المادة    
المذيع: في حديثك عن قضية الأخذ من علي بن أبي طالب مسألة كيف نتعامل في القتال الواقع بين أهل القبلة، أنا أعرف -فضيلة الشيخ- أن لكم بحثاً في هذا الإطار، فيا حبذا لو أطلعتمونا على نتائج هذا البحث في القتال الواقع بين أهل الإسلام.
الشيخ: في الحقيقة الموضوع مهم جداً، وأنا ألخصه في أمور العلم بها ضروري حتى تعرف الفروق والفواصل؛ لأن حقيقة الفقه هو التمييز والتفصيل بين أمور وأمور قد تشتبه عند العامة أو عند كثير من الناس.
من ميزات هذه الشريعة العظيمة التي أنزلها الله تبارك وتعالى أنها جاءت مفصلة بأحكام لا نظير لها، وأنا اطلعت على ما يسمى: القوانين الدستورية، ومخالفة القوانين في الدول الغربية والعربية وغيرها، والحقيقة أنك تجد الهزال والتفاهة عندما تُقارن هذه بهذه الأحكام العجيبة الحكيمة المفصلة، وأنا أوجز فقط أصول هذه القضية في شريعتنا فأقول: من ينتسب إلى الإسلام، أو من يقول: أنا مسلم، أي: من يكون من أهل القبلة، ما أنواع القتال الذي يكون بينهم؟
عدة أنواع: هناك نوع يسمى: قتال الطائفة الممتنعة عن بعض أحكام الإسلام، كما امتنعت طائفة في صدر الإسلام عن الزكاة، ولم يكفروا، بل يقولون: نحن مسلمون، ولكن:
أطعنا رسول الله ما دام بيننا            فيا ليت شعري ما لدين أبي بكر!
نحن مسلمون لكن لا نؤدي الزكاة، واجتمعوا على ذلك، فهؤلاء يقاتلون قتال ردة؛ لأنهم أجمعوا واجتمعوا على أمر أو حكم من أحكام الشريعة لا يجوز إقرارهم على تركه. هذا النوع الأول باختصار، وهو قتال ردة.
النوع الثاني: القتال الذي يكون على البدعة .. على التأويل الخاطئ، كما حدث في قتال الخوارج، فهم يرون أنفسهم من أهل القبلة، وهم من أشد الناس، بل أكثرهم عبادة واجتهاداً فيها، فما كفروا ولم يكفرهم علي رضي الله تعالى عنه ولا الصحابة الذين قاتلوهم في أول الأمر، لكن من أين استحلت دماؤهم؟ من التأويل الباطل، وتكفير المسلمين واستحلال دمائهم، وإصرارهم على هذا الذنب العظيم، فمن هنا قوتلوا على أنهم أهل بدعة، ونجد علياً رضي الله تعالى عنه فرق بينهم وبين من قالوا: أنت هو وهو أنت، فهؤلاء الذين حرقهم وأنكر عليه ابن عباس ذلك التحريف - هم من النوع المرتد قطعاً.
لكن الشاهد أن هذا النوع أُخذ ووجد في القرن الأول، وكل الأمثلة سأجعلها من القرن الأول حتى تكون واضحة، وتوضح كيف كانت الأمة عالمة بالأحكام ثم اختلفت عليها الأمور مع الأسف الشديد.
المذيع: علي بن أبي طالب قاتلهم حرصاً على جمع كلمة المسلمين أو لأنهم أهل بدعة؟
الشيخ: قاتل الخوارج لأنهم أهل بدعة؛ لأنه لو تركنا لهم الأمر لبدلوا دين الإسلام وأصبحوا يدعون إلى هذه البدعة التي ابتدعوها، بخلاف من قاتلهم لجمع كلمة الأمة، فهؤلاء هم أهل الشام، وهذا هو النوع الثالث، وهو: قتال البغاة، وهو الذي يمكن أن نتوسع فيه فنقول بكلمة أعم: القتال الذي يكون فيه لكل من المتقاتلين وجهة نظر في مسألة الإمام نفسه أو الحكومة نفسها، أي: في شرعيتها وانطباق الشروط الشرعية في هذا الخليفة أو في هذا الإمام، في الحقوق أو ما أشبه ذلك، ويؤدي في بعض مجالاته إلى أن يكون قتالاً مجرداً على المُلك.
مثلاً: ما حدث من عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه، أو الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه، هؤلاء يرون أنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن لما خرج يزيد بن المهلّب على الدولة الأموية ولم يكن قرشياً، مع أنه كان جواداً كريماً، لكن كان خروجه من أجل أنه يرى أنه أحق بالملك من بني أمية، فهذا قتال فقط على مجرد الملك، بل لقد اقتتل بنو أمية فيما بينهم، وكذلك بنو العباس وغيرهم.
إذاً: قتال الفتنة المجرد، الذي من أجل الملك والدنيا هذا لا يجوز المشاركة فيه أصلاً بأي حال من الأحوال.
وعندنا النوع الآخر وهو قتال البغاة، وهؤلاء يجب أن يصلح ويحكم بينهما كما أمر الله سبحانه وتعالى..
المذيع: البغاة الذين يخرجون على ولي الأمر؟
الشيخ: يخرجون على إمام عادل، لكن عندهم شبهات، والعلاج أيضاً موجود شرعاً: أن تكشف الشبهة، فإن كانوا يشتكون أنه ظالم فترد المظالم لهم ويعطون حقوقهم، ولا يُبدءوا بالقتال حتى تنكشف الشبهة أو تنجلي المظلمة، وإذا كان ينقص الإمام شروط معينة يجب أن تحقق هذه الشروط بقدر الإمكان، ولاحظ أنهم لا يعترضون على النظام الاجتماعي في الإسلام ولا على الشريعة، وإنما يعترضون على أن هذا الحاكم أو الحكومة لا تنطبق عليها الصفات الشرعية.
فمن هنا يختلفون عن النوع الأخير وهو قتال المعتدين المحاربين لله ورسوله، كما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهم العرنيون، كما في حديث العرنيين، فهؤلاء نهبوا وسلبوا، فقطاع الطرق الذين يقطعون سبيل المسلمين، هؤلاء لا يريدون إلا السلب والنهب، وليس لهم شبهة، وليس لهم دين، لا مبتدع ولا غير مبتدع، وإنما غرضهم لذات المال، ولإفساد الأمن وإشاعة الرعب والنهب والسلب، فهؤلاء أيضاً يقاتلون، ولهم أحكامهم، فمن تاب قبل قدرتنا عليه تركنا سبيله، وهذا من سماحة الشريعة ويسرها، ثم بعد ذلك ما ذكر الله تبارك وتعالى من تخيير الإمام -والاختيار للمصلحة وليس للهوى- وهو بين القتل أو الصلب أو النفي من الأرض، أو تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف.