إذا حلف الرجل بالولي فلان، وقال: إنني أعطيتك كذا، وقَالَ: أنا صادق فيما أحلف، نقول: القضية ليست في الكذب أو الصدق، لأننا خرجنا الآن من قضية المعاصي إِلَى مبحث آخر أهم وأكبر وهو أنك فعلت ما سماه الله ورسوله شركاً، فلا ننظر إِلَى كونه وقع أو لم يقع، وإنما ننظر إِلَى ذات اللفظ حين حلفت وأقسمت بغير الله، وهذا لا يجوز بأي حال من الأحوال، ومثل ذلك: الحديث الصحيح الثابت عن عبد الله ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر} كما نطبق ذلك عَلَى نفس الدرجات الثلاثة.
هل قوله: {قتاله كفر} تعني: من قتل، أو قاتل مسلماً كفر وخرج من الملة؟
لا، فاللهُ تَعَالَى قَالَ: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا))[الحجرات:9] فكون الإِنسَان قَتَلَ أو قَاتَلَ مؤمناً، لا يعني أنه قد خرج من الملة، لكن هذا الذنب عظيم لأن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماه كفراً، إذاً عندنا الكفر الحقيقي وعندنا ما سمي كفر هو أعظم من ما لم يسمَّى كفر، وهكذا فإذا قلت: إنَّ السبَّ مجرد فسق، فقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {سباب المسلم فسوق} فإذا آذيته فهذا فسق؛ لكنك إذا قاتلته أو قتَلْتَهُ فهذا كفر كما سماه الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لذلك فهو جريمة أكبر وأشنع مما سبق، وهذا فعل الكفار، فلا يقتل الْمُسْلِمِينَ إلا الكفار -وإن كنا لا نخرجه من الملة- فهو إن قتلهم قال: أنا مسلم، وكفى بالله زَاجِرَاً لِمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ ورَسُولِهِ واليَومِ الآخِرِ.
فلو قال قائل قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة} هل هو مثل القتل، أم لا؟
الجواب: لا، وهو من ناحيتين:
أولاً: أن ترك الصلاة قد دلت الأدلة وأجمع الصحابة -ولا يعتد بخلاف من خالف بعد إجماع الصحابة- عَلَى أن تارك الصلاة كافراً كفراً يخرج من الملة.
والشيء الثاني: -كما في نفس اللفظ- فرق بين قوله: {قتاله كفر}، وقوله: {بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة} الكفر المعرف هذا غير قوله: {قتاله كفر}
.
ولهذا يجب أن نفهم ألفاظ ديننا فبعض النَّاس يخلط بين هذا وذاك، تجده لا يفقه نصوص الوعيد، ولا يفقه كلام العلماء، فإذا قال العلماء: هذا الفعل شرك، قَالَ: أنت تحكم عَلَى هَؤُلاءِ بأنهم مشركون، وفرق بين قوله: (هذا الفعل شرك) وبين قوله: (هَؤُلاءِ مُشْرِكُونَ)، فلهذا لا مجال للغلو فيه كما فعلت الخوارج حين جعلوا مجرد ارتكاب المعصية كفراً، وهذا لا يجوز لأنه من المروق في الدين والغلو فيه، ولا مجال أيضاً للاستهانة بالأوامر، وبما حرم اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وارتكاب حدود الله بحجة أن هذه لا تخرج من الملة؛ بل يجب أن نعرف حقيقة وعيد الشارع وألفاظ الشرع ونتقيد بها، وتظهر مقتضياتها في حياتنا, هذا الوجه الأول.
الوجه الثانية: اعتقاد ذلك الذي يقول "بحق نبيك أو بحق فلان" أنَّ لأحدٍ عَلَى الله حقاً، يقتضي أن يدعوه وأن يسأله به، فجعل ذلك الحق من الوجوب والتأكيد كما لو كَانَ من أسماء اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وسيبدأ المُصنِّف بالموضوع من أوله وسيأتي بتفصيل كلام العلماء في كلمة "الحق" وما تحتمله من معاني.