المادة كاملة    
إن النقولات عن السلف الصالح في مسائل العقيدة غاية في الأهمية؛ لأنها الفيصل في فهم كثير من آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كانت الآيات والأحاديث هي الأدلة، فإن أقوال الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة ومن سار على نهجهم تشكل منهجية الفهم لتلك الأدلة، والسلف الصالح من الصحابة والتابعين هم أعلم الناس بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الله تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا).
  1. الاستدلال بكلام السلف في إثبات العلو

     المرفق    
    ثم انتقل المصنف رحمه الله إلى الحديث عن الاستدلال بكلام السلف فقال رحمه الله:
    [وكلام السلف في إثبات صفة العلو كثير جداً؛ فمنه ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه (الفاروق) بسنده إلى أبي مطيع البلخي: أنه سأل أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فقال: قد كفر، لأن الله يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5] وعرشه فوق سبع سماوات، قلت: فإن قال: إنه على العرش، ولكن يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض، قال: هو كافر، لأنه أنكر أنه في السماء، فمن أنكر أنه في السماء، فقد كفر. وزاد غيره: لأن الله في أعلى عليين، وهو يدعى من أعلى، لا من أسفل. انتهى.
    ولا يلتفت إلى من أنكر ذلك ممن ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة، فقد انتسب إليه طوائف معتزلة وغيرهم، مخالفون له في كثير من اعتقاداته، وقد ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد من يخالفهم في بعض اعتقاداتهم. وقصة أبي يوسف في استتابته لـبشر المريسي لما أنكر أن يكون الله فوق العرش مشهورة. رواها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره].
    1. أسباب الاستدلال بكلام السلف

      إن لهذا الاستدلال بكلام السلف أسباباً:
      السبب الأول: أن الكتاب والسنة إنما نقلا عن طريق السلف الصالح .
      السبب الثاني: أن علماءنا وسلفنا الصالح هم أعلم الناس بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فما فهموه فهو الفهم الحق، وما فهمه من بعدهم وخالفهم فيه فهو الباطل، فكل شيء أجمعوا عليه فهو الحق، ومن خالفهم ممن أتى بعدهم فهو مبتدع.
      السبب الثالث: أن أهل البدع ينتحلون اسم أهل السنة ويدعون الانتماء إلى علماء السلف، فلذلك كان من الضروري أو من المستحسن -على الأقل- أن يذكر كلام السلف الصالح، الذي يبطل دعاوى أهل البدع المدعين للانتماء إليهم، فمن هنا ذكر رحمه الله تعالى كلام هؤلاء الأئمة.
    2. كثرة كلام السلف في إثبات العلو

      قال المصنف رحمه الله: [وكلام السلف في إثبات صفة العلو كثير جداً] وهو -كما قال- كثير جداً لا يكاد يحصى، وحسبكم كتاب العلو للحافظ الذهبي رحمه الله، وشيخنا العلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله اختصره وعلق عليه وحققه، وقد نقل فيه الذهبي كلاماً كثيراً جداً عن الصحابة وعن التابعين، وعن الأئمة الأربعة، وعن علماء الحديث والسنة ونقل عن الطبقات المتأخرة ممن يعتد بهم، ويؤخذ بكلامهم، ويقتدى بهم من أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم، وكذلك كل الكتب التي ألفت في السنة، فإن بعض العلماء ممن ألّفوا في العقيدة يسمون كتبهم: السنة، فتجد فيها كلاماً كثيراً ونقولاً زاخرة عن السلف الصالح في إثبات صفات الله تعالى، ومنها على الأخص: علو الله تبارك وتعالى على خلقه.
  2. الإمام الهروي ماله وما عليه

     المرفق    
    ابتدأ المصنف رحمه الله بكلام الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى؛ لأن صاحب المتن الإمام أبا جعفر الطحاوي حنفي، والمصنف ابن أبي العز هو أيضاً حنفي، وأكثر مذهب ظهرت فيه البدع هو مذهب الحنفية، فـالمعتزلة أكثر ما ينتسبون إليه، وكذلك الماتريدية الذين هم أقرب إلى الاعتزال ينتسبون إليه، بل لا تكاد ترى حنفياً إلا وهو ماتريدي، ومن النادر أن يكون غير ذلك، فبدأ بذكر أبي حنيفة لأجل ذلك.
    قال: "وكلام السلف في إثبات صفة العلو كثير جداً؛ فمنه ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق ".
    1. عقيدة الإمام الهروي

      وأبو إسماعيل الأنصاري هو الهروي صاحب كتاب: منازل السائرين الذي شرحه ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين، وأبو إسماعيل الأنصاري عليه مآخذ خصوصاً في كتابه منازل السائرين والذي عليه المآخذ.
      لكنه في الأسماء والصفات على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد جاهد عليه وأوذي فيه، وإذا نظرتم إلى ص(278) من كتاب مختصر العلو فسوف تجدون أن الحافظ الذهبي رحمه الله ذكر شيخ الإسلام الأنصاري الهروي ضمن العلماء الذين يحتج بكلامهم وأثبتوا العلو، وعلق عليه الشيخ الألباني رحمه الله، تحت رقم (158) من الأئمة الذين عددهم؛ قال الذهبي : (شيخ الإسلام الأنصاري .. قال الإمام الكبير أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي صاحب كتاب ذم الكلام وأهله " .
      وهذا الكتاب من أشهر كتبه، وهذا الكتاب نقل منه شيخ الإسلام رحمه الله قطعة كبيرة في رسالته التسعينية، التي هي عبارة عن كتاب يتضمن تسعين وجهاً في نقض مذهب الأشاعرة، وخاصة في مسألة الكلام والقرآن.
      وللهروي أيضاً كتاب مهم، وهو كتاب الفاروق في صفات الله سبحانه وتعالى، وهو الذي ذكره الشيخ المصنف هنا.
      قال الذهبي : "قال الإمام الكبير أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي -صاحب كتاب ذم الكلام وأهله وكتاب منازل السائرين في التصوف- في كتاب الصفات له: (باب استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائناً من خلقه من الكتاب والسنة) فساق حججه من الآيات والحديث إلى أن قال: وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه وهو ينظر كيف تعملون، وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان".
    2. مآخذ العلماء على كتاب منازل السائرين للهروي

      ثم قال الذهبي رحمه الله في التعريف بالإمام الهروي صاحب الفاروق الذي سينقل لنا النص عن أبي حنيفة قال: "كان أبو إسماعيل آية في التفسير، رأساً في التذكير، عالماً بالحديث وطرقه، بصيراً باللغة، صاحب أحوال ومقامات في التصوف، فياليته ما ألف كتاب المنازل " نعم، ليته ما ألف كتاب منازل السائرين ..!
      وليته إذ ألفه حذف ما فيه من مخالفات..!
      فلو أبقى فيه ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الصبر والتوكل واليقين، وأبقى فيه أيضاً كلام السلف مجرداً من مسألة المقامات والأحوال وما فيه من الطوام أحياناً لكان أفضل؛ يقول الذهبي : " ففيه أشياء منافية للسلف وشمائلهم ".
      ثم يقول الذهبي رحمه الله بإنصاف علماء من أهل السنة كعادتهم: "قيل: إنه عقد على تفسير: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى))[الأنبياء:101] ثلاثمائة وستين مجلساً" أي: سنة كاملة في بيان هذه الآية وشرحها وشرح ما تتضمنه وما تدل عليه، يقول الذهبي: "وقد هدد بالقتل مرات ليقصر من مبالغته في إثبات الصفات" لأنه كان في ظل دويلات منحرفة، وكان أهل البدع متمكنين فيها، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه ما كان يعرض عليه أن يرجع ويسجن فحسب، بل كان يعرض عليه السيف ليسكت عن كلامه في إثبات الصفات، ومع ذلك فإنه يأبى إلا أن يثبت صفات الله سبحانه وتعالى، فالانحراف إنما دخل عليه من باب ما يسمى السلوك، لا من باب الصفات.
      قال الذهبي : "وقد هدد بالقتل مرات ليقصر من مبالغته في إثبات الصفات، وليكف عن مخالفيه من علماء الكلام، فلم يرعو لتهديدهم ولا خاف من وعيدهم"؛ لأن الإمام الهروي -رحمه الله وغفر الله لنا وله- كانت له منزلة كبيرة عند الخاصة والعامة، ويعلق الشيخ الألباني على قول الذهبي رحمه الله: "ففيه أشياء منافية للسلف.." يقول الألباني : "قلت: تجد أمثلة من ذلك في كتب ابن تيمية رحمه الله، ومنها رسالته في القضاء والقدر.
      قال المؤلف في التذكرة (3/ 355): ورأيت أهل الاتحاد... " والشيخ الألباني يقول: يعني الصوفية القائلين بوحدة الوجود، والعبارة الأدق: الصوفية القائلين بالاتحاد كما قال الذهبي ؛ لأن هناك صوفية تقول بالاتحاد، وصوفية تقول بوحدة الوجود، وقد أوضحنا الفرق فيما سبق.
      فالقائلون بوحدة الوجود يقولون: إن الله تعالى هو عين الموجودات، مثل ما قال ابن عربي في قوله تعالى: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] قال: وما (العرش) وما (استوى) وما ثم إلا هو؟!!
      وهذه العقيدة قد يذكرها بعض من يعتنقها بعبارة خبيثة؛ يقولون: لا موجود إلا الله..
      أما الاتحاديون فإنهم يثبتون ذاتين، ذاتاً للخالق وذاتاً للمخلوق، لكن الذاتين تتحدان، وهذا دين الهندوس.
      يقول الذهبي : "ورأيت أهل الاتحاد يعظمون كلامه في منازل السائرين، ويدَّعون أنه موافقهم، ذائق لوجدهم، ورامز لتصوفهم الفلسفي، وأنى يكون ذلك وهو من دعاة السنة، وعصبته آثار السلف؟! ولا ريب أن في منازل السائرين أشياء من محض المحو والفناء.. إلخ ".
      والمقصود: أن الكتاب عليه مآخذ، ومن أعظم المآخذ على كتاب منازل السائرين الأبيات التي أوردها:
      ما وحد الواحد من واحد            إذ كل من وحده جاحد
      توحيد من ينطق عن نعته            عارية أبطلها الواحد
      توحيده إياه توحيده            ونعت من ينعته لاحد
      وهذه الأبيات من أشنع الأمور التي ذكرها، وقد علق عليها الإمام ابن القيم رحمه الله تعليقاً جيداً، وإن كان في بعض المواضع لم يكن تعليقه بالقوة التي تنبغي، فرضي الله عنهما و غفر لهما.
  3. كلام أبي حنيفة في مسألة العلو

     المرفق    
    قال المصنف ابن أبي العز رحمه الله: [فمن ذلك ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق بسنده إلى أبي مطيع البلخي] اسمه: الحكم، وكنيته: أبو مطيع، وكان من أشهر أصحاب أبي حنيفة .
    أقول: ومع أن منزلة أبي مطيع من الرواية غير مرضية، وروايته للكتاب ليس لها قيمة علمية، ولا تكفي في نسبة الكتاب للإمام أبي حنيفة ؛ لأن أبا مطيع متهم في الرواية؛ لكننا -كما سبق أن قلنا- نستفيد من كتاب الفقه الأكبر مما هو موافق لعقيدة السلف في الرد على الحنفية الذين انحرفوا؛ لأنهم يزعمون أن أبا مطيع شيخ فاضل من أئمتهم، لذلك فإننا نلزمهم بما ينسبه إلى أبي حنيفة مما يوافق الحق.
    1. تكفير أبي حنيفة للشاك في علو الله على عرشه

      قال المصنف: [فمن ذلك ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتاب الفاروق بسند إلى أبي مطيع أنه سأل أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فقال: قد كفر] وليس المقصود البدوي الجاهل الذي لا يعرف شيئاً من الدين، وإنما المقصود به من يقول: قرأت القرآن ووجدت آيات الاستواء، وسمعت كلام المتكلمين، فوجدت ما ينقض ذلك فاحترت، فأصبحت لا أدري آلله فوق العرش أو غير ذلك، فهذا هو المقصود بكلام أبي حنيفة؛ فهو يقصد الشخص المتحير المتشكك بين ما جاء عن الله، وبين ما جاء عن أهل الكلام وما قاله أرسطو وأفلاطون وأمثالهم.
      مثلما يقول بعض الناس اليوم: دعوا الخلافات، استوى أو لم يستوِ، دعونا نعمل للدعوة ونشتغل بالعمل الإسلامي، ولا تلفتوا لمثل هذه الخلافات..!
      فقال أبو حنيفة رحمه الله: "قد كفر؛ لأن الله يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5]".
      فلا كلام لأحد مع كلام الله، فكل من جاء بشيء يعارض كلام الله عز وجل فهو مردود.
      ومن هنا نفهم أن المتحير المتشكك الذي يعارض كلام الله بكلام غيره -كائناً من كان- مخطئ ضال مجانب للصواب وقد يكون كافراً.
      قال: "لأن الله يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] وعرشه فوق سبع سماوات. قلت: فإن قال: إنه على العرش لكن يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض، قال: هو كافر أيضاً؛ لأنه أنكر أنه في السماء، ومن أنكر أنه في السماء فقد كفر، وزاد غيره: لأن الله في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل".
      استدل أبو حنيفة بدليل الفطرة وهو: أن القلوب تتجه إلى الله حال الدعاء عند الناس جميعاً -العالم والجاهل والصغير والكبير- كل من يتوجه إلى الله تعالى بقلبه ليدعوه يتجه إلى الأعلى، فهذا دليل الفطرة المغروسة في النفس.
      قال الإمام الذهبي رحمه الله: "وبلغنا عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي صاحب الفقه الأكبر قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فقال: قد كفر؛ لأن الله تعالى يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] وعرشه فوق سمواته. فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال: لا يدري العرش في السماء أو في الأرض، قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. رواها صاحب الفاروق".
    2. أقوال العلماء في أبي مطيع البلخي

      قال الشيخ الألباني رحمه الله: "قلت أبو مطيع هذا من كبار أصحاب أبي حنيفة وفقهائهم قال الذهبي في الميزان : كان بصيراً بالرأي علامة كبير الشأن، ولكنه واهٍ في ضبط الأثر -وهذه أدنى درجات الضعف- وكان ابن المبارك يعظمه ويجله لدينه وعلمه. قال ابن معين : ليس بشيء".
    3. كتاب الفقة الأكبر ونسبته إلى أبي حنيفة

      يقول الشيخ ناصر : "قلت: وفي قول المؤلف -يعني: الذهبي - صاحب الفقه الأكبر . إشارة قوية إلى أن كتاب الفقه الأكبر ليس للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، خلافاً لما هو المشهور عند الحنفية، وقد طبع عدة طبعات منسوباً إليه ومشروحاً من غير واحد من الحنفية، منهم أبو منصور الماتريدي الذي ينتمي إليه أكثر الحنفية في العقيدة، وجمهورهم فيها من المؤولة؛ فترى أبا منصور هذا قد تأول قول أبي حنيفة المذكور في الفقه الأكبر تأويلاً يعود إلى إفساد كلام أبي حنيفة وإخراجه عن جماعة السلف في عدم التأويل، فقال في تأويل قوله رحمه الله: (فقد كفر) قال: (لأنه بهذا القول يوهم أن يكون له مكان فكان مشركاً).
      فأهل البدع كما أنهم يؤولون كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فكذلك هم مع كلام أئمتهم الذين يعظمونهم في الفقه وفي الرأي، ويعظمون كلامهم في ذلك، وإن كان خلاف النص الصريح، لكنهم حين عرفوا كلامهم في العقيدة لم يأخذوه ولم يعظموه بل أولوه، وقد أول الماتريدي كلام أبي حنيفة ؛ فقد سأل أبو مطيع البلخي أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فقال أبو حنيفة : قد كفر. فقال أبو منصور الماتريدي: لأنه بهذا القول يوهم أن يكون له مكان، ومن اعتقد أن لله مكاناً كان مشركاً! مع أن أبا حنيفة قال: قد كفر؛ لأن الله يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5].
      يقول الشيخ الألباني رحمه الله: "ولم يلتفت إلى تتمة كلامه المبطل لتأويله وهو قوله رحمه الله: لأن الله تعالى يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] قلت: فهذا صريح في أن علة كفره إنما هو إنكاره لما دلت عليه هذه الآية صراحة من استعلائه سبحانه على عرشه، لا أنه يوهم أن له مكاناً، سبحانه وتعالى عن ذلك".
    4. عقيدة أصحاب أبي حنيفة الأوائل

      يقول الشيخ الألباني : "قال شارح الطحاوية بعد أن ذكر رواية أبي مطيع البلخي : "ولا يلتفت إلى من أنكر ذلك ممن ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة، فقد انتسب إليه طوائف: معتزلة وغيرهم، مخالفون له في كثير من اعتقاداته، وقد ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد من يخالفهم في بعض اعتقاداتهم، وقصة أبي يوسف في استتابة بشر المريسي لما أنكر أن يكون الله عز وجل فوق العرش مشهورة، رواها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره".
      ثم يقول الشيخ الألباني : " وفيها دلالة على أن أصحاب أبي حنيفة الأول كانوا مع السلف في الإيمان بعلوه تعالى على خلقه، وذلك مما يعطي بعض القوة لهذه الروايات المروية عن الإمام أبي حنيفة، ومن ذلك تصريح الإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي في عقيدته بأن الله تعالى مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شيء وفوقه" وهذه الجملة هي الفقرة التي نحن بصدد شرحها والحمد لله.
  4. كلام ابن المبارك في إثبات العلو

     المرفق    
    وهناك أئمة لهم كلام في العلو غير أبي حنيفة، من ذلك كلام الإمام المحدث العلامة المجاهد عبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه.
    قال الإمام الذهبي رحمه الله: "صح عن علي بن حسن بن شقيق قال: قلت لـعبد الله بن المبارك: كيف نعرف ربنا عز وجل؟ قال: في السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه هاهنا في الأرض".
    ومما يمتاز به كتاب مختصر العلو أن شواهده منقولة عمن يحتج بهم، ففيه أقوال عن الأئمة الأربعة وأئمة الحديث وأئمة اللغة، فلم يبق إلا أن يختار الإنسان؛ إما سفينة نوح وهي السنة التي تعصم من الغرق ومن الضلال بإذن الله عز وجل، فيكون مع المؤمنين -وهذا كلام الصحابة والتابعين وعلماء السلف- وإما أن يكون من المغرقين والهالكين.
    يقول المصنف رحمه الله: [ولا يلتفت إلى من أنكر ذلك -يعني: العلو- ممن ينتسب إلى أبي حنيفة، فقد انتسب إليه طوائف: معتزلة وغيرهم، مخالفون له في كثير من اعتقاداته، وقد ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد من يخالفهم في بعض اعتقاداتهم] ومن أعجب العجب أن المؤلفين المتأخرين حين يعرف أحدهم بنفسه أو يعرف به غيره يقولون: من تأليف الإمام العلامة فلان بن فلان المالكي مذهباً، الأشعري عقيدة، القادري طريقة! وأغرب من هذا ما قيل في الطوفي:
    حنبلي رافضي أشعـري            ولعمري تلك إحدى الكبر
    وهذا البيت قيل في الطوفي، وكان من أعجب الناس، له كتاب في الأصول، وكان حنبلياً في الفقه، وأشعرياً في الصفات، ورافضياً في باقي العقيدة؛ خليط عجيب!
    ونجد الحنفي يقول: الحنفي مذهباً، والماتريدي عقيدة، والنقشبندي طريقة.. مع أن الأئمة رضوان الله عليهم ما دعوا إلا إلى الكتاب والسنة، ولولا ذلك ما كانوا أئمة.