مشكلة فهم الكلام بطريقة خاطئة
المذيع: نحن نختلف -يا شيخ!- في قضايا أساسية حتى في قضية نقد الرجال والحكم على الآخرين، ثم إذا اختلفنا لا نعرف كيف نتعامل مع خلافنا، وسأذكر لك عدة أمثلة، وهناك أشياء تخصكم أنتم يا فضيلة الشيخ: في قضية حرب الخليج صدر بيان من هيئة كبار العلماء وكانت في ذلك الوقت برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز بجواز الاستعانة بالأمريكان في حرب الخليج، وكان منكم أن قدمتم رسالة وأطروحة تبين عدم جواز الاستعانة بهؤلاء، ثم بينتم ذلك في وعد كيسنجر وغير ذلك .. الذي أريد أن أقوله: إن البعض قال: الشيخ عبد العزيز كافر؛ لأنه أفتى بجواز التعامل مع اليهود والنصارى. وبغض النظر عن حقيقة الخلاف في هذه المسألة .. كيف نتعامل مع هذه الأصوات؟
الشيخ: ينبغي أن نعلم أن الشاذ لا حكم له، وهؤلاء القوم لديهم شذوذ وجهل، وأنا ما سمعت أن هذا حصل، أنت صادق، وأنا لا أستبعد أبداً أن يحصل، لكن: أقصد أن أحداً لم يواجهنا بهذا مباشرة، لكنه ممكن أن يقع في أي وقت، فعندنا من الجهل الذي يجعل أكثر من ذلك يقع، والقضية باختصار: مسألة الاستعانة بالكفار مسألة خلافية من قديم، وأحدهم يرجح هذا والآخر يرجح هذا، لا إشكال فيها على الإطلاق ولله الحمد.
المذيع: خلاف ماذا يا شيخ! عقدي أم فقهي؟
الشيخ: خلاف فقهي -وهي رسالة واحدة ليست رسالتين، هي رسالة واحدة وُضع لها عناوين لم أضعها أنا - لكن القضية التي أردت هي أن أعالج الواقع، فإذا كانت الاستعانة لا تجوز، أو كانت تجوز للضرورة كما قال العلماء، والخلاف بين من يقول: لا يجوز ومن يقول: يجوز للضرورة، في الحقيقة ليس خلافاً لو تأملت؛ لأن كل شيء حرام فيمكن أن يجوز للضرورة، لكن المشكلة ليست هنا، المشكلة معالجة هذا الواقع، أي: أن تقدّر الضرورة بقدرها، وأن يُعلم المناط، هذا الذي أردته في هذه الرسالة.
على أية حال؛ أنا معك على أن هناك إشكالاً، وضيق أفق، وقد قابلت بعض الناس وهو من أهل العلم والفضل ومعروف، فقال: أشكرك على تكفير الأشاعرة في رسالتك، وأنا لم أكفر الأشاعرة، بل بالعكس أنا احتطت فقلت: إنهم أقرب الناس إلى أهل السنة في نفس الرسالة، فتعجب وقال: إنكار العلو؟ قلت: إنكار العلو كفر ولكن أنا لم أكفر الأشاعرة، ثم بعد قليل إذا بآخرين يسحبون هذا الذي ظنوه ووهموه على أنه تكفير على ابن حجر والنووي، وتأتيني رسائل واتصالات، والآن أكملنا عشرين سنة منذ أن صدرت هذه الرسالة وهم يقولون: إنك تقول إن هؤلاء أشاعرة وأنت تكفر الأشاعرة إذاً هؤلاء كفار، والكلام واضح وصريح في أنهم ليسوا أشاعرة.
قلت: أهل السنة والجماعة، شرّاح السنة، المهتمون بالحديث والأثر ليسوا أشاعرة، وإن أخطئوا فيما أخطئوا فيه في بعض الصفات والأمور، والأشعري: هو المتكلم .. صفته كذا كذا، يقول بالكسب والإرجاء، وبتقديم الدليل العقلي على النقلي، أمور مضبوطة.. فالأشعري هو المتكلم وليس هو المحدث الذي أخطأ فوقع في مقالة وأول تأويلاً يوافق تأويل الأشاعرة أو غيرهم.
وهذا حقيقة دليل على أن الناس قد يفهمون خطأ، ولما نقول: فهموا كلامي أو كلامك، كم فهموا من كتاب الله؟ أصل ضلال الخوارج كان فهمهم لكتاب الله؛ لأنه حمّال أوجه، ولأنهم لا يفقهون معانيه.
إذاً: نرجع دائماً ونؤكد هذه القضية أنه لا بد من التجرد لله سبحانه وتعالى، ولا بد من معرفة الضوابط في كل علم، ولا بد ألا يتكلم في كل علم إلا أهله، وعلى الإنسان أن يتورع ويكف لسانه، وألا يدخل في أمور مثل هذه الأمور الشائكة المعقدة التي توقعه فيما لا تحمد عاقبته في الدنيا والآخرة.