ثُمَّ يقول: {فَأَحْمدُهُ بِتَلْكَ المَحَامِدِ وأَخِرُّ له ساجداً، فيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ، ارفَعْ رَأَسْكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ واشفَعْ تُشْفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فيُقَالُ: انطلِقْ فَأَخرِجْ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرةٍ مِنْ إيمانٍ، فَأنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ} هَؤُلاءِ أصحاب الصنف الأول، وهذا بعد أن يدخل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أهلُ النَّارِ النارَ ويَدخلُ مَعَ أهلِ النَّارِ العصاة من الموحدين.
فيقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {انطلِقْ فَأَخرِجْ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرةٍ مِنْ إيمانٍ، فَأنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ} أي: ما كَانَ فوق مثقال الشعيرة هذا أولى أن يخرج، فهذا هو الحد الأدنى، {فَأنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمدُهُ بِتَلْكَ المَحَامِدِ} يعود فيحمد ربه، هذه المرة الثانية {ثُمَّ أَخِرُّ له ساجداً، فيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ، ارفَعْ رَأَسْكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ واشفَعْ تُشْفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي}، هذا دليل شفقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورحمته بأمته وهذه هي التي ادخرها واختبأها كما ورد ذلك في حديث حسن له طرق أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لكل نبي دعوة مستجابة}.
قَالَ: {فَأنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمدُهُ بِتَلْكَ المَحَامِدِ}، وهو لا يزال يأمل من ربه الخير والكرم وهو أعلم وأعرف النَّاس بربه -عز وجل- وبكرمه وبسعة رحمته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- .
فيعود للمرة الثالثة فَيَقُولُ: {ثُمَّ أَخِرُّ له ساجداً، فيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ، ارفَعْ رَأَسْكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ واشفَعْ تُشْفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فيُقَالُ: مِثْقَالُ أدنى أدنى أدنى مِثْقَالِ حَبَّة خَرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنْ النَّارِ، فَأنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ}، وفي رواية أخرى أيضاً في الصحيح {أدنى أدنى مثقال حبة من خردل، فأنطلق فأفعل} فيخرجهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكون قد فعل ذلك ثلاث مرات.
فهنا توقف أنس في حديثه لـمعبد وزملائه
.
{قال معبد: فلما خرجنا من عند أنس قلتُ لبعض أصحابنا: لو مررنا بـالحسن وهو متوارٍ في منزل أبي خليفة } أي: متوارٍ من أصل الفتنة التي كانت في أيام الحجاج وكان يقبض عَلَى العلماء ويعذبهم ويقتلهم كما قتل سعيد بن جبير وغيره.
فقَالَ: {لو مررنا عليه} كَانَ في قلب ثابت شيء لم يفصح عنه أمام إخوانه قَالَ: {فحدثناه بما حدثنا به أنس بن مالك فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا فقلنا له: يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك فلم نر مثلما حدثنا في الشَّفَاعَة، فقَالَ: هيه} أي: هاتوا وأعطوني {فحدثناه بالحديث فانتهى إِلَى هذا الموضع} إِلَى الثلاث الشفاعات التي انتهى إليها الحديث، {فقَالَ: هيه} أي: وماذا بعد ذلك، قالوا: {فقلنا: لم يزد لنا عَلَى هذا قَالَ: لقد حدثني وهو جميع، أي: وهو شاب منذ عشرين سنه، فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا} وهذا من الأدب فلم يقل هذا غلط، وإنما قَالَ: {فلا أدري أنسي} وهذا يمكن أن يقع من البشر حتى من الصحابة الكرام.

{فقلنا: يا أبا سعيد فحدثنا، فضحك} من هذه العجلة ومن هذه السرعة في الطلب {وقَالَ: خلق الإِنسَان عجولاً} وهذا هو حال الإِنسَان، قَالَ: {ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم به} أي: القدر الأول الذي رويتموه عنه في الثلاث الشفاعات الأولى حدثني إياه كما نقلتم.
قَالَ: {ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ} أي: يعود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المرة الرابعة إِلَى ربه عز وجل {فَأَحْمدُهُ بِتَلْكَ المَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ له ساجداً، فيُقَالُ:: يا مُحَمَّدُ، ارفَعْ رَأَسْكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَه واشفَعْ تُشْفَّعْ، فأقول: يَارَبِّ ائْذَنْ لي فيمَنْ قَالَ: لا إله إلا اللهُ، فَيَقُولُ: وَعِزّتي وَجَلالي وَكِبْريائي وَعَظَمَتي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ:: لا إله إلا الله} وهذا يدل عَلَى عظمة وأهمية فضل التوحيد، فيأذن له الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيخرج جميع الموحدين الذين شهدوا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالوحدانية ولنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة.