المادة    
المذيع: لدينا اتصال هاتفي من ألمانيا من الأستاذ حسن الزهراني، أهلاً ومرحباً بك أستاذ حسن.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله مساءكم، نشهد الله أولاً على حب الشيخ في الله، وحقيقة لدي مداخلة يسيرة وهي: أنه عندما يحل بالأمة أزمة من الأزمات نسمع ونرى الكثير من المسلمين يوجهون الانتقاد واللوم إلى الآخرين، سواء إلى الحكام أو المحكومين، مغفلين بذلك جانباً مهماً وهو: أنه قد يكون أحد هؤلاء المنتقدين سبباً من أسباب ما يحل بهذه الأمة، فلو كان رب أسرة -مثلاً- وبدأ بترميم منزله، والاهتمام بمن هو تحت إمرته، وكذلك لو كان معلماً وبدأ بمن تحت مسئوليته، فربما في أثناء هذه الترميمات تبدأ الخطوة الأهم وهي: إصلاح ومعالجة ما حل بالأمة، وكما يقال: رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وجزاكم الله خيراً.
المذيع: شكراً لك يا أستاذ حسن، ومعنا من السعودية الأستاذ عبد الرحمن المقيت، أهلاً ومرحباً بك.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مساكم الله بالخير يا شيخ! ونحبكم في الله يا شيخ! كما نعلم يا شيخ أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه الكريم: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[البقرة:120] وهذه نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات، فهل هناك من الدعاة من أمثالكم -والمشايخ كثيرون والحمد لله في السعودية - هل هناك توعية على مسائل الولاء والبراء؛ لأنه كما تعلمون بأن أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله، وأيضاً الولاء والبراء، فكما نعلم اليوم الولاء والبراء الذي ينبثق من العقيدة الإسلامية، الولاء والبراء من اليهود والنصارى، وشكراً.
  1. خطأ إلقاء اللوم على الآخرين

    المذيع: نأخذ ما ذكره الأستاذ حسن الزهراني من ألمانيا، عندما تحل بالأمة مصيبة نجد أننا نجيد فن إلقاء اللوم على الآخرين، لكننا لا نسهم أبداً في إصلاح وبناء أنفسنا.
    الشيخ: الحقيقة أنا أذكر تذكيراً عاماً: الآيات التي جاءت في سورة آل عمران وأوحاها الله تبارك وتعالى بعد أحداث أحد مباشرة، وبعد القرح واللأواء والشدة التي حلت بالأمة، وبينهم أفضل الخلق وأكرمهم على الله تبارك وتعالى؛ من أوجب ما يجب أن نتأمله دائماً في كل حدث وعند كل نكبة، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى: ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ))[آل عمران:165] ومعنى ذلك: أنه يجب أولاً أن نبدأ بالتفتيش عن الذنب، ولو نظرنا حقيقة لوجدنا الذنوب كثيرة، ولولا رحمة الله لحل الهلاك بنا الآن، الواقع أن العودة إلى الذات، أولاً: عندما أعود أنا إلى ذنوبي أكون فعلاً قد لجأت إلى الطريق القويم، وأكون قد بدأت بالخطوة الأولى التي يجب أن أخطوها، أكون قد حفظت أيضاً لساني عن أن أنتقد غيري، وربما أكون مخطئاً، وهكذا، وهذا لا يعني أن الأمة لا تتناصح ولا تتواصى، لكن إذا بدأنا بهذه الخطوة فإنها بلا شك تحقق ما بعدها من خطوات، وأشكر الأخ حسن على هذا..
  2. دور العلماء في التوعية

    المذيع: الأستاذ المقيت يقول: دور الدعاة في توعية الأمة ضد هذه الحملة تثبيت عرى الولاء والبراء في قلوب الناس، أيضاً الدكتور عمر العمودي سأل عن الحملة المباركة لمقاومة العدوان وطلب كلمة للمثقفين ودورهم في هذه المرحلة، وأنا أجمع هذه كلها يا شيخ: الأزمة الحقيقة أنه إذا جاءت أزمة يتهم كثير من الناس العلماء، كما ذُكر قبل قليل، يُتهم العلماء بأن دورهم غائب، ربما يكون هناك دور غائب في بعض الأماكن من العالم الإسلامي، في بعض الجهات من جهة العلماء، لكن نحن نسأل تجاه مثل هذه القضايا، وتقييمكم لدور العلماء، لعل هذا يسوقني للإجابة عن أسئلة الإخوة الثلاثة التي طُرِحت.
    الشيخ: هو الحقيقة -كما تفضل الأخ قبل قليل- أنه عندما نلقي اللوم والعبء على الآخرين هذا خطأ، الأمر الآخر هذا عذر لا يعفي العلماء، العلماء هم الموقعون عن رب العالمين، العلماء يفترض فيهم أن يكون همهم الله والدار الآخرة، وإقامة الحجة على العالم، لا دنيا ولا مناصب، ولا خوف إلا من الله، ((أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ))[التوبة:13].. ((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ))[الأحزاب:39].
    وفي الوقت نفسه أيضاً: العلماء وغير العلماء: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا))[البقرة:286] و((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا))[الطلاق:7] بمعنى لا يُحمَّل العلماء ما لا يحتملون، بمعنى: هل لي في ظل نظام دكتاتوري غاشم مستبد، لا يتيح للعالم أن يقول كلمة، ولا أن يلقي موعظة، أن أذهب وأقول: أين دور العلماء؟ أم الأحرى أن أدعو الله أن يفرج عنهم، وأن يعينهم، وهذا رأيناه في أنظمة عربية وهو موجود ومعاش، يعني: العالم هو أيضاً لا يستطيع أن يتحرك إلا في مجال معين، والأمة يمكن أيضاً أن يقال: أين الأمة التي تصحو للعالم، إذا شاهدنا أن علماء قد ينالهم ما ينالهم من الأذى والطرد وغير ذلك، ولم تتفاعل الأمة...
    إذاً.. هنا أيضاً مشكلة، فقد يقول العلماء، وقالها أحد علمائنا الأجلاء لما قيل له: انظر ماذا فعل الخميني ! فقال: لو كان لي أمة مثله! يعني: التغيير، فلا تنفع أمة بدون قائد، ولا قائد بدون أمة، أقول: فلم نتلاوم؟ ولم لا نقول: إن على العالم واجباً يجب أن يقوم به، وعلى الحاكم واجباً يجب أن يقوم به، وعلى الفرد واجباً.. وعلى المرأة واجباً، يعني بمعنى آخر: أن نقول ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}.
    فالإمام أو الخليفة راع وهو مسئول عن الأمة كلها..
    المذيع: لكن لو أذنت لي يا شيخ أن أطلع وإياك على ثلاث أو أربع بيانات بين يدي لعدد من العلماء في العالم في أربع دول مختلفة، نزلت بيانات حيال الأزمة من ضمنها ضرورة الالتفاف حول العلماء، عندما تصدر مثل هذه البيانات فإننا نسأل عن هؤلاء العلماء الذين أصدروا هذه البيانات، يعني: أمر واجب الالتفاف حول العلماء وقادة المسلمين ووحدة الصف ضد العدو، هذا أمر واجب، لكن عندما تدعو الشباب الثائر أن يلتف حول العلماء فهو يبحث عن العلماء الذين كانوا سنداً له في مثل هذه الأزمات، العلماء الذين كانوا يفتحون له الأبواب والقلوب ويمتصون هذا الحماس، ويعطونه -على الأقل- شمعة تضيء له الطريق، يمكن سؤال الإخوة هذا يدعو إلى أن يكون للعلماء دور، عندما يصدر بيان أن يكون لك دور قبل البيان وبعد البيان في امتصاص هذا الحماس في الشارع..
    الشيخ: نعم. حقيقية لا شك أن هذا يجب أن يكون، ولا تتحول القضايا إلى مجرد شعارات، ولكن نقول: النظرة الدقيقة أيضاً والمحكمة للموضوع ككل من دون التلاوم أو إيقاع اللوم أو العبء على الآخر، أما أن هناك علماء يقومون بهذا الواجب، وفي المقابل هناك من لا يريد أن يلتف؛ لأنه يريد من العالم أن يفتيه بما يريد، فالمشكلة موجودة بين الطرفين.
    الحقيقة يجب على العلماء أن يقودوا الأمة بكتاب الله تبارك وتعالى لا بهواهم، ولا برأيهم، ولا بهوى أي أحد كائناً من كان، لا الحكومات ولا غيرها، وفي الوقت نفسه -أيضاً- لا يقودوها برأي الشباب من طلابهم وإن كان فيهم خير، وعلى الطالب أن يعتقد أو يرى أنه إذا سألتُ العالم لأتلقى أو لآخذ منه العلم نفعني الله ببركة ذلك، أما إن سألته للامتحان والاختبار فإن أعجبني رأيه وإلا لم آخذ به، فيحرم بركة العلم والفتيا.
    في الواقع العام يجب أن تتضافر جهودنا جمعياً، وأنا متفائل بهذا، أنا أقول: الأمة بهذه الحالة من الوهن والضعف والتفرق أنها تفكر في أن توجد البديل وأن تنهض له، وأن نجد والحمد لله الصدى الهائل لما يقوله العلماء، بصراحة أنا لاحظت حتى العالم في الغرب هناك يهمهم ما يقول العلماء أكثر مما تردده القمة العربية مثلاً، هناك شعور بأن هناك تعبيراً عن حقيقة ما تعيشه الأمة..
    المذيع: يعني: ما علاقة رجل الشارع -كما يسمونه- بالعالم.
    الشيخ: نعم. فالحقيقة لا بد أن تزال جميع الفجوات، ولا بد أن تتوحد جميع الجبهات كما توحد الهدف ...