المادة    
المذيع: كما تحدثنا عن أثر الانتفاضة على الأفراد في فلسطين -أشرنا إلى جزء من هذا قبل مداخلة الدكتور ولكن نستكمل- فهل ترون أن هناك أثراً واضحاً لهذه الانتفاضة على معظم الشعب الفلسطيني أو المجتمع بأسره؟
  1. أثر الانتفاضة على الفرد الفلسطيني

    الشيخ: نعم. هي من فضل الله تبارك وتعالى أن قامت الانتفاضة في وقت كان يراد مسخ هذا الشعب، كان يراد أن ينسى دينه وإيمانه وهويته وقضيته، فمنذ أن قامت حصل هناك تغيرات داخل المجتمع الفلسطيني لا يراها الكثير، لأن الإعلام دائماً يركز على المقاومة والمواجهة وهدم المنازل والأعمال الاستشهادية وما إلى ذلك.
    فهناك تغير عظيم، غيروا فغير الله ما بهم، وقد جعل الله في هذا قاعدة: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11] حلقات تحفيظ القرآن .. انتشار الدعوة إلى الله تبارك وتعالى .. كلمة الشهادة أصبحت على فم كل فرد: الطفل.. العجوز.. الصغير.. الكبير، القضاء على كثير من المنكرات والإقبال على العلم الشرعي، حتى إخواننا الذين داخل ما يسمى بالخط الأخضر أو أرض (1948م) هناك والحمد لله عودة إلى الله تبارك وتعالى، وإحياء للمساجد وللقرآن ولحلقاته ولتعليمه، رغم أنه حق مكفول لهم، وكما يقال -طبعاً-: إن إسرائيل دولة ديمقراطية إلا أنهم يعانون معاناة من أجل ألا يفقدوا هويتهم، وهم ناجحون ولله الحمد في ذلك.
    هذا التغيير في الحقيقة مهم جداً، والتغيير الآخر في نظري وأيضاً تفضل الدكتور بعرضه والحمد لله أنه أكد ما كنت أقوله: أن الانتفاضة ليست فقط فكرة جهادية أو عمل جهادي، الانتفاضة أعطت الدعوة الإسلامية درساً عملياً مفيداً جداً في كل مكان، وهو: أنه يجب عليك أن تتجاوز الخلافات الداخلية وأن تؤجلها أو تجمدها من أجل أن تواجه العدو المشترك، وهذا درس عظيم.
    في كل ذرة كان هناك أيدي عابثة مجرمة تقتل من إخواننا المجاهدين، وإخواننا ينتقمون من اليهود، وهذا مبدأ أعلنوه مراراً: إن ضربتمونا أو قتلتمونا فنحن سننتقم من اليهود، وبذلك التف المجتمع ولله الحمد فأصبحوا... -وأنا قرأت هذا لعدة محللين كبار إسرائيليين من مواقع الإنترنت الإعلامية اليهودية- يقولون: إن حماس بالذات كسبت الشارع الفلسطيني، وتسحب كل يوم من السلطة ومن مؤسساتها -كما قلت قبل قليل- كتائب الأقصى التي تنتمي إلى منظمة السلطة باعتبار زعيم السلطة هو زعيم حركة فتح، ومع ذلك فهي في الميدان مع الإخوة من حماس ومن الجهاد.
    هذا الانتصار كبير؛ لأن إرادة الحياة وإرادة التغيير إنما تبدأ هكذا ويقابلها عوامل الانهيار التي تحدث في إسرائيل.
  2. مؤشرات سقوط إسرائيل بين الأمل والواقع

    المذيع: أي أن عوامل الانهيار في المجتمع الإسرائيلي مهمة وخصوصاً أن بعض المتفائلين من أمثالكم يا دكتور ومن غيركم يقولون: إن إسرائيل سوف تسقط قريباً، ومؤشرات السقوط واضحة مع أن إسرائيل هي بلد ديمقراطي، بل هي أنجح وأفضل وأروع دولة ديمقراطية في الشرق الأوسط -كما يقال- إسرائيل تملك ترسانة نووية لا تستطيع الدول العربية مجتمعة أن تقاومها، إسرائيل باقتصادها القوي لا تستطيع الدول العربية بأسرها أن تقف أمامها، مواضيع عديدة تطرح، وأستأذنك أن تكون الإجابة بعد الفاصل بإذن الله؟
    المذيع: دكتور ذكرت لك قبل الفاصل أن إسرائيل دولة ديمقراطية وأنها من أقوى دول المنطقة، دولة تدعمها قوى عظمى: الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لمصالحها صباح مساء، الهيمنة الإسرائيلية واضحة على المنطقة، ومع ذلك يتفاءل البعض ويقولون: مؤشرات السقوط بدت واضحة؟
    الشيخ: فلنفترض أن هذه الدولة قلعة مليئة بالذهب والكنوز والمجتمع الناعم المترف ..، عندما أرى علامات التصدع من حقي أن أتفاءل ويحب علي أن أوضحها، والموضوع طويل، وأنا أنطلق من نفس النقاط الثلاث التي أشرنا إليها.
    فبالنسبة للقوة العسكرية نعم لا يمكن أن يقاومها جيش عربي ولا حتى الجيوش العربية مجتمعة، لكن ما فعلته الانتفاضة حتى تصبح النسبة (1:1) هذه أعجوبة وهذه كرامة خارقة لا نظير لها في تاريخ الحركات الانتفاضية في العالم، ويكفينا هذا أن الميدان لو حسم المعركة فليس وراء شارون من سفاح ولا وراء أمريكا من دولة أعتى منها لتمد إسرائيل، فهي في المعركة مع إسرائيل، وفي كل ميدان مع إسرائيل، ومع ذلك عسكرياً... يكفي أن شارون يرضى بالهدنة أو يطالب بها أو يقبلها، لأن الحل العسكري لم يعد يعطي....
  3. الانهيار العسكري والاقتصادي في إسرائيل

    المذيع: لكن لم يستخدم يا دكتور؟
    الشيخ: فليكن.. فالحل العسكري إن لم يستخدم فانظر إلى الموضوع من جانبه الآخر، المفاعل النووي بما أنه مصدر قوة لإسرائيل لكي تضرب أعداءها، ولكي تفعل أو تدمر، وهي لم تستطع بقذيفة نووية أن تقتل استشهادياً في حافلة أو في سوق فأصبح محايداً، وأصبح أزمة وجود المفاعل؛ لأن أي عملية استشهادية قد تحدث، أو أي ضربة صاروخية له قد تقلب الأوضاع رأساً على عقب؛ لأن كل شيء يجب أن نعلم أن له وعليه.
    فلنتجاوز الموضوع العسكري على أية حال ولنفرض أن البلاء حاصل ((وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ))[آل عمران:140] ليس هناك مشكلة في الجانب العسكري.
    قوة إسرائيل الاقتصادية: فإسرائيل قبل الانتفاضة كانت من أرقى الدول في التقنية العالية، وكان دخل الفرد في إسرائيل يقارب (24 : 21) ألف دولار فهي من أغنى الدول في العالم، الانتفاضة ضربت الاقتصاد الإسرائيلي في الصميم، المليون مهاجر الذين أشرت إليهم قبل قليل أكثرهم من هذه النخبة، المصانع تعطلت، العمالة الفلسطينية التي كانت تعمل توقفت، أيضاً حتى التجارة وهذا أحد العوامل.
    حدثت عوامل أخرى أيضاً: مثلاً: الأموال، حجم الاستثمارات في بورصة تل أبيب وقد قرأته من مصادر، أي: بلغ الانخفاض (97%)، هناك مثلاً حقائق معينة، الاستثمار الخارجي تناقص في إسرائيل فما بين (2000م : 2001م) (60%) ثم نقص في عام (2002م) عن عام (2001م) (55%) وهو خطير جداً، والشيكل قيمته تتهاوى.
    مجتمع غير آمن يسيطر عليه الرعب والذعر، بل حتى على كلابه.. حتى على حيواناته، مجتمع فيه من يتعاهدون ويتعاقبون على ألا نخرج من البيت أبداً، كيف يمكن أن يكون الوضع الاقتصادي مع هذا الشكل؟ الرحلات الجوية انخفضت بشكل كبير جداً، النقل البحري انخفض وارتفعت التأمينات بشكل هائل جداً، ليس هناك أحد مغامر يأتي إلى إسرائيل لكي يقتل نفسه، فالبلد يعيش رعباً.
    المحكمة الأرجنتينية حكمت لرجل يهودي هاجر إلى هناك ومعه ابنه بأن الابن من حقه وليس من حق الأم التي تعيش في داخل الدولة .. لماذا؟ لأنه بلد غير آمن، حكم قضائي يحكم بأن البلد غير آمن.
    فكيف يكون الاقتصاد ناجحاً في بلد غير آمن؟!
    نأتي إلى القضية الثالثة على عجل: دولة المؤسسات.
  4. التفرقة العنصرية بين اليهود وظهور التصدع

    المذيع: يستطيع أي فرد في إسرائيل أن يوقف رئيس الوزراء وأن يحاسبه دون أن يخاف من أي سلطة، وهذا غير موجود في أي دولة إسلامية؟
    الشيخ: لا يوجد مع الأسف، وهذا من أسباب بقاء إسرائيل؛ لولا أن هناك قوة فإن سنة الله لا تتغير، لنعلم أنه لولا القوة الاقتصادية وقوة الدعم وقوة النظام لما وجدت أصلاً إسرائيل، لكن أيضاً خذ الآن بدء التصدع في القلعة كيف يقع:
    إسرائيل وَهْمٌ أنها دولة ديمقراطية، لا أقول لك يا أخي الكريم أو إلى إخواني المشاهدين: إن إسرائيل لا تتعامل ديمقراطياً مع إخواننا المسلمين أو العربي الداخل.. لا، لا، ولكن حتى كيف يتعامل اليهودي الأمريكي مع اليهودي الحبشي، أو اليهودي الهندي أو اليهودي اليمني، فيوجد في المجتمع تفرقة عنصرية مقيتة، مجتمع يثير البغضاء والحقد، هناك حي في شمال تل أبيب وهو الحي الراقي، وهناك يسكن فيه الفئة المترفة وغالبهم أمريكيون، المهاجر الروسي فضلاً عن الحبشي أو الهندي يأتي ويعمل ماسح أحذية في أي مكان، ولا يجد عملاً، أيضاً يضطر أن يرجع ويهاجر إلى أمريكا أو إلى أي بلد.
    لا توجد إلا نظريات وهمية .. قضية الديمقراطية أو المساواة في الحقوق، أكثر من هذا يصل الأمر إلى حد التشفي، أن هناك جماعات من هذه الطوائف المحتقرة تتشفى بأي عملية استشهادية تكون داخل سوق يملكه أحد هؤلاء الأثرياء، فالمجتمع يعيش هذه الحالة من الانقسام.
    هناك رجل يدعى روبن غال وهو من كبار المحللين لعلم النفس في الجيش الإسرائيلي تكلم على هذه الظاهرة بكلام طويل جداً، وقال: لأول مرة نحن نشاهد هذه الظاهرة في إسرائيل، ظهر الانهيار النفسي والتفرقة العنصرية، لا يكاد أي يهودي إلا يحسب بالدقائق متى تنتهي نوبته حتى يرجع إلى أهله، إلا أن بعض الأفراد من الجيش يبقى، فتعجب! لماذا تبقى؟ قال: لأني لا أملك شيئاً.
    نعم في إسرائيل مترفون وأثرياء ولكن يوجد فيها أيضاً الطبقات الفقيرة والمحتقرة، وشعب يعيش تفرقة عنصرية ويعيش ذعراً دائماً، ويعيش حالة من الارتباك النفسي، ومعدل الهجرة يرتفع، وهذا ما ذكرته أحد الصحف حين أكدت أن (50%) من العلمانيين في إسرائيل قد فكر في الهجرة أو شاور من هاجر، الهجرة من إسرائيل والعودة إلى أوطانهم، والبعض يحتاط فيحمل معه جنسيتين أو جوازين.
    في ظل هذه المعطيات جميعاً فإنه بالفعل هناك عوامل تصدع.
    وهناك قضية أخيرة وهي: أن كثيراً من الإخوة يقول: كيف تتخيل أن يكون انهيار إسرائيل؟
    ليس بالضرورة كما يخطر للبعض أن يهجم إخواننا المجاهدون على تل أبيب فيحتلونها وتنتهي إسرائيل، وهذا يمكن إن شاء الله، وأنا أنقل نقلاً لأحد الخبراء العسكريين في إسرائيل وهو كبير جداً، يقول: النهاية سوف تكون بهذا الشكل -وهذا الكلام قبل فترة طويلة-.
    يأتي حاكم يهودي مثل رابين فيوقع اتفاق صلح فيرفضه المستوطنون أو بعضهم، فيقتل، وإذا تكررت حادثة قتل مثلما حدث لـرابين فسوف تقوم حرب أهلية في داخل إسرائيل، لأن المجتمع يعاني من رأيين متنافرين جداً.
    المذيع: وأين موقف أمريكا من هذا؟ أمريكا لا يمكن أن تترك الوضع بهذه الصورة فـأمريكا لن تسمح بتصدع إسرائيل حتى لو وجدت هذه المبررات، ومادامت أمريكا موجودة فلن تسمح بتصدع إسرائيل؟
    الشيخ: وماذا ستفعل أمريكا في هذه الحالة، على كل حال أنت تتكلم على مجتمع عقلاني وحالة الاحتراب الداخلي حالة غير عقلانية، عندما يأتي مستوطن مثلما فعل هذا الذي قتل رابين أو غيره ومعه مجموعات تقول: لا يمكن أن نعطي الفلسطينيين ذرة تراب، وآخر يقول: أعطوا الفلسطينيين كل شيء لكي نعيش فقط، هؤلاء إذا تقاتلوا لا نستطيع أن نقول: انتهت إسرائيل، ستكون بداية النهاية، وسنجد أن أحد الطرفين يحالف المقاومة.
    المذيع: لكن من يحرك هؤلاء، أليست الأحزاب الإسرائيلية؟
    الشيخ: الأحزاب الإسرائيلية تعاني انقساماً شديداً، والمواطن الإسرائيلي فقد الثقة في الكنيست، فقد الثقة في الأحزاب، وهذه حقائق سوف أذكر لك بعضها وليست مجرد افتراضات مني، فهذه حقائق لو وعيناها وفهمها كثير من الإخوة فسوف تغير النظرة لديهم لكي تصبح أكثر تفاؤلاً وثقة وتوكلاً، لا أقول لك: اليوم ولا غداً، وأذكر لك مثالاً:
    مركز الدراسات الاستراتيجية في تل أبيب حدد نهاية إسرائيل بعام (2012م).
    وهناك شيء آخر، هناك كلام يقرءونه في التوراة عن: كيف يمكن أن تكون بقية إسرائيل؟ وهذه دولة إسرائيل تسمى عندهم في الكتب (بقية إسرائيل التي تأتي في آخر الزمان) فكيف تكون في آخر الزمان؟ قال: سوف تكون على ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: يصهر في الأوتون ويحرق، وهذا الذي سوف تفعله الانتفاضة إن شاء الله.
    القسم الثاني: يطرد في أنحاء الأرض.
    القسم الثالث: يرعى ويربض كما تربض الغنم، وهؤلاء هم الذين سيقبل منهم إخواننا الفلسطينيون الجزية وأن يعيشوا كمواطنين يهود في ظل دولة إسلامية فلسطينية بإذن الله تبارك وتعالى، وهذه ثقتنا في الله ويجب أن تكون كذلك، وإذا أيقنا بهذه الحقائق وأنها ليست من نسج الخيال وأنها مبنية على دراسات وعلى معطيات، وعلى حقائق وأرقام، فأعتقد أن الصورة سوف تتغير كثيراً، وسوف نعرف قدر الانتفاضة بشكل أكبر مما نعرفه من أحداث يومية تقع وهي دول هكذا وأحزاب.