المادة كاملة    
اشتملت هذه الرسالة على بيان لحقيقة التصوف .. نشأته وتطوره وأصله، وقد تضمنت حديثاً عن الكرامات المزعومة لمن يسمونهم بالأولياء أو الأقطاب. وقد بُيِّن من خلالها أصول هؤلاء المبتدعة، وإلحاد أئمتهم وقولهم بوحدة الوجود، مع إيراد أجزاء من كلام المالكي وبيان ضلالاته فيها، وإصراره على التهجم على علماء المملكة. وقد خُتمت بنصيحة للمالكي وأتباعه ومن يغتر بهم وبحالهم.
  1. المقدمة

     المرفق    
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    وبعــد:
    وصلتنى رسالتكم، والحمد لله أنَّكم متمتِّعون بالصحة الجيدة، وأنَّكم مستمرون في الدراسة، ونسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يعينكم، وأنْ تعودوا إلى أهلكم، وبلادكم، وأنتم في أحسن حال.
    والذي دفعني إلى هذه الرسالة الشفوية إليكم: هو ما كتبتم لي من السؤال عن ما وقع عندنا -هنا في المملكة - من فتنة أثارها المدعو محمد علوي مالكي؛ وتقول لي: إن كتاب حوار مع المالكي الذي ألَّفه الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع وصلكم، وقد استفدتم منه، وتعجبتم، أو بتعبيركم "ذهلتم" من هذه الأمور، وهذه الشركيات، والمنكرات، وكيف أن هذا الرجل يرتكبها، ولكن -كما تقولون- وصلكم كتاب؛ بل بالأحرى عدة كتب أهمها: كتاب الرد على ابن منيع الذي ألَّفه يوسف هاشم الرفاعي الكويتي، وتقول أيضاً: إنَّه وصلكم أخيراً كتابان ألَّف أحدَهما رجلٌ من البحرين سماه: إعلام النبيل، والثاني: ألَّفه اثنان من المغاربة وسمَّياه التحذير من الاغترار بما جاء في كتاب الحوار، وتطلب مني باعتباري -كما ذكرتَ- متخصِّصاً في العقيدة، ومقيماً هنا في البلاد؛ بأن أكتب إليك مرئياتي عن هذا الموضوع، وعن حقيقة الخلاف بيننا وبين الصوفية، وهل الصوفية تعتبر هي أهل السنة والجماعة كما يزعم هؤلاء؟ وبقية الأسئلة التي -إن شاء الله- سآتي عليها من خلال هذه الرسالة.
    فأنا -يا أخي- أعتذر لك عن الكتابة؛ لأنَّ مطلبك هذا الذي طلبتَه أن أكتبه؛ يحتاج إلى رسالة، وكما تعلم أنني مشغول جداً برسالتي التي أحضِّرها الآن، فكيف أستطيع أن أكتب لك رسالة أخرى عن التصوف، ونشأته، وعن الخلاف بيننا وبين أهله، هذا كلامٌ طويلٌ جدّاً، ونحن أحوج ما نكون إلى المنهج العلمي التفصيلي، الذي ينبني على الأدلَّة، والذي يتثبت وينقل مِن كتب هؤلاء القوم، ويتتبع أصول هذه الفرق جميعاً ليردَّ عليها ردّاً علميّاً صحيحاً سليماً، وهذا يتطلب جهداً كبيراً، وأمَّا مجرد خطبة عابرة، أو نقد عابر؛ فهذا من الممكن أن يكون في وريقات، لكن الذي أراه أنَّنا -نحن- أمام هجمة صوفية شديدة.
    وكما ذكرتم لي سابقاً -عندكم في أمريكا- تلاحظون أنَّ التصوف بدأ ينتشر، وبدأ كمحاولة للصدِّ عن سبيل الله تعالى أي أنَّ الأمريكي الذي يريد الدخول في الإسلام يقال له: ادخل في هذا الدين فيدخل في التصوف، فيُحرم المسلمون منه، وربما ينفرون -كما حدثْتني عن بعضهم- لأنَّه إذا رأى ما في التصوف مِن الخرافات؛ ينفر مِن الإسلام نهائيّاً وينفِّر غيره، ويقول لهم: خرافات النصرانية أخفُّ مِن خرافات الإسلام، وهذا -والعياذ بالله- مِن صور الصدِّ عن سبيل الله.
    ولاشك -يا أخي- أنَّ وراء ذلك مؤامرات يحيكها أعداء الإسلام من اليهود والنَّصارى، مستغلِّين هؤلاء الصوفية الذين كثيرٌ منهم زنادقة متسترون يريدون هدم الإسلام مِن الداخل، وعندما أقول ذلك لا تفهم منِّي أنَّني أقول: إنَّ كلَّ مَن يحضر المولد زنديق، أو كل مَن يحب الطرق الصوفية زنديق.
    ليس هذا هو المقصود، المخدوعون بالدعوات كثيرٌ، ولكن نحن نتحدث عن التصوف كفكرة، وكعقيدة لها جذورها القديمة، ولها فلسفاتها المستقلة، ونتحدث كيف دخلتْ في الإسلام، وكيف خُدع بها أكثر هذه الأمة، فالذي نحكم عليه هو الصوفية، وأنتم تعرفون الثيوصوفية التي في أمريكا، والتي عرَّفها صاحب المورد العربي الإنجليزي زهير بعلبكي بأنَّها فرقة حديثة، نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وليست في الحقيقة حديثة بالمعنى الذي ذكره المورد، بل الثيوصوفية قديمة، وسأتحدث عنها -إن شاء الله- عندما أبدأ بموضوع نشأة التصوف.
    لكن بخصوص سؤالك أنت ومن معك في المركز، وبعض إخوانكم في الله من المسلمين في أمريكا عن حقيقة ما جرى مِن هذه المشكلة، وعن موقف هؤلاء الذي دافعوا عن المالكي بخرافاته، وهو أنَّهم كثيرون كما تقولون.
    1. حوار المالكي مع علماء المملكة

      أقول لكم: ما جرى مع المالكي ليس في حاجةٍ إلى أن يدافع عنه أحد على الإطلاق؛ لأنَّ المسألة: مسألة اعتراف وإقرار، والاعتراف هو سيِّد الأدلة، هذه حقيقة معروفة، فـمحمد علوي مالكي اعترف هو بنفسه في محضرٍ رسمي أمام الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ورئيس الحرمين، وكُتب هذا الاعتراف في محضرٍ رسميٍّ، والمعاملات محفوظة لدى الإفتاء، ولدى مجلس القضاء الأعلى، وشئون الحرمين، معاملات، وصور، وملفات لهذه القضية، فيها اعترافات الرجل، وهذا الرجل معترف بأنه ألَّف الذخائر، وكتاب الذخائر ليس هو الذي ألَّفه؛ لأن كتاب الذخائر مذكور فيه -وأنا الآن أفتحه أمامي- ما يدل على أنَّ هذا الكتاب مِن تأليف والده، ففي صفحة (33) منه؛ يقول: ''إنَّه سافر إلى المدينة، واطلع على المخطوط عام (1354هـ)'' فهذا على ما هو معروف من عُمْر محمد علوي مالكي أنَّه لم يكن قد ولد في تلك الفترة، أو على أكثر تقدير أنَّه مازال طفلاً؛ فالذي كتبه إذاً هو أبوه، المهمُّ أنَّه اعترف بأنَّه ألَّف هذا الكتاب، وأنَّه له، وما فيه من الأمور الشركية: يقول: ''إنَّني نقلتُها عن غيري، وأخطأتُ! وفاتني أن أنبِّه على أنَّها شركٌ-'' يمكنك مراجعة صفحة [12، 13] من كتاب الحوار للشيخ ابن منيع-.
      فما دام أن الرجل اعترف، ومادام أن المتهم المجرم الجاني اعترف، فما الدَّاعي إلى أن يأتي أحدٌ ويدافع عنه، فمن الممكن أن يدَّعي الإكراه؟!
      لكن كان ينبغي ويجب عليه أن يبين، ويقول: أنا أُكرهت على ذلك، وأن ينشر ذلك في داخل المملكة، أو في خارجها، أو يقوله للنَّاس إذا جلس معهم.
      أمَّا نحن فكما تعلم كم يُقطع من الرقاب في الحدود -عندما تقطع رقاب، أو أيدي، أو يُجلد- بناءً على الإقرار أمام قاضي عادي في محكمةٍ شرعيَّةٍ من المحاكم في المملكة، فينفَّذ الحدُّ على المجرم بإقراره أمام هذا القاضي، وربما يكون هذا القاضي حديث العهد بالقضاء [خرِّيج كليَّة] فما بالك برئيس مجلس القضاء الأعلى، وبرئيس الإدارات العلمية، والبحوث والإفتاء، وبرئيس الحرمين الشريفين، ومَن حضر معهم مِن العلماء، وهم كبار العلماء في المملكة؟!
      هل يخطر ببالكم -يا أخي- أنَّ هؤلاء العلماء يتواطئون جميعاً، ويتفقون على أن يفتروا على الرجل محضَراً، وينسبوا إليه فيه أنَّه اعترف، وأنَّه أقر أنَّ هذا شرك؟!
      كيف يمكن هذا وقد سجَّلوا عليه اعترافه، وهم ليسوا محل التهمة، وليس هناك مِن داعٍ لأن يظلموه؟!
      ولو أنَّه أنكر تأليف الكتاب بالمرَّة لقالوا ذلك، كما ذكروا أنَّه أنكر كتاب أدعية وصلوات -مثلاً- في هذا المحضر، والمحضر أصبح الآن وثيقة تاريخية.
      هذه الإدارات الثلاث بالإضافة إلى مجلس الوزراء؛ تحتفظ -جميعاً- بطبيعة الحال بأرقام لهذا المحضر وبملفات له.
      فمَن اعترف، وأقر بأنَّ هذه الأمور شركٌ لا يحقُّ له -فضلاً عن أحدٍ من أتباعه الذين يعيشون في المغرب، أو في البحرين، أو في الكويت أو غيره- أن يدافع عنه، أو أن يقول: إنَّه مظلوم، أو أن يتمحل له العلل والمعاذير، هذا بالنسبة له في ذاته.
    2. نسب محمد علوي المالكي

      القضية الأخرى: قد تكون قضية جزئيَّة، أو فرعيَّة، لكنَّها مهمَّة من ناحية أخرى، وهى قضية نسب هذا الرجل!
      تقولون: إنَّه ما كان ينبغي للشيخ ابن منيع أن يشكك في نسب الرجل!
      أقول لكم أنتم تعرفون الوضع عندنا هنا في المملكة وتعرفون الأشراف المقيمين عندنا في الحجاز وتعرفون كم مِن الأُسَر يتبرأ منها الأشراف الموجودون حاليّاً في مكة -يتبرءون مِن أُسَرٍ كثيرةٍ- ويقولون: إنَّ هذه الأُسَر تدَّعي النَّسب لآل البيت وليست منَّا! إمَّا أنَّهم ليس عندهم شجرة، أو أنَّ شجرتهم مكذوبة.
      وتعرفون ما فعله العبيديون القرامطة في بلاد المغرب مِن ادعائهم النَّسب الشريف، وهم ليسوا منه، فهذه القضية -يا أخي- ليست قضية قذف كما يزعم هؤلاء المغفلون، يقولون: إنه قاذف!!
      إذا جاءنا رجل مِن الجنس القوقازي، أو الجنس الصيني، أو من أي بلدٍ، وادَّعى أنَّه مِن أهل البيت؛ فنحن -على كلامه- أمام خيارين: إما أن نقول: نعم، هذا مِن آل بيت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإما أن نقول: لا، فيقولون: أنتم قذفتموه.
      لا -يا أخي- النسب هذا علمٌ معروفٌ، وفى علم النَّسب يقال: هذه القبيلة تنتسب إلى كذا، ولا تنتسب إلى كذا، وأخطأ من نسبها إلى كذا، أو ادِّعاؤه أنَّ فلاناً مِن قبيلة كذا ليس صحيحاً! وإنما هو من قبيلة كذا.
      فهم الآن لم يقذفوا أُمَّ رجل معين بأنَّها -والعياذ بالله- زنت! ليس هذا هو القذف، إنما هذا تصحيحٌ للنَّسب، وتطهير لنفس النَّسب الشريف، وإلا لادَّعى كلُّ مدَّعٍ ما شاء، والنَّسب هذا يترتب عليه إرث ويترتب عليه أحكامٌ أخرى مثل -كما تعلم-: أنَّ آل البيت تحرُم عليهم الزكاة، ولهم الخمس، ولهم أحكام كثيرة تترتب وتتوقف على ثبوت ذلك، فكون الإنسان يتأكد منه هذا لا يعني القدح، ولا يعني الطعن، وكون الإنسان يشكِّك فيمن هو أهلٌ لأن يُشكَّك في نسبه؛ أنا أقول لك بصريح العبارة: إنَّ الشيخ ابن منيع ربما ليس لديه الأدلَّة الكافية، أو القراءة الكافية عن بعضهم، لكن أنا أقول: إنَّه على حقٍّ في التشكيك في نسب المالكي، بدليل:
      أولاً:
      هناك أقرباء لـمحمد علوي مالكي موجودون الآن في مكة، وهم -مِن فضل الله- معتزلون لشركياته، وضلالاته، وهؤلاء يقولون: نحن نعرف أنَّ جَدَّنا مِن المغرب، وقدِم إلى مكة.
      أمَّا قضية النَّسب؛ فهذا أمر يعلمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهم غير متأكدين، ولا يجزمون في ذلك، هؤلاء مِن نفس أسرته يجمعهم وإياه جَدٌّ واحدٌ.
      ثانياً:
      عندنا زعماء التصوف ننظر إلى تاريخهم. كمثال: هاشم الرفاعي -الذي ردَّ على الشيخ ابن منيع- يسمِّي نفسه: يوسف السيد هاشم الرفاعي، ويذكر في كتابه استدلالات من كتاب: السيد أحمد الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية وأحمد الرفاعي هذا يقول عنه الشعراني في الطبقات الكبرى -وهو أكبر طبقات المتصوفة، ومِن أوثق مراجعهم- يقول في ترجمته:
      "ومنهم: الشيخ أحمد بن أبي الحسين الرفاعي رضي الله تعالى عنه، منسوبٌ إلى بني رفاعة -قبيلة من العرب- وسكن أم عبيدة بأرض البطائح إلى أن مات بها رحمه الله".
      إذا نظرنا إلى رفاعة القبيلة المعروفة عندنا الآن في الحجاز؛ هذه القبيلة ليست من قريش أصلاً، فكيف يكون الرفاعي قرشياً؟!
      فضلاً عن أن يكون مِن آل البيت؟
      لو أنَّ رجلاً مِن أقرب النَّاس إلى آل البيت كرجل من بني أميَّة لا يجوز له أن يقول: أنا مِن آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بمعنى أنَّه من ذرية الحسن والحسين، أو غيرهما، وإن كان من نفس قريش، ومِن أسرةٍ قريبةٍ مِن آل البيت، فكيف يجوز لرجل مِن رفاعة؟
      بل الرفاعي لم يدَّع -فيما أذكر- ذلك وهذا الشعراني يقول: إن رفاعة قبيلة من العرب منسوب إليها هذا الرجل.
      أيضاً: ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة أحمد الرفاعي: إنَّه منسوب إلى رفاعة قبيلة مِن العرب.
      هذا الرجل يدَّعي له بعض الصوفية أنَّه مِن آل البيت ويعملون له شجرة، ومنهم: ابن الملقن -مثلاً- في طبقات الأولياء صفحة [93]، وكذلك أبو الهدى الصيادي أحد الرفاعية الموجودين في هذا العصر، ألَّف كتاباً وقال فيه: إنَّ الرجل مِن آل البيت، ويعملون له شجرة، ويصرُّون على نسبته إليهم، ويضعون أمام اسمه كلمة [السيِّد] أو [سيدي]، فإذاً نحن في الحقيقة من حقنا أن نشك؛ لأن هناك سوابق.
      ومثله كذلك الشاذلي: فـالشاذلية -الآن- يدَّعون ما تدَّعيه الرفاعية أنَّ الشاذلي مِن آل البيت! بينما -مثلاً- ابن الملقن هذا نفسه الذي ذكر شجرة نسب الرفاعي، يقول في ترجمة الشاذلي " اسمه: علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف أبو الحسن الهذلي الشاذلي "
      يقول: وقد انتسب في بعض كتبه إلى الحسن بن علي بن أبى طالب.
      فهذا مِن هذيل، وهذا من رفاعة، وكلٌّ منهم يدَّعي أنَّه مِن ذرية الحسين أو الحسن أبناء علي بن أبي طالب فكيف يُصدَّق هذا؟!
      ويقول ابن الملقن: " إنَّ الشاذلي ذكر نسبه، ثم وصَّل ذكر هذا النَّسب إلى علي بن أبي طالب، قال ابن الملقن وتُوقِّف فيه " أي: لا نستطيع أنْ نجزم بأنَّ الشاذلي أيضاً مِن ذرية الحسن، وإنَّما هو مِن هذيل، فإذا كان هذا مِن رفاعة، وهذا مِن هذيل، فأين هاتان مِن قريش، فضلاً عن بني هاشم، فضلاً عن الحسن والحسين رضي الله عنهما؟
      فهذا يدل على أنَّ للعبيديين خلفاً كثيراً، وأنَّ كثيراً مِن الملايين التي تنتسب إلى آل البيت في إيران، وفي المغرب، وفي حضرموت، وفي بلاد كثيرة، كثيرٌ منهم: نسبه غير صحيح، بل قد ظهر حديثاً في مكة كتابٌ -طبع هذه السنَة- عن الأشراف، وأنسابهم، وكما سمعتُ أنَّه مُنع؛ لأنَّه اعترَضَ عليه كثيرٌ مِن النَّاس.
      والأشراف كما قلنا: إنهم يتبرءون مِن كثيرٍ مِن الأُسر، ومِن كثيرٍ مِن العائلات.
      فعلى كل حال: ما يتعلق بأنَّ فلاناً نسبه صحيح، أو غير صحيح؛ ليس مستوجباً للقذف كما يفتري هؤلاء الدجالون، وإلاَّ لكان ابن الملقن نفسه قاذفاً، وهو مِن أئمتهم، وكَتب في طبقاتهم، ولكان الشعراني أول مَن قذف؛ لأنَّه يقول: '' إن أحمد الرفاعي من بني رفاعة، القبيلة المعروفة، وليس مِن آل البيت ''.
      فليكن عندنا معلوماً أن الصوفية يتسترون بالنسب الشريف، وأنَّ هذه دعوى استفادوها من الشيعة، بل سنعرض -إن شاء الله عندما نتكلم عن نشأة التصوف- أن أصل التصوف هو التشيع، وأن أول ما وجد التصوف كان في صفوف الشيعة، ولذلك نجد الصلة بين التصوف وبين التشيع قويةً جدّاً، ونجد أنَّ كثيراً مِن الضلالات والخرافات مشتركة بين الطائفتين، خرافات مشتركة بالفعل، ويجمع الطائفتين دعوى الغلو، هؤلاء غَلَوا في علي، وهؤلاء غَلَوا في الرسول محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    3. موقفنا من الكتب التي ردت على الشيخ ابن منيع وعلماء المملكة

      أمَّا قضية رأيي -كما ذكرتم- في هذه الكتب، وفي ردِّهم على الشيخ ابن منيع والعلماء في المملكة؟
      فأنا -يا أخي- أقول لك: إنَّ الشيخ ابن منيع -جزاه الله خيراً- والعلماء الذين كتبوا في ذلك، وبالأخص كتاب الشيخ ابن منيع؛ لأنَّ كتابه يركِّز على قضية المولد.
    4. خلافنا مع الصوفية

      أحب أن أقول: إنَّ القضية التي نختلف نحن والصوفية فيها ليست هي قضية المولد، القضية أكبر من ذلك وأعظم.
      الصوفية ديانة قديمة، معروفة لدى الهنود، ولدى اليونان القدماء، جاءت هذه الديانة ودخلت وتغلغلت في الإسلام باسم الزنادقة، والزنادقة هم الذين أدخلوها في الإسلام باسم التصوف، والتعبد، وباسم الزهد -كما سنعرض ذلك إن شاء الله- فالخلاف معهم ليس محصوراً فقط في تعظيم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أراد الرفاعي، والبحريني، وكذلك المغاربة، وإن كانت كتبهم تتحدث عن منـزلة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن عظمته ومعجزاته وخوارقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى آخره.
      نقول: بغض النظر عمَّا احتوته هذه الكتب مِن الأباطيل، والتناقضات، والشركيات؛ فالخلاف بيننا وبينهم ليس في قضية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً، هذه جزئية، نعم. هي إحدى فروع المسائل التي نختلف نحن وإيَّاهم فيها، أنَّهم غَلَوا، واشتطوا، حتى شابهوا النَّصارى، ونحن اقتصدنا وعظَّمْنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما عظمه الله به، وبما صحَّ في سنَّته وسيرته.
      ليس الموضوع هو أنَّهم يحبون رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر منَّا -كما يزعمون- والخلاف بيننا وبينهم ليس في المولد، وليس في كيفية الذكر، أو في أنواع التوسل التي أطالوا وأطنبوا في تفصيلها، وليس في تعريف البدعة، هل هي خمسة أنواع، أو نوعين، أو نوع واحد؟
      لا؛ الخلاف بيننا وبين الصوفية هو خلاف بين الإسلام وبين ديانة وثنية فلسفية قديمة، خلاف في الربوبية، والألوهية، أهي لله وحده، أم له فيها شركاء كما يدَّعون؟!
      لأنَّ دعوى الصوفية أنَّ الربوبية والألوهية -أو كثيراً من حقائق الألوهية والربوبية- يمكن إعطاؤها للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو للأولياء، أو مَن يسموهم الصالحين، هذا: شركٌ أكبر، لكن ليست هذه فقط!! يعني: الصوفية لم تكتفِ بأن تَصرِفَ الألوهية لهؤلاء، وإنَّما صرفتْها للزنادقة، والدجالين، والكهان، والمشعوذين.
      ولابد أنَّكم تعرفون الرجل الذي عندنا هنا في مكة، يُدعى: السيد الأهدل، وقد سألني بعض النَّاس يقول: هل أذهب لأتعالج عنده؟
      وهذا هو شيخ محمد علوي مالكي، رجلٌ خرافيٌّ، يقول للناس: أحضِروا تَيْساً أسود، واذبحوه، ولا تذكروا اسم الله، وافعلوا كذا، وافعلوا كذا ونحوها من الشعوذات والكهانات وينجِّم للرجل وللمرأة، ويقول: نجم المرأة كذا، ونجم الرجل كذا، فإن كانت النُّجوم متطابقة قال: لا بأس أن تتزوجها. شعوذات غريبة ينقلها لنا العوام هنا في مكة فمن مثل هذا الدجل والشعوذة، يصرفون ربوبية الله، وألوهيته للمشعوذين، والدجالين، المتعاطين السحر، المتعاملين مع الجن، الذين يقولون: نحن نعلم الغيب، ويطلبون مِن المريدين أن يقدِّموا لهم العبوديات التي لا تليق إلا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    5. عقيدتنا في الرب تعالى

      نحن نعرف أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو وحده المتصرف في الكون، هذه حقيقة لا يمكن أن يماري فيها أي مسلم، ونعرف أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي عنده اللوح المحفوظ، وهو الذي يمحو ما يشاء ويثبت، وهو الذي يحي ويميت، وهو الذي يعلم ما تسقط مِن ورقة في ظلمات البرِّ والبحر، والذي يفتح أبواب الجنَّة لمن شاء، أو يفتح أبواب النار -والعياذ بالله- لمن يريد، وهو الذي يسلب الإيمان مِن القلوب، أو يضع فيها اليقين، ولا أحدَ يملك ذلك غيره، ونعتقد أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يغيث الملهوفين في الكربات، والظلمات، ويعلم ما في سرائر القلوب، وما تختلج به الخواطر، إلى غير ذلك.
      لكن هؤلاء القوم يقولون إنَّ مِن أوليائهم مَن يتصرف في الأكوان، فتراهم يقولون في حلقة الذكر الجيلانية: عبد القادر يا جيلاني يا مصرف الأكوانِ!!
      فإذا كان عبد القادر الجيلاني هو المتصرف في الأكوان، فماذا بقي لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!
      وسأنقل إليكم أدلةً كثيرةً جدّاً مِن كتاب الشعراني تدل على هذا الشرك الأكبر، منها: أنهم يذكرون أنَّ هناك مَن يرى اللهَ، ومَنهم مَنْ يخاطبُه في الدنيا، ويكلِّمه، ومَن يقول له: هذا حلال، وهذا حرام.
      ويذكرون: أنَّ هناك منهم مَن يستأذن جبريل قبل أن يبدي رأيه، حيث يأتي المريد يسأله فيقول: أمهلني حتى أستأذن جبريل!! فيسأل جبريل فيجيبه!!
      ويذكرون: أنَّ منهم مَن يمسك الشمس عن الغروب! ومنهم مَن يعلم مِن أسرار القرآن ما لا يعلمه ملَكٌ مقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ! ويقولون: إن الولي فلان كان يحك رأسه بقائمة عرش الرحمن! ويقولون: إن فلاناً جاءه أحدُ المريدين، وقال له: لماذا لا تحج؟
      فقال: هل يحج مَن تطوف حوله الكعبة؟!
      قال المريد: كيف ذلك؟
      فقال: انظر، ورأى الكعبة وهى تطوف حول الشيخ!! وهى تُغنِّي -أي: الكعبة- وتقول: إن له رجالاً، دلِّلهم دَلاَلاً.
      أشياء كثيرةٌ جدّاً إن شاء الله سأتعرض لبعضها.
    6. هل التصوف اليوم مجرد زهد وأذكار؟!

      المقصود: أن بعضكم -أي: بعض الشباب هناك في أمريكا وغيرها- يحسبون أنَّ التصوف مجرد زهد، وأذكار، واحتقار لمتاع الدنيا الفاني!
      وبعض الناس قد يتعاطف مع المتصوفة بناءً على هذا الاعتبار، الحقيقة -يا أخي-: إن التصوف ليس هو المولد، وليس هو مجرد الذِّكر، أو مجرد الزهد -كما يدَّعون- وإنَّما الصوفية دينٌ آخر، وعالَمٌ آخر، إذا دخله الإنسان وبدأ فيه: فعليه أن يخلع عقلَه عند عتبة الدخول، وهناك يدخل في عالم غريب، عالَمٌ يُخيِّلُ إليك -عندما تقرأ في كتب طبقاتهم ورجالهم- كأنَّك تقرأ في القصص الخرافيَّة، مثل سيف بن ذي يزن ومثل: عنترة وكتب الأسمار، والأخبار، وغير ذلك.
    7. مصدر التلقي عند الصوفية

      والذي أحب أنْ أقوله: إنَّ كتاب الرفاعي، وكتاب البحريني، وكتاب هؤلاء المغاربة جاء على خلاف الأصل عند الصوفية، كيف هذا؟
      الأصل عند الصوفية: أنَّ مصدر التلقِّي، ومصدر المعرفة؛ ليس هو القرآن والسنَّة؛ حتى يأتي هؤلاء فيقولون: قال الله تعالى كذا، وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا، صحيح أنكم يا أهل السنة تضعِّفون الحديثَ؛ ولكن نحن نصححه! والمسألة: خلافية، ولا داعي للتكفير! ولماذا يكفِّر بعضُنا بعضاً في مسألة خلافية؟!
      ونحن نهتم بحرب الصهيونيَّة، والشيوعية، ولا نختلف فيما بيننا... إلى آخر كلامهم من مثل هذا الافتراء والدجل.
      أقول: منهج هؤلاء النَّاس: ليس هو هذا، أنت ترثي الإنسان عندما يحارب في غير ميدانه، أو عندما يتكلف ما لا قِبَل له به.
      فالأصحاب هناك مع المريدين يرقصون في الحضرة! ويتلقون العلم اللدنِّي -كما يسمُّونه- العلم الحقيقي مباشرة، وهذا جالس يقول: هذا الحديث صحيح، وهذا ضعيفٌ، وهذا كذا وهذا خلاف الأصل! المفروض أن يذهب يرقص معهم ويتلقَّى من هناك العلم على زعمهم.
      فأقول لك: إنَّ كلامك في قضية "أنك تقول: إن بعض الطلبة الكويتيين قالوا: إن هاشم الرفاعي ليس هو الذي كَتَبَ الكتاب"، نعم، الحقيقة أنَّ معهم حقٌّ في ذلك؛ لأنَّ أسلوب الكتاب يذكِّرني ببعض كتبٍ كتَبَها أناسٌ مِن المبتدعة، وردُّوا بها على أهل السنة قبل خمس عشرة سنة، أو نحو ذلك، وبعضهم أعرِف أنَّه موجودٌ في الكويت، فلا شك أنَّ هناك تعاوناً.
      ومِن أدلة التعاون: هذا التظافر الموجود؛ هذا مِن المغرب، وهذا مِن البحرين، وهذا مِن الكويت، وقالوا: سيخرج كتاب لرجل مِن مصر، وواحدٌ مِن اليمن، كما هو مذكور في هذه الكتب.
      أقول: إنَّ هذا ليس أسلوب الصوفية أن يأتوا إلى الحديث، ويصحِّحوه، أو يضعِّفوه؛ ليأخذوا منه الحقيقة والعلم، لا.
      الحلاج -إمامهم المتقدم - الذي قُتل بالزندقة -بعد أن ثبت ذلك عنه- ما كان يعتكف ليتعبَّد، ويدعو الله عز وجل، فتنكشف له بعض الأشياء -مثلاً- ويقول: هذا علمٌ أطلعني الله عليه، لا، بل ذهب إلى الهند، ورأى سحرة الهند يقف الواحد منهم على رأسه الأيام الطويلة بدون أكل، ولا شرب، ولا نوم، فتعلَّم هذه الرياضة منهم، فإذا وقف على رأسه هذه الفترة: يدخل في المرحلة التي يسمونها [المالوخوليا] وتأتي له صور وخيالات مِن الجوع، ومِن هذه الانتكاسة، ومِن الشياطين، ويخيَّل له أشياء، ومخاطبات، وكلام، فيقول: الله خاطبني! أو الرب كلَّمني! أو كذا، ثمَّ يترقَّى إلى أنْ يقول: أنا الله!! ما في الجبَّة إلا الله!! أو سبحاني سبحاني وكما قال البسطامي كما هو ثابت مِن أبياته في ديوانه:
      كفرتُ بدين الله والكفـرُ واجبٌ            لديَّ وعند المسـلمين قبيح
      انظر: ديوان الحلاج صـ [34] .
      ومرة أخرى ينتكس ويقول:
      على دين الصليب يكـون موتي            فلا بطحا أريـد ولا المدينةانظر: ديوان الحلاج صـ [85]
      أي: يذكرأنَّه صليبيٌّ -والعياذ بالله- فنفس ما وقع للحلاج! عندما يقول هذا الكلام: قام علماء السنَّة فكفروه بناءً على هذه الكفريات الشنيعة، فقام المدافعون عنه -مثل ما قام الرفاعي يدافع عن المالكي- وتأولوا بعد أن عمل هذا العمل، وقالوا -أي: المتأولة- انتظروا لماذا تكفروه؟
      نحن نأتي لكم بأدلة! ثمَّ قالوا: نعم، روى أبو نعيم في الحلية كذا، وكذلك: عندنا ابن عساكر روى كذا، بعض هذه الأشياء استنتجوها، وبحثوا عنها، ووجدوها بعد أن قُتل الحلاج بسنواتٍ طويلةٍ، والحلاج لم يقرأها، ولم يطَّلع عليها، ولا قال ما قال لأنَّه اطَّلع على الكتاب والسنَّة، ثم استنتج منها هذا الاستنتاج.
      بل أنا أضرب مثالاً وهو أنه يوجد عندنا كتاباً اسمه: الدرة المضيئة يذكر فيه متى بدأتْ كلمة "سيدنا" -أشهد أنَّ سيدنا محمَّداً رسولُ الله في الأذان ، حيث ذكر أنَّ أحد سلاطين المماليك رأى في المنام الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: قل للمؤذِّن إذا أذن أن يقول: -أشهد أنَّ سيدنا محمَّداً رسول الله، فلما استيقظ السلطان هذا؛ أمر المؤذنَ أنْ يقول ذلك، فسمعها بعضُ الخرافيِّين من الصوفية، فقالوا: رؤيا حسنة، واستحسنوا ذلك.
      نحن الآن -في هذا العصر- عندما نقول: هذه الكلمة لا تضاف في الأذان؛ يقولون: كيف لا تضاف، وعندنا أحاديثُ صحيحةٌ على أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سيد ولد آدم، وأنَّه كذا، وأنَّه كذا؟
      وأنتم تنكرون سيادة الرسول! أنتم تكرهون الرسول! أنتم تعادون الرسول! فيهاجموننا بهذا الكلام؛ بينما نجد أن أصل القضية لم يكن أنَّهم قرءوا البخاري أو مسلم، ووجدوا أحاديث السيادة، فوضعوها في الأذان، إنما أصلها رؤيا، فـالصوفية تعتمد في مصدر التلقِّي على المنامات، والأحلام، وعلى التخيُّلات، والتكهنات، وعلى ما يسمونه الذوق، أو الوجد، أو الكشف، هذا هو مصدر القوم.
      فبعد ذلك يأتي مَن يفلسف هذه الأشياء التي ثبتت عندهم، ووصلتهم إلى هذا الطريق، ويقول: إنَّ لها أصلاً، إنَّها تقوم عليها الأدلة الشرعيَّة، فهي مأخوذة مِن الكتاب والسنَّة، ثم يزعمون -كما زعم الرفاعي- أنَّهم هم أهل السنة والجماعة، وهم الذين على الحق، وأنَّ المخالفين لهم: مِن الخوارج، أو الغلاة، أو المتنطعين، أو التكفيريين، إلى آخر هذا الهراء!
  2. كلام العلماء الأبرار في فرق الصوفية الأشرار

     المرفق    
    1. كلام أبو الريحان البيروني في الصوفية

      والآن سأستعرض -إن شاء الله- بعضَ الكتب التي تدل على أصل التصوف، مثل كتاب البيروني تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، الكتاب ألَّفه أبو الريحان البيروني، وهو ليس مِن أئمَّة أهل السنة والجماعة، وإنما هو رجلٌ، مسلمٌ، مؤرِّخٌ، تستطيع أن تقول -بالأحرى- إنه جغرافيٌّ، ومتكلمٌ، ومتفلسفٌ، ذهب إلى الهند يبحث عن أديانها، وعقائدها، ويكتب عن جغرافيتها، وأرضها، وعلومها.
      هذا الرجل ألَّف الكتاب، وذكر فيه حقائق لا يمكن أن يُتهم بأنَّه تواطأ فيها مع أهل السنة والجماعة.
      فمثلاً: يقول في صفحة (24) من هذا الكتاب '' ومنهم مَن كان يرى الوجودَ الحقيقي للعلة الأولى فقط، لاستغنائها بذاتها فيه، وحاجة غيرها إليه، وأنَّ ما هو مفتقر في الوجود إلى غيره، فوجوده كالخيال غير حقٍّ، والحقُّ هو الواحد الأول فقط، وهذا رأي السوفية - كتبها بالسين - وهم الحكماء، فإنَّ سوف باليونانية: [الحكمة] وبها سمي الفيلسوف: بيلاسوفا، أي: محب الحكمة، ولما ذهب في الإسلام قوم إلى قريبٍ مِن رأيهم -أي: رأي حكماء الهند -سُمُّوا باسمهم- أي: الصوفية- ولم يَعرف اللقبَ بعضُهم فنسبهم للتوكل إلى الصُفَّة وأنَّهم أصحابها في عصر النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ صُحِّفَ بعد ذلك، فصُيِّر مِن صوف التيوس...! إلخ ''.
      ويقول بعد ذلك: '' إنَّ المنصرف بكليته إلى العلة الأولى متشبهاً بها على غاية إمكانه: يتحد بها عند ترك الوسائط، وخلع العلائق، والعوائق ''.
      ويقول -في هذه الوحدة "وحدة الوجود"-: '' وهذه آراء يذهب إليها الصوفية لتشابه الموضوع ''.
      يتكلم عن ديانات الهند، وعن فلاسفة الهند -هؤلاء الملاحدة- ثم يذكر أنَّ الصوفية يذهبون إليها لتشابه الموضوع.
      فالرجل يقول: إن الصوفية هم حكماء الهند، وأنَّ اسمهم هو "السوفية"، وأنَّ ما يُطلق عليهم مِن الأسماء، أو ما حدث للاسم مِن التصحيف - فقيل: إنَّه مِن الصوف أو غير ذلك - هذا ليس له حقيقة.
      والقشيري ذكر في كتابه الرسالة '' أنه ليس لهذا الاسم أصل في اللغة العربية '' القشيري مِن أئمَّة الصوفية له كتاب الرسالة- وهو صادقٌ في ذلك.
      ويقول صاحب دائرة المعارف الإسلامية -كما سمَّاها المستشرقون- وهي دائرة معارف استشراقية: ذكروا أنَّ كلمة "الثيوصوفيا" -الكلمة اليونانيَّة- يقولون: '' هذه هي الأصل كما ينقل كاتبها ماسينيون عن عدد المستشرقين؛ بأنَّ أصل التصوف: هو مشتق مِن الثيوصوفية '' وهذه الثيوصوفية كما يذكر -أيضاً- عبد الرحمن بدوي، وينقل عن مستشرق ألماني فول هومر قوله: '' إن هناك علاقة بين الصوفية، وبين الحكماء العراة مِن الهنود '' ويكتب باللغة الإنجليزية جانيوسوفستز و"سوفستز" يعني: الصوفيين، هؤلاء إذا ربطنا هذه مع الثيوصوفية -أي: الصوفية- التي نقول "الثيو" معناها في لغتهم: الله عز وجل، فمثلاً الحكم الثيوقراطي يعنى: الحكم الإلهي، والثيوصوفية أي: عشاق الله، أو محبو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الفيلسوفي هذا: عاشق الحكمة "فيلا" معناها: حكمة، أو محب الحكمة.
      عاشق الله -كما يدَّعون، وكما يزعمون- يسمَّى: الصوفي.
      إذاً الصوفية نستطيع أن نقول: إننا الآن أمام أساس -وسيأتي عرض آخر يبين هذه القضية- هذه الكلمة وأنَّه غير إسلامي أصلاً، وغير عربي أصلاً، وإنَّما هو دينٌ آخر.
      ولنرجع إلى كتاب البيروني؛ يقول في صفحة [51]: '' إذا كانت النَّفس مرتبطةً في هذا العالم... والخلاص -خلاص النفس- مِن العالم... وانقطاعها عنه،... كيف أنَّ الهنود يحاولون أن ينقطعوا عن الدنيا، وأن يتحدوا بالجوهر الأسمى -وهو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- '' يتحدث عن هذا الموضوع بكلام فيه صعوبة.
      إنَّما المقصود من ذلك: أنَّه يقول: '' إن هناك كتاباً هندوسياً اسم الكتاب بانتجل '' وأنا قد سألت بعض إخواننا الهنود عن كتاب بانتجل، فقالوا: إنَّ الكتاب معروف إلى الآن، وأنَّه مِن كتب الأديان عند الهندوس، وفي إمكانكم أنْ تسألوا إذا كان لكم إخوة، أو ناس في أمريكا -حتى من الهندوس- أنْ تسألوهم عن الكتاب.
      يقول البيروني -بعد أن تكلم عن قضية الاتحاد هذه-: '' وإلى مثل هذا إشارات الصوفية في العارف إذا وصل إلى مقام المعرفة؛ فإنَّهم يزعمون - أي: الصوفية - أنَّه يحصل له روحان: قديمة لا يجري عليها تغير، أو اختلاف، بِها يعلم الغيب، ويفعل المعجز! وأخرى بشرية للتغير، والتكوين، ما يبعد عن مثله أقاويل النصارى''.
      لاحظ أنَّ البيروني يربط بين كلام الصوفية، وبين أقاويل النصارى، وأنَّهم يقولون: إنَّ العارف له روحان: روح أزليَّة ثابتة، وروح حادثة، وهي التي تعتريها البشرية، أي: كما قال النصارى في عيسى بن مريم عليه السلام!!
      وأنا في إمكاني الآن أنْ أقرأ عليك ما يدل على هذه العقيدة عند الصوفية:
      يقول إبراهيم الدسوقي المتوفى سنة (676هـ) وهو مِن أكبر الطواغيت الصوفية المعبودين حالياً في مصر، وهو وصل عندهم إلى درجة القطبية العظمى -وسنشرح لك إن أمكن ما معنى القطب الأعظم، وما هي خصائصه- كما في ترجمته من طبقات الشعراني : '' قد كنتُ أنا، وأولياء الله تعالى أشياخاً في الأزل، بين يدي قديم الأزل، وبين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن الله عز وجل خلقني مِن نور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أي: في الأزل- وأمرني أن أخلع على جميع الأولياء، فخلعتُ عليهم بيدي -أي: ألبسهم- فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا إبراهيم أنت نقيبٌ عليهم -أي: على الأولياء- ''.
      يقول: '' فكنتُ أنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخي عبد القادر -أي: عبد القادر الجيلاني شيخ القادرية- خلفي، وابن الرفاعي -أي: أحمد الرفاعي شيخ الرفاعية- خلف عبد القادر، ثم التفت إليَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: يا إبراهيم! سر إلى مالك -خازن النيران- وقل له يغلق النيران، وسر إلى رضوان -خازن الجنة- وقل له يفتح الجنان، ففعل مالك ما أُمر به، وفعل رضوان ما أُمر به!! ''...إلى آخر ما ذكره من الكلام.
      نعود إلى البيروني يقول [ص:16]: وإلى طريق بانتجل -هذا الهندي الذي سبق ذكره- ذهبت الصوفية في الاشتغال بالحق، فقالوا: مادمتَ تشير فلستَ بموحدٍ؛ حتى يستولي الحقُّ على إشارتك بإثنائه عنك، فلا يبقى مشيرٌ، ولا إشارةٌ ''. -أي: وحدة الوجود الكاملة-.
      ويقول: '' ويوجد في كلامهم ما يدل على القول بالاتحاد؛ كجواب أحدهم عن الحقِّ، وكيف لا أتحقق مَن هو أنا بالإنيَّة، ولا أنا بالأَيْنِيَّة ''.
      هذا كلام أحد أئمَّة التصوف سئل عن الله فأجاب بأنه هو يقصد نفسه!
      ومن الأدلة التي ذكرها البيروني على قول الحلولية بالحلول قول أبي بكر الشبلي - وهو مِن أئمَّة التصوف - : '' اخلع الكلَّ تصل إلينا بالكلية فتكون ولا تكون إخبارك عنا وفعلك فعلنا '' .
      أي: الكلام الذي تقوله هو عنَّا.
      '' وكجواب أبي يزيد البسطامي، وقد سُئل: بم نلت ما نلت؟
      قال: "إنِّي انسلختُ مِن نفسي، كما تنسلخ الحيَّةُ مِن جلدها، ثم نظرتُ إلى ذاتي فإذا أنا هو.
      وقالوا في قول الله تعالى: ((فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا))[البقرة:73] : إنَّ الأمر بقتل الميت لإحياء الميت: إخبارٌ أنَّ القلب لا يحيا بأنواع المعرفة إلا بإماتة البدن بالاجتهاد، حتى يبقى رسماً لاحقيقة له، وقلبك حقيقة ليس عليه أثر مِن المرسومات.
      وقالوا: إنَّ بين العبد وبين الله ألف مقام مِن النُّور والظلمة، وإنَّما اجتهد القوم في قطع الظلمة إلى النُّور، فلمَّا وصلوا إلى مقامات النُّور: لم يكن لهم رجوعٌ '' انتهى كلام البيروني.
      وهو يقول: إن هذا الكلام بعينه هو كلام الهنود وهو الذي سار عليه أئمة التصوف.
    2. أول من أسس دين التصوف

      أقول: إنَّ الثابتَ مِن الكتب التي كتبها كثيرٌ مِن المعاصرين عن الصوفية، ومِن القدماء: أنَّ أولَّ مَن أسَّـس التصوف هم: الشيعة، وأنَّ هناك -بالذات- رجليْن كانا لهما دورٌ في ذلك:
      الأول: يسمَّى عبدك، والثاني: يسمَّى أبو هاشم الصوفي المتوفى سنة (150هـ)، أو أبو هاشم الشيعي، فـعبدك، وأبو هاشم هؤلاء هما اللذان أسَّـسا دين التصوف .
      عندما نريد أن نتحدث عن عبدك، وعن أبي هاشم: ننتقل إلى مصدرٍ مهمٍّ جدّاً مِن مصادر الفِرَق الإسلاميَّة وهو كتاب التنبيه والرد لـأبي الحسين الملطي الشافعي رحمه الله.
    3. الإمام الملطي يحكي ما قاله الإمام خشيش بن أصرم في الزنادقة

      ومِن المهم جدّاً مِن الناحية الوثائقيَّة أنْ نعرف أنَّ كتاب الملطي هذا منقولٌ من كتاب الإمام خشيش بن أصرم -وهذا رجلٌ، عالِمٌ، إمامٌ، ثقةٌ، وهو شيخ الإمام أبي داود، والنسائي، وهو مِن الأئمَّة المعاصرين للإمام أحمد توفى سنة (253هـ)- وهذا يعطي كتابَه أهميَّة كبيرة؛ لأنَّه متقدم في الفترة المبكرة جدّاً التي لم تكن كلمة صوفي فيها قد شاعت وانتشرت، فماذا قال الإمام خشيش بن أصرم رحمه الله عن هذه الفرقة -كما نقل عنه الملطي- 1002531وماذا قال عن عبدك، وعن أبي هاشم، وعن جابر بن حيان ، الذي يقال له: جابر الكيميائي، وهو أيضاً ممن نُسب إليه أنَّه أول مَن أسَّس التصوف وقد قرأت له مجموعة رسائل طبعها أحد المستشرفين يظهر فيها بجلاء أنَّ الرجل شيعي تماماً، وقد عاش جابر في القرن الثاني!!
    4. أقسام الزنادقة

      قال أبو الحسين الملطي رحمه الله تعالى: '' قال أبو عاصم خشيش بن أصرم -والإسناد عنه في أول الكتاب- في افتراق الزنادقة: فافترقت الزنادقة على خمس فرق، وافترقت منها فرقة على ست فرق... -إلى أن يقول-: ومنهم -أي:من أقسام الزنادقة- العبدكية، زعموا أنَّ الدنيا كلَّها حرامٌ محرَّم، لا يحل الأخذ منها إلا القوت، من حين ذهب أئمَّة العدل، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام، فحِلٌّ لك أن تأخذ القوت من الحرام، مِن حيث كان!
      وإنَّما سمُّو العبدكية؛ لأنَّ عبدك وضع لهم هذا، ودعاهم إليه، وأمرهم بتصديقه ''.
      يقول: '' ومنهم الروحانية، وهم أصناف، وإنَّما سمُّوا الروحانية؛ لأنَّهم زعموا أنَّ أرواحهم تنظر إلى ملكوت السموات، وبها يعاينون الجِنان - أي: الجنات - ويجامعون الحور العين، وتسرح أرواحهم في الجنة.
      وسمُّوا أيضاً: الفكرية لأنَّهم يتفكرون -زعموا- في هذا حتى يصلون إليه، فجعلوا الفكر بهذا غاية عبادتهم، ومنتهى إرادتهم، ينظرون بأرواحهم في تلك الفكرة إلى هذه الغاية فيتلذذون بمخاطبة الله لهم، ومصافحته إياهم، ونظرهم إليه -زعموا- ويتمتعون بمجامعة الحور العين، ومفاكهة الأبكار، على الأرائك متكئين، ويسعى عليهم الولدان المخلَّدون بأصناف الطعام، وألوان الشراب، وطرائف الثمار... ''إلى آخره.
      يقول: '' ومنهم صنف مِن الروحانية زعموا أنَّ حُبَّ الله يغلب على قلوبهم، وأهوائهم، وإرادتهم حتى يكون حبُّه أغلب الأشياء عليهم؛ فإذا كان كذلك عندهم: كانوا عنده بهذه المنـزلة، وقعت عليهم الخُلة مِن الله فجعل لهم السرقة، والزنا، وشرب الخمر، والفواحش كلها على وجه الخُلة التي بينهم وبين الله لا على وجه الحلال -يعني: تحل لهم على وجه أنَّهم أخلاء لله، وسيأتي على هذا نقولٌ كثيرةٌ وشواهد تدل على ذلك عند الصوفية- كما يحل للخليل الأخذ مِن مال خليله بغير إذنه، ومنهم: رباح وكُليب، كانا يقولان بهذه المقالة ويدْعُوَان إليها '' وهؤلاء أيضاً ممن ذُكر أنَّهم مِن أئمَّة التصوف القدامى.
      يقول: '' ومنهم صنفٌ مِن الروحانية زعموا أنَّه ينبغي للعباد أنْ يدخلوا في مضمار الميدان حتى يبلغوا إلى غاية السبقة، من تضمير أنفسهم-يعني: تجميعها- وحملها على المكروه، فإذا بلغت تلك الغاية؛ أعطى نفسَه كلَّ ما تشتهي وتتمنى، وإنَّ أكْلَ الطيبات كأكْل الأراذلة مِن الأطعمة، وكان الصبر والخبيث عنده بمنـزلة، وكان العسل والخل عنده بمنـزلة! فإذا كان كذلك؛ فقد بلغ غاية السبقة، وسقط عنه تضمير الميدان، وأتْبع نفسه ما اشتهت، منهم ابن حيان كان يقول هذه المقالة ''.
      ويقول رحمه الله: '' ومنهم صنف يقولون: إنَّ ترك الدنيا إشغال للقلوب، وتعظيم للدنيا، ومحبة لها، ولمـَّا عظُمت الدنيا عندهم: تركوا طيِّب طعامها، ولذيذ شرابها، ولين لباسها، وطيب رائحتها؛ فأشغلوا قلوبهم بالتعلق بتركها، وكان من إهانتها مُواتات الشهوات عند اعتراضها حتى لا يشتغل القلب بذكرها، ويعظم عنده ما ترك منها ''.
      قال: '' ورباح وكليب كانا يقولان هذه المقالة ''.
      وكلام الإمام خشيش بن أصرم رحمه الله المكتوب قبل منتصف القرن الثالث الهجري - حوالي (240هـ) هو كما لاحظنا عقيدة الصوفية، حبُّ الله -كما يدَّعون- وتحريم الدنيا، وتحريم الحلال، ودعوى أنَّهم يرون الله، ويخاطبونه في الدنيا، وأنَّه يحدِّثهم... إلى غير ذلك مِن الدعاوى: هي دين الصوفية، لكن لاحظ أنَّ الإمام خشيش لم يقل: الصوفية؛ إنما قال: الزنادقة -قال: '' هذه مذاهب قوم مِن الزنادقة ''- وصدق هذا هو مذهب الزنادقة في حقيقته.
    5. أبو الحسن الأشعري وموقفه من الصوفية

      ننتقل إلى مصدر بعده، وهو من أوثق المصادر في الخلافات والفرق: وهو كتاب مقالات الإسلاميين للإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله الذي رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان الأشاعرة ما يزالون يتَّبعون ما كان عليه قبل رجوعه، نسأل الله أن يهديهم إلى الحق.
      يقول - في صفحة [288] ط الثالثة- : '' هذه حكاية قومٍ مِن النُّساك، والنساك: اسم عبَّاد الهند، وهي مأخوذة مِن النسك التعبد.
      وهذا هو الذي ترجم به عبد الله بن المقفع صوفية الهند، وسمَّاهم: "النُّساك" في كتاب كليلة ودمنة '' فيسمَّى العابد: النَّاسك.
      يقول: '' وفي الأمَّة قوم ينتحلون النُّسك، يزعمون أنَّه جائزٌ على الله سبحانه الحلول في الأجسام، وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعله ربنا!! ومنهم من يقول: إنَّّه يرى الله سُبْحَانَهُ في الدنيا على قدر الأعمال! فمَن كان عمله أحسن: رأى معبوده أحسن! ومنهم مَن يجوِّز على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المعانقة، والملامسة، والمجالسة في الدنيا، وجوزوا مع ذلك على الله تعالى -عن قولهم- أنْ نلمسه، ومنهم مَن يزعم أنَّ الله سبحانه ذو أعضاء، وجوارح، وأبعاض ولحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان مِن الجوراح تعالى ربُّنا عن ذلك علوّاً كبيراً ''.
      وهذا القول الذي ذكره الأشعري هنا هو قول أبي هاشم المشبِّه، الصوفي، الشيعي، مؤسِّس هذا الدين، أو مِن مؤسِّسيه كما قلنا .
      يقول الإمام الأشعري: '' وكان في الصوفية رجلٌ يُعرف بـأبي شعيب: يزعم أنَّ الله يُسرُّ ويَفرح بطاعة أوليائه، ويغتمُّ، ويحزن إذا عصَوْه '' يعني: كَفَرح المخلوقين وكغَمِّهم.
      يقول: '' وفي النُّساك قومٌ يزعمون أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى منـزلةٍ تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا، وغيره مباحات لهم.
      وفيهم من يزعم: أنَّ العبادة تبلغُ بهم إلى أنْ يروا الله سُبْحَانَهُ، ويأكلوا مِن ثمار الجنَّة، ويعانِقوا الحورَ العين في الدنيا، ويحارِبوا الشياطين.
      ومنهم مَن يزعم: أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضلَ مِن النَّبيِّين، والملائكة المقرَّبين ''.
      وكلام الإمام الأشعري، هذا يؤكِّد ما قاله الإمام خشيش، ويذكر عنهم قضية سقوط التكاليف وسقوط التعبدات، وأنَّ الإنسان يترقَّى، كما تقول الصوفية أنَّ الله تعالى يقول: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))[الحجر:99]، فإذا جاء اليقين أو إذا وصلت إلى الحقيقة: سقطتْ عنك الشريعة؛ لأنَّ الصوفي عندهم يبدأ مُريداً، ثمَّ سالكاً، ثم واصلاً، والواصل: أي: الذي وصل إلى الحقيقة، وسقطت عنه التكاليف، وسقطت عنه التعبدات.
      هذا الكلام يقوله الإمام الأشعري -وهو المتوفى سنة (324 هـ)- وهو ما يزال متقدماً بالنِّسبة لانتشار الصوفية، ولم يذكر أنَّ هؤلاء صوفية أبداً، إنَّما قال: "هؤلاء نساك"، وهذا القول لاشك أنَّه قول زنادقةٍ، وكفَّارٍ، سيحكيه على أنَّهم قومٌ يدَّعون، أو ينتسبون إلى هذه الأمَّة، وليسوا مِن أمَّة الإسلام، أمَّة محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلنرى كيف أنَّ هذا القول أصبح ديناً عند المتأخرين من المسلمين المنتسبين للإسلام من الصوفية، ويدَّعون مع ذلك أنَّهم هم أهل السنة والجماعة!!
    6. تقسيم الإمام الرازي الصوفية

      ونحن نتابع المسألة بتطور الزمن فلا نقف عند الأشعري، وإنَّما -أيضاً- ننتقل إلى إمامٍ مِن المؤلِّفين في الفرق، وهو فخر الدين الرازي -وقد توفي سنة (606 هـ)، ونحن نتابع المسألة بتطور الزمن- وهو مِن أكبر أئمَّة الأشاعرة، يعني: الرجل ليس مِن أئمَّة أهل السنة والجماعة، بل هو مِن أئمَّة الأشاعرة الذي ألَّف كتاب أساس التقديس، وردَّ عليه شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية في كتاب بيان تلبيس الجهمية، فهو مِن أكبر الأشاعرة، وأقواله عندهم مِن أهمِّ الأقوال، وسنذكر بعض كلامه في هؤلاء الصوفية، ما كان فيه مدح، وما كان فيه ذم.
      يقول: '' اعلم أنَّ أكثر مَن قصَّ فِرَق الأمَّة لم يذكر الصوفية؛ وذلك خطأ؛ لأنَّ حاصل قول الصوفية: إنَّ الطريق إلى معرفة الله تعالى: هو التصفية، والتجرد مِن العلائق البدنيَّة، وهذا طريقٌ حسنٌ! وهم فِرقٌ.
      الأولى: أصحاب العادات، وهم قومٌ منتهى أمرِهم وغايتهم: تزيين الظاهر كلبس الخرقة، وتسوية السجادة.
      الثانية: أصحاب العبادات، وهم قومٌ يشتغلون بالزهد، والعبادة، مع ترك سائر الأشغال.
      الثالثة: أصحاب الحقيقة، وهم قومٌ إذا فرغوا مِن أداء الفرائض لم يشتغلوا بنوافل العبادات؛ بل بالفكر وتجريد النَّفس عن العلائق الجسمانية -أي: كما قلنا عن جماعة بانتجل في أقوال البيروني- وهم يجتهدون ألا يخلو سرُّهم وبالهُم عن ذكر الله تعالى، وهؤلاء خير فرق الآدميين! '' -وهذا متعاطف معهم-.
      '' الرابعة: النُّوريَّة، وهم طائفة يقولون: الحجاب حجابان: نوري، وناري، أمَّا النوري: فالاشتغال باكتساب الصفات المحمودة كالتوكل، والشوق، والتسليم، والمراقبة، والأُنس، والوحدة، والحالة.
      أمَّا الناري فالاشتغال بالشهوة، والغضب، والحرص، والأمل؛ لأنَّ هذه الصفات: صفات نارية، كما أنَّ إبليس لما كان ناريّاً فلا جرم وقع في الحسد ''.
      هذه النظرية اليونانية التي تُروى عن قدماء اليونان أرسطو وجماعته: أنَّ الكون يتركب مِن أربعة عناصر: الماء، والتراب، والنار، والهواء...إلى آخره!! رتَّبوا هـذه على تلك.
      يقول: '' الخامسة -مِن فِرقهم-: الحلوليَّة، وهم طائفةٌ مِن هؤلاء القوم الذين ذكرناهم، يرَوْن في أنفسهم أحوالاً عجيبة، وليس لهم مِن العلوم العقليَّة نصيبٌ وافر، فيتوهَّمون أنَّه قد حصل لهم الحلول أو الاتحاد -أي: بالله تعالى- يقول: فيدَّعون دعاوى عظيمة، وأوَّل مَن أظهر هذه المقالة في الإسلام الروافض؛ فإنَّهم ادَّعوا الحلول في حقِّ أئمَّتهم ''.
      هنا فائدة مهمة وهي: أنَّ الرازي يربط الصوفية بـالشيعة، وهو ربط مؤكد -كما سبق أن قلنا- يقول الرازي:
      '' السادسة: المباحية، وهم قوم يحفظون طامَّاتٍ لا أصل لها، وتلبيساتٍ في الحقيقة، وهم يدَّعون محبة الله تعالى وليس لهم نصيبٌ مِن شيءٍ مِن الحقائق؛ بل يخالفون الشريعة، ويقولون: إن الحبيب رُفع عنه التكليف، وهم الأشرُّ مِن الطوائف، وهم في الحقيقة على دين مزدك، كما سنذكر بعد هذا ''. وهذا الدين هو أصل الشيوعية، ودين مزدك كما تكلم عنه هو يقول: '' إن المزدكية هم أتباع مزدك بن موبذان، وكان موبذان في زمن قباز بن فيروز والد أنو شروان العادل، ثمَّ ادَّعى النُّبوة، وأظهر دين الإباحة، وانتهى أمره إلى أن ألزم قبَّاز أن يبعث امرأته ليتمتع بها غيره!! فتأذى أنو شروان مِن ذلك الكلام -أي: تأذى مِن كلامه- وقال لوالد الملك: اترك بيني وبينه لأناظره؛ فإنْ قطعني طاوعته، وإلا قتلته، فلمَّا تناظر مع أنو شروان: انقطع مزدك - يعني: انقطع في المناظرة وأفحم - وظهر عليه أنو شروان، فقتله وأتباعه، وكلُّ مَن هو على دين الإباحة في زماننا هذا فهم بقية أولئك القوم ''.
      هذا كلامه عن المزدكية، ويقول: الصوفية، والفرقة المسمَّاة المباحية منهم على دين مزدك، الذي هو أصل الشيوعية، وأصل نظريَّة كارل ماركس الذي كما ذكر هؤلاء الخرافيون يقولون: أنتم مشتغلون بالردِّ على المسلمين، وتتركون الشيوعية!!
      فهذا الرازي، وهو إمامٌ مِن أئمَّة الأشاعرة وكتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين مطبوع موجود، يقول: إنَّ الصوفية تلتقي بـالمزدكية بمعنى أن: الشيوعية والصوفية تلتقي عند مزدك، فهذا هو كلامهم، وليس كلامنا نحن.
    7. الإمام عباس السكسكي وموقفه من الصوفية

      ومن الرازي -المتوفى سنة (606 هـ)- ننتقل إلى أحد الأئمَّة مِن علماء اليمن، يسمَّى عباس بن منصور السكسكي قيل: إنَّه كان حنبليّاً -وهذا غريب في أئمَّة اليمن- وقيل: إنَّه شافعيٌّ، وعلى كل حال يمكن مراجعة ترجمته في كتاب الأعلام [3/268، ط 4]
      هذا الإمام السكسكي المتوفى سنة (683هـ)، وهو أيضاً من المتقدمين -كتب كتاباً اسمه: البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان، وهذا الكتاب مطبوع.
      يقول في آخر الكتاب: ''قد ذكرتُ هذه الفرقة الهادية، المهديَّة -أي: أهل السنة- وأنَّها على طريقةٍ متَّبعةٍ لهذه الشريعة النبويَّة...وغير ذلك مما هو داخل تحت الشريعة المطهرة، ولم يشذ أحدٌ منهم عن ذلك سوى فرقة واحدةٍ تسمَّت بـالصوفية، ينتسبون إلى أهل السنة، وليسوا منهم، قد خالفوهم في الاعتقاد، والأفعال، والأقوال.
      أمَّا الاعتقاد: فسلكوا مسلكاً للباطنية الذين قالوا: إن للقرآن ظاهراً، وباطناً، فالظاهر: ما عليه حملة الشريعة النبويَّة، والباطن: ما يعتقدونه، وهو ما قدَّمتُ بعض ذكره.
      فكذلك أيضاً فرقة الصوفية، قالت: إنَّ للقرآن والسنَّة حقائق خفيَّة باطنة غير ما عليه علماء الشريعة مِن الأحكام الظاهرة التي نقلوها خَلَفاً عن سلف، متصلة بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسانيد الصحيحة، والنقلة الأثبات، وتلقته الأمَّة بالقبول، وأجمع عليه السواد الأعظم، ويعتقدون أنَّ الله عز وجل حالٌّ فيهم!! ومازج لهم!! وهو مذهب الحسين بن منصور الحلاج المصلوب في بغداد في أيام المقتدر -الذي قدمتُ ذكره الروافض في فصل فرقة الخطابيَّة- ولهذا قال: أنا الله -تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً- وأنَّ ما هجس في نفوسهم، وتكلموا به في تفسير قرآنٍ، أو حديثٍ نبويٍّ، أو غير ذلك مما شَرَعوه لأنفسهم، واصطلحوا عليه: منسوب إلى الله تعالى، وأنَّه الحق، وإِنْ خالف ما عليه جمهور العلماء، وأئمَّة الشريعة، وفسَّرتْه علماء أصحابه، وثقاتهم، بناءً على الأصل الذي أصَّلوه مِن الحلول، والممازجة، ويدَّعون أنَّهم قد ارتفعت درجتُهم عن التعبدات اللازمة للعامَّة، وانكشفت لهم حجب الملكوت، واطَّلعوا على أسراره، وصارت عبادتهم بالقلب لا بالجوارح.
      وقالوا: لأنَّ عمل العامة بالجوارح سُلَّمٌ يؤدِّي إلى علم الحقائق، إذ هو المقصود على الحقيقة، وهي البواطن الخفيَّة عندهم، لا عملٌ بالجوارح، قد وصلنا، واتصلنا، واطَّلعنا على علم الحقائق الذي جهلته العامَّة، وحملة الشرع، وطعنوا حينئذٍ في الفقهاء والأئمَّة والعلماء، وأبطلوا ما هم عليه، وحقَّروهم وصغَّروهم عند العوام والجهَّال، وفي أحكام الشريعة المطهرة، وقالوا: نحن العلماء بعلم الحقيقة، الخواص الذين على الحق، والفقهاء هم العامة؛ لأنَّهم لم يطلعوا على علم الحقيقة، وأعوذ بالله من معرفة الضلالة، فلمَّا أبطلوا علم الشريعة، وأنكروا أحكامها: أباحوا المحظورات، وخرجوا عن إلزام الواجبات، فأباحوا النظر إلى المردان، والخلوة بأجانب النسوان، والتلذذ بأسماع أصوات النساء والصبيان، وسماع المزامير والدفاف والرقص والتصفيق في الشوارع والأسواق بقوة العزيمة، وترك الحشمة، وجعلوا ذلك عبادة يتدينون بها، ويجتمعون لها، ويؤثرونها على الصلوات، ويعتقدونها أفضل العبادات، ويحضرون لذلك المغاني من النساء، والصبيان، وغيرهم مِن أهل الأصوات الحسنة للغناء بالشبابات، والطار، والنقر، والأدفاف المجلجلة، وسائر الآلات المطربة، وأبيات الشعر الغزلية التي توصف فيها محاسن النِّسوان، ويذكر فيها ما تقدم من النساء التي كانت الشعراء تهواها، وتشبب بها في أشعارها، وتصف محاسنها كليلى، ولبنى، وهند، وسعاد، وزينب، وغيرهنَّ، ويقولون: نحن نكنِّي بذلك عن الله عز وجل!! ونَصرف المعنى إليه''.
      أقول: إن كتاب إغاثة اللهفان للإمام ابن القيم -رحمه الله- فصَّل هذه الأمور تفصيلاً مفيداً، لكن آثرت أن لا أنقل عنه حتى لا يقال: إن هؤلاء لا يعرفون إلاَّ ابن تيمية، أو ابن القيم، فإن هذا قبل ابن القيم، وابن تيمية، وليس ممن له شهرة أنَّه حارب التصوف باسم أنَّه -كما يقولون-: سلفي، أو تيمي، أو وهَّابي؛ بل هو قبل أولئك جميعاً، ويكتب بموضوعيَّة، وينقل مِن مصادر كثيرة، وسوف أواصل كلامه لتنظروا بعض مصادره.
      ''يقول: فقد ذكر الفقيه موسى بن أحمد ذلك في الرسالة التي ردَّ بها عليهم، وبيَّن فيها فساد مذهبهم، فقال في بيت شعر أنشده فيهم:
      يُكنُّون عن ربِّ السماء بزينب            وليلي ولبنى والخيال الذي يسري
      وتختلط الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ويتنادى الرجال والنساء، ويتصافحون، وإذا حصل فيهم الطرب وقت السماع من الأصوات الشجية، والآلات المطربة: طربوا، وصرخوا، وقاموا، وقفزوا، وداروا في الحلقة؛ فإذا دارت رءوسهم، واختلطت عقولهم من شدة الطرب، وكثرة القفز والدوران: وقعوا على الأرض مغشيّاً عليهم، ويسمُّون ذلك "الوجد"، أي: أنَّ ذلك مِن شدة ما يجدون مِن شدة المحبَّة، والشوق، قالوا: فأمَّا الخوف، والرجاء: فنحن لا نخاف من النَّار، ولا نرجو دخول الجنَّة؛ لأنَّهما ليست عندنا شيئاً؛ فلا نعبده خوفاً مِن النَّار، ولا طمعاً في الجنـة!!''
      أقول: احفظـوا هـذه الكلمة التي يقولها هذا الإمام لنجد شواهد عليها فيما بعد، وهي قولهم: "لا نعبده خوفاً مِن النَّار، ولا طمعاً في الجنة".
      يقول: ''هذا مخالفٌ للكتاب، والسنَّة، والإجماع، ومجوِّزات العقول، ثمَّ إنَّهم يَحملون الأشياء كلها على الإباحة، فيقولون: كلُّ ما وقع في أيدينا مِن حلالٍ، أو حرامٍ: فهو حلالٌ لنا، ولا يبالون هل أكلوا مِن حلالٍ أو حرامٍ.
      قال الإمام أبو عبد الله محمد بن علي القلعي في كتاب أحكام العصاة: وهذان الصنفان في الكفر، والإضلال أشدُّ وأضرُّ على الإسلام وأهله مِن غيرهما، وجميعهم ممن يساق إلى النَّار مِن غير مسألةٍ ولا محاسبةٍ ولا خُلُوصَ لهم منها أبد الآبدين، يعني: هذه الفرقة التي ذكرتُها مِن الصوفية، وفرقة مِن الإسماعيلية الباطنية، وهم قوم منهم يدَّعون أنَّهم قد اطلعوا على أسرار التكليف، وأحاطوا علماً بموجبه، وأنَّه إنَّما شرع ذلك للعامَّة ليرتدعوا عن الأهواء المؤدِّية إلى سفك الدماء، فيُحفظ بذلك نظام الدنيا، وذلك للمصالح العظمى التي لم يطَّلع عليها الأنبياء، ومَن قام مقامهم في السياسة، قالوا: ولهذا اختلفت الشرائع لاختلاف مصالح النَّاس باختلاف الأزمنة بهمَّتنا، وقوَّة رأينا، وفي أحلامنا ما نستغني به عن التزام سياسة غيرنا، والانتظام في سلك المبايعة لغيرنا فلا حظر علينا ولا واجب، فإذا سئلوا لأيِّ شيءٍ تُصلُّون وتصومون، وتأتون بما يأتي به المسلمون مِن الواجبات؟ قالوا: لرياضة الجسد، وعادة البلد، وصيانة المال والولد -أي: مِن القتل- ولأنَّ هذين الصنفين متفقان في أصل الاعتقاد وإن اختلفا في التأويل إلاَّ مَن عصمة الله تعالى منهم أعني: مِن فرق الصوفية، والتزم أحكام الشريعة، والعمل بها، وحقَّ العلماء والفقهاء - يعني: اعترف لهم بالحق - ولم يَدخل في شيءٍ مِن هذه الخزعبلات والأباطيل التي دخلوا فيها؛ فصحَّ اعتقاده، وصفت سريرته: فإنَّه مُبرَّأ مما هم عليه''.
      وإلى هنا ينتهي كلام الإمام.
      ومعنى كلامه باختصار: إنَّ مَن انتسب إلى التصوف اسماً ولم يكن مثلهم على هذه الأشياء فهو لا يأخذ حكمهم، وهذا صحيح، وكما سبق أن قلنا: إن هناك كثير مِن النَّاس مخدوعين بهم.
      فالخلاصة أننا: قد سمعنا كلام الإمام خشيش، وكلام الإمام الأشعري، وكلام السكسكي، وكلام الرازي، وكلام البيروني؛ من مصادر -والحمد لله- وهذه المصادر موجودة، وموثقة، ومطبوعة.
      وأيضاً: هناك مِن المعاصرين أناسٌ كثيرٌ: كتب عنهم عبد الرحمن بدوي وكتب عنهم طلعت غنَّام، وكتب عنهم آخرون -لا داعي لاستعراضهم-.
  3. نظرات في كتاب المختار لمحمد علوي مالكي

     المرفق    
    ننظر الآن إلى كتابٍ مِن كتب محمد علوي مالكي -ربَّما لم يطلع عليه بعض النَّاس- الكتاب سمَّاه: المختار مِن كلام الأخيار، طبع في مصر سنة (1398هـ)، ولنقارن ما جاء في هذا الكتاب بما سمعنا الآن مِن عقائد الصوفية؛ لننظر على أيِّ دينٍ هذا الرجل، ونعرف عندئذٍ حكمَه، ونعرف القضيَّة الأساسيَّة التي هي -كما قلتُ- أنَّ التصوف دينٌ مستقلٌ عن الإسلام، وأن من داخله من ينتسب إلى الإسلام ويدَّعي أنَّه مسلم، والإسلام بريء منه!
    1. السري السقطي يخاطب الله!!

      يقول محمد علوي مالكي في هذا الكتاب -صفحة [134]- عن السري السَقَطي -يقول: '' رأيتُ كأنِّي وقفتُ بين يدي الله عز وجل، فقال: يا سري خلقتُ الخلقَ فكلُّهم ادَّعوْا محبتي، فخلقتُ الدنيا فذهب منِّي تسعةُ أعشارهم وبقيَ معي العشر، قال: فخلقتُ الجنَّة فهرب منِّي تسعةُ أعشار العشر، فسلَّطتُ عليهم ذرةً مِن البلاء؛ فهرب تسعةُ أعشار عشر العشر! فقلتُ للباقين معي: لا الدنيا أردتم، ولا الجنَّة أخذتم، ولا مِن النَّار هربتم، فماذا تريدون؟
      قالوا: إنَّك لَتعلم ما نريد فقلتُ لهم: فإنِّي مسلِّطٌ عليكم مِن البلاء بعدد أنفاسكم؛ مالا تقوم له الجبال الرواسي، أتصبرون؟
      قالوا: إذا كنتَ أنتَ المبتلي لنا فافعل ما شئتَ. فهؤلاء عبادي حقاً ''.
      لاحظوا هذا الكلام!! متى خاطب الله السري؟
      هل كلَّم اللهُ أَحَداً بعد موسى عليه السلام؟
      هل حصل هذا عن طريق الوحي؟
      هل نزل جبريل على أحدٍ بعد محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
      هذه هي الأقوال التي أقول: إنَّها أساس الخلاف بيننا وبين الصوفية، وهو: التلقِّي، إنَّهم لا يتلقَّوْن مِن الكتاب والسنَّة، بل يتلقَّوْن مِن المخاطبة المباشرة علم الحقيقة، العلم اللدني، العلم المباشر عن الله كما يدَّعون أنَّ الله يكلِّمهم، ويخاطبهم مثل ما ذكر هؤلاء الأئمة خشيش، أو الرازي، أو السكسكي، أو الأشعري.
      هذا الكلام ينقله محمد علوي مالكي عن السريِّ السقطي، فلنفرض أنَّ السريَّ السقطي أخذ هذا الكلام مِن كتاب بانتجل، كتاب الهند -الذي ذكره البيروني، أو كتاب زندأفستا، أو أي كتاب، أو أي مصدر، كيف ينقله محمد علوي مالكي؟
      السؤال هنا للمالكي: كيف تنقل هذا النصَّ وتقرُّه؟
      وأين هم هؤلاء الذين يعبدون الله لا خوفاً مِن النَّار، ولا حبًّا في الجنَّة؟
      هؤلاء أفضل مِن أنبياء الله الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ))[الأنبياء:90] والأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- تعوَّذوا مِن البلاء، ومتى امتحن الله تعالى الخلقَ بعددِ أنفاسهم مِن البلاء ما لا تصبر له الجبال الرواسي؟
      وهؤلاء هم -فقط- مَن يحبُّون الله؟
      وقد بيَّن الله تعالى لنا طريق محبتِه أعظمَ البيان، فقال الله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ))[المائدة:54]، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ))[آل عمران:31].
      فذكر أنَّهم يجاهدون في سبيل الله، وأنَّهم يتَّبعون رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هؤلاء هم الذين يحبُّون الله.
    2. التلاعب بالأدعية المشروعة

      وننتقل إلى نصٍّ آخر، يقول محمد علوي مالكي صفحة [135] -في هذا الكتاب المختار- نقلاً من كلام علي بن موفق قال: '' اللهمَّ إن كنتَ تعلم أنِّي أعبدك خوفاً مِن نارك فعذِّبني بها! وإن كنتَ تعلم أنِّي أعبدك حبّاً لجنتك فاحرمني منها! وإن كنتَ تعلم أنِّي إنما أحبُّك حبّاً منِّي لك، وشوقاً إلى وجهك الكريم: فأبِحْنيه، واصنع بي ما شئت!! ''
      هذا كلام عجيب! يجعل أدعية النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم الكثيرة في الاستعاذة مِن النَّار، وما أمرنا به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن نقوله في القرآن: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))[البقرة:201]، ودعاء الذين ذكرهم الله تعالى في آخر سورة آل عمران [.. فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))[آل عمران:191]، هذه الآيات كلها باطل! ولهو! ولعب عند الصوفية! والصحيح، والدين الحق -عندهم-: هو المحبة المطلقة، أو ما يسمونه: العشق المطلق، يعني: كلمة ثيوصوفية، عِشق الله عِشقاً مطلقاً، محبة مطلقة، هذه هي التي كانت عند الهنود، وهذه التي ينقلها محمد علوي مالكي وجماعته، ويقولون: إنَّهم لا يشتهون الجنَّة، وإنَّهم زهَّاد في الدنيا، ومع ذلك ينقل هو -المالكي- في صفحة [129] من كتابه عن بشر الحافي، '' أنَّه اشتهى الشواء أربعين سنةً!! ''
      أقول: فكيف يجمع المالكي بين نقله عن هؤلاء الذين لا يشتهون الجنَّة، وبين نقله عن بشر، وعن -أيضاً- رجلٍ يُدعى إسماعيل الدويري أنَّه اشتهى حلوى كذا سنين.
      فهذا التناقض كيف يوفِّق بينه هذا الرجل؟
      بأنَّ بشراً الحافي رحمه الله مِن أمثلهم، وأفضلهم، بل هو ليس صوفياً، إنَّما رجلٌ، فاضلٌ، عابدٌ.
      والإمام أحمد رحمه الله إنما أخذ على بشر أنه لم يتزوج، وهذا مأخذ شرعي، رحم الله الإمام أحمد في ذلك، فهو يثبت لـبشر الحافي التعبُّد، والزهد، والورع، ولكنَّه انتقده؛ لأنَّه لم يتزوج: فقد عدَّه الإمام أحمد مخالفاً للسنَّة في هذا.
      ونعود إلى كلام المالكي نستعرض ما في هذا الكتاب الذي سمَّاه كما قلنا المختار من كلام الأخيار، والأخيار عند الصوفية هم البهاليل، أو المجانين، أو المجاذيب منهم!!
    3. الكرامات عند الصوفية

      يقول أيضاً عن إبراهيم بن سعد العلوي ''مِن كراماته: معرفة ما في الخاطر، والمشي على الماء، وحرَّك شفتيه فخرجت الحيتان مِن البحر مدَّ البصر رافعةً رءوسها، فاتحةً أفواهها'' إلى آخره.
      يعني: أن إبراهيم كان يعرف ما في الخاطر، وكان يستطيع أن يمشى على الماء، وكان يجمع الحيتان مدَّ البصر بحركة مِن شفتيه!!
      مثل هذه الكرامات -علم الغيب- تربطنا بقضيةٍ كبيرةٍ جداً تعرَّض لها هؤلاء الخرافيُّون الأربعة -وهم: الرفاعي، والبحريني، والمغربييْن- وهيَ قضية: أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب! ودافعوا عن علوي مالكي في ذلك.
      ومن المعلوم أن الصوفية حينما يدَّعون أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب، ويُكثرون من الكلام على معجزات النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يريدون أن يثبتوا بذلك الكرامات للأولياء؛ لأنَّهم يقولون: [ كل ما ثبت للنَّبيِّ معجزة، فهو للولي كرامة ] فإذا أيقنتَ، وآمنتَ أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب: فيجب عليك -تبعاً- أنْ تعتقد، وتؤمن بأنَّ الأولياء يعلمون الغيب أيضاً؛ لأنَّ هذه للنَّبيِّ معجزة، وهذه للوليِّ كرامة، والفرق بينهما: أنَّ النَّبيّ يدَّعي النُّبوة، والوليُّ لا يدعيها، وأما ظاهر أو صورة الخارق للعادة فهي صورة واحدة، وهذا سيأتي له بسط إن شاء الله فيما بعد.
      المقصود: أنَّ هذا الرجل ينقل هذا الهراء، وهذه الخرافات، ويسميها كرامات!
    4. الزهد في طلب الجنة

      ونستمر معه وهو يتكلم عن النوري ويقول: '' سئل النوري عن الرضا، فقال: عن وجدي تسألون؟
      أم عن وجُد الخَلق؟
      فقيل: عن وجدك، فقال: لو كنتُ في الدرك الأسفل مِن النَّار لكنتُ أرضى ممن هو في الفردوس!! '' نسأل الله العافية.
      معنى كلامه هذا: أن الله عز وجل لو وضعه في الدرك الأسفل مِن النَّار سيكون أرضى عن الله تعالى، وعمَّا هو فيه ممن هو في الفردوس!! لماذا هذا الرضا؟
      يَظنون أنَّهم بهذا يرتفعون عن درجة العامَّة، هم خاصة الله، أهل الرضا، محبتهم بلغت بهم إلى هذا الحد مِن محبة الله بزعمهم، أمَّا العامَّة، ومنهم -في نظرهم والعياذ بالله-: الأنبياء فهؤلاء يخافون مِن النَّار، ولا يرضون بها، فهم بزعمهم أعلى درجةً مِن الأنبياء! وحصلت لهم أحداث تدل على كذبهم في ذلك؛ فإنَّ سامون، وقيل: إنَّه رويم لما أراد أن يَمتحن محبته، فصنع بيتاً من الشعر فقال:
      لم يــبق لي في سـواك بد            فكيفما شئتَ فامتحنيِّ
      فامتحنه الله بعسر البول، فحبس بوله عن الخروج، فكان يصرخ في الطريق، وينادي الصبيان، ويقول: احثو التراب على عمِّكم المجنون، أو انظروا إلى عمكم المجنون.
      هذه بعض الأمثال -نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العافية- ولا ندَّعي كما يدَّعي هؤلاء الزنادقة -وهم فعلاً زنادقة- أنهم يعتقدون عبادة الله عز وجل بالحب وحده، وكما نعلم أن السلف جميعاً قالوا: '' مَن عَبَد الله بالخوف وحده فهو: حروري - يعني: مِن الخوارج - ومَن عَبَد الله بالحبِّ وحده فهو: زنديق، ومَن عبده بالرجاء وحده فهو: مرجئ، ومَن عبده بالخوف والرجاء والحب فهو: السنيِّ ''.
      فمن عبده بالحب وحده فهو زنديق، وهذا يتفق مع ما ذكره المؤلِّفون في الفرق وهم: الإمام خشيش، والأشعري، والرازي، والسكسكي هؤلاء كلهم أئمَّة فرَقٍ وذكرنا النُّقول عنهم في أنَّ هؤلاء زنادقة، فهذه العبارة أيضاً تتفق مع ذلك، فما كان المدَّعون للحبِّ المجرد عند السلف إلا زنادقة؛ لأنَّهم يُبطنون، ويخرجون جزءاً مهمّاً جدّاً مِن أعمال القلوب وهي من أنواع العبادات العظمى، وهي: عبودية الرجاء، وعبودية الخوف، فيسقطونها بالحب.
      والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قلنا- ذكر عن أنبيائه أنَّهم يسألونه الجنَّة، ويستعيذون به من النَّار، وإمام الموحدين إبراهيم عليه السلام يقول كما في سورة الشعراء: ((وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ))[الشعراء:85].
      فكيف يدَّعي هؤلاء أنَّهم أعظم مِن خليل الرحمن سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأعلى درجةً منه، بل وبلغ بهم الاستخفاف أنَّهم نقلوا - كما في طبقات الشعراني- أنَّ رابعة العدوية قالت لما قرئ عندها قول الله تبارك وتعالى: ((وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ))[الواقعة:20-21]، '' يَعدوننا بالفاكهة والطير كأنَّنا أطفال!! '' نعوذ بالله مِن الاستخفاف، وسواء صحَّ عنها أنَّها قالت ذلك أو لم يصح، فالمهمُّ أن مَن نقل هذا الكلام فهو مقر بهذا الاستخفاف بنعيم الله عز وجل وبجنته.
      فالتناقض -كما قلنا- أنَّهم ينقلون مثل هذا الكلام؛ مع نقلهم أنَّ فلاناً اشتهى الشواء أربعين سنَة، وهذا اشتهى الحلوى كذا سنة!!
      ماذا يريد هؤلاء الزنادقة مِن مثل هذه الأمور؟
      لا شك أنهم يريدون إسقاط التعبدات، وبعد أنْ نستكمل قراءة كتاب المالكي، هذا الكتاب -كما قلنا- لم يطلع عليه بعض النَّاس، أو ربما رأوه ولكنهم لم ينتبهوا لما فيه، ولم يردَّ عليه أحدٌ، ونحن نقول لهؤلاء الخرافيين الذين يدافعون عن الذخائر: انظروا أيضاً إلى هذا الكتاب، واجمعوا فكر الرجل مِن جميع جوانبه، ثم انظروا أيضاً ما هي صلته بالإسلام، أو بـالتصوف الذي هو الدين القديم.
    5. الرياء الكاذب

      يقول المالكي '' قال رويم: مكثتُ عشرين سَنَة لا يعرِض في سرِّي ذكر الأكل حتى يحضر ''
      أي: أن مِن زهده أنه لا يعرض له في خاطره ذكر الأكل إلا إذا حضر أمامه.
      ونحن نقول:
      أولاً: هذا أمرٌ لم يتعبدنا الله عز وجل به، والله عز وجل ذكر الطعام في القرآن، وإن كان يخطر ببالِ كلِّ إنسان، وورَدَ ذكره في أحاديث كثيرة -وليس هنا المجال لحصرها- وليس هناك ما يعيب الإنسان أن يتذكر الطعام، أو غيره.
      وأيضاً: ليس هناك ما يرفع درجته بأنَّه لا يتذكر الطعام؛ لأنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لم يتعبدنا بهذا، ثمَّ هذا عملٌ وأمرٌ لو حصل لأحدٍ فهو أمرٌ خفيٌّ؛ لأنَّ الخواطر في القلب، فلماذا يظهرُها ويخبر النَّاس بها؛ إلا وهم - والعياذ بالله - يحرصون على أن يشتهروا، أو يُعرفوا.
      فهذا العمل الذي لم يفعله الصحابة رضي الله عنهم، ولم يفتخر به الأنبياء، يأتي مثل هذا الرجل فيذكرونه في الرياء الكاذب، هذا هو الرياء الكاذب حقّاً.
      ومن الرياء الكاذب أيضاً ما ينقله المالكي عن بعضهم أنَّه قال: '' منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمةٍ أحتاج أن أعتذر منها ''.
      وينقل في صفحة أخرى عن آخر قوله: '' منذ عشرين سنة ما مددتُ رجلي في الخلوة، فإنَّ حسن الأدب مع الله تعالى أولى ''.
      و بعد هذا الكلام قد تقولون: هذه فرعيَّات! نعم، لكن نربطها بمنهج الرجل.
      يعلِّق المالكي على هذا القول الأخير، يقول: '' فإنَّ قيل: فقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمدُّ رجلَه في الخلوة، وكان أحسن العالمين أدباً؟
      قلنا - أي: المالكي -: شأن أهل المعرفة أبسط وأوسع من شأن أهل العبادة، ولكن لا إنكار عليهم في تضييقهم على أنفسهم؛ لأنَّ ذلك مقتضى أحوالهم ''.
      لاحظِ العبارة "شأن أهل المعرفة أبسط وأوسع من شأن أهل العبادة"، يعني: النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن أهل المعرفة؛ فشأنه أبسط، وأوسع مِن أهل العبادة، فيمدُّ رجله لكنَّ أهل العبادة لا إنكار عليهم في تضييقهم على أنفسهم؛ لأنّ ذلك مقتضى أحوالهم!!
      هذه الحال، وقضية الحال عند الصوفية، وأنَّ الولي يسلَّم له حاله، ولا يعترض عليه، هذه جعلوها طاغوتاً، وركَّبوا عليها مِن القضايا البدعيَّة والشركيَّة الشيءَ الكثير جدّاً، فكون هذا صاحب حالٍ: لا يعترض على حاله؛ لأنَّه صاحب عبادة، وهذا صاحب معرفة! وهذا مِنَ العوام، وهذا مِن الخاصَّة! والحال يسلَّم للخاصة! وفرقٌ بين هذا الرجل وبين غيره، فما كان حلالاً في حقِّ هذا، فهو حرامٌ في حقِّ الآخر، وما كان حسنُ أدبٍ مع هذا، فهو سوء أدبٍ مع الآخر!!
    6. التقنينات المالكية

      ثم ينتقل المالكي في صفحة بعدها يقول: '' إنَّ الشبلي -وهو مِن أئمَّتهم- لا نعلم له مسنداً سوى حديثٍ واحدٍ عن أبي سعيد رضيَ الله تعالى عنه، قال: { قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـبلال القَ اللهَ عزَّ وجلَّ فقيراً، ولا تلْقَهُ غَنِيّاً، قال: يا رسولَ الله! كيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك، وإلا فالنَّار }'' .
      يقول المالكي: '' إن قيل: كيف تجب النَّار بارتكاب أمرٍ مباحٍ في الشرع؟
      قلنا: حال بلال وطبقته مِن الفقراء تقتضي ألاَّ يدَّخروا! فمتى خالفوا مقتضى حالتهم استوجبوا العقوبة على الكذب في دعوى الحال، لا على كسبهم وادِّخارهم الحلال! ''
      إذاً: هنا قضيَّة تشريعيَّة مهمَّة، هنا مناط تكليف، ومناط تشريع يختلف، ليس المناط أو متعلق التكليف هو أنَّه مسلمٌ، عاقلٌ، بالغٌ، حرٌّ، لا، هناك مناط آخر وضعته الصوفية، وهو: هل هو صاحب حال، أو صاحب عبادة مِن العامة؟
      إنْ كان مِن أهل الشريعة، أو من أهل العبادة، أو مِن العامة، فهذا في حقِّه الأشياء حلال، لكن إن كـان مِـن أصحاب الأحوال، فهذا حتى مجرد جمع المال، عليه حرام، فإمَّا أن يلقى الله عز وجل فقيراً، وإلاَّ فليدخل النَّار، كما وضعوا هذا الحديث المكذوب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقول -كما يقول المالكي-: ''متى خالفوا مقتضى حالهم: استوجبوا العقوبة على الكذب في دعوى الحال، لا على كسبهم'' !!
      أي: أن بلال رضيَ الله عنه وأرضاه لو جمع مالاً حتى صار غنيّاً، فإنه يدخل النَّار ويعذب لا على أنَّ المال الذي جمعه حرام -هو حلال نعم- لكن على أنَّه مخالف للحال! كيف يدَّعي حالاً ولا يوافقها؟!
      فأية دعوى التي ادعاها بلال؟ وأية حال؟
      هذه هي المشكلة؛ أن القوم يضعون تشريعات، وتقنينات أصلها مأخوذ من أولئك الزنادقة.
      ويأتي إلى موضع آخر من نفس الكتاب لينقل عن رجل يقال له أبو أحمد المغازلي، يقول: ''خطر على قلبي ذكرٌ مِن الأذكار، فقلت: إن كان ذِكرٌ يُمشى به على الماء فهو هذا، فوضعتُ قدمي على الماء فثبتت، ثم رفعتُ قدمي الأخرى لأضعها على الماء فخطر على قلبي كيفية ثبوت الأقدام على الماء فغاصتا جميعاً!!''
      أرأيتم هذا الذكر خطرَ على قلبه، لا هو مِن صحيح البخاري، ولا هو مِن المواهب اللدنية التي يرجع إليها هؤلاء الخرافيُّون، ولا من السيوطي، ولا مِن ابن عساكر، ولا مِن الحلية، إنَما خطر على قلبه!
    7. العلم اللدني

      وهنا نقف عند قضية خطيرة في منهج التصوف، والتي أشرنا إليها، وهي قضية التلقِّي - العلم اللدنِّي- المباشر عن الله.
      هم يقولون: حدَّثني قلبي عن ربِّى، ويقولون: أنتم -أي: أهل السنة والجماعة- تأخذون علمَكم ميِّتاً عن ميِّت - حدثنا فلان عن فلان عن فلان، كله ميِّت عن ميِّت - ونحن نأخذ علمَنا عن الحيِّ الذي لا يموت!!
      وأنا أقول: إنَّ الحيَّ الذي لا يموت إلى يوم يبعثون كما أنبأ الله تعالى هو إبليس، ولاشك أنَّ الصوفية يأخذون هذه الوسوسات مِن إبليس؛ وإلا كيف يخطر على قلب هذا الرجل ذِكرٌ مِن الأذكار؟ ما هو هذا الذِّكر؟ ما مدى مشروعيته وما مدى صحته؟ لا ندري!! فيقول في نفسه: إن كان ذِكراً يمشى به على الماء فهو هذا، ثمَّ يضع قدمه على الماء، ثم يمشي على الماء.
      انظروا هذه الخرافات، يَنقلها هذا الرجل، ويقرُّها، وأنا لا أقصد أن هذه الخرافات في ذاتها فقط مجرد خرافة، إنَّما أقصد أن نربطها بمنهج الرجل - منهجه في التلقي - وهو الاستمداد مِن العلم المتلقَّى اللدنِّي، أو الاستمداد مِن المنامات والأحلام كما يأتي أيضاً بعض إيضاح لذلك.
    8. طريق من ذهب وأخرى من فضة

      ثم ينقل -مِن جملة ما ينقل- عن إبراهيم الخواص، يقول: '' إنَّ الخواص قال: سلكتُ البادية إلى مكة سبعة عشر طريقاً، منها: طريقٌ مِن ذهب! وطريقٌ مِن فضَّة! ''
      ثم يقول علوي مالكي: '' فإنْ قيل: وهل في الأرض طرقٌ هكذا؟، قلنا: لا؛ ولكن هذا مِن جهة كرامات الأولياء! ''.
      مَن مِن الناس يفهم هذا الكلام أو يتخيله في عقله؟ لكن أنتم مخطئون إذا استخدمتم العقل؛ لأنَّ الصوفية لا تؤمن بالعقل أصلا، بل ولا بالنقل، الصوفية تؤمن بالكشف، وبالذوق، فأنتم ما ذقتم- ولا أنا - شيئاً، ما تذوقنا أنَّنا نمشي في البادية إلى مكة سبعة عشر طريقاً، منها طريقٌ مِن ذهب، وطريقٌ مِن فضة، إذا قلنا مشينا إلى مكة فما رأينا شيئاً، قالوا: أنتم لستم أصحاب أحوال، أنتم مِن العامَّة، أصحاب شريعة؛ لكننا نحن أصحاب حقيقة! نرى هذه الطرق، فهذه مِن كرامات الأولياء.
      هكذا ينقل محمَّد علوي مالكي، يستشكل، ثمَّ يأتي بالجواب الذي يعتقد أنَّه جوابٌ مفحِمٌ مُسكتٌ.
    9. التوكل والتواكل

      وينقل المالكي عن أخت داود الطائي، أنَّها قالت له -وهذا يذكرنا بما يفعله عُبَّاد الهنود، كما ذَكَر البيروني وغيره مما هو معروفٌ عنهم الآن مِن تعاليم النفس-: ''لو تنحيتَ مِن الشمس إلى الظلِّ'' أي: تقول: انتقل مِن الشمس إلى الظل - فقال: هذه خطىً لا أدرى كيف تُكتب.
      الصوفية يؤمنون بالجبريَّة المطلقة - سلبية المطلقة - التوكل عندهم هو تواكل، يذهب يجلس في البادية بدون أي زاد ويقول: إني متوكِّل على الله! يجلس في المسجد، وتُعطى له الزكاة، وتعطى له الصدقات، والهبات ويقول: أنا متوكِّل على الله.
      تقول له أخته: قم مِن الشمس إلى الظل، فيقول: خطىً، لا أدرى كيف تكتب.
      لو قمتَ وقلت: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ))[التكوير:29]، فالله عز وجل قال لنا هذا، وأمَرَنا أنْ نتخِّذ الأسباب.
      فمن مثل هذه الأشياء ينقلها المالكي، ويعتبرها هي درر كلام الأخيار ومِن أفضله.
    10. رؤية الله عند المالكي

      ننتقل إلى موضوع آخر ينقل عن أبي يزيد البسطامي قوله: '' رأيتُ ربَّ العزة في المنام فقلت: "يابارا خدا" '' - بالفارسية -.
      تعتقد الصوفية أنَّهم يروْن الله تعالى في المنام، وكذلك يروْن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليقظة والمنام.
      وبعض تلاميذ علوي مالكي سواءٌ الذين هداهم الله أو غيرهم يقـولون: إنَّهم يمشون في هذا الطريق - أي: الترقِّي - حتى يرَوا الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، وأنَّهم سيستمرُّون على هذا الطريق حتى يرونه يقظةً.
      وهذه مِن العقائد الراسخة عند الصوفية -أغلب طرقهم أوكلها- فمثلا: كتاب التيجانية ذكر أنَّ رؤيتهم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن عقائد التيجانية، وموضَّح فيه، وكذلك طبقات الشعراني نقل هذا الكلام عن كثيرٍ منهم، وجامع كرامات الأولياء -أيضاً- نقل هذا، وكثيرٌ ممن لا أستطيع أنْ اسمِّيَهم الآن ذكروا أنهم رأو النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأنه أمرهم بكذا! ونهاهم عن كذا! وكلُّ هذا مِن البدع، ومِن الضلالات التي زيَّنها الشيطان لهم.
      فـالمالكي ينقل عن أبي يزيد البسطامي يقول: '' إنَّه رأى ربَّ العزَّة في المنام ''.
      وقول هؤلاء: إنَّهم يرَوْن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أشنع منه: مَن يدَّعي رؤية الله تبارك وتعالى.
      لكن تجد عند الصوفية المتأخرين أن قضية رؤية الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في الدنيا قد خفت نوعاً ما؛ لأنَّ الاستنكار عليهم ربما كثُر، ولسببٍ آخر مهمٍّ وهو: ازدياد علاقة التصوف بالتشيع، فكلَّما غلا أولئك في علي -رضي الله عنه- غلا هؤلاء في الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّ الهدف واحدٌ.
    11. الخرقة عند الصوفية

      ننتقل الآن إلى قضيَّة مهمَّة عند الصوفية وهي قضية أنَّ أعلى سند عند الصوفية ينتهي إلى علي رضي الله عنه، يقولون: إنَّ علياً أخذ الخِرقة مِن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!
      فهذه الخرقة يتناقلونها يداً عن يدٍ إلى علي رضيَ الله عنه، ويتعلق الصوفية بـعلي رضي الله عنه تعلُّقاً شديداً يشبه تعلُّقَ الرافضة.
      وبهذا تظهر لنا الصلة الوثيقة بين دين الشيعة الذي أسَّسه عبد الله بن سبأ وبين التصوف، فتأليه البشر، أو الحلول والاتحاد -الذي ادَّعاه عبد الله بن سبأ موجودٌ لدى الطائفيين جميعاً، وأصله -كما نعلم- مِن اليهود؛ لأنَّ عبد الله بن سبأ يهوديٌّ؛ فأصلُ هذا الحلول مِن اليهود، واليهودي بولس شاؤل هو الذي أوجد هذا الحلول في دين النَّصارى، وقال: إن الله -جلَّ وتعالى عن ذلك- حلَّ في عيسي عليه السلام، فهو مبدأ يهودي أدخله اليهود في هذه الأديان.
      الحاصل: أَّننا نجد أنَّه في القرن الخامس اجتمعت الضلالات والبدع، ونجد أنَّ نهاية سند الخرقة الصوفية، ومبدأ العلم اللدنِّي، والحقيقة -التي يدَّعونها- علم الباطن ينتهي إلى علي رضي الله عنه.
      وكذلك المعتزلة تدعي أن سندهم ينتهي إلى علي رضي الله عنه وأنَّه أولُّهم، ففي كتاب طبقات المعتزلة وكتاب المنية والأمل وأمثاله يجعلون أولَّهم علي رضي الله عنه، فأوَّل المتكلمين هو علي رضي الله عنه.
      وكذلك -أيضاً- بالنِّسبة للشيعة؛ فمن المعروف أنَّهم يجعلون علياً -رضي الله عنه- أول الأئمَّة الإثنى عشرية. وكذلك الفرق الباطنية يدعون أن علياً -رضي الله عنه- هو الدور السابع مِن أدوار الباطنية، أو الإسماعيلية، على اختلاف فِرَقِهم في ذلك.
      إذاً هناك خطط ومؤامرات، وجدوا أنَّ نجاح هذا الهدف، وتحقيق هدم الإسلام يمكن أن يكون عن طريق تدفق العواطف لحب علي رضي الله عنه.
      والصوفية لما رأوا كراهية عامة المسلمين للتشييع والرفض؛ لجئوا إلى الطريق الأخبث، وهو الغلو في محبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلُّ ذلك بإيحاءٍ مِن الشيطان، فغلا هؤلاء في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََم غلُوّاً خرجوا به في كثيرٍ مِن الأمور عن حدِّ الإسلام، وهذا يدلُّ على أنَّ هناك تخطيطاً وتعاوناً ماكراً هدفه هدم الإسلام، واجتثاث هذا الدين من أساسه، والقضاء على عقيدة أهل السنة والجماعة بالتلاعب بعواطف العامة بالنسبة لحبِّ علي رضي الله عنه، أو حب النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    12. العلم الباطن

      ولو أردنا أن نأخذ بعضَ الأدلَّة مِن كلام الصوفية على ذلك، فلننظر مثلاً إلى ما كتبه أبو حامد الغزاليالغزالي كما هو معروف مِن أئمَّة التصوف الكبار- يقول: '' قال علي رضي الله عنه -وهو يتحدث عن العلم اللدني-: إنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أخبر عن الخضر فقال: ((وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً))[الكهف:65] وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-: أدخلتُ لساني في فمي، ففتح في قلبي ألف بابٍ مِن العلم، مع كلِّ بابٍ ألفُ باب!!
      وقال: لو وُضعت لي وسادة، وجلستُ عليها، لحكمتُ لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم!! ''.
      يقول الغزالي : ''وهذه مرتبة لا تُنال بمجرد التعلم الإنساني، بل يتحلى المرء بهذه المرتبة بقوة العلم اللدني... '' وقال أيضاً: '' : ''يُحكى في عهد موسى عليه السلام بأنَّ شرح كتابه أربعون حِملاً، فلو يأذن الله بشرح معاني الفاتحة: لأشرع فيها حتى تبلغ مثل ذلك يعني: أربعين وِقرا!!
      وهذه الكثرة والسعة والانفتاح في العلم: لا يكون إلا لدُّنيّاً، إلهيّاً، ثانوياً '' ''. انتهى كلام الغزالي.
      إذا نظرنا إلى هذه العبر؟ هل يمكن أنْ يقول علي رضي الله عنه هذا الكلام؟ ما معنى: "أدخلتُ لساني في فمي"؟ وأين كان اللسان؟ وانظر إلى ركاكة العبارة، وصياغتها، ثم كيف يحكم علي رضي الله عنه لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم! والله عز وجل قد نسخ هذه الكتب، ونسخ هذه الشرائع؟ وكيف عرف علي رضي الله عنه ذلك، ونحن عندنا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد وغيرهم، والأئمَّة في مواضع كثيرة {أنَّ أحد أصحاب علي رضي الله عنه - وهو أبو جحيفة - قال له: يا أمير المؤمنين! هل خصَّكم رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيءٍ مِن العلم؟ فقال علي رضي الله عنه: لا والذي فلق الحبَّة، وبرأ النسمة، ما خصَّنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيءٍ مِن العلم؛ إلا ما في هذه الصحيفة، أو فهماً يؤتاه المرء من كتاب الله عز وجل، فأخرج الصحيفة، فإذا مكتوب فيها: العقل - أي: الديات - وفكاك الأسير، وأن لا يُقتل مسلمٌ بكافر -وفي بعضها-: أنَّ المدينة حَرامٌ }.
      فهي وثيقة كتبها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: إنَّها مِن الوثائق التي كتبها في معاهدات الصلح، احتفظ بها علي رضي الله عنه.
      المهمُّ من ذلك أن علياً رضي الله عنه يُقسِم أنَّ ذلك لم يكن، وهذا دليل على أنَّ الدعوة قديمة قيلت في عهده -رضي الله عنه- وأنَّ عبد الله بن سبأ، والزنادقة الذين كانوا معه مِن اليهود وأمثالهم هم الذين ابتدعوها.
      وننظر إلى كتاب طي السجل -وهو أحد مراجع الرفاعي في ردِّه على الشيخ ابن منيع- في صفحة [322] يقول: '' يُروى أنَّ الإمام جعفر الصادق أخذ علم الباطن عن جده لأمِّه الإمام القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم أجمعين- وهو -أي: أبو بكر رضي الله عنه- أخذ -أي: العلم الباطن- عن سيِّدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه! وهو -أي: سلمان- أخذ عن سيِّد المرسلين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!
      لكن يقول بعد ذلك: وقد صحَّ أنَّ سلمان تلقَّى علم الباطن عن أمير المؤمنين علي، وهو ابن عمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا فرق إذ الكلُّ راجع إليه صلوات الله عليه وسلامه ''.
      نقول: ما هو هذا العلم الباطن الذي أخذوه؟ وأين يوجد؟ ولماذا وُضع سلمان بالذات؟
      انظر كيف أنَّ الباطنية تضع سلمان هنا؟! لأنَّ أصل هذه الفكرة، سواءً التصوف، أو الباطنية، أو الزنادقة: جاءت مِن الأفكار المجوسيَّة، والوثنيَّة، والهندية، وغيرها.
      والرجل الأعجمي الذي كان في عهد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تلك الديار: هو سلمان رضي الله عنه.
      فإذاً فليُجعل هذا هو التُّكئة، وجُعل سلمان عند بعض طرق الباطنية هو الباب أو الحجاب، أو الإمام مستور!! وعند الشيعة هو -أي: سلمان- رضي الله عنه مع أبي ذر، والمقداد، وعلي -هؤلاء الأربعة- هم الوحيدون المسلمون مِن الصحابة!! وإن كان بعضهم يصلهم إلى أكثر مِن هؤلاء الأربعة فيضيف عمَّاراً، وأمثاله.
      المهمُّ: أن سلمان يعتبر مِن المعدودين الذين ثبتوا على الإسلام عند هؤلاء، ولم يرتدوا، والسبب في ذلك: أن الفكرة التي تهيئ نفسها فكرة يهوديَّة، مجوسيَّة؛ نشأت في بلاد المجوس، وانتشرت عن طريقهم، فيوضع سلمان -رضي الله عنه- في السند، وأنَّه تلَّقى علم الباطن.
      والعلم الباطن هو الذي نجده في كلام الصوفية في تفسيرهم الذي يسمونه "التفسير الإشاري"، وفي إشاراتهم، وفي أقوالهم، وفي كتبهم، هذا العلم الباطن الذي هو تعبيرٌ آخر عن ما يسمَّى بالعلم اللدني، أو علم الحقيقة، ليس هو العلم الذي بين أيدينا، ليس هو البخاري، ولا مسند الإمام أحمد، ولا كتب الفقه المعروفة أبداً.
      ولذلك قلتُ: إنَّ معرفتنا بمنهج المتصوفة أهمُّ مِن الردِّ التفصيلي عليهم؛ بأنَّ نقول لهم: هذا الحديث الذي استشهدتم به ضعيف، أو صحيح، أو غير ذلك، بل نقول لهم: ليس مِن منهجكم العلمي أنْ ترجعوا إلى كتب السنَّة، ولا إلى غيرها حتى تردُّوا علينا "بأنَّكم ضعفتم حديثاً، ونحن نصححه"، والخلاف يسير، ولا داعي للتكفير.
      نقول: لا، أنتم مرجعكم إلى الكشف، وإلى الحال، وإلى الذوق، وإلى الوجد، وليس مرجعكم نصوص الوحي، فهذا العلم اللدني الذي تتلقونه عن طريق الكشف، أو العلم الباطن، نحن نبدأ الجدال، والنقاش بيننا وبينكم من هذه النقطة؛ نقول لكم: إمَّا أنْ تعودوا إلى الشريعة، وإمَّا أن تُصروا على أنَّ ما أنتم عليه هو الحقيقة، وهو العلم الباطن، فتأخذون حكم الباطنية، وحكم الملاحدة الذين يدَّعون ذلك.
    13. قصة منامية لأحد أئمة الطائفة الرفاعية

      وبمناسبة ادعائهم رؤية النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام -كما سبق- وأيضاً بمناسبة العلم اللدنِّي؛ أنقل قصة عن أحد أئمَّة الرفاعية، ومشايخها الكبار، الذين أخذوا عن أحمد الرفاعي مؤسس هذه الطريقة، كما أوردها صاحب كتاب طي السجل، نقرأ قصة إلباس الخرقة للشيخ علي الأحور، كما نقلها هذا الرجل، يقول مؤلف كتاب طي السجل: '' وهنا نذكر تيمُّناً قصة إلباس الخرقة للشيخ الجليل علي الأحور شيخ السيد علي الأهدل، مِن يد حضرة القطب الأعظم السيد الكبير أحمد الرفاعي رضي الله عنه، بأمر النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الإمام العلامة أبو بكر الأنَّصاري في عقود اللآلئ حين ترجم للعارف الأحور ما نصه:
      شيخ الشيوخ، الإمام العارف بالله، الشيخ علي الأحور بن أحمد -.. الخ النسب- أخذ في بداية أمره عن الشيخ العارف بالله عبد القادر الجيلي -يعني: الجيلاني- قدس الله سرَّه، رأى بـ " أسعر " من بلاد الجزيرة سنة ستين وخمسمائة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: يا رسول الله دلني على أحب مشايخ الوقت إليك، وأحبهم طريقة عندك لأتمسك به؟ قال عليه الصلاة والسلام: يا علي أحب مشايخ الوقت إليَّ، وأرضاهم عندي طريقة: طريقة ولدي السيد أحمد الرفاعي صاحب أم عبيدةأم عبيدة بلدة في جنوب العراق في البطائح التي كان يعيش فيها الرفاعي- قلت: يا رسول الله وكذلك هو -يعنى: هو أفضل المشايخ- قال: وكذلك هو، رغماً على أنفك وضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، قال الأحور: فانتبهت خائفاً، مرعوباً، وقمت على قدم الإخلاص راجعاً أكر إلى أم عبيدة، فلما دخلتُ على سيدي إمام القوم، تاج الطائفة، السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، وطلبتُ منه الخرقة؛ فقال لي: أنا وأخي عبد القادر والفقراء كلهم واحد فالزم شيخك!!! ''.
      أيها الإخوة: انظروا إلى تقسيمات الصوفية، هؤلاء هم الذين يفرقون الأمَّة، هذا يتبع هذا الشيخ، وهذا يتبع هذا، ولا يجوز لهذا أن يأخذ من هذا، ولا هذا يأخذ من هذا؛ فكأن المسألة شركات، ومساومات، ويحصل بينهم الغضب الشديد على أن طالباً أخذه هذا من هذا!
      فـالرفاعي يقول: '' الزم شيخك، قلت: لي معك خلوة، قال: فليكن، قال: فلما خلوتُ به، قلت: بالله أسألك مَن أرضى المشايخ طريقةً اليوم وأحبهم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال -أي الرفاعي-: مَن يقال ذلك بشأنه على رغم أنفك ''يعني: نفسه.
      يقول: -يعني: أحمد الرفاعي- يدَّعي علم الغيب، ويدَّعي أنه عرف الرؤيا، وأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال لهذا المريد: "على رغم أنفك" -يعني: الرفاعي- فـالرفاعي عنده خبر بهذا الكلام، ولذلك يقول للمريد: أفضلهم مَن قيل في حقه على "رغم أنفك"، يقول هذا المريد الأحور: '' فأغشي عليَّ من هيبته؛ فأجلسني بيديه، وتواضع لي كل التواضع، وقال: يا مبارك أنت لا تعرف الملاطفة، طيب خاطرك! قلت: لا برحتُ إلا بخرقتك، قال: لا جعلني الله ممن يفرق بين الفقراء، ويفضل نفسه عليهم، اصبر هنا برهة يسيرة، ويقضي الله خيراً، قال: فمكثتُ سنَةً كاملةً لا أتجرأ على ذكر شيءٍ مما أنا فيه، وقد جاء شهر ربيع الآخر وفي أول ليلة منه رأيتُ الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا في زاوية من زوايا "الرواق"، فطرحتُ نفسي على قدميه، وقلت: يا رسول الله، في الليل تشرفني برؤيتك بـ"أسعر"، وأنا أنتظر أن يسلكني ولدك السيد أحمد الرفاعي.
      (هذا من رفاعة ويقول: ولدك) على طريقتك المباركة فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: يا علي.. نادى أحمد، فجاء سيدي أحمد الرفاعي خاشعاً متواضعاً، فقبَّل يد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووقف أمامه، وقال عليه الصلاة والسلام: يا ولدي سلِّك الشيخ على طريقتك، وألبسه الخرقة! فقال: روحي لك الفداء يا حبيبي، عليك من ربك أفضل الصلاة والسلام، أنت تعرف أنني لا أحب التفرقة بين فقراء الوقت، وقصْد الجميع أنت بعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -أي يقول: أنا لا أريد أن أعتدي على الشيخ عبد القادر الجيلاني ، كلُّنا واحد، وأنت مقصد الجميع- فقال: كذلك، ولكن أنت شيخ الوقت، شيخ الفقراء كلهم، فافعل ما آمرك به، فقبَّل الأرض بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: السمع والطاعة لك يا رسول الله ''.
      يقول هذا المسمَّى الأحور: '' فانتبهتُ فرحاً مسروراً، فأحسْنت الوضوء، وصليتُ ما تيسَّر، ودخلتُ جامع "الرواق" لأداء صلاة الصبح مع الجماعة، فرآني سيدي قبل دخولي باب المسجد، فأخذ بيدي، وضمَّني إليه، وأجلسني على بارية هناك، وأخذ عليَّ العهد، وألبسني الخرقة، وقال: هذه لك مِن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالبسْها مباركةً إن شاء الله تعالى '' معنى هذا: أن الرفاعي يعلم الغيب، عرف الرؤيا، وعرف ما قاله الرسول -بزعمهم-للأحور!!-.
      قال: '' وفي اليوم الثامن من ربيع الآخر توفي الشيخ عبد القادر الجيلاني -رحمه الله- في بغداد '' ... إلى آخره.
      أي: أنه ألْبسه الخرقة، فتوفي عبد القادر -شيخه الأول- فكان أحمد الرفاعي هو الشيخ البديل.
      نقول: هذا نموذج مِن نماذج كثيرة جدّاً نعرف بها ادَّعاؤهم بهذا العلم اللدنِّي، مع تعلقهم بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّعوا أنَّهم يحبونه وما قصدهم، وهدفهم إلا ما ذكرنا.
    14. من أخبار الحلاج

      ننتقل بكم الآن إلى من هو أقدم مِن هؤلاء لنعرف حقيقة سبب غلوهم في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ومن أقدمهم الحلاج، والحلاج قد أُفتِيَ بكفره -ولله الحمد- في محضر كبير من علماء المسلمين، وأقيم عليه الحد، وقتل بتهمة الزندقة بعد أن اعترف بكثيرٍ مِن الكفريات، وأنا الآن أقرأ بعض ماذكر مما يتعلق بموضوع الغلو في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليجد أساسه عند الصوفية.
      للحلاج كتاب اسمه الطواسين -مطبوع- يبتدأ من صفحة 82، من كتاب أخبار الحلاج، وأوَّل الطواسين: هو طاسين السراج، ويقصد بالسراج النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي: السراج المنير يقول:
      ''طاسين، سراج مِن نور الغيب، بدأ وعاد، وجاوز السراج وساد، قمرٌ تجلَّى مِن بين الأقمار، برجه من فلك الأسرار، سمَّاه الحق أمِّياً لجمع همَّته، وحَرَمِيّاً - يعني: نسبة إلى الحرم - لعظم نعمته، ومكيّاً لتمكينه عند قربه، شرَح صدرَه، ورفع قدره، وأوجب أمره، فأظهر بدره، طلع بدره من غمامة اليمامة، وأشرقت شمسه من ناحية تهامة، وأضاء سراجه من معدن الكرامة،... '' إلى أن يقول:
      '' ما أبصره أحد على التحقيق سوى الصديق؛ لأنَّه وافقه ثم رافقه؛ لئلا يبقى بينهما فرق، ما عرفه عارف إلا جهل وصفه ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ))[البقرة:146] أنوار النبوة مِن نوره برزت، وأنوارهم مِن نوره ظهرت، وليس في الأنَّوار نور أنور وأظهر وأقدم من القدم سوى نور صاحب الكرم، همته سبقت الهمم، ووجوده سبق العدم!!! واسمه سبق القلم - أي: قبل أن يخلق القلم - لأنَّه كان قبل الأمم، ما كانت الآفاق وراء الآفاق ودون الآفاق، أظرف، وأشرف، وأعرف، وأرأف، وأخوف، وأعطف من صاحب هذه القضية، وهو سيِّد البرية الذي اسمه أحمد، ونعته أوحد، وأمره أوكد، وذاته أوجد، وصفته أمجد، وهمَّته أفرد، يا عجباً ما أظهرَه، وأنضره، وأكبره، وأشهره، وأنوره، وأقدره، وأظفره، لم يزل، كان مشهوراً قبل الحوادث، والكوائن، والأكوان، ولم يزل، كان مذكوراً قبـل القبـل، وبعد البَعد، والجواهر والألوان، جوهره صفويٌّ، كلامه نبويٌّ، علمه عَلَويٌّ -نسبة إلى علي- عبارته عربيٌّ، قبيلته لا مشرقي، ولا مغربي، جنسه أبويٌّ، رفيه رفويٌّ، صاحبه أميٌّ... '' إلى آخر الكلام الذي ينقله الحلاج، إلى أن يقول:
      '' الحق وبه الحقيقة، هو الأول في الوصلة، وهو الآخر في النبوة، والباطن بالحقيقة، والظاهر بالمعرفة، ما خرج عن ميم محمد، وما دخل في حائه أحد، حاؤه ميم ثانية، والدال ميمٌ، داله دوامه، وميمه محله، وحاؤه حاله، وحاله ميم ثانية ''.
      أقول: هذه الطلاسم التي يذكرونها، هي حساب "الجمَّل"، أو "أبو جاد"، أو "أبجد هوز".
      نستمر في كلام الحلاج لنرى حقيقته، وحقيقة دينه من قوله في طاسين الأزل والالتباس، يقول:
      ''قيل لإبليس: اسجد، ولأحمد انظر، هذا ما سجد، وأحمد ما نظر! ما التفت يميناً ولا شمالاً، ما زاغ البصر، وما طغي''
      انظروا يشبِّه موقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموقف إبليس -والعياذ بالله- وأن إبليس لم يسجد، وأحمد، لم ينظر فالاثنان سواء، فإن قلت: كيف يشابه النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبليس؟ فيقول لك: لا تستغرب، انظر ماذا قال بعد ذلك في صفحة [99] يقول:
      ''تناظرت مع إبليس وفرعون في "الفتوة" - وهي: درجة مِن درجات الصوفية، ومقام من مقاماتهم - فقال -أي: إبليس يقول للحلاج -: إن سجدتُّ سقط عني اسم الفتوة! وقال فرعون: إن آمنتُ برسوله سقطتُّ من منـزلة "الفتوة" -والعياذ بالله- وقلت أنا -أي الحلاج-: إن رجعت عن دعواي، وقولي سقطت من بساط "الفتوة'' ودعواه هي وحدة الوجود.
      يقول: ''وقال إبليس: أنا خير منه حين لم يره غيره خيراً، وقال فرعون: ما علمت لكم من إله غيري حين لم يعرف في قومه من يميِّز بين الحق والباطل''.
      أي: أهل وحدة الوجود يصدِّقون كلام فرعون في قوله "ما علمتُ لكم مِن إله غيري".
      يقول: ''وقلت أنا: إن لم تعرفوه فاعرفوا آثاره، وأنا ذلك الأثر وأنا الحق!!'' الحلاج كان يقول: أنا الحق يعني: أنا الله.
      يقول: ''وأنا ذلك الأثر، وأنا الحق؛ لأنَّي مازلت أبداً بالحق حقّاً، فصاحبي وأستاذي إبليس وفرعون، وإبليس هُدِّد بالنار وما رجع عن دعواه، وفرعون أغرق في اليم وما رجع في دعواه، ولن يضر بالواسطة ألبتة -لن يضر بالوسائط- ولكن قال: "آمنت أنه لا اله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل"، وألم ترَ أنَّ الله قد عرَّض جبريل لشأنه، فقال: لماذا ملأتَ فمه قملاً؟''
      أقول: ما في كتاب الذخائر لـمحمد علوي مالكي أصله مِن مثل كلام الحلاج هذا.
      والحلاج ممن أسَّس لهم الغلو في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل هذا الكلام أحياناً يجعله - والعياذ بالله - كإبليس! وأحياناً يقول: إنه مخلوق قبل الأكوان جميعاً، وقبل أن توجد السموات والأرض، إلى غير ذلك من الكلام، الذي احتج به الرفاعي وصاحباه بأن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مخلوقاً قبل الكائنات.
      أما نبوة النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنها ثابتة قبل خلق السموات والأرض وهذا حق، كما ورد في بعض الأحاديث: {كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد } : فعلى فرض صحة هذه الأحاديث؛ نقول: نعم نبوة النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابته؛ لأنَّ الله عز وجل: {كتب في اللوح المحفوظ كل شيءٍ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة} ، كما في الحديث الصحيح، ومما كُتب أن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيكون نبيّاً وسيبعث، فإثبات النبوة شيء، وإثبات أنه أول من خُلق - كما يقول هؤلاء الخرافيون - شيءٌ آخر.
  4. الاحتفال بالمولد عند الخرافيين

     المرفق    
    ونعود فنؤكد أن وراء غلو الصوفية في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يدَّعونه من المعجزات، وما يضعونه ويفترونه على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى السنَّة، والسيرة من هذه الأكاذيب والمخترعات والخزعبلات، إنما قصدهم بذلك إثبات هذه الأكاذيب والخزعبلات للأولياء بدعوى أنما كان للنَّبيِّ من معجزة فهو للوليِّ كرامة، وهذه دعوى خبيثة.
    ولو نظرنا إلى المولد -أيضاً- لوجدنا اعتناءهم بمولد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي أسـسه العبيديون الزنادقة الباطنية، فهم أول من أسَّـسه.
    لو نظرنا إلى اهتمامهم بالمولد لرأينا أنهم يستمدون منه الاهتمام بموالد أئمتهم، وسادتهم، بل قد يعتقدون أن موالد أئمتهم وسادتهم وأصحاب طرقهم أعظم مِن المولد الذي يقيمونه للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى أن المولد -نفسه- إنما يقيمونه لهذا الغرض، ولو شئتم لقرأتُ عليكم ما نقله كتاب طبقات الشعراني عن مولد البدوي -سيِّدهم- مِن مصر الذي يقال له: أحمد البدوي يقول الشعراني:
    ''قلت: وسبب حضوري مولده كلَّ سنَة أن شيخي العارف بالله تعالىمحمد الشنَّاوي رضي الله عنه أحد أعيان بيته -رحمه الله- قد كان أخذ عليَّ العهد بالقبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه، وسلمني إليه بيده، فخرجت اليدُ الشريفة إلى الضريح! وقبضتْ على يدي، وقال: سيدي يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك، فسمعتُ سيدي أحمد رضي الله عنه مِن القبر يقول: نعم!!''
    أقول: أحمد البدوي توفي قبل الشعراني بحوالي ثلاثمائة سنة! سمعه من القبر يقول: نعم، وأخرج يده، وبايعه.
    يقول: ''ثم إني رأيتُه بـمصر مرة أخرى هو وسيدي عبد العال، وهو يقول: زرنا بـطندتا-وهي: طنطا- ونحن نطبخ لك ملوخية ضيافتك، فسافرت، فأضافني غالب أهله، وجماعة المقام ذلك اليوم كلهم بطبيخ الملوخية''.
    يقول: ''ثم رأيته بعد ذلك وقد أوقفنى على جسر "قحافة" تجاه طندتا، وجدته سوراً محيطاً، وقال: قف هنا، أدخل عليَّ من شئت وامنع من شئت''.
    أقول: الجسر تحول إلى سور عريض ويقول له: أنت هنا، كل مَن يحضر المولد: أدخل من أردت، وامنع مَن أردت مِن حضور المولد.
    يقول: ''ولما دخلتُ بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن، وهي بكر، مكثت خمسة شهور لم أقرب منها، فجاءني وأخذني وهي معي، وفرش لي فرشاً فوق ركن القبة التي على يسار الداخل، وطبخ لي حلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه، وقال: أزل بكارتها هنا!! فكان الأمر تلك الليلة.. '' إلى أن يقول:
    ''وتخلفتُ عن ميعاد حضوري للمولد سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وكان هناك بعض الأولياء فأخبرني أنَّ سيدي أحمد رضي الله عنه كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح، ويقول: أبطأ عبد الوهاب ما جاء - يعني: هو الشعراني فاسمه عبد الوهاب -وأردت التخلف سنَةً من السنين- يعني: عن المولد - فرأيت سيدي أحمد رضي الله عنه ومعه جريدة خضراء وهو يدعو الناس من سائر الأقطار، والنَّاس خلفه، ويمينه، وشماله، أمم وخلائق لا يحصون، فمر عليَّ وأنا بـمصر، فقال: أما تذهب؟
    فقلت: بي وجع، فقال: الوجع لا يمنع المحب، ثم أراني خلقاً كثيراً مِن الأولياء وغيرهم الأحياء والأموات من الشيوخ والزَّمنى، بأكفانهم يمشون، ويزحفون معه يحضرون المولد، ثم أراني جماعة من الأسرى جاءوا من بلاد الإفرنج مقيَّدين، مغلولين، يزحفون على مقاعدهم.
    فقال: انظر إلى هؤلاء في هذا الحال ولا يتخلفون، فقويَ عزمي على الحضور.
    فقلت له: إن شاء الله تعالى نحضر.
    فقال: لابد مِن الترسيم عليك، فرسم عليَّ سبعيْن -يعني: وضعه بحراسة سبعين- عظيمين أسْوَدين كالأفيال، وقال: لا تفارقاه حتى تحضرا به.
    فأخبرتُ بذلك سيدي الشيخ محمد الشنَّاوي -رضي الله عنه- فقال: سائر الأولياء يَدْعون الناس بقصَّادهم - يعني: يوصون من يدعوهم إلى مولده - وسيدي أحمد رضي الله عنه يدعو الناس بنفسه إلى الحضور، ثم قال: إن سيِّدي الشيخ محمد السروي رضي الله تعالى عنه شيخي تخلف سنَةً عن الحضور، فعاتبه سيدي أحمد رضي الله عنه، وقال: موضع يحضر فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معه وأصحابه والأولياء رضي الله عنهم؛ ما يحضره؟
    فخرج الشيخ محمد رضي الله عنه إلى المولد فوجد الناس راجعين، وفات الاجتماع، فكان يلمس ثيابهم، ويمرُّ بها على وجهه!!'' أهـ.
    يقول الشعراني: ''وقد اجتمعتُ مرة أنا وأخى أبو العباس الحرنكي -رحمه الله- بوليٍّ مِن أولياء الهند بـمصر المحروسة.
    فقال رضي الله عنه: ضيِّفوني فإني غريب، وكان معه عشرة أنفس، فصنعتُ لهم فطيراً، وعسلاً فأكل.
    فقلت له: مِن أيِّ البلاد؟ فقال: مِن الهند، فقلت: ما حاجتك في مصر؟
    فقال: حضرْنا مولد سيدي أحمد رضي الله عنه.
    فقلت له: متى خرجتَ مِن الهند؟
    فقال: خرجنا يوم الثلاثاء، فنمنا ليلة الأربعاء عند سيِّد المرسلين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليلة الخميس عند الشيخ عبد القادر رضي الله عنه بـبغداد، وليلة الجمعة عند سيدي أحمد رضي الله عنه بـطندتا، فتعجبْنا مِن ذلك.
    فقال: الدنيا كلها خطوة عند أولياء الله عز وجل، واجتمعنا به يوم السبت انفضاض المولد طلعة الشمس.
    فقلنا لهم: مَن عرَّفكم بـسيدي أحمد رضي الله عنه في بلاد الهند؟ فقالوا: يالله العجب! أطفالنا الصغار لايحلفون إلا ببركة سيدي أحمد رضي الله عنه، وهو من أعظم أيمانهم -انظرو إلى هذا الشرك- وهل أحدٌ يجهل سيدي أحمد رضي الله عنه؟ إن أولياء ما وراء البحر المحيط، وسائر البلاد والجبال يحضرون مولده رضي الله عنه''.
    ثم يقول الشعراني : ''وأخبرنى شيخنا الشيخ محمد الشنَّاوي رضي الله عنه أن شخصاً أنكر حضور مولده فسُلب الإيمان!! فلم يكن فيه شعرة تحنُّ إلى دين الإسلام، فاستغاث بـسيدي أحمد رضي الله عنه، فقال: بشرط أن لا تعود؟ فقال: نعم، فردَّ عليه ثوب إيمانه! ثم قاله له: وماذا تنكر علينا؟ - يعني: في المولد - قال: اختلاط الرجال والنساء، فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه: ذلك واقعٌ في الطواف، -نعم تراهم يختلط الرجال بالنساء في الطواف، ويشبِّه مولده بالطواف- ولم يمنع أحدٌ منه ''.
    ثم قال: ''وعزة ربي ما عصى أحدٌ في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته، وإذا كنتُ أرعى الوحـوش والسمك في البحـار، وأحميـهم مـن بعضهم بعضاً، أفيعجزني الله -عز وجل- عن حماية مَن يحضر مولدي؟''.
    أقول: هذا هو التصرف في الكون، حتى الوحوش يحميها بعضها من بعض، ويحجزها، والسمك في البحار، فيتصرف في هذه الأمور كلها، فكيف لا يتصرف فيمن يحضر مولده؟ هذا هو أحمد البدوي، ماذا تتوقعون أن يقولوا في مولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    إن قالوا أعظم من هذا؛ فهو -والعياذ بالله- الشرك والكفر، وإن قالوا: لا، نحن نفضل مولد البدوي على مولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونعطي البدوي مِن الولاية والاختصاص ما لا نعطي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهي الطامَّة الكبرى وإذاً: هم الذين يحتقرون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يحبونه، وليس أهل السنة والجماعة -كما يزعمون- فليختاروا مِن هذين ما شاءوا.
    يقول: ''وحكى لي شيخنا أيضاً: أن سيِّدي الشيخ أبا الغيث بن كتيلة أحد العلماء بـ"المحلة الكبرى"، وأحد الصالحين بها كان بـمصر، فجاء إلى بولاق، فوجد الناس مهتمين بأمر المولد، والنزول في المراكب، فأنكر ذلك، وقال: هيهات أن يكون اهتمام هؤلاء بزيارة نبيِّهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل اهتمامهم بـأحمد البدوي، فقال له شخص: سيدي أحمد وليٌّ عظيم، فقال: ثَمَّ في هذا المجلس من هو أعلى منه مقاماً، فعزم عليه شخص - أي: عزمه - فأطعمه سمكاً، فدخلتْ شوكةٌ تصلَّبَتْ فلم يقدروا على نزعها بدهن عطاسٍ، ولا بحيلة مِن الحيل، وورِمت رقبتُه حتى صارت كخلية النَّحل تسعة شهورٍ وهو لا يلتذذ بطعام، ولا شراب، ولا منام، وأنساه الله تعالى السبب، فبعد التسعة شهور ذكَّره الله تعالى بالسبب فقال: احملوني إلى قبة سيدي أحمد رضي الله عنه، فأدخلوه، فشرع يقرأ سورة "يس"، فعطس عطسةً شديدةً فخرجت الشوكة مغمسة دماً، فقال: تبتُ إلى الله تعالى يا سيدي أحمد!! وذهب الوجع، والورم من ساعته''.
    أصيب هذا الرجل؛ لأنَّه يقول: إن الناس تهتم بزيارة مولد البدوي أكثر من زيارتهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    ويستمر الشعراني فيقول: ''وَأنكر ابن الشيخ خليفة بناحية "أبيار" بالغربة حضور أهل بلده إلى المولد، فوعظه شيخنا محمد الشنَّاوي، فلم يرجع، فاشتكاه لـسيدي أحمد فقال: ستطلع له حبَّة ترعى فمَه ولسانَه، فطلعت مِن يومه ذلك، وأتلفت وجهه، ومات بها''.
    ويقول: ''ووقع ابن اللَّبَّان في حق سيدي أحمد رضي الله عنه - أي: انتقص حقه - فسُلب منه القرآن والعلم والإيمان!! فلم يزل يستغيث بالأولياء، فلم يقدر أن يدخل في أمره -أي: ما دخل أحدٌ بينه وبين البدوي ليُخلَّصه منه- فدلُّوه على سيِّدي ياقوت العرْشي''.
    وهذا سمُّوه ياقوت العرْشي، قيل: إنه كان يسمع حملة العرش! وقيل: إنَّه كان يرى العرش لذلك سُمِّي العرْشي وربما يمر علينا شيءٌ مِن ترجمته- يقول: ''فمضى إلى سيدي أحمد رضي الله عنه، وكلَّمه في القبر، وأجابه، وقال له: أنت أبو الفتيان رُدَّ على هذا المسكين رأس ماله، فقال: بشرط التوبة! فتاب، ورَدَّ عليه رأس ماله، وهذا كان سبب اعتقاد ابن اللبان في سيدي ياقوت رضي الله عنه، وقد زوجه سيِّدي ياقوت ابنتَه ودُفن تحت رجليها بـالقرافة''.
    إلى أن يقول: ''وكان سيدي عبد العزيز إذا سئل عن سيدي أحمد رضي الله عنه يقول: هو بحر لا يُدرك له قرار، وأخباره ومجيئه بالأسرى مِن بلاد الإفرنج، وإغاثة الناس مِن قُطَّاع الطريق، وحيلولته بينهم وبين مَن استنجد به لاتحويها الدفاتر رضي الله عنه... ثم قال: وقد شاهدتُ أنا بعيني سنة خمس وأربعين وتسعمائة أسيراً على منارة سيِّدي عبد العال رضي الله عنه -وهو تلميذ البدوي- مقيَّداً مغلولاً وهو مخبَّط العقل، فسألتُه عن ذلك، فقال: بينا أنا في بلاد الإفرنج آخر الليل، توجَّهتُ إلى سيدي أحمد-يعني: دعا أحمد- فإذا أنا به فأخذني، وطار بي في الهواء، فوضعني هنا، فمكث يومين ورأسه دائرة عليه مِن شدة الخطفة رضي الله عنه'' اهـ.
    أقول: إذا كان هذا اعتقادهم في البدوي وفيمن يحضر مولده، وعقوبة مَن يشكِّك في حضور مولد البدوي؛ فما ظنك بقولهم واعتقادهم بمولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    وكما قلنا؛ إما أن يقولوا: إنه أعظم، فهو أعظم شركاً، وإما أن يقولوا: لا، مولد البدوي أعظم، فقد فضَّلوا البدوي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    أقول هذا ليعلم الإخوان أن المسألة ليست أن محمَّد علوي مالكي ومن معه يحضرون كما يقولون: يأتون بالكوازي، والكبسات، ويقولون للنَّاس: تعشُّوا، وصلُّوا على الرسول، واحتفلوا بذكراه، ونقرأ شيئاً مِن السيرة، وندعو النَّاس إلى محبَّته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونستغلها فرصة للوعظ، ولتبيين أحوال المسلمين، وللتذكير بالمحرمات، ومحاربة الشيوعية، ولغير ذلك مما طنطن به الرفاعي، والمغربيان، والبحريني.
    المسألة كما ترون هي هذا الشرك، وهذه الاستغاثات، وهذه النداءات، وأن من ينكر ذلك يُسلب إيمانه، ويسلب دينه، ويبتلى بكذا وكذا، أوهام ينسجونها، وأساطير يُرهبـون بهـا الناس حتى لا ينقدوهم، وحتى لا يفتحوا أفواههم عليهم، وحتى يستعبدوهم بها، وكما نرى كثيراً مِن النَّاس يدفعون لهم الأموال الطائلة، ويتبركون بهم، ولا يتزوجون إلا بإذنهم، ولا يسافرون إلا بأمرهم، ولا يعملون أيَّ عملٍ إلا بعد أن يستأذنونهم، ويتبركون بمشورتهم، وبنصيحتهم بسبب ما يحيطون به أنفسهم مِن هذا الإرهاب الشديد الفظيع، وأنهم يملكون أن يوقعوا بأعدائهم مثل هذه الأمور، نسأل الله السلامة والعافية.
    1. رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المولد يقظة عند الخرافيين

      نبدأ بالحديث عن تعلقهم بالمولد، وتعظيمهم له لا من حيث أن المولد هو القضية في ذاتها فحسب كما أسلفنا؛ وإنما من حيث دلالته على منهج هؤلاء، وعلى ضلالهم، وعلى ما يأتي فيه من الخرافات والشركيَّات التي إذا ربطناها بأصل التصوف السابق عرفنا أن القوم حقاً يستقون مِن معين الثيوصوفية، ومِن معين الأفكار الفلسفيَّة الوثنيَّة، ومِن معين الخرافات النصرانية والمجوسيَّة التي هي بعيدة كل البعد عن الإسلام، وليس عليها دليل مِن كتاب الله، ولا مِن سنَّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
      و المالكي ينكر أن القيام في المولد سببه ادَّعاء رؤية النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول: نحن لا نقف مِن أجل ذلك، لكنني أؤكد وأقول : إنَّ مَن حضر المولد ممن هداهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ومِن النَّاس الآخرين الذين حضروا لغرض أن يروا ما فيه ودعوا إلى ذلك، أكدَّوا، وأخبروا أن هؤلاء يقولون: جاء الرسول، جاء الرسول!! وعلى أية حال مهما أنكر المالكي وقال هو وأصحابه ما قالوا؛ فنحن نقرأ ما ذكره هو بنفسه في كتاب الذخائر صفحة [107] ليُرى الحق بإذن الله تعالى: يقول في العنوان: '' صلوات مأثورة لرؤية الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
      نقل الشيخ الغزالي في الإحياء عن بعض العارفين نقلاً عن العارف المرسي -رضي الله عنه- أنَّ مَن واظب على الصلاة، وهي: "اللهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ عبدك ونبيك ورسولك النَّبيِّ الأمِّيِّ وعلى آله وصحبه وسلم" في اليوم والليلة خمسمائة مرة لا يموت حتى يجتمع بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقظة!!
      ونقل عن الإمام اليافعي في كتابه بستان الفقراء أنه ورد عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: مَن صلَّى عليَّ يوم الجمعة ألف مرة بهذه الصلاة: "اللهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّد النَّبيِّ الأمِّيِّ" فإنَّه يرى ربَّه في ليلته، أو نبيَّه، أو منـزلتَه في الجنَّة، فإن لم يرَ فليفعل ذلك في جمعتين، أو ثلاثٍ، أو خمسٍ، وفي رواية: زيادة: "وعلى آله وصحبه وسلِّم".
      وفي كتاب الغنية للقطب الربَّاني سيدي عبد القادر الجيلاني عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعةٍ فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة، وخمسة عشر مرة ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))[الإخلاص:1] ويقول في آخر صلاته ألف مرة: "اللهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّد النَّبيِّ الأمِّيِّ فإنَّه يراني في المنام ولا تتم له الجمعة الأخرى إلا وقد رآني، فمن رآني فله الجنة، وغفر له ما تقدم مِن ذنبه، وما تأخر } '' .
      أقول: هذا الكلام ذكره محمد علوي مالكي في الذخائر بهذا العنوان: [صلوات مأثورة لرؤية الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] نحن نسأله، ونسأل أتباعه: هل أنتم تشتاقون لرؤية الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ هم يقولون: إنَّهم أشد الناس حبّاً له، وتعظيماً، وشوقاً إليه. أيضاً نسألهم سؤالاً آخر: هل أنتم ممن يعمل بما يعلم؟ فيقولون: نعم، كل شيءٍ نراه مِن السنَّة، ومن الحق نعمل به؛ فنقول: لابد أنَّكم عملتم بهذا الكلام، أنتم مشتاقون إلى الرسول بزعمكم، وتعملون بما تعلمون، وتكتبون فلابد أنكم عملتم بهذا.
      فلذلك الذي يدخل معهم، ويتقرب إليهم، ويقدِّسهم، ويبجِّلهم إنَّما يفعل ذلك اعتقاداً أنهم عملوا هذه الصلوات، وحصلت لهم الرؤية كما يصدر عنهم من أقوال أو أعمال أو نصائح أو مشورة؛ فليس مِن عند ذاتهم، وإنما في إمكانهم أن يأخذوه عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباشرة.
      أقول هذا الكلام ليؤكد الحقيقة السابقة وهي أنَّ المسألة ليست مسألة نقاش علمي في أنَّهم يصحِّحون حديثاً نحن ضعفناه، أو قلنا: إنه موضوع؛ أبداً! ليست القضية بهذا الشكل، القضية أنَّهم يرجعون مباشرةً بزعمهم إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأخذون منه، ونحن نجهد أنفسنا في البحث عن الرجال، والتنقيب في الجرح والإسناد والتعديل إلى غير ذلك، وهم يأخذون مباشرة! -بزعمهم- ومِن أسباب الأخذ المباشر هو حضور النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليتَلَقَّوا عنه المولد، فيقيمونه لهذا الغرض، وأنبِّه مرة أخرى -وقد سبق تكرار هذا- أنني لا أعني أنَّ كلَّ مَن يحضر المولد ويتعشى يحصل له هذا الكلام.
      لأن المسألة درجات، وأنا سأبين بعد قليل مراتب، ودرجات رجال الغيب عند الصوفية فيتضح لكم أن المسألة درجات، وأن الذي يحضر ويتعشى، أو يتبرع لهم بعشاء ليس مثل المريد المتعمق الذي يداوم على ذكر الأوراد وعلى ما يحصل في الخلوات، وعلى ما يتقرب به هؤلاء الناس.
    2. دفاع الرفاعي عن المالكي في مسألة الرؤية

      وأنقل الآن شاهداً واحداً لتعرفوا به لماذا يدافع هاشم الرفاعي وأمثاله عن علوي مالكي:
      هناك كتاب للرفاعية نقل منه الرفاعي، وجعله من مراجعه في الأخير وهو كتاب طي السجل الذي نقلتُ منه بعض الأشياء فيما تقدم، وسأنقل لكم منه قضية هذا المؤلف عندما حصل على درجة القطب الأعظم أو الغوث الأعظم، وسنعرف عند تفصيل رجال الغيب قيمته، وما هي مهمته بالنسبة لرجال الصوفية.
      يقول هذا الروَّاس:
      ''سرٌّ غريبٌ، جئتُ من مدينة سيد الأنام عليه من ربه أفضل الصلاة وأكمل السلام إلى بلد الله الحرام، فبعد أن دخلتُ الحرم المحترم، وقفتُ تجاه المشهد الإبراهيمي المكرَّم، كشف الله لي أغطية الأكوان علويَّها وسفليَّها!! فطافت همّتي في زواياها، وكُشفتْ حجب خباياها، ورجعت عن كلِّها إلى الله تعالى، متحققة بالطمأنينة المعنيَّة بسر قول الله: ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً))[الفجر:27-28] وقد تدلَّتْ هناك إلى قلبي قصص السموات -لا أدري ماذا يريد بهذا- منحدرةً مِن ساحل بحر قلب النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد شخصتْ إليَّ الأبدال، والأنجاد، ورجال الدوائر، وأهل الحضارات، وأرباب المكاشفات، والمقرَّبون مِن عوالم الإنْس والجن، وفقهتُ نطق الجمادات الظني ولغات الطيور، ومعاني حفيف الأشجار والنباتات، ورقائق خرير الماء، ودقائق صرير الأقلام، وجمعتُ شفاف الرموز، فكنتُ أحضر وأغيب معي وعني في اليوم والليلة ثمانين ألف مرة، وانفسح سمعي فوعتْ أذني أصوات النَّاطقين والمتكلمين على طبقاتهم واختلاف لغاتهم مِن مشارق الأرض ومغاربها، ومزقتُ بردة الحجاب المنسدل على بصري، فرأيت فسيح الأرض ومَنْ عليها ذرةً ذرةً، وتصمتتْ همتي فانجدلتُ في الكل تمريراً لحكم التصرف بمنـزلة الغوثيَّة الكبرى، والقطبيَّة العظمى!''
      أقول: يريد أن يقول هذا تمريراً لكي يتصرف في الكون، ويصبح الغوث الأكبر، والقطب الأعظم الذي يتصرف في الكون كله - بزعمهم، والعياذ بالله - كما سنوضح ذلك إن شاء الله.
      يقول: ''وحملتْني أكفُّ عناية سادات النَّبيِّين والمرسلين، وأغاثتْني في كل حركةٍ وسكنةٍ إعانة روح سيد المخلوقين، وأتممتُ مناسكي، وإذا هناك شيخ الدوائر، وسلطان المظاهر، وأمين خزائن البواطن والظواهر، وشُحنة الجمْع، وعالم الفرْق، وقيل لي: سِرْ على بركات الله بقدمك وقالبك إلى الروم'' يعني: القسطنطينية مقر الدولة العثمانية؛ لأنَّ هذا يكتبه في آخر أيام سلاطين الدولة العثمانية.
      قال: ''فانحدرتُ بعد أداء ما وجب إلى مصر، ومنها إلى الشام، ومنها إلى مرقد الإمام الصيَّاد -الذي ينـتسب إليه الصيادي، مؤلف الكتاب عن الرفاعي- وجددتُّ العهد الذي مضى، والوقت الذي انقضى، وقمتُ مِن حضرته أرفل بحلل الرضا حتى وصلتُ إلى "جسر الشغور" -بلد في سوريا- ومنها إلى قرية هناك بظاهر البلدة اسمها "كفر ذبين" وأنا في حال جمعٍ محمَّدي، وأقف على ظهر جامع خربٍ طُويت أخباره، وانطمست بالتراب آثاره، فنوديتُ بالغوثيَّة الكبرى مِن مقام التصرف - أي: نودي بأنَّه الغوث الأكبر من مقام التصرف في هذا الجامع الخرب وهو هناك بـالشام!! كيف نودي؟ - يقول: أبصرتُ العَلَم المنتشر بالبشرى وقد رفعه عبد السلام أمين حراس الحضرة النبوية من أولياء الجنِّ!!''
      عبد السلام هذا أمين حراس الحضرة النبويَّة مِن أولياء الجنِّ رَفع له العلم مِن المدينة -وهو هناك في الشام- علم الولاية، مقام التصرف وأنه أصبح الغوث الأكبر والقطب الأعظم.
      يقول: ''فانعطفتْ إليَّ أنظار الصدِّيقين، وتعلقتْ بي قلوب الواصلين؛ فسجدتُّ لله شكراً، وحمدتُّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على نِعَمَه، وعظيم كرمه، وسرتُ، ولمحل ندائه معنىً في القلب سيظهر إن شاء الله وتعمر البقعة، وتقام في الجامع الجمعة، كذا وعدني ربي بالإلهام الحق، وهو لا يخلف الميعاد، قاله الله - هكذا - وانتهيتُ في سيري من طريق "الكلب" إلى "عين تاب" و"مرعش" ثم إلى "آل البستان"، ومنها مرحلة مرحلة إلى بلدة "صانصول"، ودخلت اللجة - يعني: البحر - أفجُّها فجة فجة، حتى انتهى الثور المائي إلى القسطنطينية...'' - إلى أن يقول: ''وفي القسطنطينية قابل السلطان '' - إلى أن يقول:
      ''واجتمعتُ بِها على الخضر عليه السلام ست مرات، فيالله مِن حكم سماويَّة تنـزل مِن لفاف دور القَدَر يمضيها الحُكم الإلهي في تلك البلدة إمضاءً، وإنفاذاً، ولربي الفعل المطلق، له الحكم وإليه ترجعون'' اهـ.
      ثم يتحدث طويلاً، والمهم أن هذه هي قضية بيعته، وكيف بويع، وهذا الرفاعي هو الذي ينقل عنه هاشم الرفاعي كما قلنا ويؤيد كلام المالكي.
      فإذاً لا نستغرب منه أن يؤيد ما يتعلق برؤيتهم النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومخاطبتهم له، وهذا طريق حراس حضرتهم من الجن يرفع الولاية، وهو أيضاً كما يقول: يبشر هذا الرجل بالولاية الكبرى، بل إن هناك ما يخبر بأن هذا الجامع الخرب الذي عين بيع فيه بالقطبية العظمى والولاية الكبرى سوف يعمر.
      هذا غيضٌ مِن فيضٍ، والأمثلة كثيرة جدّاً لكن لا أريد أن أستغرق فيها؛ لأنَّنا نريد أن نـنـتقل إلى موضوعٍ أكثر تفصيلاً وهو: حقيقة سُلَّم الترقِّي عند الصوفية! وكما قلت ليس مَن يحضر العشاء أو يتعاطف معهم هو منهم، بل هناك درجات، وهناك شكل هرمي معيَّن يترقَّون خلاله، وهو مما يزيدنا تأكيداً وإلحاحاً على أن هؤلاء القوم باطنية زنادقة؛ لأنَّ نفس هذا الترتيب موجود عند الباطنية.
  5. أركان الطريق عند الصوفية

     المرفق    
    نقول: إنَّ أركان الطريق عند الصوفية هي أربعة، أو خمسة إذا أضفنا "الشطحات".
    الأول: هو الشيخ، وهذا الشيخ -أو المرشد كما يسمُّونه- ركنٌ أساسيٌّ عندهم، ولابد أن يرتبط الإنسان بشيخٍ، بل في كتاب تربية الأولاد الذي ألَّفه الشيخ عبد الله علوان يقول: لابد أن يُربط الطفل بشيخ!! وهذا مِن آثار التصوف، فعنده لابد أن يرتبط به، ولابد أن يسير على نَهجه، وأن يقتدي به، وأن يسلِّم له بالكلية، كما عبَّر عن ذلك أبو حامد الغزالي وغيره: أن يكون عند الشيخ كالميِّت بين يدي الغاسل لا تصرف له على الإطلاق!!
    ثم بعد ذلك تكون: الخلوة، والخلوة هي: بعد أن يرتبط بالشيخ يُدخله في خلوة معيَّنةٍ ويُلقِّنُه الأذكار المعينة، وهذه الخلوة ينقطع الواحد منهم فيها عن الجُمَع والجماعات، وعن سائر العبادات، ويردِّد الذِّكر المعيَّن الخاص بالطريقة التي يلقِّنُها إيَّاه الشيخ ويستحضر في قلبه أثناء الذكر، وأثناء تَرداده صورة الشيخ، ويستمر على ذلك حتى يحصل له الفتح! وبعضهم يأتيه فتحُه -كما يقولون- في أيامٍ، وبعضهم في أسابيع، وبعضهم إلى عشرين سنَة، أو أكثر، وهو لم يُفتح عليه، يُردِّد يردِّد ولم يفتح عليه؛ فيقولون: لم يُفتح عليك لأنَّ قلبك لم يتنقَّ، أو ارتباطك بالشيخ ضعيف!
    الحاصل: أن عندهم فلسفات طويلة، يعالجون بها هذه الأمور.
    ثم إذا حصل الفتح أو الكشف: ينتقل الطالب أو المريد من مرحلة المجاهدات والرياضات إلى مرحلةٍ يسمُّونها "المشاهدات، والكشوفات، والتجليات".
    فيحصل له الفتح بأن يُخاطَب -يخاطبُه رجلٌ- أو يرى مناظر غريبة جدّاً، أو يرى أشياء تخاطبه وتكلمه، وهذا الفتح يكون عبارة عن كرامة بالنسبة لهذا المريد، فإذا أعطي هذه الكرامة -كما يسمُّونها- تكون: خوارق حسيَّة، واطِّلاع على المغيبات -كما يعتقدون- برؤية النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاجتماع به يقظة، وبمخاطبته مباشرة!!
    وبالمناسبة أذكر لكم أن هناك كتاباً اسمه المواقف والمخاطبات لـعبد الجبار النسري، وهو من أئمة الصوفية عاش في القرن الخامس، وهو كتاب كبير، أظنه أكثر من خمسمائة صفحة، هذا الكتاب كله مخاطبات، ومواقف، مثل: وقفتُ بين يدي الله الحق فقال لي وخاطبني، وترى هؤلاء يستشهدون بما في هذا الكتاب الذي حققه المستشرقون الذين هم دائماً وراء نشر تراث الصوفية.
    المهم: تحصل له هذه المخاطبات، أو هذه المكاشفات، ثم ينتقل بعد ذلك من هذه الكرامات حتى يصير هو شيخاً، ويمكن أن يبقى مرتبطاً بالشيخ الأول.
    والدرجة الخامسة بعد الكرامات، والكشوفات هي:
    الشطحات: معناها أنه إذا ذَكَر، أو حضر مجلس ذكر، أو حضر أمامه ناسٌ تظهر على لسانه الكلمات الكفرية الشنيعة جدّاً، ويسمُّونها شطحات، ويعبِّرون بها عن عين الجمع - كما يسمُّونه - ومعنى عين الجمع: اتحادهم بالله!! والعياذ بالله، أو الاستغراق، أو السُّكُر، والحُب، والوجد، أو ما يلبِّسون به على النَّاس بأنَّ هذه الكلمات الكفريات سببها هذا الكلام، ثم إن من يبلغ به الحد إلى الشطحات -كما كان الحلاج وأبو يزيد البسطامي وأمثالهما كل كلامهم شطحات كفرية- يعتبرون أنَّ هذا قد بلغ غاية الولاية، عندما يمشي الحلاج في الشارع -مثلاً- ويدَّعي أنَّه هو الله! ويقول: أنا الحق! وما في الجبة إلا الله! ويسمعه الناس.
    يقولون: إن هذه الدرجة: الولاية الكبرى، كما يظنُّ النَّاس الملبَّس عليهم، المحجوبون، المغفلون، وأن هؤلاء مِن عِظَم ولايتهم ترقَّوا في مشاهدة الحقَّ! والفناء فيه، والجمع معه، والالتصاق به، حتى أصبحوا بهذه الدرجة.
    هذا الأمر يجعلنا نستعرض بعض كلام لـأبي حامد الغزالي، وأنا تعمدت اختيار الغزالي لأنَّه متقدمٌ؛ ولأن كتبه مشهورة، ولأنَّه معروف عند الكثير.
    يقول الغزالي في مجموعة رسائله [4/25]:
    ''أول مبادئ السالك: أن يكثر الذكرَ بقلبه، ولسانه بقوة، حتى يسري الذكر في أعضائه، وعروقه، وينتقل الذكر إلى قلبه، فحينئذٍ يسكت لسانه، ويبقى قلبه ذاكراً يقول: "الله، الله" باطناً مع عدم رؤيته لذكره، ثم يسكن قلبه، ويبقى ملاحظاً لمطلوبه، مستغرقاً به، معكوفاً عليه، مشغوفاً إليه، مشاهداً له''.
    هذه هي درجة المشاهدة، يذكر الله -كما يزعمون- حتى يصل إلى مرحلة المشاهدة، ولا تعجبوا مِن قوله: "يسكت حتى عن الذكر باللسان"، ثم حتى عن الذكر بالقلب؛ لأنَّ الغزالي في الإحياء، يقول: '' لا ينبغي للمريد في أثناء الخلوة أن يُشغل نفسه، لا بتفكيرٍ، ولا بحديثٍ - يذكر ذلك عن الصوفية لا عن نفسه فقط - ولا بقرآنٍ، ولا بعلمٍ، بل يتفرغ للذكر، فقط "الله، الله " أو: "هو، هو" باللسان، والقلب، والأعضاء، ثم يترك اللسان إلى القلب، ثم يترك القلب فيصل إلى المشاهدة ''.
    ونتابع كلامه عن المشاهدة يقول: ''ثم يغيب عن نفسه لمشاهدته، ثم يفنى عن كليَّته بكليَّته حتى كأنَّه في حضرة ((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ))[غافر:16]، فحينئذٍ يتجلَّى الحقُّ على قلبه، فيضطرب عند ذلك، ويندهش، ويغلب عليه السُّكُر، وحالة الحضور، والإجلال، والتعظيم، فلا يبقى فيه متَّسعٌ لغير مطلوبه الأعظم- كما قيل: فلا حاجة لأهل الحضور إلى غير شهود عيانه! وقيل في قوله تعالى : ((وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ))[البروج:3]- انظروا تفسير الباطنية- قيل: الشاهد: هو الله، والمشهود: هو عكس جمال الحضرة الطلبية فهو الشاهد والمشهود يعني: الله تعالى''.
    ثم يقول عن كيفية السير إلى الطريق، أو كيف يبذل الجهد اليسير؟ يقول: ''هناك أنواع:
    الأول: تقليل الغذاء بالتدريج، فإنَّ مَددَ الوجود، والنَّفس، والشيطان من الغذاء؛ فإذا قلَّ الغذاء: قلَّ سلطانه''.
    أقول: وهذا هو الذي يستعمله سحرة الهند وهي التي تنقلهم إلى مرحلة "المانخوليا"، فإنَّ أيَّ إنسانٍ يجوع لأيامٍ طويلةٍ يُهلوس، ويهوِّس، ويرى مثل هذه الأشياء؛ لكنهم يعتقدون أنها كشوفات إلهيَّة، وتجليات ربانيَّة، والعياذ بالله.
    ''الثاني: ترك الاختيار، وإفناؤه -أي: يفني نفسه، وينسى نفسه- في اختيار شيخ مأمون ليختار له ما يصلحه فإنَّه - أي: المريد - مثل الطفل، والصبي الذي لم يبلغ مبلغ الرجال، أو السفيه المبذِّر، وكل هؤلاء لابد لهم مِن وصيٍّ، أو وليٍّ، أو قاضٍ، أو سلطان يتولى أمرهم''.
    أقول: المريد يكون بمثل هذه الحالة، ولذلك قلت: إن الإنسان يخلع عقله، ويخلع علمه، ويخلع كلَّ شيءٍ عندما يريد أن يدخل إلى عالم الصوفية، يسلِّم كلَّ شيءٍ للشيخ، ولا يعترض عليه بأي شيءٍ.
    ''الطريق الثالث: يقول من الطرق: طريقة الجنيد قدَّس الله روحه، وهو خلال شرائط: دوام الوضوء، ودوام الصوم، ودوام السكوت، ودوام الخلوة، ودوام الذكر وهو قول: لا إله إلا الله، ودوام ربط القلب بالشيخ، واستفادة علم الواقعات منه بفناء تصرفه في تصرف الشيخ، ودوام نفي الخواطر، ودوام ترك الاعتراض على الله تعالى في كل ما يرد منه عليه ضراً كان أو نفعاً".
    أقول: هذه هي الجبرية المطلقة، والاستكانة المطلقة، ويقول:
    "الآن أصبحت منفعلاً لما تختاره            مني ففعلي كله طاعات
    يجلس وما يتصرف فيه الله فهو الفعل، وهو الطاعة ''.
    وكما قلنا هذا في حال الخلوة، وقد ترك الجمعة، والجماعة، والعبادات.
    إلى أن يقول:
    '' وترك السؤال عنه مِن جنة، أو تعوذ من نار''.
    أقول: معنى هذا أنه يُحذِّر في هذه الحالة أن يسأل الله الجنة، أو يتعوذ به من النار، وانظروا إلى هذا الربط بما ذكره محمد علوي مالكي في كلامه ونقولاته السابقة، وما ذكرناه هناك من أنَّهم لا يسألون الله الجنة، ولا يستعيذون به من النار، ويعتبرون أنهم لو سألوا الله الجنة في تلك اللحظة، والاستعاذة به من النار: تفرق جمعيته - يعني: تشتت قلبه - ولا يمكن أن يعود إلا بأن يبدأ الخلوة مِن أولها، ويبدأ الأذكار من أولها حتى يجتمع قلبه على المحبوب وحده فقط، فلا ينظر إلى جنَّة، ولا إلى نار، ولا لأيِّ شيءٍ كان.
    وإلى هنا هذا هو مقام المشاهدة.
    يُحذِّرنا الغزالي يقول: إن الإنسان عندما ينتقل من مقام المشاهدة إلى مقام المكاشفة تبدأ الصور تظهر أمامه فيقول له: كيف تفرق بين الصورة؟ كيف تعرف حقائقها؟
    يقول: ''والفرق بين الوجودي والنفسي والشيطاني في مقام المشاهدة أن الوجود شديد الظلمة في الأول - يعني: ترى الشيء مظلماً جدّاً - فإذا صفا قليلاً تشكَّل قُدَّامك بشكل الغيم الأسود، فإذا كان هذا المتشكِّلُ عرشَ الشيطان كان أحمر، فإذا صلح وفنيت الحظوظ منه، وبقي الحقوق صفا وابيضَّ مثل المزن وهذا هو الوجود.
    والنفس إذا بدَت فلونها لون السماء، وهي الزرقة، ولها لَذَعان كلذعان الماء من أصل الينبوع؛ فإذا كانت عرشَ الشيطان - أي: النفْس -: فكأنها عينٌ مِن ظلمةٍ ونارٍ، ويكون لذعها أقل، فإنَّ الشيطان لا خير فيه، وفيضان النَّفس عن الوجود، وتربيته منها، فإن صفَت وزكت: أفاضت عليه الخير وما نبت منه، وإن أفاضت عليه الشر: فكذلك ينبت منه الشر''.
    أقول: عرفنا الوجود، وعرفنا النفس، فكيف نعرف الشيطان؟
    ومن يريدها في الخلوة في حالة الانتقال من مقام المشاهدة إلى مقام المكاشفة كيف يرى الشيطان ويعرفه؟
    يقول: ''الشيطان نار غير صافية، ممتزجة بظلمات الكفر، في هيئة عظيمة، وقد يتشكل قُدَّامك كأنَّه زنجي طويل ذو هيبة يسعى كأنه يطلب الدخول فيك، فإذا طلبت منه الانفكاك فقل في قلبك: يا غياث المستغيثين أغثنا؛ فإنه يفر عنك'' .
    في هذه المرحلة -أي التخلص مِن النفس، ومِن الوجود- يلتحم بالوجود الكلي -المطلق عندهم- ومن الشيطان الذي يأتيه -كما يقول- في صورة زنجي أسود طويل يريد أن يدخل فيه.
    هذه المرحلة -مقام المشاهدة- تعرض للمريدين، ويرون هذه الصور، ويرون هذه الخيالات، وما هي إلا بعض مِن خرافاتهم، ثم ينتقلوا مِن مقام المشاهدة إلى مقام المكاشفة، والتي بعدها يروْن الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويرون الله، ويروْن الحقائق كلها، لكن -على كل حال- مَن لم يمر بهذا الشيء: فلا يمكن أن يحصل له ذلك.
    والآن ننتقل إلى الطريق الأخير عندهم وهو الشطحات:
    عندما ينتقل الإنسان إلى مقام المكاشفة، أو يتعمق في الكرامات والكشوفات: يصل إلى درجة الشطحات.
    يقول الغزالي في الإحياء [2/19]: ''العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحق - يعني: الله فقط! ليس في الوجود إلا هو - لكنَّ منهم من كان له هذه الحالة عرفاناً علميّاً، ومنهم من صار له ذوقاً وحالاً وانتفت عنهم الكثرة بالكلية، واستغرقوا بالفردانية المحضة، واستهوت فيها عقولهم؛ فصاروا كالمبهوتين فيه، ولم يبقَ فيهم متسعٌ لذكر غير الله، ولا لذكر أنفسهم أيضاً فلم يبق عندهم إلا الله؛ فسكِروا سكراً وقع دونه سلطان عقولهم، فقال بعضهم: أنا الحق -كـالحلاج- وقال الآخر: سبحاني ما أعظم شأني -كـأبي يزيد البسطامي مثلاً- وقال الآخر: ما في الجبة إلا الله، وكلام العشاق في حال السُّكر يُطوى ولا يحكى، فلما خفَّ عنهم سكرهم، وردوا إلى سلطان العقل الذي هو ميزان الله في أرضه: عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد، بل يشبه الاتحاد'' اهـ.
    أقول: نحن نقرأ أن بعض الصوفية يقول: إن الحلاج استحق القتل! لماذا؟ يقول: لأنه باح بالسرِّ قبل أن يصل إلى الدرجة العليا، مع العلم أن الحلاج لم يصل إلى حقيقة الاتحاد عندهم! بل رأى عوارض، وبوارق كما يسمونها، فقال: أنا الحق، فهو يستحق القتل في نظرهم لا لزندقته، ولا لدعوى أنه هو الحق؛ لكن يقولون: لأنه لم يصل بعدُ، صرَّح وباح بالسر قبل أن يصل بعد، والغزالي يقول: هؤلاء لم تحصل لهم حقيقة الاتحاد بل هذا يشبه الاتحاد.
    ونتابع كلامه، يقول: ''مثل قول العاشق في حال فرض العشق.
    أنا مَن أهوى ومَن أهـوى أنا            نحن روحان حللنا بـدنا
    وهذا من نداءات الحلاج؛ فلا يبعد أن يفجأ الإنسان مرآةٌ فينظر فيها، ولم ير المرآة قط، فيظن أن الصورة التي رآها في المرآة هي صورة المرآة متحدة بها''
    أي: يشبِّه رؤيتهم لله كإنسانٍ ينظر في مرآة فنسي المرآة، وظن أن الصورة التي رآها أمامه هي عين الشيء المرئي بينما هو في الحقيقة مجرد مرآة، ويقول: إن بعض العارفين لم يصل إلى درجة الاتحاد، ولكن يظن أنَّه وصل إليها؛ وإنما هي كالمرآة.
    يقول: أو مَن يرى الخمرة في الزجاج فيظن أن الخمرة لون الزجاج فإذا صار ذلك عنده مألوفاً، ورسخ فيه قدمه واستغرقه فيه فقال:
    رق الزجـاج وراقت الخمر            وتشابها فتـشاكل الأمر
    فكأنما خمر ولا قَدَح            وكأنـما قدَح ولا خمر
    واستشهاد الصوفية بأبيات الخمر، والعشق، والغزل، والنهود، والقدود، والخدود، هذا أمرٌ لا يحتاج إلى تنبيه؛ لأنه دائمٌ عندهم!!
    يقول: '' فرقٌ بين أن يقال: الخمر قَدَح، وبين أن يقال: كأنَّه قدح ''.
    أي: أنَّه فرق أن يقول: رأى الله، أو كأنه رأى الله وتجلَّى له.
    ويقول: ''وهذه الحالة إذا غلبت سمِّيت بالإضافة إلى صاحب الحال: [فناء]، بل [فناء الفناء]؛ لأنه فنيَ عن نفسه، وفني عن فنائه؛ فإنه ليس يشعر بنفسه في تلك الحال، ولا بعد شعوره بنفسه، ولو شعر بعدم شعوره بنفسه؛ لكان قد شعر بنفسه، وتُسمَّى هذه الحال بالإضافة إلى المستغرق فيها بلسان المجاز: [اتحاداً] وبلسان الحقيقة: [توحيدا] '' .
    أقول: هذا هو توحيد الصوفية، وهو هذه الحالة "حالة الاستغراق" التي تسمَّى بالإضافة إلى المستغرق فيها بلسان المجاز [اتحاداً] - كما يقول الغزالي: إنَّه مجاز فقط - وبلسان الحقيقة: [توحيداً]، وليس مجازاً.
    يقول: ''ووراء هذه الحقائق أيضاً أسرار لا يجوز الخوض فيها '' اهـ.
    يقول: إنه ما يزال هناك أسرارٌ، وأمور لا يجوز الخوض فيها، ولا يجوز ذكرها؛ لأنَّه لو ذكرها هو، أو غيره: ربما كان مصيره مصير الحلاج مِن القتل، ومِن الإعدام.
    هذا عرضٌ سريعٌ لهذا الكاتب المتقدم -وهو الغزالي- لدرجات، أو أركان الطريق عند الصوفية ابتداء مِن الشيخ، والخلوة، ثم المشاهدات، ثم المكاشفات، وأخيراً الشطحات!! وبعد ذلك يصبح الإنسان عندهم مِن رجال الغيب.
  6. القطب الأعظم عند الصوفية

     المرفق    
    رجال الغيب هؤلاء هم -كما يزعمون-: الأولياء وهم الذين يتصرفون في الكون، ويتحكمون في كل صغيرة وكبيرة؛ كما سيأتي في النماذج التي سوف نذكرها عنهم إن شاء الله.
    أعظم رجال الغيب عند الصوفية هو: القطب الأعظم، أو قطب الوجود، أو الغوث الأعظم، أو واحد الزمان، وهذه أسماء متقاربة.
    هناك حقيقة فلسفيَّة ثابتة، وأكثر الباحثين المعاصرين ذكروها ونقلوها، ومن قبلهم وهي: أنَّ أصل فكرة القطب الأعظم عند الصوفية هي العقل المطلق عند أفلاطون، وأفلاطون كما ذكر سيد قطب -رحمه الله- في خصائص التصور الإسلامي في فصل الواقعية نقلاً عن العقاد -كما أظن- وقد ذكرها في صفحة [166]، والعقاد ذكر ذلك في عقائد المفكرين.
    المهم من ذلك أن أفلاطون يقول: ''إن الله كامل، ولا يصدر عنه الشر، والعالم ناقص، والشر فيه كثير، ولا يليق بالكامل أن يفكر في الناقص، ولا يليق بالله أن يكون هذا الشر منه؛ فلابد من تقدير واسطة بين الله والعالم؛ تكون هي المتصرفة في الكون، وهي المفكرة فيه، المشتغلة بأمره، وتكون الشرور، ومصدر الشرور منها، وتكون تفكيرها في هذه الشرور'' ولا ننسب هذه الشرور إلى الله بزعمهم.
    فـالصوفية أخذوا هذه الفكرة مِن أفلاطون، ولا تستغربوا عندما أقول: أخذوها من أفلاطون؛ بينما أنا أقول: إن أصل التصوف هندي؛ لأنَّ البيروني نفسه ذكر هذا، وهذا معروف أيضا في تاريخ الفكر الأوروبي؛ فاليونان لم يكونوا يملكون فكراً فلسفيّاً، وإنَّما كانوا يقتبسون مِن الهند، والجنس الآري: يجمع الأوروبيين بالهنود في جنس واحد، ثم لما وُجدت لهم فلسفاتهم -أفلاطون، وأرسطو، وأمثالهم- استغنوا، وانفصلوا عن الهنود في حين أن أرسطو، وأفلاطون يُعتبروا متأخرين، بينما فلاسفة الهنود كانوا قبل آلاف السنين قبل الميلاد.
    والحاصل: أن هذا العقل المطلق عند أفلاطون سماه الصوفية: [القطب الأعظم] أو [واحد الزمان]، أو [الغوث الأكبر]، أو نحو ذلك، ويقولون - كما في طبقات الشعراني [1/ 173] - يقول: '' لو لم يصبح واحد الزمان يتوجه في أمر الخلائق مِن البشر لفاجأهم أمرُ الله عز وجل فأهلكهم ''اهـ.
    يقول: إن مهمة القطب هذا أنه لو كان أمر الله يأتي البشر مباشرة؛ بأن يأمر الله أن هذا يحيا، وهذا يموت، وهكذا -مباشرة- فلن يتحمل البشر، وسيفاجأهم الأمر، يهلكهم، فيحتاج الله - والعياذ بالله - إلى واسطة يتلقَّى الأمر، ثم هو ينفذه في الكون، وهو الغوث، وهو واحد الزمان، أو القطب الأعظم، ويقولون: "لو أنَّ المدد الحقيقي ورد في هذا العالم مِن عارفيْن على السواء لسرى في قلوب الآخذين -أي: المتلقين للمدد- الشرك الخفي".
    يعني: لابد أن يكون القطب واحداً، ولذلك فـالرفاعي الذي ذكرتُه لكم تعيينه قطباً، يقول: حتى النَّبيين سلَّموا له، والصديقين كلهم، والأبدال جميعاً، والنجباء، والنقباء كلهم سلَّموا له؛ لأنَّه لابد أن يكون واحداً، لماذا؟ قالوا: لو كانوا اثنين ربما يدخل الناس في الشرك!!
    سبحان الله! كأن الصوفية يحاربون الشرك، قالوا: لابد أن يكون القطب الواسطة بين الله والخلق، المتصرف في الأكوان: واحداً!
    والعجيب: أنَّ كل طائفة مِن طوائف الصوفية تدَّعي القطبيَّة العظمى لشيخها فقط دون مَن سواه، وبذلك فرَّقوا الأمة ومزقوها.
    والغريب: أنَّ الرفاعي، والقادري كانا متعاصريْن، فإذا كان القطب واحداً فأيهما كان هو المتصرف في الكون؟!
    نتركه لكلام الصوفية، ولهؤلاء الخرافيين الذين يقولون: نحن أهل السنة والجماعة، نفرق الأمة عندما نقول: اتركوا هذه الخرافات!! فماذا يكون جوابهم عن وجود قطبين في وقت واحد؟ الله أعلم.
    المهم: أن بعضهم -أيضاً- يدَّعي أنَّه أعلى مِن درجة القطبية، فمثلاً: أحمد الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية يدَّعي ذلك، فقد نقل عنه الشعراني أنَّه قال له أحد تلاميذه: يا سيِّدي أنت القطب؟ فقال: نزِّه شيخك عن القطبيَّة، فقال: وأنت الغوث؟ فقال: نزَّه شيخك عن الغوثيَّة!!
    ويعلِّق الشعراني على هذا قائلا: قلت: ''وفي هذا دليل على أنَّه تعدَّى المقامات، والأطوار؛ لأنَّ القطبيَّة، والغوثيَّة مقامٌ معلومٌ، ومن كان مع الله وبالله فلا يُعلم له مقام، وإن كان له في كلِّ مقامٍ مقالٌ والله أعلم'' اهـ.
    يقول: إنَّ الصوفية متفقون على أنَّه ليس بعد القطبية إلا الألوهية، وفيما أعلم أنه ليس هناك عندهم خلاف في هذا، فدرجة القطب أعلى درجة، وليس هناك مقام أعلى مِن مقام القطبيَّة.
    إذاً: فهذا يتفق مع دعواهم الاتحاد بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أو حلول الله فيهم، أو وحدة الوجود، أي: أنه ليس بعد درجة القطبية إلا أن يكون في درجة الألوهية فيتحد بالله؛ فكأنَّه هو الله!! وليس هذا غريباً بعد أن سمعنا ما سمعنا من كلامهم، ونعلم جميعاً ما صرَّحوا به من قولهم: أنا الله! وما في الجبة إلا الله! وقول ابن عربي:
    العبد رب والرب عبد
    فهذا كله جائز.
    1. أعمال القطب الأعظم عند الصوفية

      بقيَ أن نتحدث عن بعض أعمال القطب الأعظم، غير تصرفه في الكون! وإنقاذه الملهوفين وإغاثتهم! مما سيأتي ذكره في الكرامات.
      فمِن أعظم أعمال القطب الأعظم: التشريع، فهو يشرِّع لهم الأذكار، والأوراد، والأدعية، ثم يستعملونها وهي -كما يزعمون- ترفع المريدين إلى الملأ الأعلى، وتوصلهم إلى العرش، بالقوة الروحانيَّة! كما في كتاب -وهو مطبوع- أوراد الرفاعية، وأيضاً الأوراد الشاذلية تقرأ فيها أن لهذا الذكر قوة روحانية عظمى دافعة... إلخ، هذه القوة الروحانية -في زعمهم- تجعل الذاكر المريد يرى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقظة، بل تجعله يرى الله تعالى بزعمهم!!
      ونختار من هذه التشريعات قضيتين كانتا مما ناقش وجعجع حولها الرفاعي -وتعرض لها أصحابه أيضاً- وهي قضية صلاة الفاتح، والقضية الثانية: قضية التوحيد والوحدة.
      صلاة الفاتح ذكَر نصَّها الرفاعي في صفحة [67] مِن "ردِّه"، وهي: "اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمَّد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، وناصر الحق بالحق، الهادي إلى صراطك المستقيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله حق قدره، ومقداره العظيم".
      وأعرف ممن هداهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ممن كان في جانبهم مَن أحضرها لي، وذكر لي كم يقولونَها مِن مَرَّات، وماذا يحصل نتيجة هذه القراءة، وأيضاً هناك مصدر وثيق موجود وهو كتاب التيجانية فقد ذكَر هذه الصلاة، وتعرَّض لها.
      والذي يهمُّنا هنا هو أنها من أعمال القطب، قول الرفاعي -نقلاً عن القسطلاني-: '' إن هذه الصلاة أنفاسٌ رحمانيَّة، وعوارف صمدانيَّة -أي: كأنها مِن أنفاس الرحمن، ومن عوارف الصمد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لقطب دائرة الوجود، وبدر أساتذة الشهود، تاج العارفين، سيِّدنا، وأستاذنا، ومولانا الشيخ محمد بن أبي الحسن البكري '' إلخ.
      مادام أن هذا القطب البكري هو الذي وضعها، وهو الذي كتبها: فهي أنفاس رحمانية، وعوارف صمدانية، ولا يحق لأحدٍ أن يعترض عليها على الإطلاق، والتيجانية أخذوها لأنها عن هذا القطب.
      ويقول مؤلف كتاب التيجانية صفحة (116): '' قال مؤلف جواهر المعاني: ثم أمرني بالرجوع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صلاة الفاتح لما أُغلق، فلما أمرني بالرجوع إليها سألته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فضلها؛ فأخبرني أولاً بأنَّ المرة الواحدة منها تعدل مِن القرآن ست مرات!! ''
      أي: الذي يقرأ هذه الصلاة مرة واحدة كأنه قرأ القرآن ست مرات! لاحظوا مَن الذي يزدري كتاب الله، ويحتقره، وبالتالي يحتقر رسول الله ويكرهه ولا يحبه؟
      '' ثم أخبرني ثانياً: أن المرة الواحدة منها تعدل مِن كل تسبيحٍ وقع في الكون، ومِن كلِّ ذكرٍ، ومِن كل دعاءٍ كبيرٍ أو صغيرٍ، ومن القرآن: ستة آلاف مرة؛ لأنَّه مِن الأذكار أي: القرآن.
      ثم ذكر أيضاً في [1/117]: '' إنهم يعتقدون أنها مِن كلام الله، وفى ذلك يقول مؤلف الرماح إنَّ مِن شروط هذه الصلاة: أنْ يعتقد أنَّها مِن كلام الله ''، وهاشم الرفاعي نفسه في "ردِّه" ينقل أنَّها أنفاس رحمانية مِن أنفاس الرحمن.
      إذاً: هذا يؤيد ما قلناه مِن أن القطب عندهم له درجة الألوهية حتى أنَّه يشرِّع هذه الأشياء، ويقول: إنَّها مِن الله، وأنَّ على الذاكر أن يعتقد أنَّها مِن كلام الله.
      ويقول أيضاً مؤلف التيجانية: '' وقال أيضاً مؤلف حلية المستفيد: مع اعتقاد المصلي أنها ليست من تأليف البكري، ولا غيره، لأنها وردت من الحضرة القدسية، مكتوبة بقلم القدرة في صحيفة نورانية.
      هذه هي صلاة الفاتح، وهذه قيمتها عندهم، وهي أيضاً مِن كلام الله عند الصوفية ولها هذه المنـزلة.
      وفي صفحة [110] مِن الذخائر يذكر محمد علوي مالكي هذه الصلاة ويشرحها.
      فهذا رفاعي على الطريقة الرفاعية، وهذا تيجاني على الطريقة التيجانية، والمالكي طريقته -أظن- على الطريقة الحسينيَّة العربيَّة في مصر.
      فالطرق تختلف لكنهم يتفقون كلهم على هذه الصلاة التي يقولون فيها: إنَّ مَن ذكرها، وقرأَ بها فإنها أفضل مِن القرآن ستَّة آلاف مرة، فهل بعد ذلك من كفرٍ، وهل فوق هذا من شرك؟
      أقول: هذا فيما يتعلق بقضية صلاة الفاتح، والقضية الأخرى التي من تشريعات الأقطاب أو من كلام الأقطاب قضية: الوحدة والتوحيد.
    2. الوحدة والتوحيد

      العبارة التي يقولها الصوفية وهى: "اللهم اقذف بي على الباطل فأدمغه، وزُجَّني في بحار الأحدية! وانشلني من أوحال التوحيد!".
      يقول الرفاعي في شرح هذه العبارة -مهاجماً الشيخ ابن منيع لأنه هاجمها-: '' فنحن نقول لشرح معنى هذه العبارة التي التبست عليهم -يعني: على العلماء في المملكة- [وزُجَّني في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد] إن التوحيد لغةً: الحكم بأنَّ الشيء واحد، والعلم بأنه واحد، والتوحيد شرعاً: إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته، والتصديق به ذاتاً، وصفاتاً، وأفعالاً''.
      ثم يقول: ''والتوحيد في اصطلاح أهل الحقيقة مِن الصوفية: تجريد الذات الإلهية عن كل ما يتصور في الأفهام، ويخيل في الأذهان، والأوهام!! '' انتهى كلام الرفاعي.
      إذاً: نقول: أنت الآن تفرق بين التوحيد عند الصوفية، وبين التوحيد شرعاً، كما هو نص كلامك: التوحيد شرعاً: هو إفراد المعبود بالعبادة، والتوحيد عند أهل الحقيقة: هو تجريد الذات الإلهية...إلى آخره.
      فهذه هي القضية، أنهم يفرِّقون بين الشريعة، وبين الحقيقة، فنحن أهل السنة والجماعة أهل شرع، واتِّباع، ولا يمكن للواحد منَّا أن يدعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يخرجه عن التوحيد -والعياذ بالله- لأنَّه مادام التوحيد هو إفراد الله بالعبادة في الشرع -كما يذكر هو أيضاً باعترافه-: فنحن ندعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبِّتنا على التوحيد، وأن يميتنا موحِّدين، ويبعثنا موحِّدين.
      لكن الصوفية لما كان عندهم علم الحقيقة، والتوحيد في عرف الحقيقة وفى اصطلاح الحقيقة شيء آخر: فهُم يدعون الله تعالى ليل نهار أن يخرجهم من التوحيد الذي هو توحيد أهل الشريعة.
      ويقول: نحن لا نقصد الخروج من التوحيد بمصطلحنا، أو مصطلح الحقيقة؟
      لا، إنما يخرجنا من التوحيد بمصطلحكم أنتم يا أهل الشريعة؛ ليلقيه في بحار الأحدية التي ليس فيها أوهام ولا تخيلات في الأذهان، بل هي كما يعبِّر عنها ويقول: هي التوحيد، وهي حقيقة التحقيق لمعرفة كمال وجمال وجلال الأحدية...إلخ.
      إذاً: نقول لهؤلاء: باعترافكم هذا، ومن كلامكم هذا ماذا تقولون؟
      هل كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التوحيد الذي عرَّفتموه بأنه التوحيد شرعاً؟
      أو على الأحدية التي تريدون أن ينتشلكم الله إليها، ويزج بكم في بحارها؟
      نسألكم، ونقول لكم: الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما أرسل معاذاً إلى اليمن، وقال له -كما في الروايات الصحيحة في البخاري { فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله } الكلام لا يخلو من أمرين: إما أن يكون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاهلاً -وحاشاه من ذلك- بأن فوق التوحيد درجة عليا هي درجة الأحدية هذه، ولذلك أرسل معاذاً بالدرجة التي يعلمها فقط، وهي التوحيد دون درجة الأحدية؛ حتى جاء أصحاب الكشف والفيض الأفلاطوني، والذوق، والتيجاني في القرون المتأخرة، أو البكري ووضعوا مثل هذه الأفكار والأدعية التي تُعلِّم الناس التوحيد، وحقيقة التوحيد؟
      وإما أن تقولوا: إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِم التوحيد الشرعي وعلَّم أمته؛ لكن هذا التوحيد هو عين الشرك! وعلَّم الأمة في الجملة عين الشرك، وكتَم التوحيد الحقيقي الذي هو الأحدية! وهذا -والعياذ بالله- اتهام للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحاشاه أن يكتم شيئاً مما علمه الله.
      أو تقولوا كلاماً آخر: وهو أن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم توحيد الشريعة للعامة، وعلَّم الأحدية للخاصة، ربما يكون هذا مِن أقوالكم؛ فاختاروا ما شئتم وكلها لا زمة لكم مهما تنصلتم.
      والمضحك فعلاً: أن الرفاعي عندما يدافع عن هذه العبارة يقول: هذه لا غبار عليها، لا تنكروا علينا أننا ندعو الله أن ينشلنا مِن التوحيد إلى الوحدة فهذا هو الصحيح!!
      إذاً أنت تدعو الله أن ينتشلك من التوحيد الذي هو إفراد المعبود شرعاً، أو ينتشلك من التوحيد الذي عرَّفته أنه توحيد الحقيقة؟ فسواء هذا أو هذا فأنت تدعو الله أن ينتشلك منه، إما توحيد أهل الشريعة، وإما توحيد أهل الحقيقة، فتدعو الله أن ينتشلك من التوحيد، على أي التعريفين تعريف أهل الشريعة، أو الحقيقة.
      ولهذا أقول: إن الرجل لا يعي ما يقول، لكن مِن المؤكد أن الأقطاب الذين وضعوا هذه العبارة يعون ذلك جيداً، ويفهمون دلالتها، وأنَّه ينتشلهم من هذا ومن ذاك ليتحقق لهم وحدة الوجود التي هي عندهم عين الأحدية.
    3. رجال الغيب

      ننتقل الآن للحديث عن رجال الغيب، ويوجد لدينا عندنا مرجع صاحبه كأنه معاصر وهو النبهاني / توفى سنة (1350هـ).
      وحتى لا يقولوا هذه أفكار قديمة -كما يقول بعض الناس- وعفا عليها الزمن، لا، فـالنبهاني توفى عام (1350هـ)، وتلاميذه مازالوا موجودين، ومنهم: هؤلاء القوم.
      يقول: '' إن رجال الغيب كثيرون، ومنهم رضي الله عنهم "النقباء"، وهم اثنا عشر نقيباً في كل زمان لا يزيدون، ولا ينقصون، ومنهم رضي الله عنهم "النجباء"، وهم ثمانية في كل زمان لا يزيدون، ولا ينقصون، ومنهم رضي الله عنهم "الحواريون"، وهو واحد في كل زمان لا يكون فيه اثنان، فإذا مات ذلك الواحد: أقيم غيره، ومنهم رضي الله عنهم "الرجبيون"، وسموا رجبيين لأن حال هذا المقام لا يكون لهم إلا في شهر رجب، ومنهم رضي الله عنهم "الأبدال"، وهم سبعة لا يزيدون، ولا ينقصون يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة!! ''
      أقول: كما سبق أن قلنا: إن الله عز وجل عند الصوفية لا يتصرف في الكون إلا بواسطة، فالأقاليم السبعة على الجغرافيا القديمة التي كانت قبل ألف سنة، وضع الصوفية سبعة رجال مِن الأبدال كلٌّ منهم يحفظ إقليمه، ويتصرف فيه.
      ويقول: ''منهم رضي الله عنهم "الختم"، وهو واحدٌ لا في كل زمان، بل هو واحد في العالم، يختم الله به الولاية المحمدية '' قول: خاتم الأولياء واحد، ولذلك ابن عربي و ابن سبعين، وأحمد التيجاني، ومحمود محمد طه، كلٌّ منهم يدَّعي، ويحرص أن يكون هو خاتم الولاية؛ كما يدَّعي كذابو الشيعة، وغيرهم: أنَّ كلاًّ منهم هو المهدي المنتظر.
      يقول: '' ومنهم رضي الله عنهم ثلاثمائة نفس على قلب آدم عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم أربعون نفساً على قلب نوح عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم سبعة على قلب الخليل عليه السلام ''.
      أقول: سبق أن ذكرنا لكم مِن أن حرصهم على تعظيم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما هو تعظيمٌ لأنفسهم؛ لأنهم يقولون: إن رجال الغيب منهم مَن يصل إلى أن يكون على قلب فلان مِن الأنبياء؛ فهو كالنَّبيِّ، وأسقطوا الفرق بين البشر العاديين وبين الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، بل وبين الملائكة أيضاً.
      يقول النبهاني: '' ومنهم رضي الله عنهم خمسة على قلب جبريل عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة على قلب ميكائيل عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم واحد على قلب إسرافيل عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم ثمانية عشر نفساً أيضاً هم الظاهر بأمر الله عن أمر الله، ومنهم رضي الله عنهم ثمانية رجال يقال لهم "رجال القوة الإلهيَّة"، ومنهم رضي الله عنهم خمسة عشر نفساً، هم "رجال الحنان والعطف الإلهي"!! '' أقول: هل قوة الله تعالى وحنانه، أو رحمته تكون عن طريق هؤلاء بزعمهم؟!
      قال: '' ومنهم رضي الله عنهم أربعةٌ وعشرون نفساً في كل زمان يسمَّون "رجال الفتح"، ومنهم رضي الله عنهم واحد وعشرون نفساً، وهم "رجال التحت السفلي"، ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة أنفس، وهم "رجال الإمداد الإلهي والكوني"، ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة أنفس "إلاهيون، رحمانيون" في كل زمان، ومنهم رضي الله عنهم رجل واحد وقد تكون امرأة في كل زمان، ومنهم رضي الله عنهم رجلٌ واحدٌ مركَّبٌ ممتزج في كل زمان لا يوجد غيره في مقامه، وهو يشبه عيسى عليه السلام متولِّدٌ بين الروح والبشر، لا يُعرف له أبٌ بشري، كما يحكى عن بلقيس أنها تولدت بين الجنِّ والإنس، فهو مركَّب بين جنسين مختلفين، وهو "رجل البرزخ، به يحفظ الله تعالى البرزخ.. ''إلى آخر كلامه.
      انظروا ترتيب هؤلاء الرجال، وانظروا تصنيفهم، أعدادهم، لماذا كانوا بهذا الشكل، ثم هذا الأخير الذي يشبه عيسى عليه السلام، أليس هذا يصدِّق بأن أصل الصوفية، أو مِن أصولها النصرانية التي هي في الأصل منقولة عن النصرانية، نقلها شاؤل اليهودي، فهي في الأصل دسيسة يهودية نقلت من النصرانية ديانة وثنية شرقية إلى النصارى، ثم أخذها هؤلاء عن طريق النصارى؟
      وهذا يؤكد ما هو معروف مِن أنَّ أول مَن وضع ما يسمُّونه [خانقاه]، أو [الرباط] للصوفية هو أحد أمراء "الرملة" النصارى في فلسطين، هو الذي وضع لهم [الخانقاه] هذا أو [الرباط]، ثم انتشرت الأربطة فيما بعد، وهذا الكلام - وهو أنَّ أول مَن بنى الرباط هو أمير نصراني في الرملة -: نقله عبد الرحمن الجاني في كتابه نفحات الأنس صفحة 34، ونقله الدكتور طلعت غنام صفحة 64 في كتاب جهلة الصوفية وعبد الرحمن الجاني يعد مِن الصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود، عاش في نهاية القرن التاسع، وله كتاب في وحدة الوجود طبعه الطابعون في مصر مع أساس التقديس للرازي لأنَّ القوم أشاعرة، وصوفية؛ فطبعوا أساس التقديس -كتاب الأشاعرة- وطبعوا معه رسالة الجواهر أو الدرر لـعبد الرحمن الجاني في وحدة الوجود، وترجم له الزركلي في الأعلام.
      والحديث عن هؤلاء الرجال طويل جداً، ولا أستطيع أن أتحدث عنه بالتفصيل بقدر ما أحاول -إن شاء الله- أن أنقل كثيراً مما نُسب إليهم مِن كرامات، وشركيَّات، وتعلقات بهم، إنما هناك قضية خطيرة ينبغي لي أن أنبِّه عليها وهي تجمع هؤلاء الرجال جميعاً، وتعطينا وصفاً لهم.
      هذه القضية: أنَّ رجال الغيب عند الصوفية الموصوفين بهذه الصفات، هم يعيشون بين الناس، وهم رجال مِن البشر، يعيشون بيننا، منهم المعروف، ومنهم المجهول، ومنهم الظاهر للناس، ومنهم المستتر عنهم، بحيث إنَّه يراهم، وهم لا يرونه، ويكاشف متى شاء!! أي: هذه الصفة مشتركة بين هؤلاء الرجال، ولذلك تجد الصوفية -حتى من العوام وغيرهم- يقولون: "فلان يمكن أن يكون ولياً"، "ويمكن أن يكون مِن رجال الغيب فلا تتعرض له ولا تكلمه"!!
      كيف وبأي دليل يستدلون على هذا؟!
      هنا القضية، وهي: أن هؤلاء الرجال مخالفون في سيرتهم، وفي أحوالهم للشريعة، ولمألوفِ النَّاس، فلا تتصور رجلاً مقيماً في مكان يدرس سنَّة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو عالم مِن العلماء مشتغل بالتفسير، أو بالحديث، أو بالسنَّة أو بالدعوة، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالجهاد.
      لا تتصور أن الصوفية يعتقدون أنَّ هذا مِن رجال الغيب، لا ليس هذا أبداً، القضية: أن هذا الرجل ينبغي أن يكون كما يسمونه "بهلولاً"، "مجذوباً"، يقع على المزابل، يلتقط من القاذورات، ورأينا نماذج مِن هؤلاء في الحرم مِن أقذر الناس، شعورُهم نافرة، وأظافرهم طويلة، وهكذا نجد أشكالاً غريبة جدّاً، خارجة عن المألوف، ويقال: هؤلاء هم "الأولياء"، ربما يكون هذا هو "القطب الأعظم" الذي يدير الكون كلَّه وأنت لا تدري!! وربما يكون مِن "رجال الغوث"، ربما يكون مِن "النجباء"، وربما يكون مِن "الرجبيين"، وربما يكون مِن "الرحمانيين"، وربما يكون على قلب نوح، أو الخليل، وأنت لا تدري!
  7. الأولياء وكيفية عبادتهم

     المرفق    
    وهنا خطورة كبرى، ومطب كبير أفسدتْ به الصوفية دينَ المسلمين، بل إن سرَّ التصوف يكمُن تحت مثل هذه الأمور.
    فلو رجعنا إلى مرجع قديم من مراجع الصوفية، وهو كتاب أبي عبد الرحمن السلمي، من كبار الصوفية المعروفين، مؤلف التفسير الإشاري وحقائق التنـزيل كتب كتاباً عن الملامية، أو الملامتية: وهم فرقة الصوفية في المشرق، وهم مِن أوائل الزنادقة الذين أسَّسوا هذه الفكرة، وهي فكرة أن الأولياء مخالفون لظواهر الشرع، ومخالفون لأحوال الناس.
    ويقول عن هؤلاء الملامية أو الملامتية، في صفحة [98] مِن كتابه الملامتية، الذي حققه أبو العلا عفيفي، طبع في مصر سنة (1364هـ)، يقول: '' إنَّهم رأوا التديَّن بشيءٍ مِن العبادات في الظواهر شِركاً والتزيَّن بشيء مِن الأحوال في الباطن ارتداداً'' يقولون: إن مَن يُظهر شيئاً مِن الطاعات، أو من العبادات فهذا مشرك، وإذا أسرَّ في قلبه شيئاً مِن الأحوال فهو أيضاً مرتد.
    ويقولون: إن كلَّ عملٍ وطاعةٍ وقعت عليه رؤيتُك، واستحسنْتَه مِن نفسك فذلك باطل.
    وينقل عن أحدهم، فيقول: '' هم قومٌ قاموا مع الله تعالى على حفظ أوقاتهم، ومراعاة أسرارهم، فلاموا أنفسهم على جميع ما أظهروا مِن أنواع القُرَب، والعبادات، وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيه، وكتموا عنهم محاسنَهم، فلامهم الخلْقُ على ظواهرهم، ولاموا هم أنفسهم على ما يعرفون مِن بواطنهم، فأكرمهم الله بكشف الأسرار والاطلاع على أنواع الغيوب، وتصحيح الفِراسة في الخلق، وإظهار الكرامات عليهم!! ''.
    أي: أن هؤلاء القوم لما أظهروا القبائح -بزعمهم- ازدراءً لأنفسهم، وحتى لا يتعلق بهم النَّاس، وحتى لا يظنوا فيهم أنَّهم أولياء، وهم يريدون أن يكونوا أولياء في الباطن فقط، ولا أحد يعلم بهم، وينـزِّهوا عن أنفسهم الرياء، وعن كلام الناس: أظهروا القبائح، وأظهروا المعايب، وأظهروا الشنائع حتى أن منهم مَن كان يأتي الفاحشة في الدواب علانية أمام الناس، ومنهم مَن دخل الحمَّام فسرق لباس أحد النَّاس، ولبسه بحيث يُرى، وخرج في الشارع، وكان الناس يعتقدون فيه الولاية، فلما رأوه أدركوه، وضربوه، وأخذوا الملابس، فقيل له في ذلك، فقال لهم: حتى أسْقط مِن أعينهم، وأبقى في عين الحق!! إلى آخر ما ينسجونه حولهم مِن الحكايات التي يصنعونها -كما يقولون- في تزكية النفس، وتطهيرها.
    وهذا الكلام من المعلوم أنه مخالف لقول النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: { من سرَّته حسنتُه، وساءتْه سيئته، فهو المؤمن} فالمؤمن لا يحب ذلك، ولم يؤمر أن يُظهر السيئات والقبائح، لكن القضية أكبر مِن قضية مخالفة هذا الحديث، القضية: أنَّها مخالفة للإسلام، وهدم له، وإيضاح ذلك بشيء مِن التفصيل أن نقول:
    إن الزنادقة الذين أنشئوا هذا الدين، وركَّبوه، ونقلوه إلى المسلمين، ولبَّسوا به عليهم، هؤلاء واجهتهم الأمَّة بالإنكار، والرد والتكذيب حتى العوام مِن المسلمين، ودمغوهم بالكفر، والزندقة، وقلَّ أن تجد عالماً مِن كبار الصوفية إلا واتُّهم بالزندقة؛ إمَّا أن يكون قُتل بتهمة الزندقة، أو اتُّهم بها، أو سجن كما سجن ذو النون، وكما اتُّهم الجنيد، وقتل الحلاج، وغيرهم مِن هذا النوع.
    واستدل العلماء، والمسلمون بظاهر حالهم هذا المخالف للشرع على خبث الباطن، وعلى خبث الطوية؛ لأنَّه ليس بوسع المسلم أن يرى رجلاً يمشى مكشوف العورة، أو رجلاً يرتكب الفاحشة في البهائم علانية، ويترك الجمع، والجماعات، ويُقر على ذلك؛ فضلاً عن أن يعتقد أن هذا مِن رجال الغيب، أو مِن أولياء الله، لا يمكن هذا أبداً.
    فهؤلاء الزنادقة أرادوا أن يخترعوا تقاة، أو تقية، أو خديعة شيطانية، لكي يوقعوا بها النَّاس، ويلبِّسوا بها على المسلمين، فقالوا لهم: هؤلاء القوم أولياء، فوصلت بهم مجاهدة النفس إلى حد استعذاب الأذى في ذات الله تعالى، وإلى استجلاب تهمة الناس لهم، هم يدْعون النَّاس إلى أن يتهموهم، ويلوموهم، ويتكلموا فيهم، ويكرهوهم، ويحتقروهم، هم يريدون بذلك أن يُنقُّوا أنفسهم، بمحبتهم لله، وأن يتجردوا عن الرياء، وعن الشهرة، وأن يسقطوا مِن عين الخلق، ويبقوا في عين الحق -كما يقولون- فهم متعمِّدون في هذا، ويحبون أن يقول النَّاس: إنَّهم زنادقة! مخالفون! ويستمرون على إظهار هذه الأحوال على حد قول الشاعر كما يقولون:
    أجد المـلامة في هـواك لذيـذة             حبّاً لذكــرك فليلمني اللُّـوَّم
    لكن في الحقيقة أن المسخور منهم، والمستهزأ بهم هم هؤلاء أصحاب الظاهر المغفلون الذين ينتقدون مثل هؤلاء الأولياء، أو يلمزونهم، أو يتكلمون فيهم بدعوى أنهم مخالفون لظاهر الشرع، وهؤلاء شهدوا الحقيقة الكونيَّة، وأدركوا سرَّ القدر، واشتغلوا بإصلاح القلب عن إصلاح الظاهر، واشتغلوا بمحبة الحق عن سماع إنكار الخلق، ويقولون مِن جملة ما يقولون ويتعللون به: إنَّكم أنتم يا أهل الظاهر -الفقهاء، والعلماء، والرسوم- تنكرون علينا أن نترك صلاة الجمعة، وأنتم تكتبون في كتب الفقه: أن مَن خاف ضياع ماله جاز له تركها لأجله، ومَن كان مسافراً، ولو كان مسافراً للدنيا أو للتجارة يجمع المال تسقط عنه صلاة الجمعة، فكيف بالذي في الخلوة مستغرق مع الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وقلبه متعلق بمحبة الله الذي هو أغلى مِن الدنيا كلِّها؟
    وتقولون: هذا لا يمكن أن يَترك الجمعة، والجماعات؟
    ولا يجوزله أن يعتكف في خلوة، ويترك الجُمُع والجماعات؟
    ويقولون: أليس الله تعالى أغلى وأعظم مِن الدرهم والدينار؟
    والمجتمِع مع الله أليس هو أعظم ممن هو مجتمِع على قليلٍ مِن المال يخشى أن يضيع منه؛ فيجوز له -عندكم وفي فقهكم- أن يترك الجمعة لأجله؟!
    ويقولون: أنتم تقولون: إن الإنسان إذا أغمي عليه؛ فانكشفت عورته فهذا جائـز، وقد يكون هذا الإغماء بسبب ضربة شمس، أو لمرضٍ، أو نحوه، فلا حرج عليه أن تكشف عورته.
    وتذكرون -أيضاً- في كتبكم يا أهل السنة أن زوج بريرة كان يتبعها في طرقات المدينة، ودموعه تنحدر حبّاً لها، ولم يُحرَّج عليه في ذلك، وكان ذلك في عهد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُنكرون ذلك؟ وتنكرون على مَن يكون إغماؤه لآية سمعها، أو كشفٍ جَلَّى له الحق فأغمي عليه وكشفت عورته، وأخذ يصرخ ويقول: أنا الحق، أنا الحق، أنا الله، أنا الله!! كيف تُعذرون مَن سقط وتكلَّم بما لا يدري من مرضٍ أو نحوه، وبين مَن لم يسقط إلا حبّاً، ووجداً، وهياماً بالمعبود الحق، وبالحبيب الأعظم، وهو الله تعالى عندهم!!
    أقول: رأى الزنادقة أن هذه هي أخطر وسيلة لهدم دين الإسلام، وإبعاد الأوامر والنواهي وإبطالها، وإبطال الجهاد، وإبطال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واندثار أمر الإسلام بالكلية، والقصص في ذلك كثيرة، منها: ما ذكره شَيْخ الإِسْلامِ، وتحدَّث عنه في كتاب الاستقامة: أن بعضهم كان إذا سمع المؤذن قال له: اسكت يا كلب! لعنك الله! أو نحو ذلك وينهره ويشتمه، وكثيرٌ مِنهم كان يصنع هذا، فإذا قيل له: كيف تقول ذلك؟!
    قال: هؤلاء أهل الظاهر يؤذِّن في الظاهر، وهو في الباطن لا يعلم حقيقة التوحيد الذي يقوله عندما يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، فإذا نقدهم أحد كيف تقول للمؤذن هذا الكلام؟
    يقول: هذا مِن ولايته، هذا مِن فهمه للتوحيد يشتم المؤذن؛ لأنه يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وهو لا يدرك التوحيد... إلى غير ذلك.
    المهم أن هذه طريقة لإسقاط الأوامر والنواهي، فأنت لا تنكر على أي إنسان منهم؛ لأنك لا تدري -في عرفهم، وفي كلامهم- أن هذا المجذوب الذي تراه مطروحاً على المزبلة والناس هناك يصلون؛ ربما أنه لا يفعل هذا إلا تستراً، وإلا فهو قوَّام بالليل، وبكَّاء بالسَّحَر، وأوَّاه منيبٌ في خلوته حين ينقطع عن الخلق وينفرد بالحق.
    وما يدريك أنك قد تنكر على رجلٍ سكران في الشارع، وليس بسكران سُكْر خمرٍ إنما هو سُكْر الوله، والمحبة، والوجد، والشوق!!
    أيضاً: قد ترى امرأة عارية الشعر والنَّحر تتواجد وتتمايل، فتقول: هذه لاهية، أو راقصة، أو مطربة، وهي وليَّة! مستغرقة في عين الجمع مع الله! أنت ترى جسدها على الأرض، ولكن قلبها في السماء عند الله، أو في العرش!!
    ويمكن أن ترى مجنوناً يرغي ويزبد ويطارد الصبيان في الشوارع، وتقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به"، أو نحو ذلك، لكن لا تدري -على كلامهم- أنك أنت المبتلى بحجاب الغفلة، هذا عارفٌ مِن العارفين، أو بَدلٌ مِن الأبدال، تستَّر بالجنون حتى لا يُدرى من هو، وتكون هذه الولاية خاصة بينه وبين الله، حتى يلومه النَّاس فيما يفعل؛ فيحصُل له الأجر مِن لومهم.
    أقول: إن مثل هذا الكلام هو: تلبيس للحقائق، وإضاعة للمعايير التي نعرف بها الصالح مِن الطالح، والمجنون مِن الصحيح، فتضيع المعايير، ثم تنشر هذه الترهات والخزعبلات بين عامة المسلمين وجهلتهم، خاصة في المناطق النائية في القديم، فماذا يكون رد الفعل عند المسلمين إذا اعتقدوا أن الولي ليس الذي يدرِّس كتاب الله، والصحيحين في المسجد الحرام -مثلاً- أو يجاهد في سبيل الله؟
    وإنما الولي: هذا الأشعث الأغبر القذر المنتن، الذي نراه يلتقط القمائم مِن جوار الحرم، ولا يمد يده لأحدٍ لأنَّه متوكلٌ، فيقول: ربما كان هو "القطب الأعظم"! أمَّا هذا الذي يمكث في الحَرَم يُدرِّس البخاري، أو فتح الباري فهذا من علماء الظاهر، ومِن الناس العاديين، وليس مِن "رجال الغيب"، ولا مِن "أهل الحقائق" فهنا الخطورة.
    وتحت هذا اللَّبس يذكرون الكرامات، ويذكرون الشركيات الشنيعة، ويدافعـون عن ذلك دفاعاً مريراً، وأنا أنقل نصّاً واحداً يبين ذلك من كتاب المشْرَع الروي في فضائل آل با علوي نقلاً عِن اليافعي الذي له كتاب مرآة الجنان وهو مليء بهذه الخرافات أيضاً.
    يقول اليافعي في [1/322]: '' وكثيرٌ مِن هذه الطائفة -أعني: الصوفية- جمعوا بين الوَلَه والتجريد في ظاهر الشرع -تخريباً بائناً- أسقطهم عن أعين الناس؛ ليستتروا عن شهرة الصلاح، يخفون محاسنهم ويظهرون مساوئهم، ومنهم مَن يكشف عورته بين الناس، ومنهم مَن يُرى أنَّه لا يصلي، وهم يصلُّون، ويجتهدون فيما بينهم وبين الله تعالى، وقد شوهد كثيرٌ منهم يصلي في الخلوات، وفى جوف الليل؛ لأنَّهم كانوا يبالغون في نفي رؤية الخلق، وإسقاطها مِن قلوبهم، ولا يبالي أحدهم بكونه عند النَّاس زنديقاً إذا كان عند الله ليس زنديقاً، كنسوا بنفوسهم المزابل لتحيا لمولاهم حياةً طيبةً قبل المعاد!'' اهـ.
    يقولون: فليكن زنديقاً عندك، وعند غيرك، لكنه عند الله ولي!!
    لو جاء زنديق حقيقي، وقال هذه الكفريات! فما أدرانا أن يكون هذا وليّاً؟!
    إلى أن يقول: '' ومنهم مَن يحتجب بحاله عن أعين الناس، وهم معهم في الصلوات! }'' أقول: انظروا يصلي مع الجماعة ويمكن أننا لم نره!!
    يقولون: هذا موجود فلا تُنكر عليه، '' ولهؤلاء أطوار لا يدركها العقل'' - هم يسمُّون اختلاف التشكل: تطوراً!! لعلنا نقرأ هذا في الكرامات، هذا التطور مِن عمل المشعوذين، والسحرة، والجن، واستعانتهم بالشياطين، '' وإنما تدرك بالنُّور- يعني: بالكشف- ويعرفها العارفون بالله تعالى -يعني: لا نعرفها نحن المحجوبون ''.
    يقول: '' فقد روِينا أن بعضهم كان لا يُرى أنَّه يصلي، فأقيمت الصلاة يوماً وهو جالس، فقال له بعض الفقهاء: قم فصلِّ مع الجماعة - فالفقيه أنكر عليه، وقال له: قم صلِّ- فقام، وأحرم معهم، وصلَّى الركعة الأولى، والفقيه المنكِر ينظر إليه، فلمَّا قاموا إلى الركعة الثانية: نظر الفقيه إلى مكان الرجل، فإذا به غيره يصلي؛ فتعجب مِن ذلك، ثم رأى في الركعة الثالثة شخصاً ثالثاً، ثم في الرابعة رابعاً، فزاد تعجبه - أربعة أشخاص في أربع ركعات- فلما سلَّم مِن صلاته التفت، فرأى صاحبَه الأول جالساً مكانه، وليس عنده أحدٌ، فتحير الفقيه مما رأى، فقال له الفقير وهو يضحك -الصوفي يسمونه فقيراً-: يا فقيه! أي الأربعة صلَّى معكم هذه الصلاة؟
    يقول اليافعي: فاعترف الفقيه بفضله وزال ما عنده من الإنكار! }''
    إذاً: مادام أنه يصلي كل ركعة بشكل شخص آخر: إذاً يمكن أنه يصلي في أي وقت، وأنت لا تنكر على أي إنسان تراه تاركاً للصلاة، والناس يصلون الجمعة والجماعات لأنَّك لا تدري؛ لعله صلَّى في صورة أخرى، كيف تنكر على أولياء الله فأنت مِن جهلك تنظر بنظرك العقلي، الحسي العادي، وهؤلاء قوم لهم أمور أخرى، ولهم أطوار أخرى!
    أقول: إنَّه بمثل هذا الكلام والتلبيس استطاعت الصوفية أن تضرب بسورٍ عريضٍ بين أولياء الله الحقيقيين المجاهدين في سبيل الله، وعلماء الأمة العظام الذين يقفون في وجه المنكرات، ويحاربون أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبين عامة المسلمين، ضربوا بينهم بسورٍ عظيمٍ؛ فأصبح مَن لم يكشف عورته، ومَن لم يترك الصلاة، ومَن لم يطرح نفسه على المزابل، أولمَ يَظهر للنَّاس أنَّه بَهلول، أو مجنون؛ فهذا ليس بوليٍّ عند عامَّة المسلمين، وليس مِن أصحاب الكرامات، ومِن ثَمَّ فلا يلتمس منه هدًى ولا علم؛ لأنَّه مِن أصحاب الظاهر، ومِن أصحاب الرسوم، ومِن الملبَّس عليهم، ومن المحجوبين.. إلى آخر هذه الألقاب التي ينبز بها هؤلاء الصوفية علماء الشريعة، وفقهاء السنَّة، وأولياء الله تعالى الحقيقيين.
    ولم تقف الصوفية عند هذا الحد فحسب؛ بل أصبحت تُنكر على مَن يُنكر على أي دين! -أي: لا يكفي أن تنكر على إنسان مسلم أنَّه كشف عورته، وترك الجمعة، والجماعة، بل يقولون: لا تنكر على أي إنسان أنه منتسب إلى أي دين!!
    انظروا إلى كتاب أخبار الحلاج ص [54]، يقول عبد الله بن طاهر الأزدي: '' كنتُ أخاصم يهوديّاً في سوق بغداد، وجرى على لفظي أن قلتُ له: يا كلب! فمر بي الحسين بن منصور الحلاج، ونظر إليَّ شزراً، وقال: لا تنبِح كلبك، وذهب سريعاً، فلما فرغتُ مِن المخاصمة قصدته، فدخلتُ عليه فأعرض عني بوجهه، فاعتذرتُ إليه، فرضي، ثم قال لي: يا بني، الأديان كلها لله عز وجل!! شَغَل الله بكل دينٍ طائفة لا اختياراً فيهم، بل اختياراً عليهم، فمن لام أحداً ببطلان ما هو عليه: فقد حَكَم أنَّه اختار ذلك لنفسه.
    وهذا مذهب القدرية، والقدرية مجوس هذه الأمة واعلم أن اليهودية، والنصرانية، والإسلام، وغير ذلك مِن الأديان هي ألقاب مختلفة، وأسامٍ متغايرة، والمقصود منها لا يتغير ولا يختلف، ثم قال -أي: أنشد الحلاج شعراً بعد ذلك-:
    تفكرت في الأديان جـداً محققاً             فألفيتها أصلاً لها شُعُبٌ جمّاً
    فلا تطلين للمرء دنيا فإنــه            يُصد عن الأصل الوثيق وإنما
    يطالبه أصل يعبر عنـده             جميع المعالي والمعاني فَيُفْهَما ''
    يقول: الأديان كلها واحدة، ولا يجوز لك أن تقول لأحدٍ: إنَّك يهودي، أو نصراني، كل الديانات حق، وكلها طرق موصلة إلى الله! هكذا يقول، وهنا تلتقي الماسونية الحديثة بهذه الأفكار القديمة، ومثل هذا قول ابن عربي:
    لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي             إذا لم يكن ديني إلى دينه دانِ
    لقد صار قلبي قابلاً كل صـورة             فمرعى لغزلان ودير لرهبان
    وبيت لأوثان وكـعبة طائف             وألواح توراة ومصحف قرآن
    أدين بدين الحب أنَّى توجهت             ركائبه فالحبُّ ديني وإيماني
    يقول: ابن عربي: ديني دين الحب -كما قلنا سابقاً أن الثيوصوفية محبة الله- فدينهم دين الحب فقط، فمَن أحب الله على أي ملة، وعلى أي نحلة -يهوديَّة كانت أو نصرانيَّة أو إسلامية- فهو حبيب الله عندهم، ولا ينكَر عليه على الإطلاق، هنا تلتقي الصوفية مع الماسونية، وهنا ندرك لماذا الماسونية تشجع التصوف؟
    لأنَّ الماسونية تحت هذا الكلام يهدمون الأديان جميعاً ليبنوا هيكل سليمان، ودين اليهودية فقط، فيطلبون مِن الناس أن يتركوا أديانهم.
    أمَّا اليهود فدينهم مغلق، فهم لا يريدون أن يدخل أحدٌ في دينهم أبداً، فلا يدْعون أحداً إلى دينهم، فيريدون مِن أهل الأديان الأخرى أن يتخلوا عنها، وأن يتركوها، وأن يساهموا جميعاً في بناء هيكل سليمان.
    الماسونية والصوفية تلتقي هنا، والمؤسسون متفقون مِن الأصل وإلى الآن، ولذلك لا عجب أن نرى الماسونية والدول التي تحركها الماسونية في الخفاء تدعم التصوف وتنشره وتحقق تراثه، وتفتتح أقسام الدراسات العليا ونحوها عن الإسلام، وما هي عن الإسلام شيء، وإنما هي عن هذا التصوف.
    أقول هذا لنعرف حقيقة هذا الدين، وحقيقة الدوافع التي تدفع الصوفية لإظهار القبائح -كما يسمُّونها- وعند استعراضنا للكرامات سنجد الكثير مِن مثل هذه الأمور، ونعرف علتهم، وهدفهم وراء ذلك كله.
  8. باب الكرامات المذكورة عند الصوفية

     المرفق    
    الكرامات -كما يسمُّونها- هي: أحوال، منها كرامات، ومنها استغاثات، وسأعرض بعضها عرضاً سريعاً، وهذه موجودة في كتبهم مثل طبقات الشعراني والمشْرَع الروي في فضائل آل با علوي وجامع كرامات الأولياء.
    يقول عبد القادر الطشطوشي: '' أرباب الأحوال مع الله كحالهم قبل الخلق وإنزال الشرائع''.
    1. كرامات ابن عيسى

      يُعد أبو بكر بن عيسى أحد أكابر الأولياء عند الصوفية يقولون عنه: '' كان كثير الاستغراق، ويخبر بالمغيبات، ويرجع إليه في المعضلات، وكان أهل البلاد إذا سافروا في البحر، وحصل لهم شدة يذكرونه، وينذرون له بشيءٍ؛ فيرونه عندهم عِياناً، فينجيهم الله تعالى ببركته، وإذا جاءوا إلى بلدته طالبهم بالنذر الذي نذروه له ''.
    2. كرامات محمد بن عباس

      وهذا الفقيه محمد بن عباس الشعبي يقول: '' رأيت ذات ليلة في المنام أن القيامة قد قامت، ورأيت النَّاس مجتمعين في صعيدٍ واحـدٍ، حفاةً عراةً كما جاء في الخبر وأنا مِن جملتهم عرياناً، ورأيتُ موضعاً مرتفعاً، والقاضي محمد بن علي -الولي صاحب الكرامة- واقفاً عليه، وعليه ثيابه كلها حتى العمامة، والنَّاس محدقون به، فهرولت إليه، فلما دنوتُ منه سمعتُه يقول: كلكم في شفاعتي فاطمأنوا!! فقلت له: وأنا معهم؟
      فقال: وأنت معهم ''.
    3. كرامات الضجاعي

      وهذا أبو عبد الله محمد بن يوسف اليمني الضجاعي يذكرون مِن كراماته أنَّه رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول له: '' إن أردت أن يفتح الله عليك بالعلم فخذ مِن تراب قبر الضرِّير شيئاً وابتلعه على الريق؛ ففعل الفقيه ذلك، فظهرت بركته ''.
    4. كرامات شمس الدين الحنفي

      يروون عن أحدِ كبرائهم، وهو المسمَّى: شمس الدين محمد الحنفي أنَّه أوصى في مرض موته فقال: '' مَن كان له حاجة فليأت إلى قبري، ويطلب حاجته أقضها أنا! ''
      وهذا الحنفي أيضاً، يسمُّونه أعظم خلفاء البكري يذكرون: أنَّه امتحنه البكري مرة، فقال له: '' كان الليلة في نفسي أمر ما هو؟! فأخبره به! فقال: أصبتَ، هذا الذي كان في نفسي! ''
      أقول: هذا علم الغيب، وعندهم من هذا كثيرٌ جدّاً، يعلم الواحد منهم ما في نفس المريد، ويقول: '' اشتدَّ بنا الكرب الليلة، والأغلال في أعناقنا فاستغثنا بحضرة الشيخ واستجرنا! ومتى استغاث به أحدٌ أدركه ''.
      أما الرفاعي والبحريني وهؤلاء المغاربة الذين يقولون إن هذا ما يفعله إلا بعض الجهال. فالواقع أنَّه لا يفعله إلا هؤلاء الأولياء.
      ويقول: '' كان جالساً يوماً مع أصحابه في رباطه إذ ابتلَّت يده الشريفة وكمُّه إلى إبطه، فعجبوا من ذلك، وسألوه عنه، فقال قدس الله سره: استغاث بي رجلٌ مِن المريدين تاجرٌ، وكان راكباً في السفينة، وقد كادت تغرق، فخلَّصتها مِن الغرق! فابتلَّ لذلك كمِّي ويدي! فوصل هذا التاجر بعد مدةٍ، وحدَّث بهذا الأمر كما أخبر الشيخ! ''
      الشيخ في حضرموت، والسفينة في بحر الهند، وأنقذها وهو جالس مع أصحابه لأنهم استغاثوا به!
      ويقولون عن شمس الدين الحنفي: '' إنه كان رضي الله عنه يتكلم على خواطر القوم، ويخاطب كلَّ واحدٍ مِن النَّاس بشرح حالِه -يعني: قبل أن يتكلم المريد يقول له: أنتَ تريد كذا، وعندك كذا- فقال له رجل: بلغَنا عن الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه أنَّه عمِل يوماً ميعاداً سكوتيّاً لأصحابه -أي: حضرة سكوتية، يكونوا كلهم ساكتون، ولكن القلوب فقط تتخاطب، وبعضهم يخبر بعضاً- يقول: ومرادُنا أن تعمل لنا ذلك، فقال الشيخ الحنفي: نفعل ذلك غداً إن شاء الله تعالى، فجلس على الكرسي وتكلم بغير صوت ولا حرف '' وهم يقولون: إن الله تعالى يتكلم بلا صوت ولا حرف وهم أشاعرة صوفية، ومع ذلك تكلم بغير صوت ولا حرف.
      '' قال: فأخذ كلٌّ مِن الحاضِرين مشروبَه، وصار كلُّ واحدٍ يقول - يعني: كلُّ واحدٍ مِنَ الحاضرين تلقى ما قال له الشيخ -ثم بعد ذلك طلب منهم الشيخ أن يتكلموا فقال واحد: ألقي في قلبي كذا، قال الشيخ: صدقت أنا قلتُ ذلك، قال الآخر: ألقي كذا، يقول: فكان كل مَن يقول ألقي في قلبي كذا وكذا، يقول له الشيخ صدقت '' يعني: أنا هكذا قلتُ، هكذا وضعتُ، وألقيتُ في قلبك -.
      يقول الشعراني: '' كان الشريف النعماني رضي الله عنه أحد أصحاب سيدي محمد رضي الله عنه يقول: رأيتُ جدِّي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خيمة عظيمة والأولياء يجيئون فيسلمون عليه واحداً بعد واحد، وقائلاً يقول: هذا فلان، هذا فلان، فيجلسون إلى جانبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى جاءت كبكبة عظيمة وخلق كثير، وقائلاً يقول: هذا محمد الحنفي، فلما وصل إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجلسه بجانبه ثم التفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر وعمر، وقال لهما: إنِّي أحب هذا الرجل إلا عمامته الصمَّاء، أو قال: الزعراء، وأشار إلى سيدي محمد، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أتأذن لي يا رسول الله أن أعمِّمه؟
      فقال: نعم، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه عمامة نفسه وجعلها على رأس سيدي محمد، وأرخى لعمامة سيدي محمد عذبة عن يساره وألبسها له...ويذكر قصة طويلة -المهم: أَّن هذه الولاية والعذبة والعمَّة مِن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- '' وهذا الرجل كان زميلاً للحافظ ابن حجر في الدراسة، ثم ترك العلم وذهب إلى الخرافات -والعياذ بالله- وبمناسبة الحافظ ابن حجر قبل أن نذكر كرامات الحنفي.
      هذا الفرغل الذي ذكرنا قبل ذلك أنَّه كان يمشى تحت العرش ويقول: '' خاطبني ربي وخاطبته '' يقول الشعراني: '' إنَّه مرَّ عليه شَيْخ الإِسْلامِ ابن حجر رضي الله عنه بـمصر يوماً فقال في سرِّه: ما اتخد الله مِن وليٍّ جاهل، ولو اتخذه لعلَّمه -يعني: على وجه الإنكار عليه- فقال له الفرغل: قف يا قاضي، فوقف فمسكه، وصار يضربه ويصفعه على وجهه، ويقول: بل اتَّخذني وعلَّمني!!'' هكذا يهينون العلماء ويرفعون مِن الخرافيين.
      '' ودخل عليه - أي: الفرغل - بعض الرهبان فاشتهى عليه بطيخاً أصفر في غير أوانه فأتاه به، وقال: وعزة ربي لم أجده إلا خلف "جبل قاف '' أين هو "جبل قاف"؟
      قال: '' خطف التمساح بنت أحدهم، فجاء وهو يبكي إلى الشيخ، فقال له: اذهب إلى الموضع الذي خطفها منه ونادى بأعلى صوتك: يا تمساح! تعال كلِّم الفرغل! فجاء التمساح مِن البحر وطلع كالمركب وهو ماشٍ والخلق بين يديه يميناً وشمالاً إلى أن وقف على باب الدار، فأمر الشيخ رضي الله عنه الحداد بقلع جميع أسنانه! وأمره بنفضها مِن بطنه، فنفض البنتَ حيَّةً مدهوشة، وأخذ على التمساح العهد أن لا يعود يخطف أحداً مِن بلده مادام يعيش، ورجع التمساح ودموعُه تسيل حتى نزل البحر!''
      ثم ذكر ما كان يدَّعيه مِن أنَّه يمشي بين يدي الله -تعالى- تحت العرش، ويخاطبه، وأنَّه كان يتكلم عن أخبار سائر الأقاليم مِن أطراف الأرض...إلى آخره.
      هذا الفرغل والشمس الحنفي كانا زميلين لـابن حجر رحمه الله.
      ويذكرون أيضاً مِن كرامات الشمس الحنفي:
      يقول ابن كَتيلة: '' إنَّ محمداً الحنفي كان إذا صلى عن يمينه دائماً أربعة روحانية وأربعة جسمانية لا يراهم إلا هو أوخواص أصحابه، قالوا: وقعت له ابنة صغيرة مِن موضعٍ عالٍ، فظهر شخصٌ وتلقاها عن الأرض، فقلنا له: مَن تكون؟
      فقال: مِن الجنِّ مِن أصحاب الشيخ، قد أخذ علينا العهد أن لا نضرَّ أحداً مِن أولاده إلى سابع بطنٍ، فنحن لانخالف عهداً ''.
      قال: '' وكان سكان نهر النِّيل يطلعون إلى زيارته وهو في داره بـ"الروضة"، والحاضرون ينظرون، قالت ابنته: فلانة، ذكرها، وزاروه مرة وعليهم الطيالسة والثياب النظيفة، وصلوا معه صلاة المغرب، ثم نزلوا في البحر بثيابهم، فقلت: يا سيِّدي أما تبتل ثيابُهم مِن الماء، فتبسَّم رضي الله عنه، وقال: هؤلاء مسكنهم في البحر -يعني: لا تستغرب-.
      يقول الشمس الحنفي لأحد تلاميذه: أما تسأل، فلو سألتني شيئاً لم يكن عندي أجبتك مِن اللوح المحفوظ!!''.
      يذكرون عنه أيضاً '' أنَّه كان يُقرئ الجان على مذهب الإمام أبي حنيفة، فاشتغل عنهم يوماً بأمر فأرسل صهره سيدي عمر فأقرأهم في بيت الشيخ ذلك اليوم، وكان سيدي عمر يقول: طلبت منِّي جنيَّة أن أتزوجها، فشاورتُ سيدي محمد رضي الله عنه، فقال: هذا لا يجوز في مذهبِنا، فعرض ذلك على ملكِهم حين نزلت معها تحت الأرض، فقال الملك: لا أعترض على سيدي محمد فيما قال، ثم قال الملك -أي: ملِك الجنّ- للوزير: صافِح صهرَ الشيخ باليد التي صافحتَ بها النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصافح بها سيدي محمد رضي الله عنه.
      ثم قال للجنيَّة : رديه إلى الموضع الذي جئتِ به منه ''.
      ويقول -أيضاً- الشمس الحنفي: '' إذا مات الوليُّ انقطع تصرفه في الكون مِن الإمداد '' كما ذكرنا في أحوال القطب، فهو الذي يعطي الزائر مِن المدد على قدر مقام المزور.
      ويقول: '' كنَّا نقرأ حزب سيِّدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فكان بعض النَّاس يستطيله -يراه طويلاً- فألَّفتُ الحزب الذي بين أصحابي الآن، وأخفيْتُه ولم أظهره حتى جاء الإذن مِن سيِّدي أبي الحسن الشاذلي أدباً معه بعد ما مات '' -مثل: عبد الحليم محمود الذي ألَّف كتاباً وقال: استأذنتُ البدوي في تأليفه!- يقول الشمس الحنفي: '' إنَّه قبل موته دعا الله أن يبتليَه بالقمل، والنَّوم مع الكلاب، والموت على قارعة الطريق، قال: وحصل له ذلك قبل موته، فتزايد عليه القمل حتى صار يمشي على فراشه، ودخل له كلب فنام معه على الفراش ليلتين -إلى أن يقول:- وإنَّما تمنَّى ذلك ليكون له أسوة بالأنْبياء عليهم الصلاة والسلام الذين ماتوا بالجوع والقمل...'' إلى آخره.
      وهذا كذب على الأنبياء، فما دعوا الله ذلك، وقد شرَّفهم الله عن أن يناموا، أو يموتوا والكلاب في أحضانهم.
      وينقل عن الحنفي أيضاً قال: '' دخلتْ على الشيخ يوماً امرأة أمير، فوجدت حوله نساء خاص تكبسه، فأنكرت بقلبها عليه -أي: أن المرأة أجنبية وتكبس رجله- فلحظها الشيخ بعينه، وقال لها: انظري، فنظرت فوجدت وجوههن عظاماً تلوح والصديد خارج مِن أفواهن ومناخرهن كأنهن خرجن مِن القبور -يعني: النساء اللاتي عنده- فقال لها: والله ما أنظر دائماً إلى الأجنبيات إلا على هذه الحال، ثم قال لمنكرته: إنَّ فيك ثلاث علامات، علامة تحت إبطك، وعلامة في فخذك، وعلامة في صدرك، فقالت: صدقت والله! إنَّ زوجي لم يعرف هذه العلامات إلى الآن! واستغفرتْ وتابتْ!''.
      ومما ينقلون عنه من خرافات: '' أنَّه كان يتطور في بعض الأحيان حتى يملأ الخلوة بجميع أركانِها، ثم يصغر قليلاً قليلاً حتى يعود لحالته المعهودة! قال: ولما علم النَّاس بذلك سدَّ الطاق التي كانت تُشرف على الخلوة رضي الله عنه! قال: وكان إذا تغيب من شخصٍ يتمزق كلَّ ممزق ولو كان مستنداً لأكبر الأولياء لا يقدر أن يدفع عنه شيئاً من البلاء ''.
      انظروا! كل تلميذ يستند لوليٍّ! فـالحنفي يقولون: إنَّه مِن قوَّته يقضي على عدوه مهما كان مستنداً إليه مِن الأولياء-.
      يقول: '' كما وقع لـابن التمار وغيره، فإنَّه أغلظ عليه الشيخ في شفاعة، وكان مستنداً للشيخ البسطامي، فقال سيدي محمد: مزقنا ابن التمار كلَّ ممزق ولو كان معه ألف بسطامي! ثم أرسل السلطان فهدم دار ابن التمار فهي خراب إلى الآن ''.
      كل واحد يعبد وليّاً معيَّناً ويستغيث به، ويستنجد به.
      ويقولون عن هذا الحنفي: إنَّه اختلى سبع سنين تحت الأرض في الخلوة حتى فُتح عليه! قال أبو العباس: وكنتُ إذا جئتُ وهو في الخلوة أقف على بابها فإن قال لي: ادخل دخلت، وإنْ سكتَ رجعتُ، فدخلتُ يوماً عليه بلا استئذان فوقع بصري على أسدٍ عظيمٍ فغُشيَ عليَّ، فلما أفقتُ خرجتُ واستغفرتُ الله تعالى مِن الدخول عليه بلا إذن.
      قال الشيخ -وهو أبو العباس-: '' ولم يخرج الشيخ -أي: الحنفي- مِن الخلوة حتى سمع هاتفاً يقول: يا محمَّد! اخرج انفع النَّاس ثلاث مرات، وقال له في الثالثة: إن لم تخرج وإلا هيه، فقال الشيخ: فما بعد هيه إلاَّ القطيعة، قال الشيخ: فقمتُ، وخرجتُ إلى الزاوية فرأيتُ على الفسقية جماعة يتوضأون، فمنهم مَن على رأسه عمامة صفراء، ومنهم زرقاء، ومنهم مَن وجهه وجه قرد، ومِنهم مَن وجهه وجه خنـزير، ومنهم وجهه كالقمر، فعلمتُ أنَّ الله أطلعني على عواقب أمور هؤلاء النَّاس، فرجعتُ إلى خلفي وتوجهت إلى الله تعالى فستر عني ما كُشف لي مِن أحوال الناس ''.
      وأيضاً: ينقلون عن هذا الحنفي: '' أن أهل المغرب كانوا يأخذون مِن تراب زاويته ويجعلونه في أوراق المصاحف، وكان أهل الروم يكتبون اسمه على أبواب دورهم ليتبركوا به.
      وكانت رجال الطيران في الهواء تأتي إليه فيعلمهم الأدب، ثمَّ يطيرون في الهواء والنَّاس ينظرون إليهم حتى يغيبوا، وكان -رضي الله عنه- يزور سكان البحر فكان يدخل البحر بثيابه فيمكث ساعة طويلة ثم يخرج ولم تبتل ثيابه ''.
      ومِن أخبار هذا الحنفي أنَّه كان إذا زار القرافة - أي: المقبرة - سلَّم على أصحاب القبور فيردُّون عليه السلام بصوت يسمعه مَن معه.
      '' ودخل يوماً إلى الحمام مع فقرائه فأخذ الماء من الحوض ورشَّه على أصحابه وقال: النَّار التي يعذب الله بها العصاة مِن أمَّة محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل هذا الماء في سخونته، قال: ففرح الفقراء بذلك '' يعنى: تلاميذه.
      ولما جاءت وفاته، قال في مرض موته: '' مَن كانت له حاجة فليأتِ إلى قبري، ويطلب حاجته، أقضِها له، فإنَّ ما بيني وبينكم غير ذراع مِن تراب، فكلُّ رجلٍ يحجبه عن أصحابه ذراع مِن تراب فليس برجُل ''.
    5. كرامات الدينوري

      ويقول علي بن محمد بن سهل الصائغ الدينوري: '' تركتُ قولي للشيء كن فيكون تأدباً مع الله تعالى ''.
      هو يستطيع أن يقول للشيء كن فيكون، ولكن تأدباً مع الله فقط لا يفعل ذلك.
    6. كرامات جاكير الهندي

      وهذا جاكير الهندي يقول عنه الشعراني: '' استأذن رجل واسطيٌّ الشيخَ جاكير في ركوب بحر الهند للتجارة فقال له الشيخ: إذا وقعت بشدةٍ فنادي باسمي! فلمَّا كان وقت كذا وكذا عصفت الرياح الشماليَّة فتلاطمت الأمواج، فأشرفنا على الغرق فتذكرت قول الشيخ فقمتُ واستقبلتُ العراق وناديتُ: "يا شيخ جاكير أدركنا"، فلم يتمَّ كلامي حتى رأيناه عند السفينة، وأشار بكمِّه إلى الشمال فسكتت الريح، ومشى خطوات يميناً وشمالاً فسكن البحر، ثم أشار بكمِّه إلى الجنوب، فهبت ريحٌ طيبةٌ أوصلتنا إلى طريق السلامة، ومشى الشيخُ على الماء حتى غاب عنَّا ''.
      قال الشعراني: '' وكان الشيخ جاكير يقول: ما أخذتُ العهد على مريدٍ حتى رأيتُ اسمَه مكتوباً في اللوح المحفوظ! وأنَّه مِن أولادنا ''.
      انظروا كيف أنَّهم يطَّلعون على اللوح المحفوظ؟!
    7. كرامات عبد القادر الجزائري

      وهذا عبد القادر الجزائري الذي يقال إنَّه بطل الجهاد في الجزائر، وهو رجلٌ باطنيٌّ، وبريءٌ مِن الجهاد، وله كتاب المواقف على مذهب ابن عربي مِن نفس الباطنية يقول -كما نقل عنه النبهاني -: '' إنِّي لمَّا بلغت المدينة -طيبة- وقفتُ تجاه الوجه الشريف بعد السلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى صاحبيه اللذين شرَّفهم الله بمصاحبته حياةً وبرزخاً فقلتُ: يا رسول الله عبدُك ببابك! يا رسول الله: كلبك بأعتابك! يا رسول الله: نظرةٌ مِنك تُغنيني! يا رسول الله: عطفةٌ منك تَكفيني! فسمعتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول لي: أنتَ ولدي، ومقبول عندي، بهذه السجعة المباركة '' -يعني: يقول: إنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاطبه بهذه السجعة- [أنت ولدي ومقبول عندي]!!
    8. كرامات الرفاعي

      وهذا الرفاعي -والحمد لله قد اعترف المغربيان اللذان ألَّفا كتاب التحذير من الاغترار بأن الرفاعي مؤسس الرفاعية- ادَّعى أنَّه ذهب إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وناداه وطلب أن يصافحه، وأخرج النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده الشريفة مِن القبر الشريف وصافحه، وأنَّ خمسون ألف حاجٍّ رأوه وهو يصافح الرفاعي، واعْترفَ المغربيَّان -نقلاً عن الغماري الخرافي الأكبر- بأنَّ هذا كذبٌ لأنَّه ما يمكن أن ينقل تواتراً لا يقبل فيه نقل الآحاد، ولم ينقل أحد من هؤلاء الخمسين ألفاً هذه القصة إلا الرفاعي الذي ادَّعى ذلك لنفسه!!
      إذاً: هذه الحكاية لا تقبل؛ لأنها ليست منقولة إلا عن الرفاعي.
      هذا الرفاعي -مؤسس الطريقة الرفاعية- والطريقة الرفاعية مشهورة جدّاً بالخرافات، ومشهورة بالسحر والشعوذة أكثر مِن غيرها مِن الفرق، حتى إن بعض الفرق الصوفية تعتبرهم مجرد سحرة وليسوا من الصوفية في شيءٍ.
      وقصتهم مع شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية شرحها رحمه الله وفصلها في الفتاوى، وهم يسمُّون بـالبطائحيَّة لأنَّ الرفاعي كان في البطائح، ووصلتْ المناظرة مِن الشدَّة إلى حد أنَّهم قالوا للأمير: نحن على الحق، وابن تيمية على الباطل، نحن نستطيع أنْ ندخل النَّار، وهذه كرامة لنا تدل على أنَّنا على الحقِّ.
      وشَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله بثاقب علمه قال: نغسل أجسادَنا نحن وإياكم بأنواعٍ قويَّة مِن المزيلات، ثمَّ ندخل النَّار جميعاً، ومَن أحرقتْه فعليه لعنةُ الله، وهو ليس بالوليِّ فعند ذلك نكصوا على أعقابهم، وخسِئوا أمام الأمير، وأمام الجمهور، وأمام الذين معه، وعرف النَّاس أنَّهم دجالون، وأخبر شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية بدَجَلِهم، وأنَّهم يَدهنون أجسادهم بأنواعٍ مِن الدهون، ثم يدخلون النَّار، أو يُدخلون أيديهم فيها ولا يحترقون، ثم يقولون للنَّاس نحن أولياء.
      وأحمد الرفاعي مؤسِّس هذه الطريقة، ينقلون مِن كراماته: '' أنَّه كان إذا صعد الكرسي لا يقوم قائماً، وإنما يتحدث قاعداً، وكان يَسمع حديثَه البعيد مثل القريب؛ حتى أنَّ أهل القرى التي حول القرية التي كان فيها كانوا يجلسون على سطوحهم يسمعون صوته ويعرفون جميع ما يتحدث به، حتى كان الأطرش والأصم إذا حضروا يفتح الله أسماعهم لكلامه، وكانت شيوخ الطرق يحضرونه، ويسمعون كلامه ''.
      ويذكرون من كراماته: إحياء الموتى! ويقولون: '' إنَّه كان جالساً وحده فنـزل عليه رجلٌ مِن الهواء، وجلس بين يديه، فقال الشيخ: مرحباً بوفد المشرق، فقال له: إنَّ لي عشرين يوماً ما أكلتُ ولا شربتُ، وإني أريد أن تُطعمني شهوتي , فقال له: وما شهوتُك؟
      قال: فنظر إلى الجوِّ وإذا خمس وزات طائرات، فقال: أريد إحدى هؤلاء مشوية، ورغيفين مِن بُرٍّ، وكوزاً من ماء بارد، فقال له الشيخ: لك ذلك! ثم نظر إلى تلك الوزات، وقال: عجِّل بشهوة الرجل، قال: فما تم كلامُه حتى نزلت إحداهن بين يديه مشويةً! ثمَّ مدَّ الشيخُ يده إلى حجرين كانا إلى جانبه فوضعهما بين يديه فإذا هما رغيفان ساخنان مِن أحسن الخبز منظراً، ثم مدَّ يدَه إلى الهواء، وإذا بيدِه كوزٌ أحمر فيه ماء!! قال: فأكل وشرب، ثم ذهب في الهواء مِن حيث أتى، فقام الشيخ رضي الله عنه وأخذ تلك العظام، ووضعها بيده اليسرى، وأمرَّ بيده اليمنى عليها، وقال: أيتها العظام المتفرقة، والأوصال المتقطعة اذهبي، وطيري بأمر الله تعالى! بسم الله الرحمن الرحيم، قال: فذهبت وزَّةً سويَّةً كما كانت، وطارت في الجو حتى غابت عن منظري ''.
      وأحد تلاميذه يُدعى علي الملِّيجي، يقول: '' إنَّه كان يزور أحدَهم، فذبح له سيِّده علي فرخاً وأكله، وقال لسيِّده: لابدَّ أن أكافئك، فاستضافه يوماً فذبح للسيِّد علي فرخة فتشوشت امرأتُه عليها، فلمَّا حضرت قال لها سيِّدي علي: هش! فقامت الفرخة تجري، فقال - الشيخ السيِّد علي -: يكفينا المرق ولا تتشوشي ''.
      وفي الأجوبة المرضية للشعراني، يقول: '' ومما يتميز به الصوفية عن الفقهاء: الكشف الصحيح عن الأمور المستقبلة وغير ذلك، فيعرفون ما في بطون الأمهات أذكرٌ هو أم أنثى، أم خنثى، ويعرفون ما يخطر على بال النَّاس، وما يفعلونه في قعور بيوتهم ''.
    9. كرامات إبراهيم الخرساني

      وينقل أيضاً عن إبراهيم الخرساني: '' بينما أنا في يوم صائف إذ عدلتُ إلى مفازةٍ فدخلتُها، فما لبثتُ أن دخل عليَّ ثعبان كأنه نخلة، وجعل ينظر إليَّ، فقلتُ: لعل معه رزقٌ لي، فخرج ثم أقبل إليَّ وفي فمِه رغيفٌ حوراي، ووضعه عندي، ورجع، فقال: رأيتُ فقيراً بالمسجد الحرام وعليه خرقتان، فقلتُ في سرِّي: هذا أو شبهه كَلٌّ على النَّاس، فناداني الفقير، وقال: ((وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ))[البقرة:235]، فاستغفرتُ الله في سرِّي فناداني، وقال: ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ))[الشورى:25]، ثم غاب عنِّي فلم أره ''.
    10. كرامات الأعزب

      وينقل عن إبراهيم بن علي الأعزب، يقول: عن أبي المعالي عامر بن مسعود العراقي التاجر الجوهري قال: أتيت الشيخ مودِّعاً إلى بلاد العجم، فقال: إنْ وقعتَ بشدَّةٍ فنادي باسمي! قال: ففي صحراء خراسان أخذتْنا خيَّالة، وذهبوا بأموالنا، فذكرتُ قولَ الشيخ وكان معي رفقة معتبرون، فاستحييْت مِن ذكر اسمه بلساني؛ لأنَّهم لا يفهمون مثل ذلك، فاختلج في صدري الاستغاثة به، فلم يتم حتى رأيتُه على جبل يومئُ بعصاه إليهم فجاءوا بجميع أموالنا.
    11. كرامات العيدروس

      ومن كرامات العيدروس-وهو مِن المعظَّمين مع الأسف حتى عند كثيٍر مِن أهل الحجاز وخاصة الحضارمة - يقول النبهاني: ''إنَّه لما رجع مِن الحرمين دخل "زيلع" وكان الحاكم بها يومئذٍ محمد بن عتيق، واتَّفق أن أم ولدٍ له -جارية- ماتت، وكان مشغوفاً بها، فدخل عليه الشيخ ليعزِّيَه، ويصبِّره، فلم يُفِد فيه شيء، ورآه في غاية التعب، وأكبَّ على قدَم الشيخ ليقبِّلها، ويبكي، فكشف الشيخ عن وجهها وناداها باسمها فأجابته! وردَّ الله عليها روحَها! وأكلتْ الهريسة بحضرة الشيخ ''.
      ومن خرافات العيدروس كما ينقلون عن عبد الله العيدروس في المشرع الروي أنَّه قال: '' غفر الله لمن يكتب كلامي في الغزالي! وقال: مَن حصَّل كتاب إحياء علوم الدين فجعله في أربعين مجلَّداً ضمنْتُ له على الله بالجنة، فتسارع النَّاس إلى ذلك، منهم العلامة عبد الله بن أحمد با كثير، فزاد في تبيينه، وتزيينه، وجعل لكلِّ جلدٍ كيساً، فلمَّا رآه العيدروس قال: قد زدتَّ زيادةً حسنةً، فيحتاج لك زيادة - يعني: لك زيادة عن الجنة! بعد أنْ وعده بالجنة! - فما تريد؟
      قال: أريد أن أرى الجنَّة في هذه الديار ''.
      وهذا العيدروس ألَّف كلاماً مطبوعاً مع الإحياء في الجزء الأخير منه في مدح الإحياء والثناء عليه، ويقول من ضمنه: '' كان أحد النَّاس يعترض على الإحياء، فجاء مرَّةً، وقال: قد تركتُ الإنكارَ والاعتراض عليه، قالوا: لماذا؟ قال: لأنِّي رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، وقدمني أبو حامد الغزالي مؤلف الإحياء، وقال له: هذا ينكر ما في الإحياء قال: فأخذَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإحياء وأبو بكر معه، فقرأه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورقةً ورقةً حتى انتهى من قراءة ما في الإحياء، وقال: هذا الكتاب عظيم، وليس لي أي اعتراض فاضربوه! فضَربوا هذا الرجل! فقال: بقيتْ آثارُ الضرب على ظهري، وتبتُ ولله الحمد، وأنا الآن أمدح الإحياء! ''
      ينقل العيدروس هذه القصة، فانظروا، حتى نسيَ هؤلاء الوضَّاعون الدجَّالون الكذابون أن الرسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أمِّيّاً لا يقرأ، فكيف قرأ الإحياء كلَّه، ويقرأه في جلسةٍ واحدةٍ ثم يزكِّيه.
      فكما قلتُ: أنهم يعتمدون على المنامات، وعلى الكشوفات، فالخلاف بيننا وبينهم لا أن تقول كتاب الإحياء فيه أحاديث صحيحة، وفيه ضعيفة وموضوعة، القضية: أنَّهم يتبنَّون الإحياء مِن أجل المنامات، فما دمتَ لم تقتنع بمبدئهم هذا: فلا داعي لأَنْ تجادلهم في الفرعيات، وعليك أن تناظرهم في الأصول.
    12. كرامات السقاف

      وينقلون أيضاً عن السقاف، وهو ممن يعتقدون فيهم كـالعيدروس، والحداد، يقولون -كما في المشْرَع الروي-: '' إنَّه مكث نحو ثلاثين سنَة ما نام فيها لا ليلاً ولا نهاراً وهو يقول: كيف ينام مَن إذا رقد على شقِّه الأيمن رأى الجنَّة، وعلى شقِّه الأيسر رأى النار؟ ''
      يقولون: '' وكان يزور قبر النَّبيِّ هود على نبيِّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام، ويمكث عنده شهراً لا يأكل فيه إلا نحو كفِّ دقيقٍ '' .
      أقول: إنَّ هذه الكرامات فيها الشركيات، وفيها الخرافات، وفيها ما لا يصدقه العقل، وهي مختلقة، ويغني ما فيها مِن التعليق.
    13. كرامات شعبان المجذوب

      يقول الشعراني عنه: '' أخبرني سيدي علي الخواص رضيَ الله عنه، أنَّ الله تعالى يُطْلِع الشيخ شعبان على ما يقع في كل سنَةٍ مِن رؤية هلالها، فكان إذا رأى الهلال عرف جميع ما فيه مكتوباً على العباد!! ''
      ويحكى عنه أيضاً '' أنه كان إذا اطلع على موت البهائم يلبس صبيحة تلك الليلة جلد البهائم! البقر أو الغنم أو البهيمة التي اطلع أنها ستموت ثم تموت فيما بعد، يعرف الناس أن هذا علامة على أنها ستموت بزعمهم ''.
    14. كرامات الأمباني

      إسماعيل بن يوسف الأمباني، يقولون مِن كراماته: '' إنَّه كان يطَّلع على اللوح المحفوظ فيقول: يقع كذا فلا يخطئ!! ''
      '' وذات مرة أنكر عليه رجلٌ مِن علماء المالكية، وأفتى بتعزيره، فبَلَغَه ذلك، فقال: رأيتُ في اللوح المحفوظ أنَّه يغرق في البحر، فكان كما قال ''.
    15. كرامات علي الوحيشي

      يذكر الشعراني في الطبقات الكبرى '' أن علي الوحيشي كان إذا رأى شيخ بلد أو غيره من الكبار يُنـزلهم مِن عَلى الحِمَارة، ويقول له: أمْسِك رأسَها حتى أفعل فيها، فإن أبى شيخُ البلد تسمرتْ الحمارةُ في الأرض لا تستطيع أن تخطوَ خطوةً، وإن سمَحَ له حصل له خجل عظيم، والنَّاس يمرون!! ''
      وهذا موجود في الطبقات [2/135].
    16. كرامات أبي خودة

      وهذا أيضاً علي أبو خودة، مِن كراماته: '' أنَّه أراد السفر في مركب قد انوثقت، ولم يبق فيها مكانٌ لأحدٍ، فقالوا للريس: إن أخذتَ هذا غرقتْ المركبُ لأنَّه يفعل في العبيد الفاحشة -يعنون الوليَّ بزعمهم- فأخرجه الريس مِن المركب؛ فلما أخرجوه مِن المركب قال: يا مركب تسمَّري، فلم يقدر أحدٌ أنْ يسيرِّها بريحٍ ولا بغيره، وطلع جميع مَن فيها ولم تسِر ''.
    17. كرامات إبراهيم الجيعانة

      إبراهيم المعروف بـالجيعانة، ينقل النبهاني عن شيخه عمر السنزاني يقول: '' كنت يوماً بظاهر دمشق المحروسة مع جماعة، فرأيتُ الشيخ إبراهيم الجيعانة واقفاً، وقد أتت امرأةٌ وسألته الدعاء، وأمرَّتْ يده على أطماره الرثة، ثم أمرَّت على وجهه، وهناك فقيهان روميَّان، فقال أحدهما: يا حرمة تنجست يدُك بما مرت عليه! فنظر إليه الشيخ مغضباً، ثم جلس وغاط الشيخ - يعني: أخرج الغائط منه - ثم نهض فتقدم الفقيه المنكِر، وجعل يلعق غائطه!! ورفيقه متمسك بأثوابه، ويضمُّه ويقول له: ويلك هذا غائط الشيخ إلى أن لعق الجميع ببعض التراب، فلمَّا نَهض جعل يعاتِبه، فقال الفقيه: والله ما لعقتُ إلاَّ عَسَلاً ''.
      أقول: انظروا التبرك بآثار هؤلاء، وهذه الشعوذات، وهذا السحر، وهذه الهالة التي يحيطونها بهم؛ فلو أنَّ أحداً أنكر على هؤلاء الخرافيين ربَّما يفعلون معه هذا الفعل، فاحذَر أنْ تنكر عليهم هذا هو مرادهم.
    18. كرامات النبتيتي

      إبراهيم النبتيتي، قال المحمَّصاني: '' وقفتُ أصلِّي في جامع، فدخَلَ عليَّ رجلٌ مِن الجند ومعه أمرد، فقصد به إلى جهة المراحيض فتشوشتُ في نفسي، فقلتُ: ضاقتْ عليه الدنيا، وما وجد إلا الجامع -يعني: ليفعل فيه الفاحشة؟- ولم أنطق بذلك!! فقال لي إبراهيم المذكور-أي: علم ما في نفسي- فقال: ما فضولك! وما أدخلك؟ يا كذا ويا كذا، وسبَّني، وشتمني، وقال: لا تعترض ما لك وذاك؟ ''.
    19. كرامات الشوني

      يقول الشعراني'' : إنَّ شخصاً في قنطرة الموسكي كان مُكاريا يحمل النِّساء من بنات الخطا -يعني: بنات الزنا والعياذ بالله- وكان النَّاس يسبُّونه، ويصفونه بالتَّعريص! وكان مِن أولياء الله تعالى، لا يركب امرأةً مِن بنات الخطا، وتعود إلى الزنا أبداً ''.
    20. كرامات حسن الخلبوصي

      حسن الخلبوصي، يقول الشعراني: حكى الشيخ يوسف الحريتي رحمه الله قال: '' قصدته بالزيارة في خان بنات الخطا - مكان الدعارة الذي تؤجر فيها البنات أنفسهنَّ!! -فوجدتُّ واحدةً راكِبةً على عنقه، ويداها ورجلاها مخضوبتان بالحناء، وهي تصفعه في عنقه -تلطمه وتضربه على عنقه- وهو يقول: لا، برفق فإنَّ عيناي موجوعتان! ''
      أقول: يعتبرون هذا من كرامات الشيخ أن بنات الزنا في حال الزنا تفعل به هكذا.
    21. كرامات حمدة

      أحمد الذي سمَّوه حمدة؛ لأنَّه يقيم مع البغايا في بيت البغايا فسمَّوْه حمدة، يقولون من كراماته! '' إن له كشفاً لا يكاد يخطىء، وكثيراً ما يخبر بالشيء قبل وقوعه فيقع كما أخبر، وهو مقيم عند بعض النساء البغيَّات بباب الفتوح، وما ماتت واحدة منهنَّ إلا عن توبة ببركته، وربما صار بعضهن مِن أصحاب المقامات!! ''
      أقول: يقيم ويسكن معهن حتى يعلمهن الطريق! والحقيقة: أنَّ الفرق ضعيف بين واحدةٍ ترقص وتطبل في "حضرة"، وواحدة تطبِّل في مكان دعارة.
    22. كرامات ابن عظمة

      علي نور الدين ابن عظمة، مِن كراماته: '' ما حكاه حشيش أنَّه مرَّ عليه يوماً فجرى في خاطره الإنكار عليه لعدم ستر عورته، فما تمَّ له هذا الخاطر إلا وقد وجَد نفسَه بين إصبعين مِن أصابعه يقلِّبه كيف شاء، ويقول له: انظر إلى قلوبهم، ولا تنظر إلى فروجهم!! ''
    23. كرامات إبراهيم العريان

      إبراهيم العريان، مِن أئمتهم '' كان رضي الله عنه -كما يقولون-: إذا دخل على بلدٍ سلَّم على أهلها كباراً وصغاراً بأسمائهم كأنَّه تربَّى بينهم، وكان يطلع على المنبر ويخطب عرياناً!! فيقول: دمياط، باب اللوق، بين القصرين، جامع طولون، الحمد لله رب العالمين! فيحصل للنَّاس بسطٌ عظيمٌ '' يقول المناوي: '' وكان محبوباً للناس، معظَّماً عندهم معتقَداً وكان يصعد المنبر فيخطب عرياناً، ويذكر الوقائع التي تقع في الأسبوع المستقبل فلا يخطئ في واحدة ''.
    24. كرامات عبد الجليل الأرنؤوط

      مِن كرامات عبد الجليل الأرنؤوطي كما ينقلون: '' أنَّه كان يجمع الدراهم مِن النَّاس وينفقها على النساء العجائز البغايا اللاتي كسدن، وصِرن بحالةٍ لا يُقبِل عليهنَّ أحدٌ مِن الفُسَّاق، فكان يجمعهن في حجرة، وينفق عليهن ما يجمعه ويأوي إليهنَّ، وينام عندهن ويخدمنه! ''
    25. كرامات عبد العزيز الدباغ

      عبد العزيز الدباغ، يقول أحد مريديه: '' إنَّني ذهبتُ لزيارته، وكانت إحدى زوجاتي حاملاً، فتحدثتُ معه في شأنها، فقال لي: إنَّها تلدُ ولداً ذكراً اسمه أحمد، فمكثتُ ثلاثة أشهر، فذهبتُ لزيارته فقال: حملتْ زوجتُك؟
      فقلت: لا أدري يا سيدي، فقال: إنَّها حامل منذ خمسة عشر يوماً، وهو ذَكَر إن شاء الله تعالى! فسمِّه باسمه وهو يشبهني!! إن شاء الله تعالى، فلمَّا رجعتُ أعلمتُ الزوجة بما قال، وفرحتْ، ثمَّ ولدتْ ذكراً كما قال رضي الله عنه، وهو أشبه النَّاس به بشرة !! ''
      ومنها: '' أنَّ الزوجة الأولى حملت ثانيةً، فسألتُ عن حملها، قال لي: بنت، وسمِّها باسم أمِّي!! ''
      وكثير مِن الكرامات عن هذا الدباغ في الأولاد؛ أنَّه يعرف الذكور مِن الإناث، ويضع لهذا ذكوراً، ولهذا إناثاً -والعياذ بالله-.
    26. كرامات علي العمري

      الشيخ علي العمري، مِن كراماته رضي الله عنه -كما يترضى عنه النبهاني-: '' ما أخبرني به إبراهيم الحاج المذكور، قال: دخلتُ في هذا النَّهار إلى الحمام مع شيخنا الشيخ علي العمري، ومعَنا خادمُه محمد الدبوس الطرابلسي، وهو أخو إحدى زوجات الشيخ، ولم يكن في الحمام غيرُنا -أي: ثلاثة في الحمام!!- قال: فرأيتُ مِن الشيخ كرامةً مِن أعجب خوارق العادات، وأغربِها: وهي أنَّه أظهر الغضب على خادمه محمد هذا وأراد أن يؤدِّبَه، فأخذَ الشيخ إحليل نفسه بيديه الاثنتين -أخذ عضوه التناسلي من تحت إزاره!!- فطال طولاً عجيباً، بحيث إنَّه رفعه على كتفه وهو زائدٌ -طويلٌ على كتفه- وصار يجلد به خادمَه المذكور!! والخادم يصرخ مِن شدة الألم، فعل ذلك مرات ثم تركه، وعاد إحليله إلى ما كان عليه أولاً، ففهمتُ أنَّ الخادم قد عمل عملاً يستحق التأديب، فأدبَّه الشيخ بهذه الصورة العجيبة، ولما حكى ذلك الحاج إبراهيم حكاه بحضور الشيخ، وكان الشيخ واقفاً، فقال لي الشيخ: لا تصدِّقه، وانظر، ثم أخذ بيدي بالجبر عني ووضعها على موضع إحليله!! فلم أحس بشيءٍ مطلقاً حتى كأنَّه ليس برجلٍ بالكلية فرحمه الله ورضي عنه! ما أكثر عجائبه، وكراماته ''. انتهى كلام النبهاني في صفحة [209].
      انظروا هذه الكرامات! هل هذه مِن الكرامات يضرب المريد بعضوه! وهناك أشياء كثيرة يمنعني الحياء عن ذكر بعضها، ولكن رأيتُ أن لابدَّ أن نذكر البعض على الأقل حتى تُعرف حقيقة هؤلاء الذين يدَّعون الطهارة، ويدَّعون الولاية.
      ويقول: '' مِن كراماته ما أخبرني به بعض الثقات مِن أهل طرابلس وأظنُّه الحاج محمد الدبوسي، قال المخبِر: كان في طرابلس رجل مِن الشباب قليل الحياء، معجباً بإحليله! فكان يمازح الشيخ مزاحاً بارداً فإذا رآه: يضع ذلك الشاب يده على إحليل نفسه ويقول له: هل عندك مثل هذا؟
      -الشاب يقول للشيخ: ما عندك مثل هذا العضو!؟-
      فكان الشيخ يضحك مِن ذلك، فلمَّا تكرر هذا الأمر مرة بعد أخرى مِن ذلك الشاب لقِيَه مرة، فقال له مثل ما يقول، فضربه الشيخ عليه بيده، وقال له: اذهب، فذهب كأنه امرأة لم يتحرك له شيء!!.
      ومِن الكرامات التي يذكرونها أيضاً، قال السراج: '' رُوِّينا أنَّ امرأةً يقارب عمرها عشرين سنَةً بـدمشق المحروسة أعطاها سيدي تاج الدين نصيباً صالحاً مِن الأسرار، ثم سكنت "المرقب"، وصار الفقراء يترددون إلى منـزلها، فمرَّ عليها فقيران وأقامَا مدة وأرتْهُما أحوالاً عظيمةً، ومكاشفات عجيبة، ثم طمَّع أحدُهما نفسَه بها لما رأى من إحسانها وودها، وسألها ما يسأل النساء، فأجابته ظاهراً، واعتقد القبول لاستحكام غفلته، فلمَّا ضاجعها ليلاً وجدها خشبةً يابسةً! فقال لنفسه المكابِرة الأمَّارة: الثديانِ ألينُ شيءٍ في المرأة! فلمسهُما فوجدَهما كحجرين، فلمَس أنفَها، فلم يجد أنفاً فعند ذلك اقشعر جلده! '' اهـ.
      ما يفعله الأولياء في خلواتهم!!
    27. كرامات الحداد

      وهذا عبد الله با علوي الحداد -وهو أيضاً مِن كبارهم وله كتب أذكار توزع في مكة كثيراً- يقول عنه صاحبه: '' له كرامات كثيرة، مِنها: أنَّ أحدَ تلامذَتِه وهو الشيخ حسين بن محمد بافضل كان معه حين حج، فلما وصل إلى المدينة مرض مرضاً أشرف فيه على الموت، وكُشف للسيد عبد الله المذكور أنَّ حياةَ الشيخ قـد انقضت، فجمع جماعةً مِن أصحابه، واستوهب مِن كلِّ واحدٍ منهم شيئاً مِن عُمُره -أي: حتى يضمَّه إلى عُمُر الشيخ- فأول مَن وهبه السيد عمر أمين، فقال: وهبتُه مِن عمُري ثمانية عشر يوماً، فسئل عن ذلك، فقال: مدة السفر مِن طيبة إلى مكة اثنا عشر يوماً، وستة أيام للإقامة بها، ووهبه آخرون شيئاً مِن أعمارهم، فعاش الرجل! وذهب إلى مكة، وما مات حتى انتهت الأيام التي أعطوْه ''.
      انظروا كيف يتصرَّفون حتى في أعمارهم وأعمار غيرهم، يعطونهم وينقصونهم كيفما يشاءون؟!
      وينقل عنه صاحب المشرع الروي في فضائل آل با علوي [2/409] يقول:
      '' اشترط رجل عليه أن يضمَن له الجنَّة، فدعا له بالجنَّة، فحسُنت حال الرجل، وانتقل إلى رحمة الله، وشيَّعه السيد عبد الله المذكور، وحضر دفنَه، وجلس عند قبره فتغير وجهه -أي: تغير وجه باعلوي وهو واقف على القبر ثم ضحك، واستبشر، فسئل عن ذلك، فقال: إن الرجل لما سأله الملكان عن ربه: مَن ربك؟ قال: شيخي عبد الله باعلوي!! فتعبتُ لذلك!! -أي: عبد الله- فسألاه أيضاً فأجاب بذلك، فقالا: مرحباً بك، وبشيخك عبد الله باعلوي، فلمَّا قبِله الملَكان، وقبِلاني معه فرِحتُ ''.
      ويعلِّقُ المؤلف، فيقول: '' قال بعضهم هكذا يجب أن يكون الشيخ يحفظ مريدَه حتى بعد موته ''.
      قال: '' ومِن كراماته: أنَّه كان يخبر أصحابه بما في بيوتهم، أو بما يضمرونه -أي: في أنفسهم- ويخبر أهلَهم بما يخفونه عنه، وأخبر جماعةً قصدوه مِن بعيدٍ بما وقع لهم في طريقهم.
      ومنها: أنَّه ما استغاث به أحدٌ بصدقِ نيَّةٍ وحسنِ الظن إلا أتاه الغوث سريعاً ''.
      وجد في الطبعة الأخيرة مِن المشْرَع الروي الذي طبعه الشاطري في جدة حذف بعض الكرامات، ويكتبون تحتها: هاهنا شيءٌ حذفناه، لكن نجد في كتاب: جامع كرامات الأولياء كل هذه الكرامات موجودة بكاملها، فأحببتُ أن أنبِّه لذلك.
      ومِن كراماته أيضاً: '' أن علي بن عبد الله با غريب مرض هو وابنه ثلاثة أشهر مرضاً شديداً، فجاءت به أمُّه إلى السيد باعلوي وهي مشفقة عليه مِن الموت، فقال لها: ما أقلقك عليه؟ إنَّ عمره مائة سنَة لا يموت ابن ثلاثة أشهر، ودعا له بالعافية فعوفي، وعاش مائة سنَة ''.
      ومن كراماته أيضاً -كما يزعمون-: '' أنه دخل عليه تلميذه محمد بن حسن قبل أن يتزوج فقال له: تزوج فإني أرى في صلبك ابناً أمه من غير آل علوي، فتزوج مانية بنت الشيخ عبد الله بن محمد بن حكم باقشير فولدت له ولداً، أي: عرف أن في صلبه ابناً من غير العائلة فتزوج فكان كما أخبر الرجل كما يقولون! ''
      والفقيه باعلوي مِن أسرة كبيرةٍ معروفةٍ التي ألِّف عنها كتاب المشرع الروي.
    28. كرامات وحيش المجذوب

      وحيش المجذوب '' كان إذا رأى شيخ بلدةٍ، أو غيره يَنـزل له عن حمارتِه، ويقول: أمسك لي رأسَها حتى أفعلَ بها!! فإِذا امتنع سمَّره في الأرض، فلا يستطع أن ينتقل خطوة واحدة، وإن أطاع حصل له خجلٌ عظيمٌ مِن المارَّة الناظرين إليه، مات سنة (917).''
      وهذا غير الأول.
      وهناك كرامات كثيرة؛ ولذلك يقول تعقيباً على ذلك: قال المناوي: '' وتقدم نظير هذه الكرامات '' أي: مروي عن كثيرٍ مِن أئمَّة التصوف مثل هذه الحكايِة أنَّه كان يطلب أن يفعل في الدابة! فإذا وافق الرجلُ صاحبُ الدابة، ويكون أمير البلد: فالمصيبة، وإن لم يوافق تسمَّرت في الأرض حتى يوافق أن يفعل فيها الفاحشة علانية!!
    29. كرامات أحمد بن إدريس

      أحمد بن إدريس، يقولون: '' ومن كراماته رضي الله عنه: أنَّ شخصاً اشترى له لحماً ووضعه في ثوبه وأدركته الصلاة فصلى معه رضي الله عنه، وبعد انقضاء الصلاة ذهب بلحمه إلى بيته، ووضعه في القدر، وأوقد عليه النار فلم تؤثِّر فيه شيئاً، فأكثر عليه النَّار فلم تفِد فيه شيئاً، فأخبر بذلك الشيخ رضي الله عنه، فقال: نحن بُشِّرنا أنَّه مَن صلَّى معنا لن تمسه النَّار! ''
      فما دام اللحمة صلت معنا فإذاً النار لن تمسها، لذلك قلنا: لا تستغربوا قولهم: إنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقطع مِن أرض الجنة.
      يقول النبهاني عن أحمد بن إدريس: '' اختصه الله بالمواهب المحمديَّة والعلوم اللَّدنية والاجتماعات الصورية الكمالية بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأخذ والتلقِّي منه؛ حتى لقَّنه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه أوراد الطريقة الشاذلية ''.
      عند ما نقول هذا الكلام الذي تقولونه مبتدع، وهذه الأذكار بدعيَّة هم يردون علينا: بأن هذا ورد في حديث ضعيف، وهذا ورد في حديث كذا! وهذا ليس هو أصل التشريع عندهم، أصل التشريع: أنَّه رؤيا، ويقولون لأتباعهم: هذا لقننا إياه الرسول، لكن يقولون لنا: هذا مرويٌّ عند أبي نعيم، أو عند ابن عساكر، أو عند فلان، ويأتون بأي حديث.
      يقول: '' فلقَّنه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه أوراد الطريقة الشاذلية، فإنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه أوراداً جليلةً، وطريقةً تسليكيَّةً خاصَّةً له.
      قال له: مَن انتمى إليك فلا أَكِلُه إلى ولاية غيري، ولا إلى كفالته، بل أنا وليُّه وكفيله ''.
      قال أحمد: '' اجتمعتُ بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتماعاً صورياً.
      أي: في اليقظة ومعه الخضر عليه السلام، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخضر أن يلقنَّني أذكار الطريقة الشاذلية فلقننيها بحضرته ''.
    30. كرامات ابن أبي القاسم

      وأبو بكر بن أبي القاسم، روي عنه أنَّه قال: '' مَن رآني ورأيتُه دخل الجنَّة '' وقال أحد أئمَّتهم: '' مَن رآني، ورآى مَن رآني.. -إلىسابع مَن رآى- دَخَل الجنَّة وضمن له الجنَّة '' وأنَّ هذا مما يحكى عن الشاذلي.
    31. كرامات الأشموني

      مدين الأشموني '' جاءته امرأةٌ فقالت: هذه ثلاثون ديناراً وتضمَن لي على الله الجنَّة! فقال الشيخ رضي الله عنه مباسطاً لها: لا يكفي ثلاثون ديناراً -قليلة!- فقالت: لا أملك غيرَها، فضمِن لها على الله الجنَّة!! فماتت، فبلغ ورثتَها ذلك، فجاءوا يطلبون الثلاثين ديناراً مِن الشيخ، وقالوا: هذا الضمان لا يصح، فجاءتْهم في المنام، وقالت لهم: اشكروا لي فضل الشيخ فإنِّي دخلتُ الجنة!! فرجعوا عن الشيخ '' انظروا إلى حد تلاعب الشياطين والجن بهم حيث أنهم جاءوا لتلك المرأة في شكل جنِّ، والتعامل مع الجن هو الذي يجعله يسخر أمثال هؤلاء.
      ومِن كراماته أيضاً، يقول: '' إن منارة زاويته -الموجودة الآن- لما فرغ مِن البناء منها مالت إليه، وخاف أهل الحارة منها فأجمع المهندسون على هدمها، فخرج إليهم الشيخ على قبقابه فأسند ظهره إليها وهزَّها والنَّاس ينظرون، فجلستْ على الاستقامة إلى وقتنا هذا ''.
      قال: '' ومرض سيدي مدين رضي الله عنه مرضاً أشرف فيه على الموت فوهبه الشريمي مِن عمره عشر سنين ثم مات في غيبة الشريمي رضي الله عنه، فجاء وهو على المغتسل، فقال: كيف مِتَّ! وعزَّة ربي لو كنتُ حاضراً ما خليتك تموت ''.
      مِن كراماته أيضاً '' أنَّه مرَّ به إنسانٌ يقود بقرة حلابة، فقال له: احلب لي شيئاً مِن اللبن أشربه، فقال له: هذه "ثور"، فصارت في الحال ثوراً ولم تزل ثوراً إلى أن ماتت ''.
      ومن كراماته أيضاً '' أنه كان يوماً يتوضأ في البالوعة التي في "رباط الزاوية"، فأخذ فردة القبقاب فضرب بها نحو بلاد المشرق -يعني: الحذاء رماها نحو بلاد المشرق- ثم جاء رجلٌ مِن تلك البلاد بعد سنَةٍ وفردة القبقاب معه، وأخبر أن شخصاً مِن العيَّار -يعني: مِن قطاع الطريق- عبث بابنته في البريَّة - فقالت: يا شيخ أبي لاحظني لأنَّها لم تعرف أنَّ اسمه مدين- ما نادته باسمه، استغاثت بشيخ أبيها - فيقول: وهي مِن ذلك الوقت إلى الآن عند ذريته رضي الله عنه. -محتفظين بالقبقاب!!- ''
      وهذا الأشموني، خرج رجل فقير يوماً مِن الزاوية، فرآى جرةَ خمرٍ مع إنسان فكسرها، فبلغ الشيخ رضي الله عنه ذلك فأخرجه من الزاوية وقال: '' ما أخرجته لأجل إزالة المنكر، وإنَّما هو لإطلاق بصره حتى رأى المنكر؛ لأنَّ الفقير لا يجاوز بصرُه موضع قدميه فعاقبه على ذلك! ''.
      كل هذه الخرافات موجودة في طبقات الشعراني [2/93]، وجامع كرامات الأولياء [2/249]
    32. كرامات موسى بن ماهين

      موسى بن ماهين المارديني، يقول النبهاني: '' وقع بـماردين حريق فاحش، وفشا في البلد، وعظم أمره، فاستغاث الناس بالشيخ موسى بن ماهين رحمة الله عليه، فأمرهم بإلقاء عكازه في النار، فانطفأت كأنْ لم تكن! فقال: إنَّ الله وعدني ألاَّ يحترق بالنار ما مسَّته يدي! ''أهـ.
      أي شيءٍ تمسه يدُه، فما بالك بالمريدين الذين باركهم!؟
    33. كرامات محمد بن علي

      يحكون من كراماتمحمد بن علي بن محمَّد صاحب مرباط : '' أنَّ خادمه بـإفريقيا سافر سفراً طويلاً فبلغ أهله أنَّه قد مات، فتعبوا وأتوا إلى الأستاذ، فأطرق ساعةً، وقال:لم يمُت بـإفريقيا، فقيل له: قد جاء الخبر بموته، فقال: إني اطَّلعت على أهل الجنَّة! فلم أجده فيها! ولن يدخل فقيري النَّار! ثم جاء الخبر بحياته! ''أهـ.
      كيف عرف الشيخ أنَّه ما مات؟ قال: '' اطَّلعتُ على الجنَّة فلم أجده فيها، والنَّار لا يدخلها لأنَّه مِن تلاميذي -فقيري-! ''.
      إذاً هذا الرجل لم يمت، فما يزال حيّاً، ثم وقع كما قال بدعواهم، وبزعمهم.
    34. كرامات البسطامي

      وينقلون عن أبي يزيد البسطامي -كما نقل الشعراني [2/49]- يقول: '' كان لا يخطر بقلبي شيءٌ إلا أخبرني به '' يقول: '' إنَّ شقيقاً البلخي، وأبا تراب النخشبي قدما على أبي يزيد، فقُدِّمَتُ السفرة، وكان هناك شابٌّ يخدم أبا يزيد، فقال له البلخي: كُلْ معنا يا بني، أو قال يا فتى، فقال: إني صائم , فقال له أبو تراب '' - وأبو تراب النخشبي هو الذي اعترض على الإمام أحمد وقال له: '' النَّاس يشتغلون بالذِّكر، وأنت تشتغل بهذا ضعيف وهذا حسن '' ونهره الإمام أحمد رضي الله عنه نهراً شديداً بسبب ذلك، هؤلاء لا يريدون أحداً يقول: ضعيف، وحسن، فكلُّ حديثٍ يضعونه كما يشاءون: فهو عندهم كما يريدون حتى ينفتح لهم المجال لهدم دين الإسلام، فيضعوا مِن الأحاديث ما شاءوا مثل ما رأينا في كتاب الذخائر من الموضوعات، وأبو عبد الرحمن السلمي كان يستحل لهم وضع الحديث كما يقولون، وكثير مِن الصوفية يستحلُّون أنْ يضع الأحاديث ليرقِّق لهم القلوب -بزعمهم-!
      الحاصل: أن أبا تراب النخشبي قال للولد: '' كُلْ يا ولدي ولك أجر صوم شهر! فأبى الولد، فقال له شقيق: كلْ، ولكَ أجرُ صومِ سنَةٍ، فأبى، فقال له أبو يزيد: دعوا مَن سقط مِن عين الله تعالى! فأُخذ ذلك الشاب في السرقة -أي: تحول إلى حرامي- فقطعت يدُه!! ''.
      أقول: لأنَّه خالف المشايخ، قالوا له: أفطر ونضمن لك أجر سنَة، على مَن يضمنون!؟ وعمن يضمنون!؟
      والكرامات -كما يسمُّونها-كثيرةٌ! لكن أحاول أن أختصر، وأنقل ما يتعلق بشيء مما ذكروه من أن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب! وبيده مقاليد السموات والأرض! ونحو ذلك مما ينسبون أمثاله لأوليائهم؛ لنعرف لماذا هم يدافعون عن إثباتها للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
      ومما يذكرونه أيضاً عن أبي يزيد البسطامي: أنَّه قال: '' أدخلني الحيُّ في الفلَك الأسفل فدوَّرني في الملكوت الأسفل، فأرانيه، ثم أدخلنى في الفلك العلوي وطوى بي السموات! فأراني ما فيها إلى العرش، ثم أوقفني بين يديه، فقال: سلني أيَّ شيء رأيته حتى أهبه لك! فقلت: ما رأيتُ شيئاً حسناً فأسألك إياه! فقال: أنت عبدي حقّاً تعبدني لأجلي صدقاً ''.
      هذا الكلام يشبه العبارة التي نقلناها من كتاب المالكي- لأفعلن بك، وأفعلن، وذكر أشياء - يعني مِن الابتلاءات التي ذكرها المالكي-.
      قال ابن معاذ: '' فهالني ذلك، وقلت له: لِمَ لمْ تسأله المعرفة؟ قال: غِرتُ عليه مني! لا أحب أن يعرفه غيره ''.
      يسمون هذا عندهم "الغيرة"، لا يحب أن يعرف اللهَ غيرُ الله بزعمهم، ولذلك لم يسأله معرفته.
      انظروا هذا المعراج، ولذلك يكثرون مِن الحديث عن الاسراء والمعراج في المولد.
    35. كرامات إبراهيم المجذوب

      وينقلون عن إبراهيم المجذوب '' أنه كان إذا لبس قميصاً يخيطه ويخرقه على رقبته، فإن ضيَّقه جدّاً حتى يختنق: حصل للنَّاس شدة عظيمة، وإن وسَّعه: حصل لهم الفرج والراحة ''.
      ربطوا أقدار النَّاس وأرزاقهم بثوب هذا الولي بزعمهم!
    36. كرامات عبد الرحمن با علوي

      عبد الرحمن با علوي يقول: '' كان يخبر بقوله عن نفسه أنَّه لم يبق بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجاب، وأنَّه لم يُعط الطريقة النقشبندية إلا بإذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .''
    37. كرامات عبد الرحمن الغناوي

      عبد الرحمن بن أحمد الغنَّاوي يقول: '' كان إذا استشاره إنسان يقول: أمهلني حتى أستأذن جبريل! ثم يُطرق رأسَه، ثم يقول: افْعل، أو لا تفعل ''.
    38. كرامات الشيخ عبدالله

      يقول الشعراني في طبقاته [2/136]: '' ومِنهم الشيخ عبد الله أحد أصحاب سيدي عمر النبتيتي نفعنا الله ببركاته، كتب لي أنه رآني بحضرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول للإمام علي رضي الله عنه: ألبِس عبد الوهاب طاقيتي هذه، وقل له: يتصرف في الكون!! أهـ ''
      أقول: لماذا يثبتون أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتصرف في الكون ويدافعون عنه؟ حتى يثبتوا أنَّه أعطى الطاقية لفلان، وقال: تصرف في الكون نيابةً عني.
    39. كرامات الصناديدي

      '' ومنهم الشيخ سعد الدين الصناديدي، وكان مِن أشد المنكرين عليَّ في حضور مولد سيدي أحمد البدوي -فيقول: كيف يحضر فلان المولدَ وفيه هذه المنكرات؟- فرأى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ضمَّني إلى صدره وثديي يشخبان لبناً حليباً، والنَّاس يشربون إلى أن روي أهل المولد كلهم، وسيدي أحمد البدوي واقف تجاه وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بأعلى صوته: مَن أراد المدد فليزر عبد الوهاب ''.
      يقول الشعراني: '' ومَن جملة ما وقع لي مِن الجن، بأنَّهم أرسلوا إليَّ نحو خمسة وسبعين سؤالاً في علم التوحيد لأكتب لهم عليها! وقالوا: قد عجز علماؤنا عن الجواب عنها، وقالوا: هذا التحقيق لا يكون إلا مِن علماء الإنس، وسمَّوْني في السؤال شَيْخ الإِسْلامِ''.
    40. كرامات أبو المواهب

      محمد أبو المواهب الشاذلي، مِن كراماته: '' أنَّه كان كثير الرؤيا للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، حتى كأنَّه لا يفارقه ''.
      وكان يقول: '' قلت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ النَّاس يكذبوني في صحة رؤيتي لك، فقال: وعزة الله وعظمته مَن لم يؤمن بها أو كذَّبك فيها لا يموت إلا يهوديّاً أو نصرانيّاً أو مجوسيّاً! ''
      أقول: هذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق.
    41. كرامات أبي السجاد

      عن رجلٍ مِن أوليائهم يُدعى أبو السجاد بن عمر بن يحي التغلبي، يقول: '' مِن كراماته أنَّه أوتيَ الاسم الأعظم، ومِن ذلك أنَّه أوتي خصِّيصة مِن خصائص الأنبياء عليهم السلام: أنَّه كان إذا أراد التبرز انفتحت له الأرض، وابتلعت ما يخرج منه '' ولذلك يحاولون أن يثبتوا مثل هذه للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّه لو لم يثبت للرسول ما ثبت لهذا التغلبي.
    42. كرامات علي الخلعي

      وهذا علي الخلعي يقول: '' هتف بي هاتف ناداني باسمي، فقلتُ: لبَّيك داعي الله، فقال: قل لبَّيك ربي الله -أي: أن الله الذي نادى، وليس داعيه- ما تجد مِن الألم؟ فقلت: إلهي وسيدي: الحمَّى ''.
      أحمد بن محمد الجزيري ''كان عنده جماعة - أي: مِن المريدين - فقال: هل فيكم مَن إذا أراد الله أن يُحدث في المملكة حدثاً أعلمه قبل إبدائه؟ قالوا: لا، قال: فابكوا على قلوبٍ لم تجد في الله شيئاً مِن هذا ''.
      فعندما يدافع هاشم الرفاعي وأصحابه أن الله يستشير النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمفروض أن يكون في المريدين مَن يستشيره الله ويعلمه، فكيف نستغرب دفاعهم عن أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستشار؟ أو يقال له شيء مِن ذلك؟

    43. كرامات أبي رباح الدجاني

      ومِن أوليائهم أيضاً رجلٌ رفاعي يدعى عبد القادر أبو رباح الدجاني يقول عنه النبهاني: '' أمَّا من جهة كراماته فإنَّها متواترة بين الناس، وقد شاهدتُ منها بنفسي أنَّه في حالة الذِّكر أمسك رجلاً مِن مريديه سيفاً كلَّ واحدٍ منهما مِن طرفٍ وجعل حدَّه إلى أعلى، فوقف الشيخ على حدِّه، وبقي كذلك مدة قصيرة مِن الزمان، ثم نزل ومشى ولم يتأثر بشيءٍ ''.
      وهذا كثيرٌ عن الرفاعية.
      يقول: '' -ولهذا الرفاعي- رسالة حافلة في إثبات أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطلعه الله تعالى علمَ المغيَّبات الخمس وغيرها قبل انتقاله للدار الآخرة '' وعلى هذه الرسالة وأمثالها يعتمد هاشم الرفاعي وأصحابه في تثبيت أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب كله.
      يقول: أمَّا كراماته، -ونذكر منها واحدةً- وهي ما أخبرني الحاج محمد أبو جيَّاب وهو مِن تلاميذه الصادقين الآخذين عنه، قال: إنَّه كان جالساً مع الشيخ في حجرة صغيرةٍ مِن حُجر جامع "يافا" الكبير، فاعترى الشيخَ حالٌ، فجعل يكبُر، ويتعاظم، وكلَّما كبُر جسمُه يتزحزح أبو جياب مِن مكانه حتى ملأ الحجرة، فلم يجد له مكاناً يجلس فيه، فخرج المريد، وجلس بالباب، ثم رجع الشيخ إلى عادته تدريجيّاً حتى عاد كما كان، فقال لأبي جياب: لأي شيءٍ أنت خارج الحجرة؟ قال: ياسيدي ما أبقيتْ لي مكاناً، فضحك الشيخ قدَّس الله سرَّه، فقال له: ياولدي هذا مقام يعتري الرجال، وأعلاه ماكان يعتري القطب الرفاعي قدس الله سرَّه فكان ينماع كالماء .
      ومنها أي: كرامات الرفاعي أيضاً: أنَّه كان يذوب حتى يكون كأنَّه قطرة ماء! فيقولون له: ما هذا؟! فيقول: هذا مِن خوف الله عزَّ وجل .
      وهناك خرافات أخرى نستعرضها بسرعة:
    44. كرامات حسن سكر

      حسن سكر الدمشقي '' جاءوا إليه بمائةٍ مِن قطع الفضَّة المغشوشة فأخذها، وألقاها في فمه، وابتلعها، وفي الحال جلس بصورة مَن يقضي حاجته، فأخرجها مِن أسفله دنانير مِن الذهب! فأخذوها، وقالوا: هذا مِن كراماته ''.
    45. كرامات أحمد بطرس

      يقول النبهاني: ''أحمد بن بطرس الشيخ العارف بالله تعالى -كما يقول- المكاشَف بأسرار غيب الله، كان إذا أردا أن يتكلم بكشف: يُطرق رأسَه إلى الأرض، ثمَّ يرفعه وعيناه كالجمرتين يلهث كصاحب الحِمل الثقيل، ثم يتكلم بالمغيَّبات. ''
      لأنَّ الجنَّ هي التي تكلمه وتخاطبه، يتلقى منها فيلهث.
      ونتابع الكلام عن هذه الكرامات - بزعمهم - ودعواهم مع التنبيه إلى قضية مهمَّة وهي أنَّني تعمَّدتُ أن أحذف تعقيداتهم، وما يذكرونه مِن الكفريَّات، والشركيَّات المعقدة التي فيها وحدة الوجود، والحلول والاتحاد، ومنها باطنيَّة، وزندقة، وغير ذلك مِن التعقيدات الفلسفيَّة التي تعمَّدتُ حذفَها؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ لايستطيع أنْ يفهمها بخلاف هذه المدَّعاة "كرامات"؛ فإنَّ كلَّ أحدٍ -ولله الحمد- يعرف بطلانها، ويعرف كذبها، ويستدل بها على كذبهم في الباقي.
      وأيضاً: لأنَّ هذه الكرامات يدَّعون أنَّهم إنَّما أُعطوْها لوراثتهم للَّنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولأنَّ كراماتهم هذه هي كالمعجزات بالنِّسبة للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل هي تأييد للمعجزات بنظرهم؛ ولذلك سنقتصر عليها دون الشركيَّات، والكفريَّات الأخرى.
      هذا الشيخ أحمد يقول تلميذه: -كما يصف النبهاني-: '' كنتُ جالساً عنده وحدي، فخطر لي خاطر هل للشيخ قوة التمكين؟ فقال: نعم، لنا قوة التمكين؟! ''
      قضية دعوى علم الغيب وعِلم ما في خاطر المريد، وقضية ادِّعاء قوة التمكين، وهي السيطرة على الكون.
      يقول النبهاني عن الشيخ محمد المعروف بأكَّال الحيَّات: '' هو الشيخ الصالح المعروف بأكَّال الحيَّات، وغيرها مِن الهوامِّ كالخنافس، وما في معنى ذلك، فيرى الخنافس زبيباً، والحيَّة قثاء ''.
    46. شطحات الكليباني

      كما يقول أيضاً عن أبي الخير الكليبانى: '' كان لا يفارق الكلاب في أي مجلسٍ كان ''.
      نحن نذكر بأنَّ الشياطين تتمثل في صورة الكلاب، وفي غيرها مِن الحيوانات، لكن بالأخص الكلاب، وقد وَرَدَ في الحديث: { الكلب الأسْود شيطان} .
      ويقولون عنه: '' كان لا يفارق الكلاب في أيِّ مجلسٍ كان فيه حتى في الجامع، والحمَّام، وكان كلُّ مَن جاءه في حملة -والحملة: الحاجة، يسمُّونها "حملة"، ويسمُّون شيوخهم "أصحاب الحمْلات"- فكان كل من جاءهم بحملة، يقولون له: اشترِ رطل لحم شواء لهذا الكلب وهو يقضي حاجتك! ''
      قال المناوي: '' وكان أكثر إقامته بـ"باب زويلة"، ويتعرى عن جميع ثيابه تارة، ويلبس أخرى، وكان يدخل الجامع بالكلاب، فأنكر عليه بعض القضاة، فقال: هؤلاء لا يحكمون باطلاً، ولايشهدون زوراً -أي: أنَّهم أفضل مِن القضاة!- قال: فرميَ القاضي بالزور، وأُشهر في الأسواق على ثور، ولم يزل معزولاً ممقوتاً حتى مات ''.
    47. شطحات البكري

      وهذا أبو الحسن محمد بن محمد جلال الدين البكري مِن كبار أقطابهم، وكان يضع لهم الصلوات المتنوعة، ومنها: صلاة الفاتح، يقول النبهاني: '' له كرامات، ويدلُّ على ذلك ما أخبرنا به الشيخ الكشكاوي، قال: رأيتُ الشيخ أبا الحسن البكري وقد تطور فكان كعبة مكان الكعبة -ومعنى تطور أي: تغيرت هيئته وشكله، وهذه الكلمة ترد عندهم كثيراً- ولبس سترها كما يلبس الإنسان القميص''.
    48. شطحات الشاذلي

      وقال في عمدة التحقيق: '' إن الشيخ المغربى الشاذلي قال: إنَّه حجَّ سنَةً مِن السنين إلى بيت الله الحرام، وكان بالحج الشريف الشيخ محمد البكري قال: فذهبت إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فدخلتُ يوماً أزور قبر النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدت الشيخ محمد البكري بالحرم النَّبويِّ وقد عمل درساً، قال في أثنائه: أُمرتُ أن أقول الآن قدمي على رقبة كلِّ وليٍّ لله تعالى مشرقاً كان أو مغرباً! -وهم يقولون إنَّ هذه الكلمة تُنقل عن عبد القادر الجيلاني فيما مضى- فعلمتُ أنَّه أعطي "القطبانية الكبرى"، وهذا لسان حالها، فبادرتُ إليه مسرعاً، وقبَّلتُ قدَمَيْه وأخذتُ عليه المبايعة، ورأيتُ الأولياء تتساقط عليه كالذباب، الأحياء بالأجسام، والأموات بالأرواح، فقلت حينئذ بيتَ ابن الفارض رضي الله عنه:
      وكلُّ الجهات الستِّ عندي توجهت            بما تمَّ مِن نسـك وحج وعمـرة
      وينقل داود بن ماخيلا عن شيخه الشاذلي أنه قال: طوبى لمن رآني، أو رآى من رآني، أو رأى مَن رأى مَن رآني... -ويقول- إنَّ الشاذلي يُقسم فيقول: والله ما مِن وليٍّ لله كان أو هو كائن إلا وقد أظهره الله عليه وعلى اسمه ونسبه وحسبه وحظه مِن الله عز وجل ''.
      ويقول الشاذلي أيضاً: '' مادة كلِّ نبيٍّ وكل وليٍّ في الأصالة مِن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن مِن الأولياء مَن يشهد عيناً، ومنهم مَن تخفي عليه عينه ومادته؛ فيفنى فيما يرد عليه، ولا يشتغل بطلب مادته؛ بل هو مستغرق بحاله لايرى غير وقته ''
    49. كرامات المجذوب

      ويذكرون مِن أوليائهم المدعو بركات المجذوب '' كان يرى النَّاسُ أنَّه يأكل الحشيش، فسلَّ عليه جنديٌّ سيفاً وقال له: كيف وأنت شيخ تأكل الحشيش؟ فقال له: هذا ما هو حشيش! فأعطاه الجنديَّ، فوجده حلاوة مأمونيَّة حارَّة! ''
      حقيقته أمام النَّاس أنه حشيش، فإذا أكله، قال: يجده حلاوة، فالمهم أنَّه يأكل الحشيش، وهذا نربطه بما سبق أن قدمنا مـن هدمهم للشريعة، وإتيانِهم بالشواذ والمخالفات فيتجرأ العوام على ارتكاب المحرمات باسم أنَّهم أولياء.
    50. كرامات الهمداني

      أبو يعقوب الهمداني، قال المناوي: '' من كراماته: أنَّه توفي رجلٌ مِن بعض أصحابه فجزعوا عليه، فلمَّا رأى الشيخُ شدَّةَ جزعهم جاء إلى الميت، وقال له: قم بإذن الله، فقام وعاش!''.
    51. كرامات ابن عربي

      وهذا ابن عربي، قال الشعراني -نقلاً عن الفتوحات المكية- '' باب الحج: ذكر أنَّ الكعبة كلمتْه، وكذلك الحجر الأسْود، وأنَّها طافت به، ثمَّ تتلمذت له، وطلبت منه ترقيتها إلى مقامات في طريق القوم، فرقَّاها، وناشدها أشعاراً وناشدتْه ''.
    52. كرامات الفرغل

      المدعو الفرغل، ينقلون عنه: '' أنه كان يقول كثيراً: كنتُ أمشي بين يدي الله تعالى تحت العرش! وقال لي كذا، وقلت له كذا، قال: فكذَّبه شخصٌ مِن القضاة فدعا عليه بالخرَس، فخرِس القاضي حتى مات!! ''.
      وهذا كثير ادِّعاؤهم أنَّ الله يخاطبهم كما مرَّ.
    53. كرامات السرهندي

      ويقول: أحمد الفاروقي السرهندي مِن أركان الطريقة النقشبندية : '' كان كثيراً ما يعرج بي فوق العرش المجيد، ولقد عرج بى مرة، فلمَّا ارتفعتُ فوقهم بمقدار ما بين مركز الأرض وبينه رأيتُ مقام الإمام شاه نقشبند رضي الله عنه '' وقال - قدس الله سرَّه كما يقول النبهاني -: '' رأيتُ الكعبة المطهرة تطوف بي، قال: ودعاه للإفطار في شهر رمضان عشرة مِن مريديه فأجابَهم، فلمَّا كان وقت الغروب حضر عند كلِّ واحدٍ مِن العشرة في آنٍ واحدٍ وأفطر عندهم''.
    54. كرامات البطائحي

      أبو عمرو عثمان البطائحي مِن الرفاعية، يقول: '' بينما هو ليلةً يتهجد إذ طرقته منازلةٌ من الجاب الأعظم -لعلَّها مِن الحجاب الأعظم- فتبدَّت له أنوار، فوقف سبعَ سنين واقفاً شاخصاً إلى السماء دون غذاء، ولا إحساس بحاله، ثم عاد إلى بشريته!''
      انظروا هذه الكلمة عاد إلى بشريته؛ لأنَّ هذا هو عين ما يقوله النَّصارى في عيسى عليه السلام، فالوليُّ عندهم ممكن أن ينتقل مِن حالة بشريَّة إلى حالة غير بشرية.
      قال: '' فقيل له: اذهب إلى قريتك، وجامع أهلك، فقد آن ظهور ولدٍ منك، فطرق بابه، وأخبر أهله بحاله، فقالت زوجتُه: إن فعلتَ وقضيتَ تحدث الناس فيَّ - انظروا! لماذا يتحدث النَّاس؟ أليس زوجها، لكن حتى يختلقوا للكرامة مبرراً في دعواهم - قال: فصعد السطح ونادى: يا أهل القرية أنا فلان اركبو فإنِّي سأركب، فأبلغهم الله صوته، وأفهمهم معناه، فلمَّا وافقه تلك الليلة رزق ولداً صالحاً ''.
    55. كرامات الأهدل

      وينقلون أيضاً عن المدعو أبو بكر بن علي بن عمر بن الأهدل: '' أنَّ هرة كانت تأتيه فيطعمها، وكان اسمها "لؤلؤة"، فضربَها خادمُه ذات ليلة، فماتت، فرمى بِها، ولم يعلم الشيخ بذلك، فقال له: أين "لؤلؤة"؟ فقال: ما أدري فناداها الشيخ يا لؤلؤة فجاءت إليه تجري! ''.
    56. كرامات شهاب الدين آل باعلوي

      أحمد بن عبدالرحمن المشهور بـشهاب الدين مِن آل باعلوي: مِن كراماته: '' أنَّه طلب من بعضِ العرب خشبةً كبيرةً ليجعلها أبواباً لداره، فقال له أحدهم: وأنا أريد منك حاجة؛ أريد أن أحفظ القرآن عن ظهرِ قلبٍ! فقال الشيخ: افتح فمَك! ففتح فمَه فتفل فيه ثلاث مرات فحفظ القرآن في أسرع زمان !! ''
    57. كرامات العبدول

      وهذا المدعو أبو بكر العبدول '' تحدث معه شخص مِن أصحابه في أحوال الرجال وما أعطاهم الله تعالى إلى أن وصلَ من بعضهم أنه يطوف بالكعبة شرفها الله تعالى وهو جالس في مكانه، ومنهم مَن تطوف به الكعبة تشريفاً وتكريماً!!
      قال التلميذ: فخرجتُ فوجدتُ الكعبة بهيئتها وصفتها التي أعرفها وهي طائفة حول دار الشيخ وفي أرجائها رجالٌ يترنَّمون بأصواتٍ طيَّبةٍ بأشياء، مِن جملتها:
      قد اصطفى رجـالاً             دلَّلهـم دلالاً
    58. كرامات المرثي

      وأيضاً المرثي، تلميذ الشاذلي، من أصحاب الشاذلية، ينقلون مِن كراماته أنَّه كان يقول: '' لي أربعون سنَةً ما حُجبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو حُجبتُ عنه طرفةَ عينٍ ما عددتُ نفسي مِن جملة المسلمين ''.
      وينقلون أيضاً عنه أنه كان يقول: '' قد يطلع الله الوليَّ على غيبه إذا ارتضاه بحكم التبع للرسل عليهم الصلاة والسلام، ومِن هنا نطقوا بالمغيبات وأصابوا الحق فيها''.
      ولذلك دعواهم في هذه الكتب الثلاثة وفي غيرها، وكما يدَّعي المالكي دائماً ويذكر دائماً أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب، وإنما مرادهم إثبات ذلك للأولياء والمشايخ بالتبع كما يدَّعون.
    59. كرامات الأديمي

      أحمد بن جعد الأديمي، يقولون: '' أتته امرأة، وقالت: ادعُ لي أن يرزقني الله ولداً ذكراً، فقال: سترزقين ذلك!! فوضعت أنثى! فقالت: له فيه، فقال: والله ما قلتُ لك إلا بعد ما مسستُ ذَكَره بيدي هذه، ولكن أراد الله أن يكذب هذه اللحية !! ''
      انظروا هذا الدجال الكذاب، وهذا العذر الذي اعتذر به.
    60. كرامات بهاء الدين النقشبندي

      وهذا المدعو محمد بهاء الدين نقشبند، إمام وشيخ الطائفة النقشبندية، يذكرون مِن كراماته أنَّه قال: '' خرجتُ يوماً أنا ومحمد الزاهد إلى الصحراء، وكان مريداً صادقاً، ومعنا المعاول نشتغل بها، فمرت بنا حالة أوجبت أن نرمي المعاول ونتذاكر في المعارف، فما زلنا كذلك حتى انْجرَّ الكلام معنا إلى العبودية، فقلت له: تنتهي -أي: العبودية- إلى درجة إذا قال صاحبها لأحدٍ " مُتْ " مات في الحال، ثم وقع لي أن قلت له ساعة: إذ مُت، فمات حالاً! واستمر ميِّتاً مِن وقت الضحى إلى نصف النهار، قال: فازددت قلقاً إلى وقت إذ قلت له: يا محمد ! احيا -أي: قيل له: قل يا محمد احيا- فقلت له ذلك ثلاث مرات، فأخذتْ تسري فيه الحياة شيئاً فشيئاً، وأنا أنظر إليه حتى عاد إلى حاله الأولى ''.
      وينقلون عن نقشبند أيضاً '' أنَّه دعاه بعضهم في بخارى، قال للمولى نجم الدين -من تلاميذه-: أتمتثل كلَّ ما آمرك به؟ قال: نعم، قال: فإن أمرتُك بالسرقة تفعلها؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: لأنَّ حقوق الله تكفرها التوبة، وهذه مِن حقوق العباد، قال: إن لم تمتثل أمرنا فلا تصحبنا! ففزع المولى نجم الدين فزعاً شديداً وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأظهر التوبة والندم، وعزم على أن لا يعصي له أمراً -أي: حتى ولو كان معصية- قال: فرحمه الحاضرون، وشفعوا له عنده، وسألوه العفو عنه، فعفا عنه '' انظروا إلى هذا التحكم.
    61. كرامات عبد الرحمن السقاف

      عبد الرحمن بن محمد الملقب بالسقاف مولى الدويلة في المشْرَع الروي نقل أنه اشتهرت فضائله في الآفاق، مِن كراماته: '' أنَّه شوهد في مشاعر الحج سنين عديدة، فسأله بعض خواصه هل حججت؟ فقال: أمَّا في الظاهر فلا.
      ومنها: أنَّه رؤي في أماكن متعددة في آنٍ واحد '' انظروا كيف تتمثل الشياطين بأشكالهم وتذهب في أماكن أخرى لتضل العالمين.
      وقال تلميذه الشيخ عبد الرحيم بن علي الخطيب: '' ما خَطر لي في قلبي شيء إلا وفعله شيخنا!.. -وقال- ومِن كراماته: أنَّه أمسك الشمس عن الغروب '' .
      قال: '' ومما أخبر به مِن المغيَّبات أنَّه قال لزوجته التي بقرية "العز" -وكانت حاملاً-: ستلدين غلاماً، ويموت في يوم كذا وأعطاهم ثوبه، وقال: كفِّنوه بِهذا، وسافر، فكان الأمر كما قال!
      وقالت له بعض زوجاته: إنَّ أبي قد طال به المرض فادع له بالعافية، أو بتعجيل الوفاة، فقال لها: سيموت أبوك في يوم كذا، فكان كما قال!! ''
      ومما ينسبونه ويدَّعونه إلى مسلم بن يسار التابعي: '' أنَّ مالك بن دينار -رحمه الله- رآه بعد موته بسنَةٍ، فسلَّم عليه، فلم يردَّ، قال: ما منعك أن ترد؟ قال: أنا ميِّت كيف أرد؟ ''
      انظروا! معاندة العقل، والتناقض مع العقل، ينقلون هذا وينسبونه للتابعين.
      وينقلون من كرامات أحمد بن عبد الرحمن السقاف '' أنَّه صلَّى بجماعةٍ من الناس عند قبر "هود" على نبيِّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فاعترض عليه بعض الفقهاء في قلبه -يستطيع أن يعترض، لكن لم يستطيع أن يقول له: لماذا تأتي هذا القبر المزعوم أنَّه قبر وتأتي بالخرافات؟- قال: فسُلب ذلك الفقيه جميع ما في قلبه مِن قرآنٍ وعلمٍ ''.
    62. كرامات أحمد اليماني والنجم

      وينقلون أيضاً عن أحمد بن إبراهيم اليماني '' أنَّه أقام عشرين سنَة لا يشرب الماء! ''.
      وهذا يدل على تعذيب النفس ومشابهة الهنود في ذلك.
      وأغرب مِن هذا ما ينقلونه عن عيسى بن النجم، قال الشعراني: '' مكث عيسى بوضوء واحدٍ سبع عشرة سنَة ''.
      مكث بوضوء واحدٍ هذه المدة كلها.
      ومما يدل على فقدان توحيد الألوهيَّة عندهم ما نقله الشعراني [1 / 134]:
      قال: '' كلُّ بَدَلٍ في قبضة العارف؛ لأنَّ مُلُكَ البدل مِن السماء إلى الأرض، وملك العارف مِن العرش إلى الثرى '' فماذا بقي للرحمن جلَّ شأنه؟!
    63. كرامات حسين أبو علي

      المدعو حسين أبو علي '' كان كثير التطورات، تدخل عليه بعضَ الأوقات فتجده جنياً، ثمَّ تدخل فتجده سبُعاً، ثم تدخل مرة أخرى فتجده فيلاً، ثم تدخل عليه فتجده غلاماً، وهكذا ''.
      وهذا المدعو أبو علي يقول الشعراني: '' إن بعض العُيَّار أرادوا أن يقتلوه فدخلوا على الشيخ فقطَّعوه بالسيف، وأخذوه في تلِّيس، ورموه على الكوم، وأخذوا على قتله ألف دينار، ثم أصبحوا فوجدوا الشيخ -"أبو علي"- جالساً، فقال لهم: غرَّكم القمر ''.
    64. كرامات الزولي

      وينقلون عن موسى بن مهيل الزولي: '' كان كثير المشاهدة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت أغلب أفعاله بتوقيفٍ منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أي: يأمره حالاً- وكان رضي الله عنه إذا مسَّ الحديد بيده لانَ حتى يصير كاللُّبان، وكان رضي الله عنه يقول للصبي الذي عمره أربعة أشهر فأقل: اقرأ سورة كذا، فيقرأها الصبيُّ بلسانٍ فصيحٍ، ولايزال يتكلم مِن ذلك الوقت -أي: ينطق الطفل- ''.
      شيخ آخر يذكره الشعراني [2 /88] قال: '' كان إذا تذكر مِن أصحابه الغائبين عن المائدة يأكل الشيخ عنهم لقمة أو لقمتين؛ فتنـزل في بطونهم في أي مكان كانوا! ثم يجيئون ويعترفون بذلك ''.
    65. كرامات الخضري

      وهذا المدعو محمد الحضري المدفون بناحية ناهية بالغربية، يقول الشعراني: '' وضريحه يلوح مِن البعد مِن كذا كذا بلداً، كان يتكلم بالغرائب والعجائب -كما يقول الشعراني- مِن دقائق العلوم والمعارف مادام صاحياً! فإذا قوي عليه الحال يتكلم بألفاظ لا يطيق أحدٌ سماعها في حق الأنبياء وغيرهم! وكان يُرى في كذا كذا بلد في وقت واحد.
      وأخبرنى الشيخ أبو الفضل أنه جاء يوم الجمعة فسألوه الخطبة، فقال: بسم الله، فطلع المنبر فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده، ثم قال: وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام!!! فقال النَّاس: كفر، فسلَّ السيف، ونزل فهرب النَّاس كلهم مِن الجامع، فجلس عند المنبر إلى أذان العصر، وما تجرأ أحد أن يدخل، ثم جاء بعض أهل البلاد المجاورة فأخبر أهل كل بلد: أنَّه خطب عندهم وصلَّى بهم! قال: فعددنا ذلك اليوم ثلاثين خطبة ونحن نراه جالساً عندنا في بلدنا!''.
      ومن كراماته أيضاً: أنَّه كان يقول: '' الأرض بين يدي كالإناء الذي آكل منه، وأجساد الخلائق كالقوارير، أرى ما في بواطنها ''.
      انظروا هذا الدجال الذي أبطل صلاة الجمعة في ثلاثين بلدٍ في وقت واحد، شيطان تشبه به، ولعب على عقول النَّاس به، ومع ذلك يدَّعي علم الغيب، ويدَّعي هذه الدعوى العظيمة.
      يقول المرسي تلميذ الشاذلي: '' لو كُشف عن حقيقة وليٍّ لعُبد؛ لأنَّ أوصافه مِن أوصافه -أي: مِن أوصاف الله تعالى- ونعوته مِن نعوته ''.
    66. كرامات محمد وفا

      وهذا المدعو محمد وفا مِن العارفين عندهم، يقول: '' أخبر ولده سيدي علي رضي الله عنه أنَّه هو خاتم الأولياء، صاحب الرتبة العليَّة، وكان أُمِّيّاً، ومع ذلك له لسان غريب في علوم القوم، ومؤلَّفات كثيرة ألَّفها في صباه وهو ابن سبع سنين! ''
      أُمِّي ويكتب وهو في سبع سنين أو عشر، فضلاً عن كونه كهلاً، وله رموز في منظوماته ومنثوراته مطلسمة إلى وقتنا هذا لم يفك أحدٌ فيما نعلم معناها -رموز، وذكر كثيراً منها لا يفهمها أي أحد، وكتب مؤلفات وهو أُمِّي.
    67. كرامات محمد بن أبي حمزة

      المدعو محمد بن أبي جمرة، يقول: '' إنَّه كان كبير الشأن معظماً للشرع، لكن أنكرو عليه بدعواه رؤية النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقظةً، وعقدوا له مجلساً، فأقام في بيته لا يخرج إلا لصلاة الجمعة، ومات المنكِرون عليه على أسوأ حال وعرفوا بركته ''.
      ومما نقله الشعراني في تعظيم أئمَّتهم قوله عن أحدهم: '' كان يقول: لو كان الحق -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يُرضيه خلاف السنَّة لكان التوجه في الصلاة إلى القطب الغوث أولى مِن التوجُّه إلى الكعبة ''.
      أي: أن التوجه إلى الكعبة عبادة محضة، وإلا فإن هذا القطب [الغوث] أولى مِن الكعبة.
    68. كرامات الشويمي

      ومِن أوليائهم المدعو الشويمي، يقول الشعراني: '' جاء مرةً شخصٌ يحمِّله حمْلة - والحملة هي الحاجة - هذه الحملة هي إمراة يحبها ويريد أن يتزوجها وهي تأبى، فقال له: ادخل هذه الخلوة واشتغل باسمها -أي: ردِّد اسمها- فدخل واشتغل باسمها ليلاً ونهاراً فجاءته المرأة برِجليها إلى الخلوة! -انظروا السحر، وانظروا كيف يجمع المرأة بمن لا يجوز- وقالت له: افتح لي أنا فلانة، فزهد فيها، وقال: إن كان الأمر كذلك فاشتغالي بالله أولى، فاشتغل باسم الله تعالى، ففتح عليه في خامس يوم رضي الله عنه ''.
      كان الشويمي رفيقاً لـمدين الأشموني '' وكان يدخل ويضع يده على عورات النساء، فيغضبن ويشكون للشيخ فيقول: لا تتشوشوا! '' وكثير من مثل هذه الكرامات آثرتُ أن لا أذكرها حياءً منكم، وممن يقرأ، وإلا فهذا عندهم كثير: يضع يده على عورات النساء، وعلى عورات الرجال.
    69. كرامات الدقوسي

      ومِن كبار أوليائهم المدعو: أبو بكر الدقوسي، ينقل الشعراني عن أحد تلاميذه حج معه '' وكان الشيخ يقترض طول الطريق الألف دينار فما دونها على يدي، فإذا طلبني المال أجيءُ به إليه فأخبره، فيقول: عُدَّ لك مِن هذه الحجارة -يقول: خُذ هذه الحجارة وعُدَّ لك على قدر الدَّيْن!!- قال: وكنتُ أعُدُّ الألف والمائة، والأربعين، والثلاثين فأعطيها الرجل فيجدها دنانير! ''
    70. كرامات أحمد الزاهر

      ومنهم: المدعو أحمد الزاهر، وآخر: الذي يقول: إنَّه كان يطرح الحجارة فتُحوَّل إلى ذهب، ينقلون هذا عن كثيرٍ مِن أتباعهم، ولاشك أنَّه مِن السحر كغيره مِن كراماتهم!
      يقول: '' وكان له صاحب يبيع الحشيش بباب اللوق، فكان الشيخ رضي الله عنه يرسل إليه أصحابَ الحوائج فيقضيها لهم، فقال له أحد تلاميذه عن ذلك - أي: كيف تفعل هذا مع الحشاشين؟ - فقال له: ياولدي ليس هذا مِن أهل المعاصي، إنَّما هو جالس يُتَوِّب النَّاس في صورة بيع الحشيش، فكل مَن اشترى منه لا يعود يبلعها أبداً ''.
      ويقول عن الشيخ أبي بكر أن تلميذه لما حج: '' يقول سألته أن يجمعني على القطب فقال: اجلس ها هنا، فمضى فغاب عنِّي ساعة ثم حصل عندي ثِقَل في رأسي، فلم أتمالك أحملها حتى لصقت لحيتي بعانتي! فجلسا يتحدثان عندي - أي: الشيخ والقطب - بين زمزم والمقام ساعة، وكان مِن جملة ما سمعتُ مِن القطب يقول: آنَستَنا يا عثمان، حلَّت علينا البركة، ثمَّ قال لشيخي: توصَّى به فإنَّه يجيءُ منه، ثم قرأ سورة الفاتحة وسورة قريش، ودعيا، وانصرفا، ثم رجع سيدي أبو بكر رضي الله عنه، فقال: ارفع رأسَك، قلت: لا أستطيع، فصار يمرخني ورقبتي تلين شيئاً فشيئاً، حتى رجعتْ لما كانت عليه، فقال: يا عثمان هذا حالك وأنت ما رأيتَه، فكيف لو رأيتَه، فمن ثَمَّ كان سيدي عثمان رضي الله عنه -كما يقول الشعراني- لا يريد إلا الانصراف عن جليسه حتى يقرأ سورة الفاتحة، ولإيلاف قريش؛ لأنَّه سمع القطب قرأها قبل أن ينصرف ''.
    71. كرامات الجاكي

      وهذا المدعو حسين الجاكي، مِن كراماته، قال الشعراني: '' عقدوا له مجلساً عند السلطان ليمنعوه مِن الوعظ وقالوا: إنَّه يلحن، فأمر السلطان بمنعه، فشكا ذلك لشيخه، الشيخ أيوب، قال: فبينما السلطان في بيت الخلاء، إذ خرج له الشيخ أيوب مِن الحائط والمكنسة على كتفه في صورة أسدٍ عظيم وفتح فمه يريد أن يبلع السلطان، فارتعب السلطان ووقع مغشيّاً عليه، فلمَّا أفاق قال له: أرسل للشيخ حسين يعظ وإلا أهلكتك، ثم دخل مِن الحائط ''.
    72. كرامات التستري

      ووليُّهم المدعو: حسن التستري، يقولون: '' إنَّ الوزير سدَّ زاويته وأقفلها فقال الشيخ: مَن سدَّ هذا الباب؟ فقالوا: الوزير فلان بأمر السلطان، فقال: نَحن نسدُّ أبواب بدنه وطيقانه، فعمي الوزير وطرش وخرس، وانسدَّ أنفُه عن خروج النَّفَس، وانسدَّ قُبُلُه ودُبُرُه عن البول والغائط، فمات الوزير في الحال، فبلغ ذلك السلطان فنزل إليه وصالحه، وفتح له الباب ''.
    73. كرامات القناوي

      عبد الرحيم القناوي، يقول الشعراني: '' نزل يوماً في حلقته شبحٌ مِن الجوِّ لا يدري الحاضرون ما هو، فأطرق الشيخ ساعةً ثم ارتفع الشبحُ إلى السماء، فسألوه عنه فقال: هذا ملَكٌ وقعت منه هفوةٌ فسقط علينا يستشفع بنا، فقبِل الله شفاعتَنا فيه فارتفع!
      قال: وكان الشيخ إذا شاوره إنسانٌ في شيءٍ يقول: أمهلني حتى أستأذن لك فيه جبريل عليه السلام، فيمهله ساعة، ثم يقول له: إفعل أو لاتفعل على حسب ما يقول جبريل ''
    74. كرامات الخواص

      أما المدعو علي الخواص: فينقل عنه '' أنَّ محمد بن هارون مِن أوليائهم -وهناك خلاف بين هذا الولييْن-سلبه حالَه مرة صبيٌّ القرَّاد -أحد الأولياء الآخرين- وذلك أنَّه كان إذا خرج مِن صلاة الجمعة تبعه أهل المدينة يشيِّعونه إلى داره، فمرَّ بصبيِّ القراد وهو جالس تحت حائطه يفلي خرقته مِن القمل، وهو مادٌّ رجليه، فخطر في سرِّ الشيخ أنَّ هذا قليل الأدب يمد رجليه ومثْلي مارٌّ عليه، فسُلب لوقته، وفرَّت النَّاس عنه، فرجع فلم يجد الصبيَّ، فدار عليه في البلاد إلى أن وجده في رميلة بـمصر فلمَّا نظر القَرَّاد الكبير إليه وهو واقف وقد فرغوا، قال له: تعالَ يا سيدي الشيخ، مثلك يخطر في خاطره أنَّ له مقاماً أوقدْراً؟ هذا الصبيُّ سلبكَ حالك - القراد يقول: الصبيُّ سلب الشيخ حالَه -أي: إيمانه- فله أن يمد رجله بحضرتك لكونه أقرب إلى الله منك، فقال: التوبة، فأرسله إلى سنهور المدينة -إلى الحائط الذي كان يفلي فرقته عندها- وقال: نادِ السحليَّة التي هناك في الشق -أي: الوزغ التي في الشق عند الحائط- وقل لها: إنَّ قزمان طاب خاطره علي فردي عليَّ حالي، فخرجتْ، ونفختْ في وجهه، فردَّ الله عليه حاله أي: ردَّ الله إيمانَه لما نفختْ عليه هذه السحلية! ''
    75. كرامات البقال

      وهذا علي البقال، يقولون مِن كراماته: '' أنَّ ابن الفارض مرَّ به فرآه يتوضأ وضوءاً غير مرتب وهو لا يعرفه، فقال له: أنتَ في هذا السنِّ في دار الإسلام وتتوضأ وضوءاً باطلاً؟ فنظر إليه، وقال: لم أتوضأ إلاَّ وضوءاً مرتَّباً لكنَّك لا تبصر، ولو أبصرت أبصرت هكذا، وأخذ بيده فأراه الكعبة، فأكبَّ ابن الفارض على أقدامه يستغفر ''.
    76. كرامات البحيري

      وهذا المدعو علي البحيري، قال المناوي: '' أخبرني صاحبُنا زين الدين العلاف أنَّه جلس مرة فطأطأ رأسَه، وتمرَّغ على التراب، وقال: أستغفر الله، وكرَّر ذلك وبكى!! فسأله عن ذلك، فقال: حككت رأسي في ساق العرش في هذا الوقت ''.
    77. كرامات الهيتي

      علي بن الهيتي، يقولون مِن كراماته: '' أنَّه حضر هو وجماعة مِن المشايخ والفقهاء، فعملوا سماعاً -أي: حضرة- فأخذ المشايخ بحظهم مِن الرقص والغناء، وأنكرت الفقهاء ببواطنهم، فطاف عليهم الشيخ علي بن الهيتي- ما أظهروا إنما في الباطن فقط فكان كلَّما قابل رجلاً نظر إليه فيفقد جميع معلوماته حتى مِن القرآن! وانصرفوا ومكثوا كذلك شهراً ثم أتوا واستغفروا وقبَّلوا رجليْه ''.
      يقول الشعراني في العهود '' حكى لي أحدُهم أنَّ والده سراج الدين البلقيني مرَّ يوماً في باب اللوق، فوجد هناك زحمة، فقال: ما هذه الزحمة؟ فقالوا: شخصٌ مِن أولياء الله يبيع الحشيش! فقال: كيف يكون شخص حشاش مِن أولياء الله؟ إنما هو مِن الحرافيش، ثم ولَّى، فسُلب الشيخ جميعَ ما معه حتى الفاتحة ''.
      قال: فمنذ ذلك اليوم ما أنكر الشيخ البلقيني على أحدٍ مِن أرباب الأحوال!
      وكما قلنا هذا هو الإرهاب الذي يضعونه.
    78. كرامات القونوي

      صدر الدين القونوي الرومي الذي ذكره شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية في كتبه مراراً، كان تلميذ ابن عربي، قال المناوي: حكى عن نفسه أنَّه قال: اجتهد شيخي العارف ابن عربي أن يشرِّفني ويوصلني إلى المرتبة التي يتجلى فيها الحق تعالى للطالب بالتجليات البرقيِّة في حياته فما أمكنه -يعني: في حياة ابن عربي- فزرتُ قبره بعد موته، ثم رجعتُ، فبينا أنا أمشي في الفضاء عند طرسوس في يوم صائف، والزهور يحركها نسيم الصبا فنظرت إليها، وتفكرت في قدرة الله تعالى وكبريائه وجلاله، فشرفني حبُّ الرحمن حتى كدت أغيب عن الأكوان، فتمثَّل لي روح الشيخ ابن عربي في أحسن صورة كأنَّه نورٌ صَرف، فقال: يا محتار! انظر إليَّ، وإذا الحقُّ جلَّ وعلا تجلَّى لي بالتجلِّي البرقي مِن الشرف الذاتي فغبتُ عنِّي به فيه على قدر لمح البصر، ثمَّ أفقتُ حالاً وإذا بالشيخ الأكبر بين يدي فسلم سلام المواصلة بعد الفرقة وعانقني معانقة شديدة، وقال: الحمد لله الذي رفع الحجاب وواصل الأحباب.
    79. كرامات الكوراني

      ومِن أكابر مَن أحيا طريقةَ ابن عربي ومذهبه في وحدة الوجود المدعو يوسف الكوراني الملقب العجمي، تحدث عنه الشعراني، فقال -ضمن ترجمته-: لما ورد عليه وارد الحق بالسفر مِن أرض العجم إلى مصر، فلم يلتفت إليه، فورد ثانياً -وارد في قلبه- فلم يلتفت إليه، فورد ثالثاً، فقال: اللهمَّ إن كان هذا واردَ صدقٍِِِِِ فاقلب لي عينَ هذا النَّهر لبناً حتى أشرب منه في قصعتي هذه! فانقلبَ النَّهر لبناً وشرب منه ثم ذهب إلى مصر.
      وله حكاياتٌ كثيرةٌ ننقل منها واحدة فقط، لتَعلموا حقيقة هؤلاء القوم -ومعهم ابن عربي وأمثاله- يقول: كان رضي الله عنه إذا خرج مِن الخلوة يخرج وعيناه كأنَّهما قطعة جمرٍ تتوقد، فكلُّ مَن وقع نظره عليه انقلبت عينُه ذهباً خالصاً، ولقد وقع بصره يوماً على كلبٍ فانقادت إليه جميع الكلاب إن وقف: وقفوا، وإن مشى: مشوا!! فأعلموا الشيخ بذلك، فأرسل خلف الكلب وقال: "اخسأ"! فرجعت عليه الكلاب تعضه حتى هرب منها.
      ووقع له مرةً أخرى أنَّه خرج مِن خلوة الأربعين فوقع بصره على كلبٍ فانقادت له جميع الكلاب، وصار النَّاس يهرعون إليه في قضاء حوائجهم، فلمَّا مرض ذلك الكلب اجتمع حوله الكلاب يبكون! ويظهرون الحزن عليه! فلمَّا مات أظهروا البكاء والعويل وألهم الله تعالى بعض النَّاس فدفنوه، فكانت الكلاب تزور قبره حتى ماتوا!
      يقول الشعراني: '' فهذه نظرة إلى كلبٍ فَعلت ما فعلت فكيف لو وقعت على إنسان؟! ''.
      وحكاياتهم عن الكلاب وأنَّها من الأولياء كثيرة، منها: أن رجلاً اسمه "علي صاحب البقرة"، يقول النبهاني: كان له بقرة يحرث عليها فأراد أن يحلبها في بعض الأيام، فقالت له: يا شيخ علي إمَّا حليب، وإما حراثة فأتى بِها فاستنْطقها عند أهل القرية، فقالت مثل المقالة الأولى، فقال لها: اذهبي فلا حليب ولا حراثة، ثم سقط ميِّتاً، وسقطت هي أيضاً، فدفنا في محلٍ واحدٍ، وقبرُهما مقصودان للزيارة، وقد زرناهما في غير هذه المرة مع زمرة مِن الإخوان، وحصل لنا الحظ التام، وذكرنا الله تعالى عندهما برهة مِن الزمان!
      يعني: الشيخ والبقرة، فمن أوليائهم الكلاب ومن أوليائهم الأبقار!!
    80. كرامات باعباد الحضرمي

      وهذا باعبَّاد الحضرمي -وهو ممن ذكروهم مِن الأولياء الكبار- كان يقول لأصحابه: '' مَن وقع منكم في ضيق: فليتوسل إلى الله تعالى بي ويدعوني؛ فإني أحضركم أينما كنتم! ''.
      يقول المؤلف: '' وجرَّب ذلك بعضُهم فوجده كما قال ''.
    81. كرامات اليافعي

      أبو محمد عبد الله بن أسعد اليافعي، يقول: '' إنَّه لما قصد المدينة لزيارة النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا أدخل المدينة حتى يأذن لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: فوقفتُ على باب المدينة أربعة عشر يوماً، فرأيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال لي: يا عبد الله! أنا في الدنيا نبيك، وفي الآخرة شفيعك، وفي الجنة رفيقك!! واعلم أن في اليمن عشرة أنفس مَن زارهم فقد زارني، ومَن جفاهم فقد جفاني ''.
      أقول: ولذلك يُصِرُّون على حديث: { مَن حجَّ ولم يزرني فقد جفاني } ليستفيدوا به في مثل هذا الموضع، فإذا قلتَ لهم: هذا الحديث ضعيف لا تراهم يدافعوا عنه؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله، يدافعوا عنه لأنه يبطل دعواهم هم.
      يقول: ''فقلتُ: مَن هم يا رسول الله؟! فقال: خمسة مِن الأحياء، وخمسة مِن الأموات، فقلت: مَن الأحياء؟ قال: -فلان، وفلان.. إلى أن يقول- خرجتُ في طلب القوم، وليس الخبر كالمعاينة، ومَن شكَّ فقد أشرك!! فأتيتُ الأحياء، فحدثوني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم كذلك، قال: وأتيتُ الأموات فحدَّثوني، فلمَّا أتيتُ الشيخ محمد النهاري قال: مرحباً برسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: بم نلتَ هذا؟ قال: قال الله عز وجل: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ))[البقرة:282] ''.
    82. كرامات الجعبري

      ومِن كرامات ما يسمُّونه علي بن أحمد الجعبري: أنَّه كان إذا جاء ليدخل باباً فوجده مغلقاً دخله مِن شقوقه التي لا تسع نملة.
      قال النبهاني: '' ومرَّ يوماً بالشارع بدارٍ وإذا هو بامرأة جميلة، فوقف زماناً، ثم صاح، وإذا بها نزلت، وأتت بالشهادتين، وكانت نصرانية! فقال لمن معه: نظرتُ إلى هذا الجمال الباهر، فقال: أنقذني مِن هذا الكفر الظاهر، فتوجهت فأسلمتْ ''.
      يعني: النَّظر إلى المحرمات، أو كشف العورات لا إشكال! فهو كثير جدّاً، ننقل واحدة منها:
    83. كرامات الكردي

      المدعو علي الكردي وهو يعتبر مِن أوليائهم، أنَّ السهروردي لما جاء إلى دمشق قال: أريد أن أزور علي الكردي، فقال له الناس: يا مولانا لا تفعل وأنت إمام الوجود، وهذا رجل لا يصلِّي ويمشي مكشوف العورة أكثر أوقاته - لاحظوا هذا الولي لا يصلِّي، ويمشي أكثر أوقاته وهو مكشوف العورة - قال: لا بدَّ مِن ذلك، فساعة دخوله مِن الباب خرج الشيخ علي من دمشق... فلم يدخلها بعد ذلك، فقالوا للشيخ السهروردي: هو في الجبَّانة، فركب بغلته، ودخل يمشي إليه، فلمَّا رآه علي الكردي قد قرب منه كشف عورته، فقال الشيخ شهاب الدين: ما هذا شيءٌ يصدُّنا عنك وها نحن ضيفك -يعني: مهما كشفت لا يصدُّنا-.
      وسأنقل ما ذكره صاحب المشرع الروي في فضائل آل با علوي عن بعض العارفين، قال: '' أقمتُ بـمكة المشرفة سنين، وكنتُ أجد في المسجد الحرام أنساً جسيماً، وتجليّاً عظيماً، فلمَّا وصلت تريم ودخلت مسجد آل با علوي وجدتُ ذلك الأنس والتجلِّي، وكذا وجدته في مسجد عمر المحضار، ومسجد محمد بن حسن جمل الليل '' -يعني: يشبِّه هذه المساجد بالحرم، وأغرب مِن هذا أنَّ اللَّجنة التي يرأسها الشاطري -مِن أهل جدة- والتي طبعت الكتاب أنَّها حذفت بعض الكرامات، ولم أتمكن مِن الرجوع للطبعة القديمة التي لا يوجد الحذف فيها.

  9. الجهاد عند الصوفية

     المرفق    
    بقي أمر آخر عند الصوفية نتكلم عنه وهو جهاد الصوفية كيف يجاهدون؟ يمكن أن يقول أحد من الناس الصوفية لا يجاهدون! وأجيب: بلى، هم يقولون: نحن نجاهد، وسأقرأ لكم الآن عن أحدِ أئمَّتهم كيف جاهد.
    هذا أحدهم اسمه محمد بن الشيخ أبي بكر العردوك، يقول النبهاني: "تأهب الشيخ محمد وتحزَّم، وأخذ عمود خيمته، وجعل يقاتل في الهواء غائب العقل ظاهراً! والجماعة حوله يعلمون أنه في أمر مهمَّ، وبقي إلى مثل ذلك الوقت مِن نهارِ الخميس تاليه، ثم استلقى كالميت، وكُلُّ ما عليه مع بدنه، وعموده ملطخ بالدماء، ثم أفاق بعد ساعة والجماعة حوله يبكون، فقبَّلوا يديه ورجليه، وسألوه عمَّا جرى، فأخبرهم بأنَّه قاتل جيش التتار، وقتل كبيرهم وأنَّهم في هذا اليوم ينكسرون، وانكسر التتار بأرض حمص يوم الخميس.
    أقول: الشيخ حاربَهم وهو قاعد يضارب في الهواء.
    وهناك شيخ آخر اسمه: الشيخ برق، قال النبهاني: '' روينا أنَّ قاضي دمشق مرَّ يوماً راكباً بمكان بـدمشق فنظر إليه الشيخ برق قائماً، وبين يديه جبَّة غليظة، وهو يضربه بخشبة غليظة، والدم يرتفع مِن ذلك المضروب في الهواء، ويرشرش ماحوله -أي: ماحول الشيخ- والشيخ منـزعج، يصيح مرة، ويهيم مرة، ويصير كالسكران إلى أن أفاق الشيخ ورجع إلى حكم الظاهر، فسأله ما الخبر؟ فقال: حضرتُ الساعةَ وقعة المنصورة، وكان جميع ما يرى مِن الضرب وظهور الدماء مِن تلك الوقعة، وقد نصرتُ المسلمين وخذلت الكافرين ''.
    انظروا! الشيخ هو الذي فعل ذلك وهو في دمشق يضرب الجبَّة!
    بقي أن نقول: إنَّ الكرامات هذه كثيرةٌ جدّاً لا نستطيع أن نأتي بِها جميعاً، وكلها شركيَّات، وخرافات وضلالات، وكلُّها أوهام، وكثيرٌ منها تخرجُ صاحبَها مِن الملَّة بمجرد اعتقاده، ولن نستطيع أن نأتي بها جميعاً، وإنَّما ذكرتُ ما ذكرتُ منها لإعطاء فكرة عامَّة، فكرة موجزة عن هذا -دين الصوفية- خلواته، وشيوخه، ثم عن كراماتهم، وعن مجاهداتهم كما سبق.
    فهذه هي أركان الطريق عندهم، وهذا هو دين هؤلاء القوم، وهذه هي عقيدتهم، فمن خدع بكتاب الرد المحكم المنيع الذي ألَّفه الرفاعي، أو مَن خُدع بكتاب التحذير من الاغترار بما جاء في كتاب الحوار الذي ألَّفه المغربيَّان عبد الحي وعبد الكريم، ومَن خدع بكتاب إعلام النبيل الذي ألَّفه راشد بن إبراهيم المريخي البحريني، ومَن خدع بأيِّ كتابٍ مِن كُتب هؤلاء القوم أو بأيِّ دعوةٍ مِن دعواتِهم، أو بأيِّ فكرة مِن أفكارهم: فليعلم أن هذه هي أصولهم، ولا يغتر بما يذكرونه في هذه الكتب مِن أنَّ الخلاف بيننا وبينهم في "المولد"، أو في بعض الفرعيَّات، أو في بعض القضايا التي لا تثير إشكالاً، وياليت أننا نتعاون على الشيوعية، وعلى أعداء الاسلام، ونترك هذه البدع كما يقولون أبداً، هذه هي عقيدتهم، وكلٌّ منهم آخذٌ منها بحظ، من لم يأخذها كلها فله حظ منها بقدر ما يأخذ.
  10. توجيهات إلى المغترين بالصوفية

     المرفق    
    أمَّا المغترين والمخدوعين بـالصوفية فإليهم نوجِّه هذا الكلام، وأرجو منكم أن توجهوه إليهم.
    أيها الإخوة: اعرفوا عقيدة هؤلاء القوم واعلموها، ثم بعد ذلك فكِّروا! هل تنفعكم هذه العقيدة عند الله؟ هل تتفق هذه العقيدة مع كتاب الله وسنَّة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟
    هذا هو موضع الخلاف الذي يجب أن نعلمه جميعاً.
    أمَّا دعواهم أنَّهم يكرهون الخلاف، وما يكتبه هؤلاء مِن قولهم: إنَّنا لو نترك هذه الخلافات ونتفق على الأمور المجمع عليها ونتعاون عليها مثل محاربة الشيوعية أو اليهودية وما إلى ذلك، فنقول لهم: مَن الذي بعث الخلاف، ومَن الذي أثار المشكلة؟ ومَن الذي فرَّق الجماعة إلا هذا الدين المحدث الذي جئتم به؟ وهذه الضلالات التي أتيتم بها؟
    مَن الذي فرَّق جماعة المسلمين إلا البدع والضلالات؟ مَن الذي يقيم الموالد بين الحين والحين ويدعو إلى البدعة علانية، ويثير أحقاد العوام والجهلة على العلماء الذين ينكرون هذا المولد من هم؟ هذه القاعدة: نحن نطالبكم بها، نقول لكم: إنَّنا مختلفون معكم في الموالد، ومختلفون معكم في كل البدع المخالفة للكتاب والسنَّة، فلماذا لا تتركونَها وتأتون إلى مواضع الاتفاق التي نتفق نحن وإياكم عليها، فنتعاون على حربِها، ونتعاون على حرب الربا والتبرج والعلمانية التي بدأت تأكل الأخضر والهشيم في مجتمعنا؟ وكذلك الانحلال الخلقى الذي بدأ يتفشى؟ والأفكار الغربية الوافدة التي تظهر في الصحف والكتب وفي كل مكان؟ لماذا لا تتعاونون معنا على هذه الأمور التي نحن متفقون عليها، وتتركون البدع التي نختلف فيها نحن وإياكم؟ هذه القاعدة نحن نقولها لكم، ونطالبكم بها، ولا تطالبوننا أنتم بها.
    ولكنَّه الباطل، هكذا الباطل دائماً يتخفى، فالذي لديه ذهب مغشوش لا يمكن أن يبيعه في سوق الذهب، وإنَّما يذهب به إلى البوادي، وإلى أطراف البلاد ليبيعه على الجهلة.
    وهكذا هؤلاء القوم لو أنَّهم على الحقِّ، فلماذا يتخفون به عن العلماء، وعن النَّاس؟!
    فهذا المدعو محمد علوي مالكي الذي يقيم في مصر محتجباً عن البشر جميعاً، لماذا يحتجب إذا كان على الحق؟! ولماذا لا يقيم في القاهرة، ويعلن دعوته ما دامت هي الحق؟ والمالكي لماذا لا يُظهر دعوتَه في مكة؟ ولماذا لا يناظر عليها العلماء حتى لو أوذي؟ فأصحاب الدعوات الحق يتحمَّلون الأذى مِن أجلها ما دامت حقّاً.
    لكن لأنَّ هؤلاء هم أول مَن يعلم بطلان دعوتِهم وكذبِها، وهم أول مَن يعلم ضلالها، لذلك لا يريدون أن يُظهروها أمام الملأ إلاَّ في الأقطار النائية مِن العالم الإسلامي، ويُؤثرون المجد والشهرة، ويُؤثرون أكل السُّحت على الحق كمَا فعل أحبار اليهود، وكما يفعل علماء الرافضة وآياتهم، فهم يؤثرون ذلك على الحق، وإلا فهم يعلمون الأدلة، ويعلمون أنَّ أدلتهم باطلة، ويعلمون ما في المولد مِن الشرك، وإن طنطنوا وجعجعوا، وقالوا: ليس فيه شرك.
    فكلمة أخيرة أقولها لكم، وقولوها لكل واحدٍ مِن أتباع المالكي أو غيره، ولكلِّ محبِّ للحقٍّ مِن المخدوع بهذا الدِّين أعني، دين التصوف: لا تنظروا إلى أتباع هذا الرجل وأمثاله، لا تنظروا إلى عقيدة التوحيد على أنَّها عقيدة أهل نجد، أو أهل الشام، اتركوا النَّعرة الجاهلية، وعودوا إلى الكتاب والسنَّة، وانظروا إلى مَن يتبع الدليل، ومَن يتَّبع الكتاب والسنَّة، ومَن يتَّبع الحق، فكونوا معه، والحمد لله رب العالمين.