بإيمانه، أي: بعقيدته بتصديقه بتوحيده، لكنه فاسق بكبيرته، أو يطلق عليه اسم تلك المعصية، فإذا قيل: شارب للخمر، أو سارق، أو زان أو كذا، أو إذا سمي باسم المعصية التي يفعلها، فنحن نعتقد أن لازم ذلك عند أهل السنة والجماعة أنه لا يكفر، ففرق بين أن يقال: فلان مشرك، وفلان شارب للخمر، إذ إننا لا نقول عليه: هذا مشرك، إذاً هو خارج عن الملة كافر، لا، وإنما نقول: هذا شارب أو زان أو فاجر أو كاذب أو مرابي، فنطلق عليه الاسم الذي يستحقه بالذنب الذي فعله وارتكبه، وإن قلنا: فلان شاب مؤمن، شاب تقي، شاب بار، شاب مخلص، فإن هذا يطلق على جنس ثالث، لكن أنتم تجعلون الجنسين سواء، أو تقولون: إذاً نقع في مذهب الخوارج ، فنقول: لا؛ لأن هذا له أوصافه وذاك له أوصافه، فلا نصفه بوصف الإيمان المطلق؛ لأنه مدح وثناء، وهذا لا يستحقه بما فيه من المعصية، وإنما يستحقه من وصفه الله سبحانه وتعالى بذلك، وهناك إلزام عظيم من أهل السنة والجماعة يلزمون به المرجئة الفقهاء ، وهو: ما يتعلق بأعمال القلوب، هل تدخلونها أم لا تدخلونها؟ وهذا الإلزام قوي جداً؛ لأنهم يرون أن الخوارج خالفت في مرتكب الكبيرة الظاهرة في عمل ظاهر، أي: أنه زنى، أو سرق، أو شرب خمراً، أو فعل فعلاً ظاهراً، وهذا لو نفينا الإيمان عن صاحبه كما تقول الخوارج يكون قد كفر، إذاً فنجعل الإيمان هو ما في القلب، فنقول: أعمال القلب، وبالتالي هي في القلب فلا يترتب عليها هذا المحظور أو هذا المحذور الذي تخشونه من كلام الخوارج ، وغيره هو في داخل القلب فهل تثبتون كل أعمال القلوب؟ يعني: اليقين والإخلاص والصدق والصبر والتوكل والإخبات والإنابة والتوبة، فهل كل هذه الأعمال العظيمة تثبتونها؟ وهذا هو المأزق الذي وقعوا فيه، أو الإلزام الذي ألزمهم به أهل السنة والجماعة، فلا بد إما هذا وإما ذاك، ولذلك فالذي حصل أنهم مع الشد والجذب؛ لأن هذا المذهب دائماً، أو هذه المذاهب التوقيفية أو المذاهب التوسطية دائماً يشدها ويجذبها الطرفان، حتى في حياة الناس اليوم، فأناس وسط يحاول هذا يشدهم؛ لأنه يجدهم في أمور يوافقونه، ويحاول آخر أن يشدهم، ومع الشد والجذب انجذب أكثر الحنفية إلى الإرجاء الغالي أو أصبحوا من الغلاة؛ لأن أهل السنة والجماعة لما ألزموهم لم يستطيعوا أن يلتزموا قولهم، ولو التزموا أن اليقين والإخلاص والإنابة وأعمال القلب داخلة في الإيمان لكان من غير المعقول أن الإنسان يمتلئ قلبه بالتصديق والإيمان والإخلاص والخشية ومع ذلك يرتكب الكبيرة بجوارحه، وبالتالي يخالف ذلك، فوجدوا أن هذا فعلاً لا يستساغ، فالتزموا أن يكون عملاً واحداً، ومن أسباب القضية الأساس: ما دام أن الإيمان لا يتجزأ ولا يتركب ولا يتبعض فأول ما تحللوا من مسألة النطق فقالوا: حتى النطق ليس ركناً، وإنما مجرد علامة أو شرط، وذلك حتى يبقى شيء واحد، وهذا الشيء الواحد هو ما في القلب، لكن لما جاءوا ينظرون حتى الذي في القلب يتبعض ويتجزأ قالوا: لا والله لا نجعل هذه الأعمال، وإنما هو عمل واحد فقط، فالإيمان شيء واحد، أي: عمل واحد فقط من أعمال القلوب، ونسبوا هذا إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله رحمة واسعة.
    والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.