لقد أخذت بعض طوائف المسلمين بمذهب القائلين: بأنه لا يوصف بشيء مطلقاً، ومن ذلك الباطنية، فإن الباطنية والقرامطة ومن اتبعهم غلوا في ذلك، حتى قالوا: لا نقول: هو موجود ولا غير موجود، وهذا من غلوهم أما الجهمية فأقل من ذلك بدرجة، فقد أخذوا مذهبهم عن الفلاسفة الصابئين من أهل حران وما حولها، وهؤلاء يقولون: نصفه بالوجود بشرط الإطلاق، يعنون وجوداً مطلقاً، ولا يوصف بأي وصف من الأوصاف عدا الوجود المطلق، وأقل منهم درجة وأخف ضرراً وشراً المعتزلة فقالوا: نثبت له الأسماء ولا نثبت له الصفات، ولذلك يجعلون الأسماء جميعاً مترادفات في دلالتها على الذات، فإذا قلت: العليم أو الحكيم أو الرحيم فالمعنى واحد، وليس هناك صفات متضمنة لمعنى.
وأقل منهم درجة في اتباع هؤلاء الفلاسفة والجهمية هم الأشاعرة والماتريدية الذي يثبتون بعضاً من الصفات التي يسمونها (العقلية)، فهم يثبتون مثلاً الحياة، والوجود، والبقاء، والسمع، والبصر، والإرادة، والعلم، والكلام.
كل هذه الطوائف التي ذكرناها تشترك في أنها تنكر المحبة، حتى الأشعرية والماتريدية، وهم أقل هذه الطوائف ضرراً وشراً، وهم الأقرب إلى الإثبات. وكان قصدنا هنا بيان تسلسل أو تدرج هذه الطوائف في الأخذ من أصل هذه الضلالة؛ وهم الفلاسفة، لكن إذا قارنا هذا الكلام بما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في أكثر من موضع كما في الحموية وغيرها، من أن أصل مقالة نفي الصفات مأخوذ عن اليهود، كما ذكر ذلك نقلاً عمن سبقه من العلماء ممن تعرضوا لتاريخ نشأة هذه الضلالات، فكيف التوفيق بين الأمرين؟