المادة كاملة    
يتحدث هذا الدرس عن النبوة وأهميتها، ومن خلال هذا كان التنبيه على ضرورة دراسة سيره النبي عليه الصلاة والسلام والاعتبار بها، مع التلويح ببعض دلائلها. وقد تمّ من خلاله -أيضاً- توضيح أن أكمل الناس عبودية هو رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأنه هو نبي الرحمة، وأن حياته كلها دروس وعبر وتربية. وأن نبوته صلى الله عليه وسلم ثابتة بكل الأدلة ولا تحتاج إلى فلسفة عقلية.
  1. أهمية موضوع النبوة

     المرفق    
    من أهم الموضوعات التي يجب عَلَى طالب العلم أن يلم ولو بقدر منها، حقيقة نبوة مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونبوة غيره من الأنبياء، لأن من أركان الإيمان: الإيمان بأنبياء الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
    فلا بد من معرفة النبوة وما حقيقتها ومدى حاجة النَّاس إليها وأمثال ذلك مما يجب أن يعلمه المسلم ولو إِلَى حد ما.

    ويتبين لنا عظمة النبوة وأهميتها إذا عرفنا أن كل شي من الدين يعتبر فرعاً عن إثبات النبوة، فالإيمان بالقرآن الذي هو كلام الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- متفرع عن الإيمان بنبوة مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا كَانَ كفار قريش يجادلون النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه ليس بنبيٍ؛ ليتوصلوا بذلك إِلَى الطعن في القرآن، لأن من أنكر نبوة مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو طعن فيها فقد طعن في القُرْآن وطعن في الإسلام.
    1. أساس الدين إثبات النبوة

      أساس الدين هو إثبات النبوة لنبيا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا قال كفار قريش إنما أنت مفتر، وَقَالُوا: ساحر، وشاعر، ومجنون ((وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً))[الفرقان:5]، ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُون)) [الفرقان:4] وقالوا غير ذلك من السباب كقولهم: إنما يعلمه بعض الأعجميين، وقولوا: إنما يعلمه بشر، ويجب أن يُعلم أن كل أنواع الافتراءات التي تنكر القُرْآن تعتبر تكذيباً لدعوى النبوة، وإذا كذبوا النبي في دعوى نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعد ذلك ينكروا ما شاءوا.
      لهذا كَانَ مبحث النبوة مبحثاً عظيماً ومهماً في أبواب العقائد، وقد ضل كثير من المتكلمين في هذا الموضوع، إما ضلالاً كلياً، وإما ضلالاً جزئياً، فلم يعرفوا حقيقة النبوة، ولم يدركوا معناها ولا غايتها؛ ولذلك فإنهم لما أرادوا أن يثبتوا نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطرق الكلامية العقلية أوهنوا دين الإسلام؛ لأن ما قرروه من الطرق والوسائل لإثبات النبوة ليست بالقوة التي يمكن أن يؤمن بها كل عقل؛ لأنها منحرفة عن منهج القُرْآن والسنة في إثبات نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أرادوا إثباتها بطرق محصورة معدودة -كما سنبين إن شاء الله بالتفصيل- كَانَ ذلك مما أوهن بل سهل لأعداء الإسلام أن يطعنوا في دين الإسلام، ولهذا قال شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ عن هَؤُلاءِ الناس: "إنهم لا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا" ومع دلائل النبوة التي لا تحصى، فقد أنكرها بعض من استهوتهم الشياطين.
    2. الذين ينكرون النبوة

      من الذين ينكرون النبوة الفلاسفة ومنهم كما يقال البرهمية-الذين هم في الهند عباد الأبقار- والفلاسفة ينكرون النبوات ويقولون: لا حاجة لوجود نبي، والعقول تغني عن الشرائع، والأنبياء ما هم إلا أناسٌ عباقرةٌ عظماء نابغون، تعلموا أنواعاً من الحيل مثل حيل السحر، وجاؤا إِلَى قومهم وَقَالُوا: نَحْنُ أنبياء واستخفوا بعقولهم بهذه الخوارق للعادة فتبعتهم أقوامهم.
      وليس لهم أي دليل من العقل، فلما جَاءَ أهل الكلام، وأرادوا أن يردوا عليهم، ولم يسلكوا منهج القُرْآن والسنة في إثبات نبوة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والرد عَلَى منكريها، مع كثرة ما جَاءَ في القُرْآن من الحديث عنها، ومع أنها قضية كبرى، ومعركة كبرى دارت بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قريش، بل سلكوا منهجاً عقلانياً مجرداً يتوقف كله عَلَى إثبات ما أسموه "المعجزة" وأنه لا دليل لثبوت النبوة غير المعجزة، وحصروا الدلائل في المعجزة وحدها، وهذا فعل كثير منهم فلما فعل أهل الكلام ذلك، جَاءَ الفلاسفة وأبطلوا -أيضاً- تأثير المعجزة فكان ذلك مما هيئ لأن يطعن الطاعنون في دين الإسلام.
      إلا أن الإِنسَان الذي ينتهج في عقيدته منهج أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ فيقرأ كتاب الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ويأخذ ويستقي منه كل ما يعتقد يجد إثبات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجلى من الشمس في رابعة النهار، ولسنا في حاجة إِلَى أن نتعلم من الطرق العقلية ما نرد به عَلَى منكري نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
      والمصنف -رحمه الله تعالى- هنا قد جَاءَ بأدلة كثيرة هي جزء قليل من الأدلة العامة التي -هي أدلة متواترة مستفيضة- تدل عَلَى إثبات النبوة في الجملة، وإثبات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة فلهذا نذكر كلامه -إن شاء الله- وبعد ذلك نتحدث عن أهمية دراسة سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  2. أهمية دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم :

     المرفق    
    قال الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللهُ:
    [وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى].
    قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
    [الاصطفاء والاجتباء والارتضاء: متقارب المعنى. واعلم أن كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله تعالى، وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ومن توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية بوجه من الوجوه، وأن الخروج عنها أكمل، فهو من أجهل الخلق وأضلهم، قال تعالى: ((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ))[الأنبياء:26] إِلَى غير ذلك من الآيات.
    وذكر الله نبيه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسم العبد في أشرف المقامات، فَقَالَ في ذكر الإسراء: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ))[الإسراء:1] وقال تعالى: ((وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ))[الجـن:19] وقال تعالى: ((فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى))[النجم:10] وقال تعالى: ((وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا))[البقرة:23] وبذلك استحق التقديم عَلَى النَّاس في الدنيا والآخرة. ولذلك يقول المسيحُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ القِيَامَةِ، إذا طلبوا منه الشَّفَاعَةَ بعد الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام: "اذهبوا إِلَى محمد، عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" فحصلت له تلك المرتبة بتكميل عبوديته لله تعالى. وقوله: "وإن محمداً" بكسر الهمزة عطفاً عَلَى قوله: "إن الله واحد لا شريك له" لأن الكل معمول القول، أعني: قوله: "نقول في توحيد الله"] إهـ.

    الحديث عن إثبات نبوة مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن تقرير مبحث النبوة عامة، يقتضي منا أن نتحدث عن أهمية دراسة سيرة النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخلاقه؛ لأنه هو القدوة والأسوة قال تعالى: ((َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً))[الأحزاب:21].
    فكل مؤمن بالله منتسب إِلَى هذا النبي العظيم صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلابد -وهو حري ومشتاق بلا شك- أن يقرأ سيرته ويطالع شمائله ويستنير بهداه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ كل أمة من الأمم وكل مبدأ وكل مذهب لابد أن يكون له مثل أعلى، ونماذج حية يؤمن بها أصحاب هذا المبدأ ويتأسون ويقتدون بها، ويُشهرِونَ اسمها ويُخلدّوُنَ أعمالها، ويرفعون أمجادها، هذه سنة جعلها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فكل المتبوعين من البشر الحقيقيين أو المتبوعين من المتوهمين -كل هَؤُلاءِ- يرفعهم أتباعهم، ويعظمونهم، ويختلقون لهم من وسائل التمجيد والتكريم والتبجيل ما يرفعونهم به عن مستوى سائر البشر، لأن هذا التعلق طبيعي وفطري في النفس البشرية تجاه كل من تتبع وتدين بما يقول،
    ولكن نبينا مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سيد ولد آدم أجمعين.
    وأفضل الأَنْبِيَاء والمرسلين وهو الذي زكاه وطهره وأثنى عليه ربه -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وكل من رآه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مؤمن أو كافر، شهد له بالغاية العظمى في الحلم، والكرم، وحسن الخلق، والصدق، والأمانة، والوفاء، هذه الشخصية - شخصية النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تحتاج لمن يختلق الأمجاد لها، أو يفتري عليها، وإن كَانَ يظن أنه يكذب لها، لأنه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خصه الله تَعَالَى من الفضائل والخصائص؛ في غنى مطلق عمن يفتري ويختلق له ما ليس فيه.
    وما علينا إلا أن نقرأ الصحيح من سيرته صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنتأسى ونقتدي به، فإنه يوجد فيها من دلائل النبوة والآيات والبراهين البينات ما تنبهر له جميع النفوس؛ ولهذا فإن كثيراً من النَّاس أسلموا لمَّا رأوا سيرته صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما عياناً وإما قراءةً فبمجرد أن قرؤوها علموا أن هذا الإِنسَان ليس بكاذبٍ أو مفترٍ، وأنه لا يأتِ بشيءٍ من عنده، ولا يريد شيئاً لنفسه، وإنما هو من عند ربه -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وأن دعوة النبوة حق ويقين وبرهان وليست مجرد دعوى.
    1. كل مسلم بحاجة إلى معرفة سيرة وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ليقتدي به

      فالحكّام والأمراء يحتاجون سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ليتعلموا منه العدل والأمانة، ويتعلموا منه كل صفات الحاكم الناجح، والأمير الناجح. وكذلك العلماء يحتاجون سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليتعلموا منها دقائق العلم والفقه والأحكام التي لا توجد إلا في سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنها كلها حجة ونحن مأمورون أن نتبعها، وأن نتعبد بما صح منها.
      وكذلك طلاب المعرفة والأخلاق العالية والسامية، يقرؤون سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيجدونه المثل الأعلى في الحلم، والعطف، والحنان عَلَى الفقراء والمساكين، والعفو والكرم، والشجاعة والمروءة.

      والزوج الذي يريد أن يكون زوجاً حقيقياً، وأباً مثالياً في بيته، فليقرأ سيرة وشمائل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليجد مثال الإِنسَانية العالية، والزوج الكامل الصفات في معاشرته لأهله ومعاملته لجيرانه ومن حوله، تجد تلك الصفات التي من تحلى بها بلغ الكمال ولم يحز أحدٌ منها مثلما حاز هو، فكل إنسان يحتاج إِلَى أن يقرأ سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحيحة، لا قراءة المطلع عَلَى أحداث التاريخ، وإنما قراءة المتعظ المعتبر المتأسي الممتثل لما يجده في هذه السيرة العطرة الزكية النيرة.
      ولهذا من حكمة الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ورحمته أن حفظ لنا سيرته كاملةً حتى نعرف كيف كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم بين زوجاته وكيف كَانَ يأتيهن، وعندما تكون المرأة من أمهات المؤمنين حائضاً نعرف كيف كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يباشرها وهي حائض، وكيفية اغتساله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجنابة، وهل كَانَ يغتسل في إناء وحده أو مع إحدى زوجاته؟ فنعرف -ولله الحمد- حتى الأمور الدقيقة في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي هي عند أكثر النَّاس مجهولة أو معمية أو مخفية.
    2. وضوح سيرته صلى الله عليه وسلم ليسهل التأسي والاقتداء بها :

      وقد جعل الله سيرة هذا النبي الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضحةً نيرة ليس فيها شيء مما يخشى أن لو انكشف لكان طعناً فيه.
      أما غيره من البشر من الزعماء المتبوعين فإنك تجد أن جوانب كثيرة من حياتهم مخفيه مجهولة؛ لأنها لو انكشفت أو عرضت لاطلع عليها النَّاس ورأوا فيها من المعايب والمعاور ما قد يصرفهم عنه، ولذلك تجد أن سيرة كثير من هَؤُلاءِ الأدعياء الذين يدعون الكمال أو يتوهمه فيهم أتباعهم، متناقضة إذ أنها تُعدَّل دائماً ويُحذَف منها: فهذا شيء اكتشف مثلاً أنه باطل، وهذا اكتشف أنه يؤدي إِلَى عكس المعنى الذي أرادوه لما وضعوه، وهذا الشيء إن اطلع عليه كَانَ نقصاً في حقه،
      وهكذا إلا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فكل ما صح من سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه الغاية في الحق والكمال، وهو قدوة ومعيار؛ لأن نقيس به ما عداه، فما كَانَ عَلَى مثل ما هو عليه فهو الحق، وما كَانَ مخالفاً له فهو الباطل المرذول، والمخالف والمجانب للصواب.
      فلذلك نجد أن الإِنسَان إذا أراد التأسي فإنه يمكنه أن يتأسى بسيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الواضحة، في مسجده وبيته، وقيادته للجيوش، أو في سياسته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأمة عامة، سواءً في معاملته مع أصحابه، أو في معاملته مع أعدائه، فكلها أمور واضحة حتى أدق الأمور في السياسة، وكذلك معاملة الإِنسَان للكفار من خلال معاهدات واضحة، واتفاقيات أو عقود ذمةٍ واضحةٍ جليةٍ، مالها وما عليها، حتى مع اليهود، كل ذلك في منتهى الوضوح؛ لكي يتأسى به النَّاس ولكي يعلموا أن هذا نبي من خلال سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فليقرأها العالم ونتحداهم جميعاً أن يجدوا فيها مطعناً، وأي مطعن يمكن أن يجده الطاعنون في هذه السيرة الزكية العطرة، وهذا فضل من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ودلالة عَلَى أنه صادق وأن هذا القُرْآن من عند الله، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أخبر عنه ربه، ما كَانَ يرجو أن يلقى إليه القرآن، ولكن رحمة الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- للعالمين هي التي اقتضت أن ينزل هذا الكتاب وأن يبعث هذا الرَّسُول.
  3. أثر رحمة الله للعالمين ببعثة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم .

     المرفق    
    1. واقع العرب بين ظلام الجاهلية ونور الإسلام :

      إذا أردنا أن نعرف شيئاً من عظمة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأثره في واقع هذه الدنيا وفي حياة الإِنسَانية؛ فلننظر إِلَى واقع الأمم التي بُعث فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف كَانَ العالم قبيل مبعثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن أي مؤرخ مُنصف يقرأ ويتتبع حال العالم قبل بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حال العالم بعد أن عمَّ عليه نور الإسلام، فسيجد أن هذا نبي حقاً من عند الله، وليس بمفتر؛ بل سيجد أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم الخلق منّهً عَلَى البشر، وعلى الإِنسَانية جمعاء، وعلى سائر الحضارات.
      فإن الأمة التي بعث منها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي أمة العرب وما أدراك ما أمة العرب في الجاهلية؟! لما ذهب وفد الْمُسْلِمِينَ إِلَى رستم تقدموا هنالك، وأخذوا يتوغلون في بلاد فارس وأرسل إليهم سعد بن أبي وقاص -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الرسل، وكان منهم ربعي بن عامر والمغيرة بن شعبة، وكلهم كَانَ يواجههم رستم ويقول: أنتم العرب، كنتم تأكلون الميتة، والجعلان، وكان بعضكم يعتدي عَلَى بعض، ويذمهم بأنواع من الذم. ثُمَّ يقول لهم: فما الذي جَاءَ بكم؟
      فكان يجيبه المغيرة وربعي بن عامر، ويقولان: أيها الأمير! كَانَ ما تقول وأعظم، أنت لا تدري بالعرب، فـالفرس والروم وكل من أراد أن يطعن في العرب لا يدري عن المعايب الأخرى، والعرب هم أعلم النَّاس بما كانوا فيه من الضلال، والأخطاء، والظلم، والفحشاء، كما جَاءَ في الحديث الصحيح أن الزواني كن ينصبن الرايات في الأسواق، فيأتي عليهن الرجال الواحد بعد الآخر، فإذا ولدت ألحقته بمن شاءت، هذه إحدى صور النكاح في الجاهلية التي جاءت في الحديث عن عَائِِِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، فكان الإِنسَان يستلحق من ليس بابنه ويدعيه ويأخذه.
      وكانت قطيعه الأرحام إِلَى حد كما قال شاعرهم:
      وأحياناً عَلَى بكر أخينا            إذا ما لم نجد إلا أخانا
      يقول: نَحْنُ نغير عَلَى القبائل كلها، فنأخذ وننهب، وإذا لم نجد إلا أخانا أغرنا عَلَى أخينا وأخذنا ما عنده، ليس هنالك معيار ولا ضابط خلقي أبداً.
      وكانت من عادتهم إهانة المرأة واحتقارها؛ حتى أنها توأد وهي حية في التراب، وهذا إهدار لإنسانيتها ولكرامتها، وكان العرب يعبدون الأصنام، وكان أحدهم يجمع العجوة من التمر، فيعبده فإذا جاع أكله، وكان العرب عندما يتحاكمون يضربون بالأزلام، فإذا انقلبت عَلَى هذه الجهة حكم لفلان، وإذا انقلبت عَلَى الجهة الأخرى حكم لفلان.
      وكانوا يذهبون إِلَى الكهان ويتحاكمون إليهم في أي أمر من الأمور، والكهان يحكمون بينهم، وكان السادة والكبراء يحكمون ويتسلطون، وأما الذين هم من بيوت وأسر دون ذلك من الطبقات فلا قيمة لهم ولا وزن، مهما كَانَ فيهم من الخير أو النبوغ وقد جَاءَ بعضها في الكتابِ والسنة وفي ديوان العرب -الذي هو شعر العرب -وجاء في حياتهم وسيرتهم الجاهلية ما يعطي الدلالة الواضحة عَلَى أن هذه الأمة لولا هذا الدين لما كانت شيئاً مذكوراً، بل لم تكن تسمى أمة،
      كما قال قائلهم -ممن كَانَ يعبد الأوثان، عندما رأى الثعلب قد رقى عَلَى الصنم وبال عليه-:
      أرب يبول الثعلبان برأسه            لقد ضل من بالت عليه الثعالب
    2. جاء صلى الله عليه وسلم رحمة بالمؤمن والكافر:

      أحصى المؤرخون أن الذين قتلوا في غزوات ومعارك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْمُسْلِمِينَ ومن الكفار والْمُشْرِكِينَ: ألف وثمانية عشر رجلاً فقط، وهذا العدد من غير بني قريظة؛ لأن بني قريظة في العرف القانوني الحاضر يعتبرون مواطنين في الدولة.
      إنما كمعارك في بدر وأحد وفي يوم الأحزاب كل من قتل من الْمُسْلِمِينَ، ومن الْمُشْرِكِينَ، في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألفاً وثمانية عشر رجلاً فقط، وقتل هَؤُلاءِ لم يكن صداً عن الدين؛ بل ثمرته أن يعم وينشر هذا النور في العالمين بقتلى هم ألف وثمانية عشر رجلاً فقط، لكن انظروا إِلَى حروب العالم الذين لم يكونوا رحمة للعالمين.
      الحرب العالمية الأولى قتلت ما بين أربعة ملايين إِلَى ستة ملايين قتيل وما يزيد عن عشرة إِلَى خمسة عشر مليون جريح، أما الحرب العالمية الثانية فإن التقديرات تدل عَلَى أن ما بين أربعين إِلَى ستين مليون قتيل وجريح، وماذا حققت من الخير والعدل بعد قتل هذه الملايين؟
      تأملوا لنعرف ما معنى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:107]، ولنعرف مَنْ هذا الرجل الذي يجب عَلَى كل إنسان عَلَى ظهر الأرض أن يطيعه وأن يتبعه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {والذي نفسي بيده لا يَسْمَعُ بي يَهُّودِيٌّ ولا نَصرَانيٌّ ثُمَّ لا يُؤمِنُ بي إلا دَخَلَ النَّار}.
      هذا الإِنسَان الذي بعثه الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالهدى، ودين الحق فنشر الرحمة ونشر العدالة بين الأمم.
    3. من أثر رحمه الله للعالمين بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم .

      إخراج جيل فريد هم النماذج العليا في كافة المجالات، والنماذج العليا من البشر: هم من اقتدوا بسيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واهتدوا بهداه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا أفضل من عَلَى وجه المعمورة من الحكام؛ هم الخلفاء الراشدون، لأنهم أتباع مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأفضل من شهدته المعمورة من العلماء؛ هم أتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولنضرب مثلاً يوضح فضل علماء الإسلام على غيرهم من علماء اليهود والنَّصَارَى.
      انظروا مثلاً قصة سلمان الفارسي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لما ذهب إِلَى الراهب في دمشق من علماء أهل الكتاب، وقد كَانَ خدمه سلمان أربعين سنة، وهو يتعبد فكان يجمع الزكوات والعطايا، عَلَى أن يعطيها الفقراء، وهو في الحقيقة يجعلها في قلال من الفخار ويكنزها، فلما مات وجاء النَّاس إِلَى سلمان قالوا: أنت الفارسي الذي جئت من بلاد الفرس تتعبد عند الحبر الأكبر؟ قالوا: نريد أن نعمل جنازة كبرى تليق بهذا الحبر العظيم، قال سلمان: قفوا!
      وقَالَ: هذه هي القلال من الذهب والفضة التي كنتم تعطونه إياها ليتصدق بها عَلَى النَّاس فلما رأوها تركوا جنازته ولم يعملوا له شيئاً.
      فهَؤُلاءِ هم علماء النَّصَارَى وما أدراك ما يفعل أحبار اليهود،
      ولكن أفضل العلماء هم العلماء الذين أنجبتهم هذه الأمة؛ لأن الذي رباهم هو مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اقرءوا سيرة عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عباس أحبار هذه الأمة -إن صح التعبير- وانظروا كيف كانت حياتهم كيف كانت سمعتهم.
      وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ يظل علماء الإسلام هم النموذج العالي بين علماء أصحاب الديانات جميعاً، وأفضل قادة في التاريخ هم القادة الذين رباهم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتخرجوا من مدرسته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك لم يعرف قادة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنهم يمثلون بالناس، ولم يعرفوا أن يسبوا النساء ويستحلوهن لأنفسهم، ولم يعرفوا الغلول يضعونه وراء ظهورهم من الغنائم، لم يعرفوا شيئاً من هذا؛ بل كَانَ الرجل منهم يحارب لوجه الله وحده يريد الله والدار الآخرة والجنة فقط، إن كَانَ في الساقة كَانَ في الساقة، وإن كَانَ في الحراسة كَانَ في الحراسة، حتى سيف الله المسلول خالد بن الوليد يأتي الأمر بعزله فيمتثل الأمر ليحارب جندياً؛ لأنه كما قَالَ: إني لا أقاتل من أجل عُمَر إنما أحارب في سبيل الله
      ، ولم ينتصر جيش الْمُسْلِمِينَ لأن قائده خالد أو أبو عبيدة، بل لأن قائده هو الإيمان بالله، ولأنهم يتبعون مُحَمَّد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعظم الزوجات هن زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يمكن أن تقارن أي زوجة لأي شخص من النَّاس من عالم، أو عظيم، أو كبير، أو صغير بزوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الطهارة والعفة والعلم والأمانة، وهذا أيضاً من الدلالة عَلَى صدق نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    4. الذين ينتقصون من قدره صلى الله عليه وسلم :

      ولا بد أن نُعِّرج عَلَى الذين يغضون من قدر نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل يطعنون في نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شعروا بذلك أو لم يشعروا، وإن كَانَ زعماؤهم ومؤسسوهم يشعرون بلا شك: وهم الذين يتنقصون ويحطون من قدر أصحاب وزوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحطون من قدر علماء الإسلام الذين تعلموا العلم عن مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجال الإسلام وقادته الذين تلقوا عن مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالذين يحطون من قدر هَؤُلاءِ: يطعنون في نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
      ولبيان ذلك أضرب لكم مثلاً بسيطاً: لو أن أحدنا يعرف في البلدة مائة وعشرين رجلاً، فجاء رجل وقَالَ: إن المائة والعشرين هَؤُلاءِ أنا أعرفهم ليس فيهم إلا أربعة أشخاص طيبين والبقية مجرمون، كاذبون غشاشون، فاجرون، ظالمون، أيكون هذا الإِنسَان ثقة؟ أيكون أميناً أو طاهراً؟
      ثُمَّ هَؤُلاءِ الأربعة ليسوا من المقربين عنده، لكن المقربين الممكَّنين منه الذين صُحْبَتُهمْ معه ليلاً ونهاراً هم أكبر المجرمين، والغشاشين والفجرة فكيف سيكون هو إلا مجرماً وغشاشاً فاجراً كذاباً وهذا شيء معروف.
      وأيضاً أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عددهم (120) ألفاً، وليس (120) شخصاً، وكم الذين آمنوا منهم ولم يرتدوا عَلَى حسب زعم الرافضة؟
      أربعة فقط! من الـ120 ألف لا يوجد إلا أربعة لم يرتدوا، والبقية مرتدون وخائنون وماكرون ومتآمرون، وعلى من تآمروا؟
      عَلَى ابنته، وزوج بنته صلّى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم!
      فهذا غاية الفجور والخيانة، إذاً فالرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعمل شيئاً، ولم يغير من حياة هَؤُلاءِ البشر، ولم يحدث شيئاً من التربية.
      وإذا كَانَ أكبر هَؤُلاءِ الظلمة الغشاشين من الـ120 ألف هم: اللذان كانا معه ليلاً ونهاراً لا يفارقانه أبُو بَكْرٍ وعُمَر، فإذا كَانَ هذان أكبر السفاحين، والظلمة، في نظر هَؤُلاءِ النَّاس المجرمين، فماذا يكون هذا النبي؟
      إذاً.. فالجاهلية كانت أحسن من هذا النبي -والعياذ بالله- هذا هو حقيقة ما تقوله الرافضة، وكل إنسان يفكر في هذا منهم أو من غيرهم يجد هذه الحقيقة، إذا كَانَ بهذا الشكل فالجاهلية أحسن، قريش كانت تعادي الإسلام عداوةً واضحة، أما اثنان يعيشان معه ويظهران أنهما متدينان بدينه ومتمسكان به ووزراء وأتباع له، وبقيه الـ120 ألف كلهم أتباع له، ويحاربون معه، ويمشون معه، ويعملون كل شيء معه، فلما مات انقضوا عَلَى دينه يحرفون الكتاب الذي جَاءَ به، ويقومون عَلَى أهل بيته، ويأخذون حقوقهم ويهدروها، وينقضون العهد الذي أخذه عليهم في غدير خُمّ، أن الخليفة من بعده هو ابن عمه وزوج بنته فلان!
      هذا النبي لا يسمى نبياً وعبقرياً حتى عصابات المافيا لا تعمل هذا العمل والعياذ بالله.
      ثُمَّ لو كَانَ عدد المافيا 120 ألف مجرم، والذين عندهم إنسانية أربعة أشخاص، أي: نسبة واحد إِلَى ثلاثين ألف، ألا يوجد أحد عنده إنسانية يخاف الله يقول: هذا الرسول، كيف تضربون ابنته وتأخذون الخلافة من ابن عمه وقد عاهدكم وعاهدتموه؟!
      وهَؤُلاءِ الصحابة الأربعة لا يوجد فيهم أحد يتحرك قلبه فَيَقُولُ: يا أبا بكر يا عُمَر اتقوا الله!
      ثُمَّ أنت يا صاحب الشأن أين الشجاعة التي ربَّاك عليها مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
      إذا كَانَ رباك عَلَى الشجاعة، أما تقول: يا أبا بكر هذا حقي لِمَ أخذته؟ ثُمَّ زوجت عمر بن الخطاب من ابنتك، وهو الذي ظلمك وفعل وفعل، وزوجته ابنتك بنت فاطمة بنت مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فاعل هذه الأفاعيل، وتسكت ولا تطالب بحقك قبل أن يموتوا؟!
      فأي إنسان عنده عقل يجد أن هَؤُلاءِ الرافضة على أفجر دين وأخبثه،
      وأن هَؤُلاءِ غاية كلامهم وغاية دينهم ليس مجرد أن الحق مع فلان أو فلان أو الإيثار والانتقام لزيد، لا. إنما أساس دينهم الحط من هذا الدين بهدم نبوة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقول الناس: إن هذا ما ربى إلا هَؤُلاءِ الكذابين الخونة فيقيسوه عليهم -والعياذ بالله- هذا هو مقتضى كلامهم عند أي عاقل من العقلاء فلو أن رجلاً أراد أن يؤمن أو يدعو إِلَى دين مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ يقرأ حياته فلم يقع في يده إلا كتاب من كتب أصحاب هذه الملة فبالله عليكم أي فكرة يأخذها عن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغض النظر عن الصحابة؟! هل تكون فكرة الإِنسَان النموذج العالي الكامل الذي ربى أصحابه عَلَى أن يعملوا لله، ويتجردوا من الدنيا وملذاتها وشهواتها؟!
      لا يكون هذا.
      أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وعُمَر وعثمان والصحابة كلهم كيف كانت نظرتهم للدنيا؟
      وكيف كانت نظرتهم للموت؟
      انظر إِلَى التابعين، وأتباع التابعين، بل انظر إِلَى البقايا. الآن نَحْنُ في القرن الخامس عشر انظروا إِلَى علماء الإسلام الذين يتأسون بأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كيف يعيشون؟
      هل يتهافتون عَلَى الدنيا ويتكالبون عَلَى الحطام؟ أو يغشون ويتكسبون بهذا الدين؟
      هل يريدون لأبنائهم من بعدهم أن يكونوا فوق العالمين؟
      أي عالم من علماء الإسلام يتأسى بأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذا رأيناه نرى فيه الأسوة والقدوة والورع والخلق، فبالله عليكم كيف بمن قبل خمسة عشر قرناً؟!
      إذا كَانَ هَؤُلاءِ تربوا عَلَى الكتب، فكيف بالذين تربوا تربية مباشرة عَلَى يد مُحَمَّد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كيف يظن فيهم هذه الظنون الكاذبة؟!
  4. العبودية لله عز وجل

     المرفق    
    قَالَ المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ هنا في وصف العبودية: [واعلم أن كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله] تعليقاً عَلَى قول الطّّحاويّ: [وإن محمداً عبده المصطفى ونبيه المجتبى].
    والمصنف رَحِمَهُ اللهُ اتبع في هذا قول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تطروني كما اطرت النَّصارَى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا عبد الله ورسوله} وقد سبق بيان أعظم المقامات، وهو مقام العبودية.
    انظروا إِلَى عيسى عَلَيْهِ السَّلام لما أراد الله أن يفضح النَّصارَى وأن يخزيهم في قولهم: إنه ابن الله، وذلك عندما جاءت به مريم عليها السلام ((فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً))[مريم:27] أي: ما هذا؟ بنت بكر عذراء تحمل طفلاً، من أين أتت به؟ من أين ولدته؟ واجتمعوا حوله ولم تتكلم بل أشارت إليه فقط، كل واحد يقول: تعالوا انظروا هذا الغلام كيف جاء؟!
    الأذهان مندهشة ومستفزعة ومستفظعة الأمر، وفي هذه الحالة وهذا الموقف الرهيب يتكلم وهو مولود والكلمة التي سيقولها ستنحفر في الأعماق؛ لأنها في موقف رهيب، والأمر عجيب فليس الإِنسَان كبيراً ماذا قال؟ ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً))[مريم:30] حتى تقوم عليهم الحجة، وينقلوها جيلاً بعد جيل أنه قَالَ: إني عبد الله، فقالت النَّصارَى ابن الله، مادام أنه من أم بلا أب، فهو ابن الله -والعياذ بالله تَعَالَى الله عما يقولون علواً كبيراً- فالعبودية: هي أول المقامات وأعلاها وأشرفها، ولهذا قال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تطروني كما اطرت النَّصارَى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله}

    والخضر عَلَيْهِ السَّلام مثلاً تمجده الصوفية وتفتري وتختلق الأكاذيب له، وتدعي أنه القطب الأعظم الذي يدير الكون والذي يفعل، ويفعل كل الأكاذيب التي يجل عنها الحقُ والعدلُ، ماذا قال الله عَزَّ وَجَلَّ فيه؟ قَالَ: ((فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً))[الكهف:65] الميزة أن الله تَعَالَى آتاه رحمة، وهي النبوة وآتاه العلم الذي أوحاه إليه مما ليس عند موسى، فكان عنده علم ليس عند موسى، وكان عند موسى عَلَيْهِ السَّلام علم ليس عند الخضر، ولا شك أن موسى أرفع عند الله من الخضر، ولهذا قال المصنف: [ومن توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية بوجه من الوجوه، وأن الخروج عنها أكمل، فهو من أجهل الخلق وأضلهم] وهو كافر بالله العظيم مثل من يقول: إنه يسع أحداً من النَّاس أن يخرج عن دين الإسلام أو عن شريعة مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما خرج الخضر عن شريعة موسى عَلَيْهِ السَّلام؛ لأن الولي يتلقى مباشرة من الله!
    هذا الكلام من أبطل الباطل؛ لأن الخضر -عَلَيْهِ السَّلام- نبي، وموسى نبي، ولم يكن موسى مبعوثاً للعالمين، وإنما كَانَ مبعوثاً إِلَى قومه خاصة قال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فكان النبي يبعث إِلَى قومه خاصة وبعثت إِلَى النَّاس عامة} في حديث الخمس اللواتي أعطيهن ولم يعطهن أحد قبله.

    فهذا النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواضع التكريم نجد وصفه بالعبودية، مثل قوله تعالى: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً))[الإسراء:1] هذا النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصل في ليلة الإسراء والمعراج إِلَى درجات عليا لم يصلها أي مخلوق قبله عَلَى الإطلاق، درجةً عليا عظيمة جداً فقد يتوهم متوهم أنه لا يفعل هذا إلا الإله، فَقَالَ الله -جل شأنه-: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ))[الإسراء:1] فهو عبد لله تعالى؛ لأنه حقق العبودية الكاملة، فأعطاه الله هذه الدرجات العالية هذا أولاً.
    وثانياً: مهما ارتفعت منزلته أو قيمته، فإنه ما يزال عبداً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    1. أعظم وصف هو وصف العبودية :

      فوصف العبودية هو أعظم وصف، ولذلك كلما كَانَ الإِنسَان عبداً حقيقياً لله، في بيته وعمله ومسجده ومحكمته، وفي أي مكان حل فيه؛ يعد محققاً لعبودية الله في هذا الموضع، وما فرضه الله في هذا الوقت فهو أقرب إِلَى الكمال، الذي هو كمال التقوى، ودرجة الكمال التي لا يبلغها إلا القلة من النَّاس أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هذا بشأن تحقيق العبودية.
      وإذا عرفنا حقيقة العبادة، فلا نستغرب أن تكون الهمة العالية لدى كل عباد الله الصالحين تتجه إِلَى تحقيق هذه العبودية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه إذا كانت العبادة هي كما قال شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة".
      فالأعمال الباطنة مثل: أعمال القلب من اليقين والصبر والتوكل والرجاء والخوف والمحبة والإنابة والإخبات.
      والأعمال الظاهرة: كالصلاة والزكاة والجهاد والحج، وأمثال ذلك. فإذا كانت العبادة تشمل هذا كله، فكل من حقق شيئاً من هذه الأعمال الباطنة، فهو أكثر عبودية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من غيره.
      فهذا تحقيق العبودية لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبيان أن الإِنسَان كلما حققها أكثر كلما ترقى أكثر،
      والنتيجة النهائية أن أعظم وصف وصف به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنه عبد لله، ونحن نقول :أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو صاحب العبودية الكاملة -لله عَزَّ وَجَلَّ- التي لم تتحقق في أي مخلوق؛ ولهذا فإن كل الأَنْبِيَاء يَوْمَ القِيَامَةِ يتراجعون إِلَى أن يصل الأمر إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: أنا لها! أنا لها! لأن العبودية الكاملة محققة فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2. ضوابط حبه ومدحه عليه الصلاة السلام :

      قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تطروني كما أطرت النَّصَارَى ابن مريم} والإطراء: هو المبالغة في الثناء، فبعض النَّاس يطري -وإن كَانَ هذا الثناء حق- وينسى الكلمة الفاضلة، فَيَقُولُ: إن سيدنا ومولانا وقائدنا وإمامنا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلاً، بينما لو قَالَ: مُحَمَّد عبده ورسوله لكان أفضل؛ لأن العبودية: هي الأفضل وهي التي جاءت في القُرْآن في مقام التكريم، وهي التي قالها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
      ثُمَّ بعد ذلك قل ما شئت وكونه إمامنا وقائدنا ومولانا وسيدنا كل هذا حق، ولكن الأفضل أن تستخدم اللفظة الشرعية التي وردت هذا الأصل: لأن العبودية هي أعظم وَصفٍ وُصفَ بهِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن بالغ فيه وظن أنه يمدحه، فهذا مثل شاعر من الشعراء أعرابي بدوي يسمونه علي بن الجهم من الشعراء المشهورين في الدولة العباسية، كَانَ لا يعرف شيئاً؛ لكن شعره شعرٌ عربي فصيح؛ لكن عَلَى ما في البادية، وما يفهمه النَّاس فيها، وما يمدح به النَّاس بعضهم بعضا، فلما جَاءَ إِلَى الخليفة في بغداد وأراد أن يمدحه بقصيدة قال له :
      أنت كالكلب في الحفاظ عَلَى العهد            وكالتيس في قراع الخطوب
      فقالوا هذا الخليفة -أمير المؤمنين- تشبهه بالكلب والتيس! فَقَالَ لهم الخليفة: دعوه، فهذا الشاعر لا يريد إلا المدح، ولا يقصد إلا الثناء، ولم يقصد إلا الجائزة من الخليفة، لكنه بدوي مسكين يعرف التيس ويرعى الغنم، ويعرف أن الكلب هو الذي يحميها من الذئب والوفاء عند هذا البدوي متمثل في الكلب، والقوة عنده في التيس الذي يناطح الصخور والحجارة فهذا الذي يعرفه.
      لكن لما اختلط بالبيئة المتحضرة قَالَ:
      عيون المها بين الرصافة والجسر             جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
      لما عاش في بيئة فيها نعيم بدأ بالشعر الراقي أو الشعر الحضاري، عَلَى أية حال وإن كَانَ قد لا يكون راقياً في ميزان الشرع! وأكثر الْمُسْلِمِينَ اليوم في جهل بمقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كمثل هذا البدوي في جهله بمقام الخليفة فلا يدري أكثر الجهال أن مقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يمدح به أن تقول فيه: هو عبد الله ورسوله.
    3. ما يعاب على بعض المادحين له عليه الصلاة والسلام:

      أما غيره من المدح كَانَ يمدحه بشيء فيه ما يدعو إِلَى السخرية، كقولهم: كَانَ الذباب لا يقع عليه، وكان القمل لا يؤذيه، فهذا ليس المدح الذي مدحه الله به وأثنى به عليه، ومع ذلك تؤلف في ذلك الكتب ويقولون: إن من يدعو إِلَى التمسك بسنته، فإنه يكرهه.
      ويقولون: هَؤُلاءِ يكرهون الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنهم ينكرون علينا هذا المدح، ويقولون: "لا تطروا الرسول، لا تبالغوا في مدح الرسول" وبهذا الكلام يرون أن هذا هو غاية المدح، مثل ذاك الشاعر البدوي كما تقدم. فيجب أن نعلم أن الأمر ليس متروكاً لآرائنا وأهوائنا نمدح بما نشاء ونذم بما نشاء، وإنما نمدحه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حدود ما أمر الله، مع حبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

      وهذه لها موضوع -وسيأتي بإذن الله- أهمية محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن محبته غير طاعته، نعم هي تستلزم وتقتضي طاعته لكن المحبة نفسها كعمل قلبي، هذا أمر واجب لا يجوز أن يخلوا منه قلب مسلم.
      ولو أن أحداً كَانَ في قلبه أدنى بغض لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لما جَاءَ به لم يكن مسلماً عَلَى الإطلاق في مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بل هو منافق، وإذا لم نحب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن الذي نحب إذاً.
      وقد ضرب الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ مثلاً أعلى في هذا، فقد أمر المعتصم-الخليفة العباسي- به أن يُمد عَلَى الأرض ويضرب، فيضرب حتى تنفتق خاصرته، وتخرج أمعاؤه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ليقول البدعة والكفر، وهو يأبى إلا أن يقول الحق ويصبر عليه وذلك يضربه، ويعذبه، حتى أغمي عليه.
      ومن المعلوم أن كل أئمة الإسلام وعلمائه لكثرة علاقتهم بالله -عَزَّ وَجَلَّ- وثقتهم به وعبادتهم وتقواهم، لو رفعوا أيديهم عَلَى مخلوق لاستجاب الله عَزَّ وَجَلَّ لهم؛ لأنهم يتحقق فيهم حديث الولي: {ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه} وقد كَانَ الإمام أَحْمَد-رحمه الله تعالى- من الطبقة العليا من رجال الإسلام في الولاية لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وفي طاعته لربه وقد روي ونقل عنه، أنه كَانَ مجاب الدعوة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فلما قيل له: أدعُ اللهَ عَلَى المعتصم.
      قَالَ: بل أغفر له لقرابته من رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمعتصم ابنٌ من أبناء العباس والعباس عم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلذلك غفر له.
      فـأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ لا ينكرون قرابة الرَّسُول مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولاينكرون محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن الذي ننكره هو الغلو في أي بشر كائناً من كَانَ ورفعه عن مستواه، وننكر أن ينزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن منزلته أيضاً فإن الله تَعَالَى بعثه بالهدى، والنور وبدين الحق، رحمةً للعالمين أجمعين.
      فمن أراد أن يجعل من هذا الرَّسُول مجرد ذكرى موسمية تؤكل عليها الموائد، أو يحتفل بها، أو وسيلة للربح الشخصي، أو لأي غرض من أغراض الدنيا، فإن هذا يحقر ويهون من شأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما هكذا عُني أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنبيهم، الذين كانوا يعرفون قدره، ويعزرونه، ويوقرونه، ويعظمونه، كما شرع الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وما علينا إلا أن نتأسى بهم وأن نقتدي بهم.