قوله: [فيخرج منها أقواماً لم يعلموا خيراً قط] معنى وذلك: أنهم عملوا حسنات ولكن أكلتها السيئات، حتى لا يأتي أحد فَيَقُولُ: تارك الصلاة يدخل في الشَّفَاعَة ولم يعمل خيراً قط، فالقضية ليست هكذا، لأن في رواية البُخَارِيّ: {الشفعاء يعرفون المشفوع لهم بآثار السجود}كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كل ابن آدم تأكله النَّار إلا أثر السجود}.
فقد يأتي أناس ولا يرون فيه العلامة، وهو ليس بتارك للصلاة، لكن صلّى صلاة وجودها كعدمها، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما قال للمسيء صلاته: {ارجع فصل فإنك لم تصلِ}، فهذا ليس من أهل الصلاة في الحقيقة، ولأنه لا يُرى لها أثراً في نفس الوقت، وهو ليس تاركاً للصلاة؛ لأنه أدى شيئاً وليس مثل الذي لم يؤدِها بالكلية، والله تَعَالَى لا يظلم أحداً شيئاً كما قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا))[النساء:40].
ومثل هذه الحالة، حال الذين في آخر الزمان إذا اندرس الإسلام، فلم يبق إلا اسمه ولم يبق من الدين إلا رسمه، فيأتي القوم الذين لا يدرون ما صلاة، ولا صيام ولا نسك، ولكن يقول الرجل منهم أو المرأة: أدركنا آباءنا يقولون: لا إله إلا الله فنحن نقولها -فهذا الزمان زمان شر- فهو لم يسمع إلا هذه الكلمة ففالها، أفيظلمهم الله عز وجل ويجعلهم مع الذين لم يقولوها؟! ((إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)).
ومثل هَؤُلاءِ: الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين وكمّل المائة بالعابد، فلما اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط -وهو كذلك لم يعمل؛ لكنه نوى أن يعمل الخير- فتقول ملائكة الرحمة: إنه جَاءَ تائباً مقبلاً عَلَى الله عز وجل، فكلمة: [لم يعمل خيراً قط] لانفهمها عَلَى أنه لم يعمل أي حسنة بإطلاق، وكان تاركاً للصلاة عَلَى علم، والقرآن موجود والمساجد يؤذَّن فيها، وهو لا يصلي ولا يقرأ القرآن، وهذا حتى لا يفهم بعض النَّاس أن ذلك يعارض ما ورد في تكفير تارك الصلاة.