المادة    
وإذ قد ذكرنا ذلك فلابد أن نتعرض للشرك وخطورته وبعض شبه أهله.
  1. التحذير من الشرك

    وتتجلى شدة التحذير من الشرك في قوله تبارك وتعالى: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) [الزمر:65] هذا الكلام يخاطَبُ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكمل الخلق عبودية لله، وأعلم الخلق بالله، وأتقى الخلق لله تبارك وتعالى
    ولم يقل ذلك له وحده؛ بل قد قيل لمن هم قبله من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، فكلهم خوطبوا بهذا، فبعد أن ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أولئك الأنبياء بالتوحيد في سورة الأنعام عقب بقوله: ((وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [الأنعام:88] ويخاطب الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا وهو الأبعد من الناس عن الوقوع في الشرك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لتكون لنا نحن من بعده العبرة والعظة.
    فنحن أولى بأن نحذر من الوقوع في الشرك، وأن نلتزم ونؤمن ونعتقد وندعو إلى توحيد الألوهية، وهو عبادة الله وحده لا شريك له؛ وألا يعبد غيره ولا يدعى غيره في كل ما شرع سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من أنواع العبادات الكثيرة والمتنوعة التي يجمعها جميعاً أنها الدعاء؛ كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الدعاء هو العبادة} وكما قال تعالى: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60] فجعل الدعاء هو العبادة، وهو كذلك. فهذا أصل عظيم يقرَّر في كتاب الله تبارك وتعالى لأهمية هذا النوع من أنواع التوحيد الثلاثة.
    إذاً: يجب علينا أن نعلم لماذا وقع من وقع في الشرك من هذا الجانب؟ لماذا أشرك المشركون؟ ولماذا أخلُّوا بتوحيد الألوهية؟ وبماذا رد الله تبارك وتعالى عليهم هذه الشبهات؟ وما هذه الحجة الواهية التي سوغت الشرك بالله في هذا الجانب من جوانب التوحيد.
  2. سبب الشرك

    لقد بين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذه الحجة، وأنهم قالوا: ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) [الزمر:3] وقالوا أيضاً: ((هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)) [يونس:18].
    إذاً: أصل الشرك الأول الذي وقع في الأرض يرجع لهذا السبب وهذا الأصل، فقد عبد قوم نوح وداً، وسواعاً، ويغوث، ويعوق، ونسراً، وهؤلاء هم رجال صالحون عبادٌ لله تبارك وتعالى عُبِدُوا من دون الله، واستمر الشرك بعد ذلك وتطور؛ فعُبدت الملائكة وعُبد بعض الأنبياء، وأصل هذا كله وسببه هو اعتقاد أولئك أن هؤلاء سوف يقربونهم إلى الله زلفى؛ فإذا عبدوا هؤلاء الأولياء قربوهم إلى الله. ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
    فمعنى كلامهم: أننا لا نستطيع أن نعبد الله مباشرة، وهذا ما يقوله بعض العامة، ممن يقع في هذا الشرك الآن فيقول: (أنا ضعيف وأنا مذنب وكلي خطايا فكيف أدعو الله مباشرة. كيف! لا أستطيع! لكن أدعو الله بواسطة هؤلاء وأتوسل إلى الله تبارك وتعالى بهؤلاء) مثل: الحسن أو الحسين أو علي وغيرهم أو حتى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بقية من يُعبَدُون من دون الله تبارك وتعالى سواء أكانوا من الأولياء أم من العباد الصالحين أم ممن جعلوا كذلك، مثل: عبد القادر الجيلاني أو أحمد الرفاعي أو البدوي أو غيرهم.
  3. شبهة الشرك

    كثير هم في أنحاء العالم الإسلامي -مما لا يدخل تحت الحصر- من يدعون غير الله ويقول: (إنما أريد التوسل بهم إلى الله تبارك وتعالى) وربما قال بعضهم: إن الله عز وجل يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)) [المائدة:35] فيقول: لا أستطيع أن أدعو الله مباشرة، والله أمرني أن أتخذ إليه الوسيلة؛ وهي الواسطة التي بيني وبين الله، فأنا أتوسل إليه بهؤلاء الصالحين هذه هي شبهتهم.
    وقد رد الله تبارك وتعالى عليها أعظم الرد فيقول الله عز وجل: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) [الإسراء:57] فهؤلاء المدعوون من الأنبياء ومن الملائكة والصالحين، هم أنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب. إذاً: الوسيلة ليست هؤلاء لأنهم يبتغون إلى الله الوسيلة.
    فما هي الوسيلة؟ وما الذي اتخذه الأنبياء والملائكة والصالحون عموماً وسيلة إلى الله؟
    إنما اتخذوا العمل الصالح (الإيمان، والتقوى، واليقين، والإخلاص، والصبر، والاستقامة على دين الله تبارك وتعالى) فهؤلاء عبدوا الله وتقربوا إلى الله تبارك وتعالى، فهم بذلك يبتغون إلى ربهم الوسيلة، أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه؛ لأنهم لا يأمنون على أنفسهم، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون جنة ولا ناراً، فكيف يتخذون آلهة؟ كيف يتخذون مدعوين من دون الله بدعوى أنهم وسطاء أو شفعاء وهم أنفسهم لا يملكون ذلك؟ بل هم يرجون رحمة الله ويخافون عذابه تبارك وتعالى، قال تعالى: ((إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً))[الإسراء:57] أي يحذر منه كل أحد وكلٌ يخاف من عذاب الله عز وجل.
    فإذا كان هذا حال هؤلاء المدعوون الذين يُدعون من غير الله، فكيف يجوز لأحد أن يدعوهم؟! فقطع الله تعالى بذلك كل حبائل المشركين المتعلقين بهؤلاءالصالحين ووسائلهم وشبهاتهم.
  4. التوسل وحقيقته

    لقد بين الله عز وجل حقيقة توسل عباده المؤمنين، فأعظم عبدٍ وأعلى من وصل إلى درجة من درجات العبودية لله تبارك وتعالى وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلو كان لأحد أن يتوسل بأحد لكان أحق الناس بالتوسل به هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    لكن ماذا قال الله تبارك وتعالى؟ وماذا أخبر عن المؤمنين؛ لقد ذكر عنهم أنهم يقولون: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ))[آل عمران:193]، فمن هذا المنادي إلا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    قالوا: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ)) [آل عمران:193].
    فلماذا نتوسل إلى الله تبارك وتعالى به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نتوسل إلى الله تبارك وتعالى، بهذا الإيمان الذي هو أعظم وسيلة امتثالاً لقول الله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)) [المائدة:35] أي: تقربوا إلى الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة والطاعات المشروعة وهكذا فسرها السلف الصالح رضوان الله تبارك وتعالى عليهم؟!
    إذاً ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة، وأعظم الناس اتباعاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى بعد الأنبياء وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
    فكيف كان توسلهم؟ إنما كانوا يعبدون الله تبارك وتعالى، وإنما توسلوا إلى الله تبارك وتعالى بأعمالهم الصالحة، اجتهاداً منهم في متابعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي محبته التي تستلزم وتقتضي اتباعه، كما قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران:31].
    فمن أراد حقيقة التوسل؛ فعليه باتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن اتبعه وآمن به وصدقه فيما أخبر ولم يعبد الله تبارك وتعالى إلا بما شرع؛ فإنه قد توسل إلى الله تبارك وتعالى توسلاً صحيحاً.
  5. أنواع التوسل

    والتوسل أنواع:
    (أ) توسل شركي وهو: دعاء غير الله تبارك وتعالى كما أوضحنا.
    (ب) بدعي وهو: التوسل بالذوات.
    وإنما يكون التوسل إلى الله تبارك وتعالى، بأسمائه وصفاته وبالأعمال الصالحة، كما فعل الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة في الغار؛ فتوسلوا إلى الله تبارك وتعالى بصالح أعمالهم، وهذا لأنهم عملوا ذلك من أجل الله تعالى.
    فالأمر جليٌ وواضح -ولله الحمد- إلا من أغشى الله تبارك وتعالى بصيرته من دعاة (الرفض والتشيع والتصوف وأمثالهم) الذين ضلوا وأضلوا هذه الأمة، وجعلوها أشبه ما تكون بأمم الكفر والشرك التي لم تعرف الله تبارك وتعالى، ولم تعرف التوحيد ولم يأتها رسول منذ أحقاب من الدهور! إنما ورثته من عادات وتقاليد وضلالات وشركيات، كحال أهل الهند والصين وأمثالهم ممن لم يهد الله قلوبهم ولم يشرح صدورهم للإسلام!
    فهؤلاء قد ضلوا وأضلوا، وهذا الجانب قد وضح إن شاء الله تبارك وتعالى.