قوله: {فإنه رُوحُ الله وكَلِمَتُهُ} إضافة الروح إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هنا لأنها متفردة ومتميزة عن غيرها، والإضافة إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى نوعين:
إما أن يُضاف إِلَى الله تَعَالَى معنىً من المعاني.
وإما أن يُضاف إليه ذوات وأعيان، فإذا أضيف إِلَى الله تَعَالَى معاني، مثل: "علم الله، وعزة الله، وحكمة الله، ورحمة الله" فهذه المعاني لا تقوم بذاتها وليست أعياناً وذواتاً مستقلة، فإذا أضيفت إِلَى الله تعالى، فإنها تكون صفاتاً لله عَزَّ وَجَلَّ.

فإذا أضفنا إِلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذوات وأعيان مخلوقة، فإنها تكون عَلَى نوعين: نوع منها خاص، ونوع آخر عام يشترك فيه كل من أضيف إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فمثال العام: السماء والجبال والأرض تكون سماء الله، وأرض الله، وجبل الله وغيرها كثير؛ لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو الذي خلقها.
وأما إذا أضيف إِلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى الذات أو العين بالمعنى الخاص، مثل الناقة: إذا لقيتُ أنا ناقةً في الصحراء قلتُ: هذه ناقة الله. هذا المعنى العام ناقة الله، بمعنى: مخلوقه، خلقها الله، لكن ((نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا)) التي قالها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى لسان نبيه صالح هذه ناقة خاصة، لأن فيه اختصاص، وروح كل إنسان يُقال لها: روح الله، أي: المخلوقة لله، لكن عيسى عَلَيْهِ السَّلام روح الله فيه اختصاص.
ووجه الاختصاص: أن عيسى خلق من أم بلا أب فهذه ميزة يختلف بها عن جميع الأرواح، حيث أوكل بها الروح الأمين فنفخها إِلَى الموضع الذي يخلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيه الأجنة، ثُمَّ وضعته أمه مريم عليها السلام. وقوله: {وكَلِمَتُهُ}: أي أنه وجد بكلمة "كن"، وهذه أيضاً فيها اختصاص؛ لأن عيسى كَانَ بهذه الكلمة من غير أبٍّ، كما قال تعالى:
((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) [آل عمران:59]
وقوله: {فَيَأْتُونَ عيسى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، ولَكِنْ عَلَيْكُم بمحمد.
فَيَأْتُونِي فأقول: أَنَا لَهَا، فَأَستأذِنُ عَلَى ربِّي، فَيُؤذَن لِي، ويُلهِمُني مَحَامِد أَحْمَدُهُ بها لا تَحْضُرُنِي الآنَ
}، فالإِنسَان إذا أخلص وتضرع إِلَى الله وأثنى عليه، فإن ذلك أرجى بقبول الدعاء.