المذيع: في هذا الإطار لو أردنا أن نتحدث عن الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة، فأنت الآن تحدثت عن قضية أن هناك بعض المصطلحات: الذمي .. المعاهد .. وبعض الأحكام الشرعية، فيبدو أن قلة العلم بها أدت إلى هذه الظاهرة، لكن لو أذنت لي قبل أن تجيب على هذا السؤال أن نتوقف مع فاصل قصير..
المذيع: فضيلة الشيخ! كنا قد تحدثنا قبل الفاصل عن الأسباب التي أدت إلى ظهور ونشوب ظاهرة التكفير في المجتمعات الإسلامية، وتحدثت أنت فقلت: إن من الأسباب: قلة العلم الشرعي، ولعل أيضاً من الأسباب: قلة معرفتنا بالمصطلحات التي يترتب عليها أحكام شرعية، فماذا عن هذا الأمر فضيلة الشيخ؟
الشيخ: الحقيقة أن قلة العلم الشرعي وقلة ضبط الأحكام والألفاظ والأسماء بالضوابط الشرعية كما جاءت في الكتاب والسنة، وأنها قد تأتي مطلقة وقد تأتي مقيدة، وقد تأتي بأحوال دون أحوال، كما نقول في الكفر والنفاق والإحسان والبر والتقوى، وغير ذلك، كل هذه الألفاظ والمعاني الإيمانية إن كانت تتعلق بالإيمان أو بالكفر فإن لها في كل سياق أو كل مقام مقالاً يجب أن تفهم به، وهذه -والحمد لله- ضبطت وأتقنت من قبل علماء العقيدة و
أهل السنة والجماعة.
والجهل هنا في الحقيقة يقع من الطرفين، ومن الأطراف كلها، فلنقل: هناك -مثلاً- ما يمكن أن نسميه الجوكة الإعلامية التي دائماً تتكلم، والذين يجزم الكثير منهم بأنه لا تكفير، بل لا يقع مطلقاً في التكفير، وهذا خطأ؛ فإنه لا يوجد دين إلا وفيه تكفير، وإذا لم يكن هناك تكفير فلا دين أصلاً، ما معنى أن هذا دين؟ حتى
الشيوعية لها مبادئ من كفر بها كفر بـ
الشيوعية، و
الرأسمالية لها أصول من كفر بها كفر بـ
الرأسمالية، فليس هناك دين ولا منهج ولا أي أمر من الأمور إلا وهناك ما ينقضه، والكفر ينقض الإيمان.
فإذا كانت من هذا الجانب من باب النفي، أو جئنا من الجانب الآخر جانب العدوان، وجانب العدوان يقع بأن يحتكر طرف لنفسه الحق أن يُكفّر، ولا يرضى أن الآخر يُكفّر، فإذا نظرت إلى ما يقال في الكتب التي يؤلفها هؤلاء الغلاة -بعض الغلاة- وقد اطلعنا عليها في بعض البلدان، وكذلك فيما يقال في الجانب الإعلامي المضاد لهم، فهؤلاء يقولون: إن هؤلاء كفار خارجون عن الإسلام مارقون من الدين، ودائماً في الإذاعة والتلفاز والصحافة يكرر هذا، ثم يأتي بعد ذلك الطرف الآخر ويقول: هؤلاء كفار ومرتدون.
الحقيقة إذا لم يُوقف الطرفان أو على الأقل يقف أحدهما من باب العدل والالتزام بالحق، فإن الآخر لن يقف، فلماذا نُلزم طرفاً دون طرف؟ لكن يجب علينا جميعاً: الحكومات، والعلماء، والجهات الرسمية للإفتاء، والعلماء المستقلون، كل من يتكلم في هذه المسألة يجب عليه أن يرجع إلى القواعد وإلى الأحكام، وإلى الضوابط الشرعية.
نعم، هي في الحقيقة ليست بالوضوح بمكان يفهمه كل أحد، ولكن هي أيضاً ليست من الغموض بحيث يجهلها هؤلاء، إذا استثنينا الصحفيين الذين يتكلمون بما لا يدرون، أو يهرفون بما لا يعرفون، لكن أنا أعتقد أن أي عالم بإمكانه أن يتأكد بأن هناك ضوابط وبضعة أحكام يجب أن تقال، عندما يتكلم كعالم شرعي، كذلك من يفتي، والملاحظ -تصديقاً لكلامكم- أن قلة العلم الشرعي له أثر في ذلك، فإنك إذا نظرت إلى بعض الردود تتعجب، وقد اطلعت عليها فكنت أتعجب! فإن الذي يرد من جهة الدفاع عن الحكومات، أو الدفاع عن الإرجاء أو كذا، أو الذي يرد من الطرف الآخر، كل منهما وقع في أخطاء، وقد يكون أصاب في أشياء، لكنه أخطأ وقصر في أشياء لا أعزوها حقيقة لقلة العلم والاطلاع، ولكن أعود إلى ما قلت في أول كلامي: أنا أرى أن قدراً من الهوى وعدم التجرد لله تبارك وتعالى والإخلاص في هذه القضية يدفع هذا الطرف أن يغمط شيئاً من الحق، وأن يتجاوز ويعتدي على الطرف الآخر، وهذه مشكلة خطيرة وخاصة بين المسلمين، فنحن أمة العدل، وأمة الإيمان، وإن لم نعدل فمن يعدل؟ وإن لم نعدل فيما بيننا فلن نعدل مع من يخالفنا.
أهل السنة والجماعة بالذات يجب أن يكونوا الفئة التي يأوي إلى عدلها كل فئة وكل مخالف من أي فرقة، فلا يجد عندهم ظلماً لا ليهودي ولا نصراني ولا مبتدع ولا ذمي أياً كان، الحكم عليه بالعدل .. إن كان ما فعله كفراً يقال: كفر، وإن كان بدعة يقال: بدعة، وإن كان معصية يقال: معصية، وإن كان من باب الجواز يقال به، وإن كان مما فيه خلاف يقال به، بكل عدل، ولا ننظر إلى صفة هذا الفاعل أو دينه أياً كان، لا نقول إلا بالعدل الذي أنزله الله تبارك وتعالى، وإذا فُقد جانب العلم فإنها مشكلة، وإذا وجد العلم لكن معه ظلم، بمعنى أنه فقد العدل، فالمشكلة أيضاً لها حل، ولا حل لها إلا بأن يكون الكلام بالعلم وبالعدل، ولا يكون الكلام بالجهل والظلم والعدوان.