ثُمَّ يقول: [فاسمع هذا ممن خبر الكلام ثُمَّ قاله بعد حقيقة الخبرة، وبعد التغلغل فيه إِلَى منتهى درجة المتكلمين] وهذه حقيقة تنطبق عليه، فالرجل قد خبر هذا العلم، وبلغ منه مبلغاً عظيماً، ووصل فيه إِلَى الرتبة العليا في علم الكلام، والجدل.
ومع ذلك يقول: اسمع هذا الكلام، وانظر ما أقوله لك عن مضار هذا العلم، وعلى ما فيه من تناقض، لأن من المشكلات العويصة في فكر أبي حامد الغزالي، التناقض والاضطراب، فمن يقرأ في أي كتاب من كتب الغزالي يجد أنه متناقض، فأحياناً يتناقض بعد صفحة أو صفحتين، فضلاً عن الكتاب أو الكتابين، وسبب التناقض سنعرفه عندما نتعرض لحياة أبي حامد الغزالي وكيف عاش؟ فإننا نجد في معرفة حياته أهمية نأخذ منها العبرة، ولو أن كل مسلم، وكل عالم، وكل داعية تأمل في حياة الغزالي، وسيرته، وما تقلب فيه من الأفكار، لأخذ العبرة والعظة، ولبدأ من حيث انتهى. فالرجل ذو العقل الضخم، والفكر الواسع، والمؤلفات الكبيرة، لماذا نجرب نفس التجربة؟ لماذا لا نبدأ من حيث انتهى؟
أبو حامد الغزالي: رحل من بلاد العجم، من بلاد دوس شرق إيران، ولد سنة (450) للهجرة فأول ما برع في الفقه وبلغ فيه منزلة عالية، حيث كَانَ هناك العلماء والفقهاء من الشافعية حتى أصبح فقيها من فقهاء الشافعية يتكلم ويفتي ويعلق وهو لا يزال في مقتبل العمر.