المادة    
المذيع: عندما نعالج -يا شيخ- قضية من القضايا فإن البعض يقول: لا نتحدث عنها بتوسع حتى لا يظن البعض أنها ظاهرة، فلو أردنا أن نتحدث في بلادنا عن هذا الموضوع -موضوع التكفير- فهل أصبح ظاهرة مخيفة، أم أنه محدود لدى فئة معينة؟
الشيخ: على أية حال؛ قضية الغلو في تكفير المسلمين، وكذلك قضية الإرجاء والإهمال والتفريط - هما ظاهرتان قديمتان وليستا حديثتين، فأول فرقة ظهرت في الإسلام فرقة الخوارج التي تكفر المسلمين بالذنوب، وهذه الفرقة قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها وبيّن شأنها وأحكامها قبل أن توجد، منذ أن جاءه الرجل الذي قيل إنه ذو الخويصرة فقال صلى الله عليه وسلم: {يخرج من ضئضئ هذا ... } أي على منواله ومنهجه، وهكذا كان، الذي قال تلك الكلمة الفظيعة الشنيعة للنبي صلى الله عليه وسلم: { اعدل يا محمد! -أو قال: إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله-! } فكانت حالة شاذة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نبه أصحابه إلى أنها ستكون ظاهرة وسوف تخرج.
ويقول الإمام أحمد : إن الحديث في الخوارج قد صح من عشرة أوجه، فهو مروي عن عشرة من الصحابة، والإمام مسلم رحمه الله جمعها في كتابه، وروى البخاري كثيراً منها، وغيرهم من الأئمة، وفي هذا تنبيه من النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه المسألة الخطيرة سوف تقع وسوف تظهر.
وعلي رضي الله تعالى عنه وهو من أفضل من روى الحديث في الخوارج عندما قال: [[والله ما كذبت ولا كُذبت، ابحثوا عن ذي الثدية]] فاستخرجوه من ساقية كان بين القتلى -كان على يقين من ذلك.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن وأوضح لهم أن هذه الفرقة ستكون ظاهرة، وأن هذا الأمر وهذا الذنب الخطير العظيم، وهو استحلال دماء المسلمين وتكفيرهم وقتالهم- سيكون ظاهرة.
لكن لا يعني ذلك أنه على حالة واحدة، بل قد يختلف في بعض البلدان أو الأزمان، فيزيد في زمان ويقل في آخر، ونحن حقيقة في هذه البلاد بحكم الانفتاح والتواصل الإعلامي المتعدد الجوانب والمنافذ أصابنا من هذه المشكلة، أو جاءت إلينا، وأستطيع أن أجزم أنها بالنسبة إلينا هنا وافدة أو شبه وافدة، ثم وجدت ما يرفدها من بعض الفهوم الخاطئة أو ما كُتب من أئمة الدعوة أو غيرهم، أو بعض الأخطاء التي وقعت في بعض الكتب، وجُعلت تلك الأخطاء هي الأصل والمنهج والأساس، وبني عليها ما بني.
لكن هذا لا يعني أيضاً أننا نتساهل، بل بالعكس، أنا أقول: من فضل الله تبارك وتعالى وجود المادة العلمية في مناهجنا الدراسية ومواعظنا وإعلامنا وفي كلام علمائنا، التي تبين الحل العدل الحق الوسط بين الإرجاء والخروج، أنا أرى أن هؤلاء -ولله الحمد- أقوى وأكثر وأظهر، وهذا يجعلني أتفاءل بأن ذلك سيتلاشى بحول الله تبارك وتعالى.